- "لقد أيقظني صراخك يابني .. وخشيت أن تكون قد تعرضت للأذى"
- "لو كان هذا كابوسآ فقط .. فلماذا أشعر بهذا الألم الغريب في صدري؟!"
- * *
- "وبارك في أخويك أيضآ .. ياه .. كم اشتاق الى (حسام)"
- "ما الذي يجري هنا؟!"
- أجابه وهو يلتقط مفتاح سيارته ويندفع خارجآ:
الحلقة الثانية من
الغرفة رقم 8
للمؤلف: يحيى أحمد خان "لا"
انتفض جسده وهو يجلس من رقدته على الفراش .. العرق يغمر جسده .. وأنفاسه سريعه متلاحقه .. كان يعيش كابوسآ شنيعآ بالفعل ..
"ما أذا أصابك يا ولدي؟!"
هتفت بها والدته في قلق وهي تشعل ضوء الغرفه وتهرع اليه .. أغمض عينيه ليتجنب وهج الضوء المفاجيء .. وانتظر قليلآ حتى هدأت أنفاسه وهو في حضنها قبل أن يغمغم:
"لا تقلقي يا أمي .. مجرد كابوس"
"لقد أيقظني صراخك يابني .. وخشيت أن تكون قد تعرضت للأذى"
"الحمد لله .. انا بخير وأعتذر عن ازعاجك يا أمي .. عودي الى النوم من فضلك"
ساعدته في تجفيف وجهه، فمنحها ابتسامة مطمئنه قبل أن تقرأ عليه المعوذات وتعود الى غرفتها .. أما هو .. فقد ألقي رأسه فوق الوساده وعشرات الاسئله تتصارع في ذهنه مع العديد من المشاعر .. ما هذا الكابوس بالضبط؟ ، يكاد يقسم على أن ما واجهه لم يكن كابوسآ بل واقعآ من الرعب ! .. بدى له حقيقآ جدآ .. الوجه الانثوي محفور في ذاكرته وسيبقى كذلك للأبد .. من هي؟!.. ولماذا كانت تبحث عنه؟.. والأهم من كل ذلك .. ماالذي ستفعله الآن وقد عثرت عليه و ... واستقرت داخل جسده؟!!.. ترى هل هذا هو سبب القشعريره التي تجتاحه كلما دخل وحده الى الطابق السفلي؟ .. هل يمكن أن تكون هذه هي الحقيقه أم مجرد أضغاث أحلام؟ .. ثم .. هل هو الوحيد في عائلته أم أن هنالك من يعاني الشعور ذاته؟ .. لن يعرف الجواب لأنه لا ينوي أبدآ مصارحة أحد بما يواجهه .. آه .. كم يتمنى لو كان الأمر مجرد كابوس سخيف لا علاقة له بالواقع أبدآ .. ولكن .. شيء ما في قرارة نفسه يخبره بالعكس .. أطلق تنهيدة حاره أودعها كل ما يعتمل داخله من انفعالات .. والتف بجسده ليستلقي على جنبه الأيمن .. فارتطمت كفه بجزء من صدره ارتطامة خفيفه .. لكنها جعلته يسأل نفسه في صمت وتوجس:
"لو كان هذا كابوسآ فقط .. فلماذا أشعر بهذا الألم الغريب في صدري؟!"
* *
بضعة أيام انقضت –منذ تلك الليله- دون أن يحاول دخول الطابق السفلي .. كان يكتفي فقط بالتحديق في الباب المغلق أثناء نزوله أو صعوده درجات السلم .. ونبضات قلبه تتسارع ثم تعود الى معدلها الطبيعي فور أن يبتعد الى بر الأمان .. أما الحلم .. فلم يعاوده مرة أخرى بعد ذلك اليوم .. وهو الأمر الذي جعله يتساءل عن مدى جدية المخاوف التي تعتريه .. ربما هو يبالغ ويهول الأمور؟.. اذن .. سوف يحاول اثبات ذلك بالطريقه الوحيده المتاحه .. معاودة النزول الى قسم الضيوف للاستذكار!.. ولكن .. هل سيتمكن من ذلك فعلآ؟.. في ذلك المساء .. والساعه تقترب من السابعه .. أعلن لوالديه أنه سيعاود النزول الى الأسفل للاستذكار كما فعل سابقآ .. لم يعترض والده .. في حين تساءلت والدته:
"ولماذا توقفت عن النزول في الايام القليله الماضيه؟"
كان واثقآ من أن هذا السؤال سيطرح عليه .. لكنه لم يجهز اجابة مقنعه مسبقآ .. لذا أطلق تفكيره بكامل طاقته للعثور على جواب فوري:
"أخي الصغير كان مريضآ، وقد رغبت في التواجد معكم هنا للمساعده اذا ما تطلب الأمر، وكذلك للمشاركه الوجدانيه"
"بارك الله فيك يا ولدي"
قالها الأب بكل فخر .. وترقرقت الدموع في عين والدته وهي تضيف الى ما قاله زوجها:
"وبارك في أخويك أيضآ .. ياه .. كم اشتاق الى (حسام)"
شقيقه الأكبر (حسام) التحق بالجامعه في المنطقة الشرقيه منذ عام .. ولا يستطيع الحضور لزيارتهم سوى في أيام العيد .. المشكله الأخرى تكمن في انه هو نفسه يرغب في الالتحاق بذات الجامعه فور انتهائه من الدراسه الثانويه .. والداه يعلمان ذلك ويباركانه .. غير أن لحظات الوداع والغياب ستكون عصيبه عليهم ولا شك .. شكرهما في لطف وأسرع يجمع كتبه وما يحتاج اليه للاستذكار قبل أن يضعف ويجبن ..
