الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
دانة28
28-11-2022 - 12:32 am
  1. الموقع: فيلا صغيره لعائله سعوديه -1-

  2. قشعريره بارده سرت في جسده ..

  3. تن .. تن .. تن ..

  4. * * 2-

  5. "ولكن هذا مستحيل!!"

  6. "عثرت عليك .. عثرت عليك"

  7. أتاه الصوت من جديد يحمل ضحكه شيطانيه جعلت شعر ذراعيه يقف:

  8. "بحثت عنك كثيرآ .. وها قد عثرت عليك!"


أعزائي اتمنى ان تتلقوا همستي بصدر رحب
فهي حلقات من قصة
الغرفة رقم 8
للمهندس يحيى أحمد خان
وانا لسة الكاتبة, انا قريبة له ,واتمنى مساعدته لانجاح هذه القصة ولاني على يقين اننا في زمن
لا يستغني عن النت ,فهدفي كان النشر من خلاله,
وهدفي الاكبر بانها تلاقي عندكم الصدى المناسب
وشكرا لكم على صبركم على هذه المقدمة
القصة
الغرفه رقم 8
الطبعه الأولى
عام 2008 م
المؤلف: يحيى احمد خان -----------------------------------------------------------
الجزء الأول: الماضي القريب
المدينه: مكة المكرمة
الزمن: عام 1992 م

الموقع: فيلا صغيره لعائله سعوديه -1-

قشعريره بارده سرت في جسده ..

وخفقات قلبه تزايدت سرعتها .. مع صوت صرير الباب وهو يشق السكون .. انه الشعور ذاته، وفي المكان ذاته .. كلما دخل الى الطابق السفلي من فيلا والده .. هذا هو الطابق المخصص لاستقبال الضيوف، تم تجهيز غرفه الثلاث بطابع مختلف من الاثاث : المجلس العربي على اليمين، الأرائك الامريكيه الى اليسار، والطراز الاوروبي الكلاسيكي يتوسط الطابق .. الستائر المسدله تشكل لوحات أرادت الاسره من خلالها اضافة لمسات من الفخامه، وتكاملت مع التحف المتناثره هنا وهناك كأنها جنود يحرسون المكان .. غير أن جميع أقاربهم من سكان مدينة جده المجاوره، لذا فقد كان الطابق خاليآ معظم أيام السنه .. وبابه الداخلي المؤدي الى الدرج (والذي يعزل هذا القسم تمامآ) أصاب مفاصله الصدأ والتصلب .. عائلته تشغل الطابق العلوي من المنزل، والدان في العقد الخامس من العمر، شقيق يكبره بعامين، وأخ صغير يخطو أولى خطواته في مرحلة الطفوله .. أما هو فلم تساعده سنواته - السبع عشره - في تبين السبب المباشر لهذا الاضطراب الذي يجتاحه .. هل هو الهدوء الشديد المخيم على المكان؟ .. أم هي ظلال محتويات الغرف على الجدران مع دخول ألاضواء الخافته من الخارج؟ .. أو لعله تأثير احدى تجارب الطفوله المرتبطه بهذه الأجواء؟ .. أم ماذا؟ ..
لم يكن معتادآ على دخول الطابق بمفرده .. حتى كان ذالك اليوم عندما أتته الرغبه في الانعزال والهدوء - أثناء الاستذكار - مع بداية عامه الأخير في الدراسه الثانويه .. كانت التجربه الأولى له مع تلك القشعريره البارده .. لازال يذكرها جيدآ .. وعلى مدى اسبوعين من النزول اليومي الى قسم الضيوف، كان هذا الشعور العجيب ينتابه لحظة دخوله اليه، الا أنه سرعان ما كان ينغمس في العوالم المختلفه التي تأخذه اليها مواضيع كتبه، فيضمحل أمامها ذلك الشعور، وتعاود نبضات القلب ترددها الطبيعي .. وهاهو الآن يدخل من جديد .. أشعل اضاءة المدخل من أقرب مفتاح اليه، فشق النور سحب الظلام ، وتراءى له شبح طيف اختفى بسرعه، فلم يستطع الجزم بحقيقة ما اذا كان رأه فعلآ أم أن انبعاث الضوء هو المسؤول عن الخداع البصري ..
الصمت الرهيب يحيط به من كل جانب، هذا أكثر ما يثير حنقه هنا، انه يجد نفسه مضطرآ الى الاستماع للموسيقى أثناء تواجده في الطابق ليتغلب على هذا الوضع .. تقدم بضع خطوات، ثم انتفض جسده كله .. انتفض مع انبعاث صوت قوي مزق السكون الذي خيم على الطابق ..

تن .. تن .. تن ..

أطلق زفرة عصبيه أودعها كل التوتر الذي يملؤه .. انها ساعة الحائط اللعينه تمارس عملها بالاعلان عن بدء ساعة جديده من الزمن، هذا الطراز يطلق دقاته كل ساعه بازدياد تصاعدي لتتوافق مع تقدم الوقت خلال اليوم .. م .. أخذ يعد الدقات المنبعثه حتى توقف الصوت، سبع دقات، لقد عرف الوقت الآن .. شق طريقه الى حيث الغرفه التي يقضي فيها ساعات الاستذكار كل يوم، وسرعان ما انغمس في ذلك ونسي كل شيء عن مخاوفه من المكان، حتى تعالى صوت الساعه وتوالت الدقات لتخبره بأنه لم يعد يفصله عن منتصف الليل سوى ساعة واحده .. لقد حان موعد النوم اذن .. نهض من مكانه، وأخذ يشد جسده كي يتخلص من التصلب الذي انتابه من كثرة الجلوس، عندما سرت في جسده القشعريره من جديد، فقام بجمع كتبه وخرج مسرعآ دون أن ينسى اغلاق الباب خلفه باحكام ..

* * 2-

انه يحلم .. هو يدرك ذلك جيدآ .. انها المره الأولى التي يواجه فيها خوفه أثناء المنام .. كان ينزل درجات السلم ببطء، وعيناه مثبتتان على باب الطابق السفلي .. أنفاسه تتسارع مع تسارع نبضات قلبه، وهو يقترب شيئآ فشيئآ .. حاول جاهدآ أن يتوقف عما هو مقدم عليه، لكن جسده رفض الانصياع، واستمر في النزول والاقتراب أكثر وأكثر من هدفه .. وعلى الرغم من أن قطرات العرق بدأت تتكون في أجزاء متفرقه من جسده، الا أن الهواء الذي يخرج من فمه وأنفه يواجه برودة قويه جعلته يتكثف مشكلآ سحابات بيضاء صغيره أمامه ..

"ولكن هذا مستحيل!!"

هتف بذلك في قرارة نفسه، أن يجتمع الحر والبرد في مكان واحد على هذا النحو، أمر لا يمكن أن يحصل الا في عالم الأحلام .. حسنآ .. انه في الحلم الآن .. بعد ما بدى له دهرآ كاملآ من الوقت، بلغ الهدف .. الباب يعترض طريقه كأنما هو حارس اسطوري يحمي مملكة كاملة من المخلوقات القابعه خلفه، غير أن التغلب على هذا الحارس لم يكن بالأمر الصعب، كل ما يحتاج اليه هو رفع يده وادارة المقبض و ..
وبدأت القشعريره تسري في جسده من جديد .. صرير الباب بدى له أشبه بزمجرة مئات الوحوش .. الاضاءه الخافته من خلفه لم تفلح في تشتيت الظلام الحالك في الداخل، لقد بدى له أكثر عتمة من المعتاد .. مد كفه باحثآ عن مفتاح الاضاءه حيث موقعه على الجدار الجانبي، وقام بضغطه فور عثوره عليه!
لاشيء !.. الضوء لم ينبعث من مصدره (مصباح الاضاءه) المعتاد .. الظلام الحالك مستمر .. قام بتكرار الضغط عدة مرات بأصابع مرتجفه دون جدوى .. "ما الذي أصاب الكهرباء هنا؟"
تساءل في حنق، وكان الجواب بديهيآ: جميع الأمور تسير في الاتجاه المعاكس لك أثناء الكوابيس .. أليس كذلك؟ .. تمنى في تلك اللحظه أن يستدير عائدآ، ويجري صاعدآ درجات السلم الى أعلى، الى حيث الأمان .. ولكن أعضاءه رفضت للمره الثانيه الانصياع لرغبته، ولم تكتف بذلك فقط، بل أعلنت المزيد من التمرد بأن تحركت به نحو الداخل بضع خطوات .. مجرد خطوات بسيطه .. لكنها كانت كافيه كي يبتعد عن الباب .. عندها أدرك حقيقة ما سيحدث .. ولكن بعد فوات الآوان .. الصرير المزعج .. ثم انغلاق الباب .. الظلام الدامس يحيط به من كل مكان .. أطلق صيحة ذعر قصيره .. وقفز نحو الباب يحاول فتحه .. غير أن محاولاته لم تفلح .. أخذ يضرب دفته ويصرخ مستنجدآ .. ربما يتمكن أحد أفراد عائلته بالأعلى من سماعه .. خفقات قلبه تسارعت بشكل مخيف .. عيناه جاحظتان في محاولة لاختراق الظلام المحيط به .. انه يقترب من الدخول في حالة الهستيريا..
وفجأة .. سمع ذلك الصوت .. فتوقف بغتة عن ضرب الباب والصراخ واستدار موجهآ الظلام في الداخل .. تجمد في مكانه كتمثال من الشمع .. هل سمع الصوت فعلآ أم خيل اليه ذلك؟.. لم يستطع تبين الكلمات التي سمعها في خضم انفعاله .. لكنه الان صامت يترقب .. هل يعني ذلك أنه ليس وحده هنا؟!.. مجرد التفكير في هذا الاحتمال ضاعف القشعريره داخله .. العرق الغزير يملأ وجهه ويحرق عينيه .. ثم ..
ثم سمع الصوت من جديد..فانتفض.. هذه المره سمعه بوضوح .. أجل .. انه متأكد من ذلك .. ولكن.. لم يسمعه باذنيه !!.. وانما وصله مباشرة داخل عقله .. كان صوتآ أنثويآ شيطانيآ ذو رنة عجيبه .. كعشرات الأجراس تقرع سويآ .. وعبارة واحده تتردد في عقله استطاع تمييزها:

"عثرت عليك .. عثرت عليك"

تلفت حوله بحثآ عن مصدر الصوت وهو مدرك استحالة ذلك .. لم يكن يستطيع رؤية كف يده من شدة الظلام .. غير أن ذلك لم يمنعه من تحريك رأسه يمنة ويسرة بحثآ عن الانثى التي تخاطبه .. ووجد الشجاعه الكافيه ليهتف بصوت مرتجف:
"من أنت؟! .. من هنا؟"

أتاه الصوت من جديد يحمل ضحكه شيطانيه جعلت شعر ذراعيه يقف:

"بحثت عنك كثيرآ .. وها قد عثرت عليك!"

ضاعفت هذه الجمله من ذعره، وعاد الى محاولاته اليائسه في فتح الباب والصراخ، قبل أن يتجمد مرة أخرى .. ولكن ليس بسبب الصوت .. وإنما هو احساس اعتراه .. أحساس بوجود شيء قربه، فالتفت مواجهآ الظلام من جديد .. في البدء لم يلحظ أي شيء .. الا أنه سرعان ما انتبه الى نقطه أمامه .. نقطه أقل اظلامآ مما حولها .. أخذت في التحرك يمنة ويسرة .. ثم بدأت في الاقتراب منه.. ومع اقترابها بدأت معالمها في الظهور بقدر ما يسمح به الظلام .. كان وجهآ انثويآ .. أجل.. وجهآ فقط !!.. بدون جسد!! انه الآن في أسوأ مراحل الخوف والذعر .. تلك المرحله التي تركته عاجزآ تمامآ عن فعل أي شيء .. عاجزآ عن الصراخ .. عاجزآ عن تحريك أي جزء من جسده .. والانثى تواصل اقترابها منه وقد ركزت نظراتها في عينيه .. العينان .. هناك شيء مختلف فيهما .. لم تكونا كعيني البشر .. وانما مشقوقتان بالطول .. أشبه ما يكون بعيني أفعى!! ..
"ياالهي!! .. يا الهي!!"
تمتم بذلك في صوت بالكاد سمعه هو نفسه من شدة الخفوت .. وترددت في عقله الكلمات التي سمعها من الانثى:
"عثرت عليك .. عثرت عليك!"
وفي اللحظة التاليه .. انقض الوجه الانثوي الشيطاني على صدره .. واختفى داخله .. عندها فقط .. تمكن من تحرير لسانه وفكه ..
وأطلق صيحة ألم مدويه!..


