أصنعي شيئا لدينك

غادرت السعودية مع والدي الحبيب الى امريكا في رحلة علاجية .واستأجرنا شقة بجوار المستشفى ...حيث تعرفت على الجارة وهي امراة في العقد الثالث من عمرها ولها ابنة في مقتبل العمر . كنت اقضي الفترة المسائية عندها بشكل شبه يومي ... المثير في الأمر ان هاتفي النقال لم يتوقف ابدا عن الرنين ...اتصالات كثيرة بمعدل اربع الى خمس مكالمات يوميا من اخواتي الثلاث واخواني الأربع بالإضافة الى الأهل ورسائل الصديقات في المدرسة وكلها للإطمئنان على حالة والدي الصحية وعلى ايضا
اما امي الحبيبة فكنت انا من يبادر بالاتصال عليها وكلما هاتفتها اختلطت كلماتنا بالدموع شوقا للقاء وحنينا للأيام الخوالي .وفي يوم من الأيام اتصلت عمتي وانا كالعادة عند جارتي واخذت توصيني بقراءة القران ولا سيما سورة الفاتحة وآية الكرسي والصلاة والدعاء .وعقب انتهاء المكالمة سألتني جارتي عن المكالمة فترجمتها لها وألحت على ان اقرأ عليها سورة الفاتحة واية الكرسي فتلوتها عليها بتأني ... والحقيقة اني صعقت عندما رأيت دموعها تتفجر من مآقيها فعجبت لأنها لا تفهم الآيات ولكنها تبكي عليها ...ثم قالت لي باكية : منذ اتيت انت الى هنا جعلتيني اشعر كم انا بائسة فأنت صغيرة في السن حافظت على عفافك بهذا الحجاب وتركت دراستك واصدقائك واهلك واتيت مع والدك لتقفي معه ولا تمر دقائق الا وتنهال عليك اتصالات تحمل في ثناياها الحب والشوق والحنين والرفق .. تختلط كلماتكم ببكائكم حبا وعطفا وشفقة الكل يحدثك لست وحيدة رغم كونك بعيدة
اما انا فلا اعلم اين ابي وامي هل هما احياء ام اموات ...ابنتي تعيش معي تحت سقف واحد لكنها دائما بعيدة كما ترين وابناي لم ارهما منذ سنتين وصديقي هجرني منذ فترة ... وانا الان وحيدة ومهما كان لدي من اصدقاء لا اعتقد انهم كانوا سيبادلونني هذا الحب الذي لمسته بينك وبين اهلك
صمتت لم استطع الرد عليها فقط هدأت من روعها وغادرت الى شقتي
وفي الصباح في المستشفي قصصت القصة على والدي فقال لي وماذا صنعت ..قلت في حيرة لاشيء ليس في يدي حيلة ان اغير حياتها فقال والدي وهو يرمقني في لوم : خطأ ...
اصنعي شيئا لدينك...ايام قلائل ونغادر المكان فاصنعي شيئا لدينك ...فقلت : ماذا أصنع ... قال: فكري في الأمر انت بدأت بطريق غير مباشر والآن حان وقت التفكير والتخطيط
عدت حائرة افكر وافكر الى ان اهتديت الى امر بسيط ...بحثت بين اغراضنا فوجدت شريطين قران بصوت الشيخ العفاسي والشاطري لسورة يس ولغيرها من السور حيث كنت اعشق هذه السورة الىجانب كتاب ( هذا الحبيب يامحب " واصبحت اجلس معها واسمها الايات واترجمها لها بطريقة مبسطة واحكي لها بعض القصص وكنت اجهل الكثير من المعاني فأسأل والدي ويجيب علي بما هو صحيح ويدعوا لي كثيرا ...احببت هذا العمل بشدة ....وكنت اقرألها من الكتاب واشرح لها الشمائل المحمدية وقد تفاجات اني انا نفسي سعدت واعجبت بسيرة الحبيب العطرة
وجاء موعد سفرنا وكان الوداع حارا وتبادلنا ارقام الهواتف والبريد الالكتروني
اخوتي مر على هذا الحدث 3 سنوات والان وقبل كتابة هذا الموضوع بيومين غادرت هذه الأخت الفاضلة بيتنا في مكة بعد ان جاءت لأداء فريضة العمرة
نعم لقد اعلنت اسلامها ...هي لم تعلن اسلامها في ذلك الحين بل اعلنته في الفترة التي تعرض فيها رسولنا الحبيب للسب والإهانه حيث قالت : لقد احببت شخصية هذا الإنسان وبدأت اقتدي به فلما تعرض للأهانة علمت ان صدق محبتي له لا تكون الا بصدق اتباعي له فأعلنت اسلامي لأثبت للعالم اني احب الله ورسوله ...هذه القصة باختصار
فوائد خرجت منها
1- ان ديننا عظيم ...دين يحقق السعادة والراحة الأبدية..فلماذا نطمع به على الآخرين لماذا لا ندعوا العالم لإعتناقة بالكلمة الطيبة ومكارم الأخلاق..لنصنع شيئا من اجله
2- احمد الله ان منحني ابوين ربياني واخوتي على حب الدين وحفظ كتابه وسنته وعلى حسن الخلق والترابط
3- رسولنا الحبيب قدوتنا وهادينا ومعلمنا الداعية الأول الذي هدانا لما نحن فيه الان من سعادة فلنصنع شيئا من اجله ...لنحي القلوب بسيرته واحياء سنته
أخيرا : رحمك الله يا والدي الحبيي وجعل مرضك كفارة وتطهيرا لك من الذنوب ...فقدتك في وقت كنت فيه في امس الحاجة اليك الى حنانك ... وكلماتك .. ودعواتك ...لكن كلماتك مازالت تضيء طريقي وتذلل الصعاب امامي ...وما تزال هذه الكلمات عالقة في ذهني ( اصنعي شيئا لدينك) فجزاك الله عني خيرا يا أغلى حبيب
اخيرا اعذروني على الاطاله ولقد ترددت كثيرا في كتابة هذه القصة خوفا من الرياء ولكن تشجيع الأهل لي دفعني لكتابتها لما فيها من الفوائد ولأن كلمات والدي تتردد على ( اصنعي شيئا لدينك)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته