- 2-
كان يطالع فيني .. كل ما طالعت فيه لقيته يناظرني .. ما نزلت عينه عني .. لمّا خرجت ورحت لسيارتي لقيته يتبعني .. وقبل ما أركب صافحني وقال لي « لو سمحت .. وين تشتغل ؟ » .. قلت « في الجامعة » .. قال « يا سبحان الله ..هو يشتغل في الجامعة ... في أي جامعة ؟ » .. قلت « في جامعة الملك سعود» .. قال « يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. هو يشتغل في جامعة الملك سعود .. وين تسكن ؟ » .. قلت « في النماص .. ههه .. أمزح .. وين يعني .. طبعا في الرياض » .. قال وهو يفرك يديه « ياسبحان الله .. يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. هو بعد يسكن في الرياض .. من أي مدينة ؟ » .. قلت « من حايل» .. قال وهو يعضعض أصابعه « يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. هو من حايل .. شمّري ؟ » .. قلت « ايه » .. قال وهو يضرب بيديه على فخذيه وامتلأ وجهه بالدم « يا الله يا الله .. يا سبحان الله .. هو بعد شمرّي .. وش اسمك ؟ « .. قلت « أبو هايس » .. فضرب بيديه على رأسه ورفع شماغه وبدأ يشد شعره ويقول « يا الله .. يا الله .. يا ويلي .. هو بعد اسمه أبو هايس .. » .. وقبل أن يسألني سألته « تعرفه ؟ » .. قال وهو يستدير على الجهات الأربع .. « صديقي .. يا سبحان الله .. تشبه تماما .. يا سبحان الله ...» .. فقلت له « وين تشتغل إنت ؟ » .. قال « هالحين ما اشتغل .. كنت أشتغل» .. قلت « يا سبحان الله .. هو مثلك .. وين تسكن ؟ » .. قال في الرياض .. قلت « يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. هو مثلك .. وش رقم لوحة سيارتك ؟ » .. قال « ما عندي سيارة » .. قلت « يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. هو مثلك ما عنده سيارة .. وش اسمك ؟ » .. قال « أبو هيثم » .. فضربت بيدي على فخذي وقلت « يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. هو بعد أبو هيثم .. وش معجون أسنانك ؟ » .. قال « ما عندي معجون أسنان » .. فكمشت شعري بيدي وقلت « يا الله .. يا الله .. يا سبحان الله .. هو مثلك .. ما عنده معجون أسنان .. تصدق إنك تشبهه .. » .. قال « منه ؟ » .. قلت « صديقي .. لكن إنت ليش تركت شغلك ؟ » .. قال « دخلت السجن .. ففصلوني » .. سألته « يا سبحان الله .. ليش ؟ » .. قال « الله يسلمك قتلت واحد .. ما كنت ناوي أقتله .. لكن الشيطان .. تخانقت معه وقتلته .. جلست في السجن تسع سنوات .. وسامحوا أهله .. دفعنا الدية وطلعت ...» .. قلت وأنا ناشف « يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. تقول إن صديقك يشبهني ؟ » .. قال « أوّل كان صديقي .. أما هالحين صار عدوي .. والله لو أشوفه إني أذبحه .. لكن ما أدري وينه .. لكن مصيري أقابله .. لأنه عمل فيني عملة سودا ... » .. فشعرت أني أرعش .. وأحسست انه فيه أشياء بدأت تتسرب على الخفيف .. قلت « يا سبحان الله .. يا سبحان الله .. أنا اسمي أبو خروع .. و أشتغل سمّاك .. أصيد سمك .. بس حبيت أمزح معك .. وأسكن في جدة .. يا سبحان الله .. سيّر علينا إذا جيت جدة .. رجاء .. » .. و وصفت له بيت صديق لي في جدة .. جلست على الأرض أرسم له مكان البيت .. ولكن ما قدرت أوقّف على رجولي .. تحلحلت صواميلي .. قلت له « يا بعد حيّي .. شلني وركّبني سيارتي .. » .. شالني بعد ما فتحت باب السيارة وقال لي وهو شايلني « تصدق أنا جاي أتبعك إلى السيارة .. كنت أبي أقتلك .. لكن الحمد لله طلعت تشبهه .. الله يخلق من الشبه أربعين .. » .. ولأني ذبت وارتخيت من الخوف سألني « وش هالماء اللي يصب علي ؟ إنت شايل مطّارة ؟ ... » .. وضعني في سيارتي وهو يقول « الله يغربلك ..» .. والحقيقة إني ما أدري كيف وصلت للبيت ..