التعليقات (9)
دانة28
دانة28
الحلقة الثانية
من قصة
الغرفة رقم 8
للمؤلف: يحيى أحمد خان
------------------------------------
"لا"
انتفض جسده وهو يجلس من رقدته على الفراش .. العرق يغمر جسده .. وأنفاسه سريعه متلاحقه .. كان يعيش كابوسآ شنيعآ بالفعل ..
"ما أذا أصابك يا ولدي؟!"
هتفت بها والدته في قلق وهي تشعل ضوء الغرفه وتهرع اليه .. أغمض عينيه ليتجنب وهج الضوء المفاجيء .. وانتظر قليلآ حتى هدأت أنفاسه وهو في حضنها قبل أن يغمغم:
"لا تقلقي يا أمي .. مجرد كابوس"
"لقد أيقظني صراخك يابني .. وخشيت أن تكون قد تعرضت للأذى"
"الحمد لله .. انا بخير وأعتذر عن ازعاجك يا أمي .. عودي الى النوم من فضلك"
ساعدته في تجفيف وجهه، فمنحها ابتسامة مطمئنه قبل أن تقرأ عليه المعوذات وتعود الى غرفتها .. أما هو .. فقد ألقي رأسه فوق الوساده وعشرات الاسئله تتصارع في ذهنه مع العديد من المشاعر .. ما هذا الكابوس بالضبط؟ ، يكاد يقسم على أن ما واجهه لم يكن كابوسآ بل واقعآ من الرعب ! .. بدى له حقيقآ جدآ .. الوجه الانثوي محفور في ذاكرته وسيبقى كذلك للأبد .. من هي؟!.. ولماذا كانت تبحث عنه؟.. والأهم من كل ذلك .. ماالذي ستفعله الآن وقد عثرت عليه و ... واستقرت داخل جسده؟!!.. ترى هل هذا هو سبب القشعريره التي تجتاحه كلما دخل وحده الى الطابق السفلي؟ .. هل يمكن أن تكون هذه هي الحقيقه أم مجرد أضغاث أحلام؟ .. ثم .. هل هو الوحيد في عائلته أم أن هنالك من يعاني الشعور ذاته؟ .. لن يعرف الجواب لأنه لا ينوي أبدآ مصارحة أحد بما يواجهه .. آه .. كم يتمنى لو كان الأمر مجرد كابوس سخيف لا علاقة له بالواقع أبدآ .. ولكن .. شيء ما في قرارة نفسه يخبره بالعكس .. أطلق تنهيدة حاره أودعها كل ما يعتمل داخله من انفعالات .. والتف بجسده ليستلقي على جنبه الأيمن .. فارتطمت كفه بجزء من صدره ارتطامة خفيفه .. لكنها جعلته يسأل نفسه في صمت وتوجس:
"لو كان هذا كابوسآ فقط .. فلماذا أشعر بهذا الألم الغريب في صدري؟!"
* * *
بضعة أيام انقضت –منذ تلك الليله- دون أن يحاول دخول الطابق السفلي .. كان يكتفي فقط بالتحديق في الباب المغلق أثناء نزوله أو صعوده درجات السلم .. ونبضات قلبه تتسارع ثم تعود الى معدلها الطبيعي فور أن يبتعد الى بر الأمان .. أما الحلم .. فلم يعاوده مرة أخرى بعد ذلك اليوم .. وهو الأمر الذي جعله يتساءل عن مدى جدية المخاوف التي تعتريه .. ربما هو يبالغ ويهول الأمور؟.. اذن .. سوف يحاول اثبات ذلك بالطريقه الوحيده المتاحه .. معاودة النزول الى قسم الضيوف للاستذكار!.. ولكن .. هل سيتمكن من ذلك فعلآ؟.. في ذلك المساء .. والساعه تقترب من السابعه .. أعلن لوالديه أنه سيعاود النزول الى الأسفل للاستذكار كما فعل سابقآ .. لم يعترض والده .. في حين تساءلت والدته:
"ولماذا توقفت عن النزول في الايام القليله الماضيه؟"
كان واثقآ من أن هذا السؤال سيطرح عليه .. لكنه لم يجهز اجابة مقنعه مسبقآ .. لذا أطلق تفكيره بكامل طاقته للعثور على جواب فوري:
"أخي الصغير كان مريضآ، وقد رغبت في التواجد معكم هنا للمساعده اذا ما تطلب الأمر، وكذلك للمشاركه الوجدانيه"
"بارك الله فيك يا ولدي"
قالها الأب بكل فخر .. وترقرقت الدموع في عين والدته وهي تضيف الى ما قاله زوجها:
"وبارك في أخويك أيضآ .. ياه .. كم اشتاق الى (حسام)"
