- ذكريات وبشاعة التفكير
ذكريات وبشاعة التفكير
في كل فترة عمرية تمر بنا أحزان قاسية وأفراح رائعة ، لكن الفرح سرعان ما يرحل أثره ، وأما الحزن فيبقى مثل النحت على صخرة صلدة ، تمر أيام يدفن فيها الغبار والأتربة هذه الصخور ، وما أن تأتي الأجواء الرائعة التي تنتشي فيها الروح كتهاطل المطر فيغسل الصخرة عن الأتربة حتى يظهر القلب على حقيقته مجرح من كل جهة ، قد تلمع الصخرة من روعتها وجمالها ولكن الشقوق المحفورة يبقى أثرها غائرا .
كتبت فيما مضى عن التغلب على الحزن وحاورت فيه أناسا ، أردت أن أملأ فيه هذا النظام الدقيق الصنع والمسمى بالقلب بشيء من الهدوء ، أردت أن أملأه بلحظات فرح لا ينغصها ذكر أيام مرت فيها الأحزان بقسوتها ، أخذتني فيها آلامي في جولة صحراوية في أرض قاحلة رمالها كالجبال وأشعرتي بوحدة لا يجلوها سوى لحظات من الليل أرى فيها قمرا منيرا يتحرك بهدوء مستمتعا بنظراتي التي ترمقه ، ما يلبث أن يختفي خلف سلسلة من جبال الذاكرة وتشتت الذهن.
الحمد لله الذي رزقنا نعمة النسيان ، فلولاها لما أحسسنا بحلاوة العيش ولا بششنا في وجوه الرجال ولا تصباببنا للأطفال ، ولكانت حياتنا عيشة نكدة ، إن بشاعة تفكيرنا تقودنا للوراء دائما نحو الذكريات الأليمة ، فلنرحم أنفسنا قليلا ونحمي أذهاننا وعقولنا من أن يغتالها التفكير في ما مضى ، ولنشغل أذهاننا فيما نستقبله من الزمان ، فلا دمعة ترجعك للوراء ولا زفرة ساخنة تطفيء لهيب الفؤاد ، فقط استنشق لحظات حياتك التي تعيشها ولا تلتفت للماضي.
اسأل الله تبارك وتعالى أن يقينا وإياكم ألم الذكريات وأن يوفقنا في في نستقبله من زمان.