عقارب الساعه تشير الى تمام منتصف الليل .. استلقى على فراشه في حنق ..
"ما الذي يجري هنا؟!"
تساءل بصمت .. كان يأمل -من نزوله اليوم الى الطابق السفلي- أن يقطع الشك باليقين .. الا أن ما حصل زاد من حيرته واضطرابه .. لقد تملكه شعور القشعريره فور ملامسته مقبض الباب، الا أن ذلك لم يثنيه عن ادارته.. الصرير المعتاد والظلام يرحبان به.. لقد توقع رؤية الوجه الانثوي بانتظاره أيضآ .. لكن لاشيء سوى الظلام والسكون .. تقدم بضع خطوات الى الأمام .. ولم ينس وضع قدمه على الجزء المفتوح من الباب كي لا ينغلق خلفه كما حصل في الحلم .. مد يده نحو مفتاح الاضاءه القريب وضغطه بأصابع مرتجفه .. و .. لا شيء!. الظلام ما زال حالكآ .. أين الضوء؟.. كرر الضغط على المفتاح عدة مرات ولكن دون جدوى!.. هل هي الصدفه أم ماذا؟.. التخبط والحيره يملآن فؤاده .. ما الذي يحصل هنا بالضبط؟!.. لم يجد أمامه سوى العوده بخفي حنين الى الطابق العلوي .. انه لن يبقى هنا حتى لو كان مصباح الغرفه التي سيقضي وقته فيها يعمل ..
"هل نسيت شيئآ يا ولدي؟"
سألته أمه بذلك في استغراب ..
"كلا .. مصابيح الضوء لا تعمل بالاسفل"
ثم وجه كلامه الى والده:
"هل يمكن احضار فني الكهرباء غدآ يا أبي؟"
"ان شاء الله .. سأحاول احضاره في الصباح .. اننا ذاهبون الى جده غدآ بعد الظهر كما تعلم"
أومأ برأسه ايجابآ .. لقد اعتادت العائله الذهاب الى جده مرة كل شهر أو شهرين لتمضية نهاية الاسبوع مع الأقارب هناك .. حسنآ .. انها فرصة طيبه لنسيان ما واجهه من رعب في الفترة الماضيه..
يوم الخميس ..
العائلة تقضي وقتآ طيبآ في منزل أحد الأقارب في جده ..
وكما توقع هو .. فقد تناسى ذلك الحلم وانغمس في الاستمتاع مع أقرانه ..
حتى جاء الاتصال الى والده .. الذي لم يكد ينصت الى محدثه قليلآ حتى هتف بانفعال:
"ماذا؟! .. هل أنت متأكد من العنوان؟! .. لاحول ولا قوة الا بالله .. متى حصل ذلك؟ .. حسنآ .. سأتحرك من جده على الفور وأتوقع وصولي اليكم خلال ساعه .. شكرآ يا سيدي"
اختلج قلبه وهو يستمع الى والده يتحدث بمثل ذلك الانفعال .. ترى ما الذي حصل هناك؟ .. ماالأمر الذي يستوجب توجه والده مباشرة الى مكه؟ .. حول خواطره هذه الى سؤال منطوق .. فجاءته الاجابه:
"انه البيت يا ولدي"
"ما الذي حصل للبيت؟"
تنهد الأب تنهيدة وضع فيها كل ما يعتمل داخله من انفعالات .. وأشاح وجهه مجيبآ بصوت من هو موشك على البكاء:
"لقد اندلع حريق في المنزل هذا الصباح .. فقام الجيران باستدعاء رجال الدفاع المدني الذين تمكنوا من اخماد النيران وانقاذ ما يمكن انقاذه"
ازداد انقباض قلبه أكثر بعد ما سمعه .. لماذا يحصل كل هذا الآن؟ .. ثم انتبه الى نقطه مهمه فسأل والده:
"هل أخبروك بأكثر المناطق في المنزل تضررآ؟"
أجابه وهو يلتقط مفتاح سيارته ويندفع خارجآ:
"أجل .. لقد أتى الحريق على الطابق السفلي المخصص للضيوف بالكامل! .. أما الطابق العلوي فلم تلحق به سوى بعض الأضرار البسيطه .. من فضلك أخبر والدتك والاقارب أنني قد ذهبت على عجل"
لم يتنظر حتى يتلقى الايجاب من ابنه .. أما هذا الأخير .. فقد ألقى بجسده على أقرب المقاعد اليه حيث شعر بساقيه لا تقويان على حمله ..ثم تذكر شيئآ .. رفع كفه نحو صدره .. وضغط برفق .. فشعر بالألم .. انتظرو ا الحلقة القادمة
وللمعلومية
سوف يتم طرح هذه الرواية في 1 سبتمبر في المكتبات السعودية
كما أرجو من كل قلبي أن تنشروا القصة قدر الأمكان
تحياتي