شقيقه الأكبر (حسام) التحق بالجامعه في المنطقة الشرقيه منذ عام .. ولا يستطيع الحضور لزيارتهم سوى في أيام العيد .. المشكله الأخرى تكمن في انه هو نفسه يرغب في الالتحاق بذات الجامعه فور انتهائه من الدراسه الثانويه .. والداه يعلمان ذلك ويباركانه .. غير أن لحظات الوداع والغياب ستكون عصيبه عليهم ولا شك .. شكرهما في لطف وأسرع يجمع كتبه وما يحتاج اليه للاستذكار قبل أن يضعف ويجبن ..
* * *
عقارب الساعه تشير الى تمام منتصف الليل .. استلقى على فراشه في حنق ..
"ما الذي يجري هنا؟!"
تساءل بصمت .. كان يأمل -من نزوله اليوم الى الطابق السفلي- أن يقطع الشك باليقين .. الا أن ما حصل زاد من حيرته واضطرابه .. لقد تملكه شعور القشعريره فور ملامسته مقبض الباب، الا أن ذلك لم يثنيه عن ادارته.. الصرير المعتاد والظلام يرحبان به.. لقد توقع رؤية الوجه الانثوي بانتظاره أيضآ .. لكن لاشيء سوى الظلام والسكون .. تقدم بضع خطوات الى الأمام .. ولم ينس وضع قدمه على الجزء المفتوح من الباب كي لا ينغلق خلفه كما حصل في الحلم .. مد يده نحو مفتاح الاضاءه القريب وضغطه بأصابع مرتجفه .. و .. لا شيء!. الظلام ما زال حالكآ .. أين الضوء؟.. كرر الضغط على المفتاح عدة مرات ولكن دون جدوى!.. هل هي الصدفه أم ماذا؟.. التخبط والحيره يملآن فؤاده .. ما الذي يحصل هنا بالضبط؟!.. لم يجد أمامه سوى العوده بخفي حنين الى الطابق العلوي .. انه لن يبقى هنا حتى لو كان مصباح الغرفه التي سيقضي وقته فيها يعمل ..
"هل نسيت شيئآ يا ولدي؟"
سألته أمه بذلك في استغراب ..
"كلا .. مصابيح الضوء لا تعمل بالاسفل"
ثم وجه كلامه الى والده:
"هل يمكن احضار فني الكهرباء غدآ يا أبي؟"
"ان شاء الله .. سأحاول احضاره في الصباح .. اننا ذاهبون الى جده غدآ بعد الظهر كما تعلم"
أومأ برأسه ايجابآ .. لقد اعتادت العائله الذهاب الى جده مرة كل شهر أو شهرين لتمضية نهاية الاسبوع مع الأقارب هناك .. حسنآ .. انها فرصة طيبه لنسيان ما واجهه من رعب في الفترة الماضيه..
* * *
يوم الخميس ..
العائلة تقضي وقتآ طيبآ في منزل أحد الأقارب في جده ..
وكما توقع هو .. فقد تناسى ذلك الحلم وانغمس في الاستمتاع مع أقرانه ..
حتى جاء الاتصال الى والده .. الذي لم يكد ينصت الى محدثه قليلآ حتى هتف بانفعال:
"ماذا؟! .. هل أنت متأكد من العنوان؟! .. لاحول ولا قوة الا بالله .. متى حصل ذلك؟ .. حسنآ .. سأتحرك من جده على الفور وأتوقع وصولي اليكم خلال ساعه .. شكرآ يا سيدي"
اختلج قلبه وهو يستمع الى والده يتحدث بمثل ذلك الانفعال .. ترى ما الذي حصل هناك؟ .. ماالأمر الذي يستوجب توجه والده مباشرة الى مكه؟ .. حول خواطره هذه الى سؤال منطوق .. فجاءته الاجابه:
"انه البيت يا ولدي"
"ما الذي حصل للبيت؟"
تنهد الأب تنهيدة وضع فيها كل ما يعتمل داخله من انفعالات .. وأشاح وجهه مجيبآ بصوت من هو موشك على البكاء:
"لقد اندلع حريق في المنزل هذا الصباح .. فقام الجيران باستدعاء رجال الدفاع المدني الذين تمكنوا من اخماد النيران وانقاذ ما يمكن انقاذه"
ازداد انقباض قلبه أكثر بعد ما سمعه .. لماذا يحصل كل هذا الآن؟ .. ثم انتبه الى نقطه مهمه فسأل والده:
"هل أخبروك بأكثر المناطق في المنزل تضررآ؟"
أجابه وهو يلتقط مفتاح سيارته ويندفع خارجآ:
"أجل .. لقد أتى الحريق على الطابق السفلي المخصص للضيوف بالكامل! .. أما الطابق العلوي فلم تلحق به سوى بعض الأضرار البسيطه .. من فضلك أخبر والدتك والاقارب أنني قد ذهبت على عجل"
لم يتنظر حتى يتلقى الايجاب من ابنه .. أما هذا الأخير .. فقد ألقى بجسده على أقرب المقاعد اليه حيث شعر بساقيه لا تقويان على حمله ..ثم تذكر شيئآ .. رفع كفه نحو صدره .. وضغط برفق .. فشعر بالألم ..

