- أبحاث حول «أفيون الخس» وفوائده الصحية
بما اننا في فصل الصيف فالخس هو افضل واخف الخضراوات لتناولها
أبحاث حول «أفيون الخس» وفوائده الصحية
جدال بدأه الفراعنة قبل آلاف السنين حول دوره في راحة الدماغ ورفع المزاج
تختلف أسباب حث الأطباء قديماً وحديثاً للناس على تناول الخس، إذْ، وبكل الثقة، يقول الباحثون الطبيون اليوم لنا: من أراد أن يجعل طبق السلطة أكثر فائدة لجسمه ولمزاجه، وليس فقط أكثر «قرمشة»، فعليه الاهتمام بإضافة الخس إليه، لأنه غني جداً بالعناصر الغذائية التي يفوق محتواه منها ما هو موجود في الخضار الأخرى المستخدمة عادة في إعداد السلطة.
- نظرات الأقدمين
- لكن نصائح الأطباء قديماً كانت لأسباب أخرى، إذْ قال أطباء الفراعنة في الأزمنة السحيقة أن على الناس تناول الخس لبلوغ راحة الدماغ وتنشيط قدرات الجنس وتخفيف الشعور بالألم. أما الرومان فكانوا يحثون على تناوله في آخر وجبة الطعام، كعامل مساعد على الاسترخاء والنوم . وتوافقوا في نظرتهم إلى الخس مع المصريين القدماء. واحتار حكماء اليونان القدماء ، كعادتهم في خلط الأمور بالفلسفة، في أي الأوقات أفضل لتناول الخس أثناء الوجبة الغذائية: أي هل الأفضل هو عند البدء بتناول الوجبة، أم حال الفراغ منها؟ ولذا تناقضت تصريحات بعض حكمائهم في ذلك. والسبب، وفق ما اعتقدوا، اختلاف تأثيرات تناوله على الذاكرة، إذْ قال غالين إن تناوله آخر الوجبة الغذائية يُساعد على الاسترخاء بعدها، ما يسمح للمرء بالتفكير السليم في اليوم التالي، في حين رأى، فيلسوف مدينة أفسس، ريفيس عكس ذلك، وقال إن الأفضل في أول الوجبة. لكن أياً كان الأمر، البيضة قبل الدجاجة أو العكس، فإن ثمة شيئاً كان واضحاً لليونانيين، حتى مع اختلاف كلامهم، وهو اعتقادهم أن لتناول الخس تأثيرات على الدماغ.
- عصارة بيضاء
- الملاحظ أن أصل تسمية الخس باللغة الإنجليزية lettuce ، مأخوذ من الكلمة اللاتينية القديمة lactis ، والتي تعني الحليب. وحليب الخس هو تلك المادة البيضاء التي تخرج من ساق الأنواع الطازجة جداً منه، وتحتوي على مواد ذات طعم مر، بدرجات متفاوتة. وهي التي يقول بعض الباحثين بأنها غنية بمواد شبيهة المفعول على الجسم بمادة المورفين المخدرة. وتُستخرج عصارة المادة الحليبية البيضاء، أو ما تُسمى علمياً بلبن الشجر latex، من عدة أنواع من الخس. ومن أجزاء جذع نبتة الخس تحديداً، وخصوصاً عند بدء ظهور الزهور فيها، أو من الزهور نفسها. والمؤكد أن تركيز وجودها في نبتة الخس يكون أعلى ما يُمكن في تلك المرحلة من عمر النبتة. ولآلاف السنين ظلت المصادر المعتادة للحصول على عصارة المادة الحليبية البيضاء للخس، هي الأنواع البرية وخاصة نوع فيروزا Lactuca virosa ، الذي هو أحد أشهر الأنواع البرية للخس wild lettuce. والواقع أنه لا تزال الأنواع البرية القديمة من الخس، منتشرة حتى اليوم في براري أوروبا والمناطق المعتدلة من آسيا. والمعتقد بأن موطنها الأصلي، وموطن الخس عموماً، هو المناطق المُطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط. هذا مع العلم بأن المادة البيضاء هذه موجودة بالفعل في كل أنواع الخس، سواء البرية أو التي تُزرع من آلاف السنين، مع ملاحظة تفاوت نسبة المواد تلك فيما بين عموم أنواع الخس، وذلك على قدر كمية تلك المادة البيضاء التي تظهر عند انتزاع الأوراق من جذع نبات الخس، وعلى قدر مرارة طعم أوراق الخس نفسها. ولذا فإن الدراسات العلمية وجدت أن نوع فيروزا ليس هو الأعلى في توفير تلك العصارات، بل ثمة أنواع أخرى من الخس، أغنى من فيروزا في توفيرها. ولعل البعض يستغرب لماذا كل هذا العناء العلمي، وفي القرن الماضي بالذات، للبحث عن أغنى مصادر عصارة الخس؟ والسبب قد لا يخطر على البال، لأنه لا علاقة له لا بالغذاء ولا بالدواء، بل في البحث عن مصدر نباتي بديل للحصول على المطاط، خاصة في تلك الأوقات التي واجه العالم شحاً في توفير مصادره، وخاصة إذا علمنا أن 70% من مكونات تلك العصارة هي من المواد النباتية المستخدمة في إنتاج المطاط. وبالرغم من كل هذا السعي العلمي، إلا أن الجهود باءت بالفشل في الاستفادة من الخس لإنتاج المطاط. وعاد الباحثون إلى البحث في المواد الكيميائية الأخرى الموجودة في عصارة الخس، واستخداماتها الطبية أو المزاجية.
- أفيون الخس
- وتُجمع المصادر العلمية على أن مادة لاكتيكاريم Lactucarium أو ما يُسمى بأفيون الخس Lettuce Opium، تُعتبر من المواد الأفيونية opiate - like substance الخفيفة القوة. وتتشابه في الرائحة والطعم والخصائص العامة الأخرى مع المواد الأفيونية. والذي لفت أنظار الباحثين هو أن قدماء المصريين واليونانيين والرومان عرفوا تلك التأثيرات العصبية للخس، كما تُشير الموسوعات العلمية الحديثة، واستخدموا خلاصته كأحد العقاقير المنومة أو المخففة للألم، واستمر اعتبارها إحدى المواد الطبية ذات التأثيرات الحقيقية على الجسم قروناً عديدة، في الحضارات المتعاقبة.
واعتبرت في بدايات الطب الحديث بالولايات المتحدة وأوروبا، مادة طبية، حيث قام أحد أطباء فيلادلفيا، الدكتور كوكس، في عام 1799 بإدخال تلك المادة إلى استخدامات الطب الأميركي في تلك الحقبة التاريخية، كمادة مخدرة ومخففة للألم. وأثناء القرن التاسع عشر أُجريت العديد من الأبحاث في بولندا عليه. ونظر الأطباء في تلك الفترة إليه كبديل للأفيون، لكنه أضعف قوة منه وأقل آثاراً جانبية. بل وصل الأمر إلى وصفه وتصنيفه بشكل رسمي عام 1898 بالولايات المتحدة وعام 1911 في بريطانيا، للاستخدام في حبوب المص لترطيب وتخفيف ألم الحلق، وفي أنواع شراب معالجة السعال، وكأدوية للنوم. لكن مع الوقت تلاشى اللجوء إليه بالرغم من ازدهار استخدامه لأكثر من قرن من الزمان. لأن الأمر غدا منذ عام 1940 إشكالية علمية، لم تجد لها حلاً حتى اليوم.
- أوراق الخس في السلطات.. قيمة غذائية عالية لا غنى عنها
- أكثر أنواع الخس شيوعاً وانتشاراً في العالم ومناطق البحر المتوسط على وجه الخصوص هو الخس الروماني، الذي يتميز بأوراق طويلة خضراء متفرعة عن جذع أبيض اللون.