2-
في أحد الأيام كنت أنا وأم هايس نمشي في شارع في مدينة عربية .. فمررنا بمقهى له حديقة جميلة .. ولأن المكان أعجبنا .. ولأننا تعبانين من المشي وعطشانين .. قررنا نجلس ونرتاح في هالمقهى الزين .. تحت ظلال الأشجار .. ونشوف الرايح والجاي .. كنا في غاية السعادة .. أكواب العصير أمامنا .. فيها شفّاطاتها .. كنا مثل بلبلين .. ننزل بمناقيرنا على العصير ونمص مصّة أو مصتين .. ثم نرفع رؤوسنا ونبدأ نتناجى .. قلت لأم هايس وأنا في قمة السعادة « فيه أحلى يا أم هايس من هيك ؟ .. ما فيه أحلى من هالقعدة ... » .. و أنا على وشك أقول قصيدة .. كانت امرأة تمشي مقبلة لنا .. وجهها زعلان ومكشّر .. وقفت على رأسي .. و وضعت يديها على خصرها .. تقول « ما شالله .. تقول في التلفون إنك عندك اجتماع وممكن تتأخر .. سايبني لوحدي .. مين هاذي اللي حضرتك جالس معاها .. » .. قلت وأنا أبتسم « هاذي زوجتي .. وأنت شو بدّك منّي ؟ » .. أنا جزمت أن المسألة فيها كاميرا خفيّة .. مسكت هي كرافتتي وسحبتني .. وهي تقول « لا .. وتعمل نفسك مزّاح .. تعال معي .. تعال للبيت أفرجيك ... ».. كانت قدّامي تسحبني .. تمشي مثل الغزال الفارع .. قلت في نفسي خوش كاميرا خفيّة .. وحتى ما أظهر أني عرفت بالكاميرا قلت لها « يا بنت الحلال عيب .. والله عيب عليك ... » .. حاولت أقاوم .. قالت وعيونها الجميلة يتطاير منها الشرر « وكمان تعلمت منها لهجتها .. يا عيني .. أفرجيك ... » .. في البيت تعرضت لضرب شديد .. ما كنت أقاوم .. على أساس انها كاميرا .. ولمّا ضربتني بعصا .. وانسدحت وسال دمي .. شكيت بموضوع الكاميرا .. دخل زوجها فوجدني منبطحا وهي تضربني .. فبدأ هو مشواره .. هي لما شافت زوجها انبهتت وانذهلت .. ومسكت زوجها .. وصارت تلطم على رأسها .. وأخبرته .. أجلسوني على الكنبة .. زوجها تماما يشبهني .. يا سبحان الله .. أنا ما كنت مصدق نفسي .. حتى إني قلت له بعد ما غسلوني من الدم وربطوا رأسي بالشاش « إنت أنا ؟ وإلا أنا إنت ؟ أيّنا أنا ؟ لأني ودّي أروح ... » ..
رجعت لأم هايس .. وأنا أعرج ولمّا وصلت عندها .. مسكني ثلاثة رجال عتاولة .. كانت أم هايس دفعت لهم فلوس وقالت لهم إني مزعجها .. وإنهم يجب يأخذوني لسكنها ويضربوني هناك .. مو قدّام الناس .. وأخبرتهم أني ذكي وممكن أقول لهم إنها أختي أو صديقتي أو قريبتي أو زوجتي .. أكدت عليهم « لا تصدقونه إذا قال لكم هاذا الكلام ...» .. أخذوني للسكن .. ومعهم عصي نحيلة .. عصي الخيزران .. وحسب تعليمات أم هايس .. سدحوني ورفعوا أقدامي وجعلت الخيزرانات تلسع أقدامي .. حتى ورمت وانتفخت .. خرجوا .. وجلست عند رأسي « أثاريك تضحك علي .. تقول لي إنك تدوّر مكتبات .. وتدوّر كتب .. وأنا غافلة ... »
فيما بعد أقنعتها .. وصدقتني .. لأن قلوبنا أنا وهي طيّبة .. وصارت تدلكني وتمرّخني .. حتى تشاويت ..
هالحين إذا رحت للسوق .. أو أي مكان .. وشفت أحد يطالع فيني .. وأنا ما أعرفه .. رجل أو امرأة .. أهجّ وأهرب .. أركض أسرع من النمر .. لأنه على قولة المثل أبعد عن الشرّ وغنّي له .. مرّة .. فجأة .. في السوبرماركت .. لقيت واحد عندي ويطالع فيني وقبل أهرب مسكني مع ذراعي .. قلت له قبل ما يتكلّم « طالبك طلبة لا تشبّهني على أحد ...» .. حتى إني صرت إذا قرأت .. مثلا .. في الجريدة أو في كتاب كلمة .. يشبه .. أغمّض عيوني ..
اللهم لا تجعلني شبيها لأي من مخلوقاتك .. لا إنسها ولا جنّها ولا طيورها ولا حيواناتها ولا دوابها ولا هوامها.. آمين ..
ههه
حلوة مشكورة