دانة28
دانة28
الحلقة(الثالثة)
الغرفة رقم 8
للمؤلف:يحيى أحمد خان
2- الغرفه المختلفه
المدينه: المنطقة الشرقيه
الزمن: عام 1994 م
الموقع: احدى الجامعات
------
لامست عجلات طائرة الخطوط السعوديه أرض مدرج المطار الدولي في المنطقه الشرقيه، فأحدثت الارتجاج والضجيج المعتادان، واللذان أخرجا (يوسف) من ذكريات الماضي، ليعود الى أرض الواقع الجديد .. واقع أنه الآن سيخوض معترك الحياه في الجامعه، في منطقة جديده، دون رعاية والديه كما اعتاد طوال حياته!.. شابان اثنان فقط هما كل ما يملك هنا!.. شقيقه (حسام) الذي ينتظرهما داخل السكن الطلابي،وصديقه (ياسر) على المقعد المجاور في الطائره ..
ومع الارتجاج والضجيج أفاق هذا الأخير من غفوته، وتلفت حوله مغمغمآ:
"هل وصلنا؟!"
تنهد (يوسف) تنهيدة أفرغ بها ما تجيش به نفسه من انفعالات، وأجاب وهو يتطلع عبر نافذة الطائره:
"أجل يا صديقي .. وصلنا الى عالمنا الجديد!"
أنهيا إجراءات الوصول، واستلام الأمتعه بسرعه .. ثم استقلا أحدى سيارات الأجره الى موقع الجامعه .. هذا الصرح العلمي المهيب الذي حصلا بفخر على القبول فيه منذ ما يقارب الشهر .. إجتازا البوابه الرئيسيه، بعد إجراءات التفتيش المعتاده .. وتحركت بهما السياره نحو مواقف السكن الطلابي بناءآ على الوصف الذي قدمه (حسام) لشقيقه مسبقآ .. ولم تكد تصل بهما الى هناك حتى ترجلا منها، ونقدا سائقها حقه، ثم تقدما نحو مبنى السكن الذي يقطنه (حسام) ..
"أهلآ .. أهلآ بالشباب"
هتف (حسام) بذلك وهو يستقبل شقيقه (يوسف) وصديقه (ياسر) في غرفته داخل سكن الطلاب الجامعي .. كانت غرفة صغيره كباقي غرف السكن .. بالكاد تكفي لمعيشة شخصين.. صديقه (أسامه) يشاركه فيها، غير أن هذا الأخير لم يكن موجودآ في تلك اللحظه.
"لقد ذهب لاحضار العشاء لنا وسيعود بسرعه"
أوضح (حسام) ذلك عندما سأله شقيقه عن (أسامه) .. تبادل الجميع العناق والتحيه واستقروا داخل الغرفه .. كانت علامات الامتعاض واضحه على (ياسر) وهو يغمغم:
"كيف يمكن لأي مخلوق أن يعيش هنا؟"
أطلق (حسام) ضحكة صافيه مجيبآ:
"لا تقلق يا عزيزي .. ستعتاد الوضع هنا .. انك الآن تحت تأثير الصدمه الأولى وسيزول مفعولها سريعآ .. هل أفهم من هذا أن المنطقة الشرقيه لم تحز على اعجابكم؟"
جال (يوسف) ببصره في أرجاء الغرفه وأجاب:
"لنقل انها مختلفه عما اعتدنا عليه في المنطقة الغربيه .. كيف هي أوضاعك هنا؟"
"جيده والحمد لله .. الدراسه ليست سهلة أبدآ .. ولكن بالنسبه الى اثنين من المتفوقين دراسيآ مثلكما لن يكون هنالك مشكله .. وسيزداد الأمر امتاعآ اذا ما تم تخصيص غرفه لكما في (لاين) مميز وبه طلاب متعاونون"
شرح لهما (حسام) كيف أن غرف السكن الطلابي موزعه على مجمعات ترتص فيها الغرف جنبآ الى جنب .. كل مجمع منها يسمى (لاين) وهي كلمة انجليزيه جاءت ملائمه لاشكال المجمعات الخارجيه والتي هي عباره عن خطوط مستقيمه متباعده ..
"الطلاب هنا يجمعون الكلمه بقولهم :لاينات .. هذا الأمر ليس بالصحيح لغويآ ولكن لن تجد هنا من يلتزم بكل القواعد والقوانين"
أوضح لهما أيضآ أن هنالك مجمعات غرف على شكل حذوة الحصان ولكن بزوايا مضلعه وتحمل نفس الاسم ..
في اللحظة التاليه دخل (أسامه) الى الغرفه حاملآ العديد من الأكياس البلاستيكيه .. ألقى التحيه وصافح الجميع مهنئآ الضيفين على سلامة الوصول من السفر .. كان شابآ حنطي اللون، رياضي الجسد مع طول معتدل، ذو شعر كستنائي أكرت .. أخذ يتطلع الى (ياسر) في فضول، فأسرع (يوسف) بتقديمه اليه كي يتم التعارف الكامل .. كان شابآ أبيض البشره، ممتلئ الجسم، خشن الشعر، يرتدي النظارات الطبيه ..
رائحة الطعام تفوح قوية من الأكياس .. فلم يمنع (يوسف) نفسه من اعلان استحسانه لها:
"أوه .. يبدو لي أن عشاءنا اليوم كبسة الأرز البخاري"
بدأ (أسامه) و (حسام) في فرد الورق البلاستيكي على الأرض وافراغ محتويات الأكياس فوقه .. وقال الأول متهكمآ:
"مرحبآ بكم الى الحياه الجامعيه .. هذه أولى المظاهر هنا .. الأكل بدون أطباق أو ملاعق .. فلا أحد يرغب في غسل الأواني والأدوات المعدنيه بعد الأكل .. تفضلوا"
أضاف (حسام) معلومة أخرى:
"المظهر الثاني للحياة هنا هو أنكم سوف تلحقون بدرب مدمني هذا الصنف من الطعام .. انه شهي .. رخيص .. ويملأ المعدة تمامآ .. لايوجد طالب واحد لم يقع في الادمان بعد .. الجميع بلا استثناء"
تساءل (ياسر) في قرارة نفسه:
"ترى هل أخطأت الاختيار عندما قررت الالتحاق بهذه الجامعه؟!