وتزن الحصة الغذائية الواحدة من أوراق الخس الروماني حوالي 100 غرام، أو ما يملأ كوبين من قطع تلك الأوراق. وبالرغم من احتواء كمية حصة غذائية واحدة من أوراق الخس على 15 كالوري فقط، إلا أنها غنية جداً بالفيتامينات والمعادن، ما يجعل من تناولها كإضافة إلى أطباق السلطات أو كوجبة خفيفة أثناء مشاهدة البرامج التلفزيونية، سلوكاً صحياً حكيماً وذكياً. وقد لا يُصدق البعض أو يستغرب ما تقوله نشرات هيئات التغذية العالمية عن المكونات الصحية في الخس، إلا أن ذلك هو الحقيقة التي لا مبالغة فيها البتة. ومفاده أن تناول حصة غذائية من الخس يُؤمن للجسم حاجته اليومية من فيتامين «كيه» بنسبة 150%، ومن فيتامين «إيه» بنسبة 60%، ومن فيتامين «سي» بنسبة 45%، ومن فيتامين الفوليت بنسبة 40%. ومن المعادن، المغنسيوم بنسبة 45%. والكروم بنسبة 15%، والبوتاسيوم والموليبدنيوم والحديد، ومن فيتامين بي 1 (ثيامين) وفيتامين بي 2 (ريبوفلافين) ومن الألياف، كل ما نسبته بين 7 إلى 10%. ومن الفسفور ومن الكالسيوم ومن فيتامين بي 3 (نياسين) ومن فيتامين بي 6 (بايرودكسين) ومن تريبتوفان، نسبة ما بين 3 إلى 5%. ومن ناحية الطاقة للسكريات والبروتينات والدهون تحتوي الحصة الغذائية الواحدة من الخس على حوالي 3 غرامات من السكريات بشكل عام، أكثر من 70% منها على هيئة ألياف غذائية لا تُهضم ولا تُمتص، بل تعمل على تقليل امتصاص الأمعاء للكولسترول وللدهون من خلال طريقين: الأول التصاق الكولسترول والدهون بها، وبالتالي منع امتصاص الأمعاء لها، والثاني التصاق أملاح المرارة بها، ومنع نهاية الأمعاء الدقيقة من امتصاصها. وهو ما يعني بالإضافة إلى تقليل امتصاص الأمعاء للكولسترول وللدهون، العمل على إجبار الكبد تخليص الجسم من المزيد من الكولسترول المتجمع فيه عبر إنتاج أملاح المرارة من الكولسترول نفسه. كما تحتوي الحصة الغذائية من الخس على 1.2 غرام من البروتينات، وكمية الدهون فيها لا تتجاوز 0.3 غرام. وغالبها من دهون أوميغا 3، الشبيهة بتلك الدهون الموجودة في زيت السمك.
هذه القيمة الغذائية العالية والمركزة في مجموعات الفيتامينات والمعادن، مع شبه انعدام وجود السكريات والدهون المشبعة، يجعل من تناول حصة غذائية من أوراق الخس أشبه ما يكون بتناول كبسولة من الفيتامينات والمعادن.
والواقع أبعد من ذلك لمرضى القلب على وجه الخصوص، لأن تأمين تناول كل من فيتامين سي وفيتامين إيه يعمل على منع أكسدة الكولسترول. وهي أكسدة تُسهل، حال حصولها، في ترسيب الكولسترول على جدران الشرايين، وبالتالي نشوء التضيقات التي تعيق جريان الدم بسهولة من خلالها. وإذا ما أُضيف إلى ذلك دور الألياف في تقليل امتصاص الأمعاء للدهون والكولسترول، ودور المغنسيوم والبوتاسيوم في ارتخاء الشرايين وتخفيف الضغط فيها، ودور الفوليت في التخلص من مركب هوموسيستين الضار بالشرايين، فإن الفوائد القلبية للخس تظهر بصورة أوضح.
ومن ناحية فيتامين سي، فإن ثمة نظرة ذكية لتفضيل الحصول عليه من الخس بدلاً من البرتقال، خاصة من قبل من لا يُريدون زيادة وزنهم. لأن تناول برتقالة واحدة، كحصة غذائية واحدة، يُعطي الجسم حاجته من فيتامين سي بمقدار 110%. لكنها كمية من فيتامين سي مصحوبة بتناول 60 كالوري (سعر حراري). بينما تناول كمية من الخس التي تحتوي 60 كالوري، أي ما يُعادل 4 حصص غذائية من الخس، يُقدم للجسم حاجته اليومية من فيتامين سي بمقدار 180%!
دمتن بخير