دانة28
دانة28
الحلقة الرابعة
من
الغرفة رقم 8
للمؤلف: يحيى أحمد خان
-----------------------------------------------
توجه (يوسف) وصديقه – صبيحة اليوم التالي – الى مقر مركز الاسكان الطلابي للحصول على مفتاح الغرفه المخصصه لهما .. الاجهاد وقلة النوم كانا واضحين على ملامحهما .. لقد قضيا الليله الماضيه في غرفة (حسام) و (أسامه) .. غير أن الأرض الصلبه والمساحه الضيقه لم تساعدهما أبدآ على النوم المريح .. داخل المبنى .. كان عدد الطلاب المنتظرين في الصفوف قليل .. الأمر الذي جعل (يوسف) يغمغم:
"قرار الحضور المبكر كان صائبآ .. أرجو أن نحصل على غرفة في مجمع جيد"
تأمل (ياسر) في ملامح صديقه دون أن يعلق .. كان (يوسف) حنطي البشره، معتدل الطول، يميل الى السمنه قليلآ، ذو شعر أسود خفيف لا يخفي فروة الرأس .. انه بملامحه هذه مختلف جدآ عن شقيقه (حسام) الذي يحمل بشرة بيضاء، وجسد نحيل مع نظارة طبيه سميكه وشعر غزيز.. حسنآ،مثل هذه الاختلافات يمكن أن تجدها بين أبناء العائله الواحده ..
أخذا موقعهما في أحد الصفوف .. وبعد انقضاء ما يقرب من ربع الساعه كانا يقفان أمام الموظف المختص ..
"هل ترغبان السكن معآ في ذات الغرفه؟"
أومأ الاثنان بالموافقه ..
"اذن أعطياني اثبات الهويه وخطابات القبول في الجامعه"
ناوله اياها (يوسف) .. فقام الموظف بادخال البيانات وهو يقول موضحآ:
"تحديد المجمع والغرفه يتم اليآ وعشوائيآ عن طريق الحاسب الآلي .. بهذا نضمن المساواه بين الجميع"
أتبع قوله هذا بطباعة ورقه صغيره من جهازه قدمها لهم مع المفتاح قائلآ:
"هنا تجدون رقم المجمع والغرفه .. وهذه خارطه مبسطه توضح موقع المكان .. أرجو التوقيع بالاستلام .. أتمنى لكما كل التوفيق"
* * * "ها هو هناك"
هتف (ياسر) بذلك مشيرآ الى مجموعة غرف قريبه بعد أن تأكد من الموقع على الخارطه عدة مرات .. كان أحد المجمعات التي تتخذ شكل حذوة الحصان بزوايا مضلعه، تمامآ كما وصفه لهم (حسام) يوم أمس .. ويحمل الرقم 621 .. أشعة الشمس الساطعه جعلت الرقم واضحآ .. اقتربا أكثر حتى بلغاه .. هناك ممر طويل تراصت أبواب الغرف على جانبه الأيسر .. كل باب يحمل فوقه الرقم الخاص بالغرفه .. نهاية الممر تفضي الى ممر آخر متعامد معه .. والذي بدوره يلتقي مع الممر الثالث الموازي للأول.. وهو ما يعطي المجمع شكل حذوة الحصان .. فيما عدا شاب كان يتحرك في الممر الآخر المقابل لهم فان الهدوء هو السمه الغالبه على المكان .. الوقت ما يزال مبكرآ وربما كان الجميع نائمين .. سمع (يوسف) صديقه يغمغم في ضيق:
"يا له من مكان ! .. يبدو أشبه بالمعتقل"
"انها ليست مفاجأة .. لقد رأينا عينة من المجمعات يوم أمس حيث غرفة أخي .. والآن كف عن التذمر ودعنا نعثر على غرفتنا"
قالها وبدأ يخطو في الممر بخطوات بطيئه متابعآ الأرقام، يتبعه (ياسر) في حنق .. أدرك الاثنان بسهوله أن الغرف في هذه الناحيه تحمل الأرقام الزوجيه .. اذن هم في الموقع الصحيح من المجمع .. واصلا التقدم بضعة أمتار أخرى قبل أن يتوقفا أمام الغرفه الرابعه من حيث التسلسل ..
"هذه هي"
صرح (يوسف) بذلك وهو ينظر لأعلى الباب..أجل..هذا هو الرقم المخصص لهم .. الرقم 8 .. أخرج المفتاح من جيبه وبدأ معالجة القفل .. ثم تجمد في مكانه .. هذا الموقف في التعامل مع باب مغلق أعاد له الذكرى .. ذكرى الباب المفضي الى الطابق السفلي من منزلهم المحترق .. الحلم.. ذكرى الماضي القريب ..
"ما بك يا (يوسف)؟! .. المفتاح لايعمل!"
أعاده هذا الهتاف الى دنيا الواقع ..
"لا تقلق يا (ياسر) .. انه يعمل .. كل ما هنالك انني شردت بذهني قليلآ"
"أرجو أن لا يتكرر شرودك الذهني يا صديقي .. فنحن بحاجه الى كامل التركيز في بداية معيشتنا هنا.. وربما يمتد ذلك الى معيشتنا كلها"
أومأ (يوسف) برأسه موافقآ .. ليته يستطيع اخبار صديقه بكل شيء .. لكن لا .. انه لم يطلع أي مخلوق بعد على الأمر .. سمع الاثنان صوت رتاج القفل يستجيب للمفتاح .. فقام (يوسف) بدفع الباب الذي أصدر صريرآ خفيفآ أثناء تحركه .. لكنه كان كافيآ لبعث قشعريره في جسده .. دخل الى الغرفه يتبعه صديقه .. ضوء الشمس يغمر الغرفه .. خزانة ملابس ملتصقه بالجدار على اليسار مباشرة .. يليها ثلاثة أرفف طويله ملتصقه بالجدار أيضآ .. تحت الأرفف تقبع طاولة خشبيه وكرسي آخر ما يمكن أن يوصف به أنه مريح .. الجدار الثاني - المقابل للباب – يحوي نافذه صغيره بجانبها مكيف الهواء، واستقر تحتهما سرير .. الطاوله الخشبيه الثانيه مع الكرسي شغلت جزءآ من الجدار الثالث .. وأخيرآ الجدار الرابع على اليمين مباشرة يتضمن السرير الثاني و نافذه مطله على الممر .. جالت عيونهما في الغرفه بصمت .. وامتلأت نفسيهما بمشاعر مختلفه .. (ياسر) كان يقاوم ليمنع الكآبة من أن تدفع الدموع الى عينيه، وهو يفكر في السنوات الخمس القادمه التي يتوجب عليه قضاؤها في هذا المعتقل .. أما (يوسف) فكان قلقآ بشأن القشعريره الخفيفه التي تعتريه .. ما الذي يمكن أن يعنيه ذلك؟ .. على الأرجح لا شيء يدعو للقلق .. انه صوت الصرير قد أعاد اليه ذكرى يريد أن ينساها .. أجل .. لابد وأن يكون هذا هو التفسير .. تقدم (ياسر) الى جهاز التكييف وضغط زر التشغيل .. فمزق ضجيجه السكون المخيم على الغرفه ..
"رائع !! .. انني أتوق الى تجربة الاستذكار أو النوم مع هذا الطرب الأصيل"
لهجة التهكم والسخريه واضحه جدآ في جملته .. لم يستطع (يوسف) لومه على ذلك .. الوضع فعلآ لايدعو للفرح .. والحياه هنا لن تكون سهله أبدآ .. غير أنه لم يرغب في الافصاح عن هذا كي لا يزيد من معاناة صديقه ..
"هناك أمران لا بد من انجازهما في أقرب فرصه: احضار حقائبنا ومستلزماتنا من غرفة (حسام) و (أسامه) .. ثم شراء ثلاجه صغيره للغرفه"
"نعم .. ثم يأتي دور القائمه المتبقيه من الأمور الأخرى: تنظيف الغرفه من أطنان الغبار المتراكم، ترتيب أغراضنا وافراغ الحقائب، شراء العديد من مستلزمات المعيشه، و .."
كان يقول جملته وهو يستدير باتجاه الباب ليخرج من الغرفه عندما رآه.. وأطلق صيحة فزع ..
-----------------------

دانة28
دانة28
الحلقةالخامسة
من
الغرفة رقم 8
للمؤلف: يحيى أحمد خان
----------------------------
"آسف اذا كنت قد أفزعتك!"
نطق بها الشاب الواقف أما باب الغرفه وعلامات الارتباك والحرج باديه على محياه .. كان أسمر البشره، يناهز المترين طولآ، قوي البنيه، ذو شعر أسود وأكرت، ومن الواضح أنه استيقظ لتوه فقد كان يحمل منشقة صغيرة على كتفه ويرتدي شورتآ وفانيله ..
"لا بأس .. لقد كنت مشغولآ بالكلام وفوجئت بك أمامي مباشرة"
مد يده اليه فتصافحا ..
"أنا (أشرف) .. جاركم في الغرفه رقم سته .. أنهيت عامين من الدراسه هنا .. يبدو لي من كلامك أنك قادم من المنطقه الغربيه .. أنا أيضآ من هناك .. من المدينه المنوره تحديدآ"
"اسمي (ياسر) .. من مكة المكرمه .. وكذلك صديقي (يوسف)"
تقدم (يوسف) في تلك اللحظه وصافح (أشرف) قائلآ:
"يسرنا التعرف اليك يا (أشرف) .. ويسرنا أكثر أنك قادم من ذات المنطقه"
انتبه (أشرف) الى أنه لم يكن يرتدي الملابس الملائمه للتعارف .. فتمتم معتذرآ:
"أرجو ألا تؤاخذاني على مظهري .. فقد استيقظت للتو ولم أتبين وجود أحد في هذه الغرفه الا عندما مررت أمامها"
منحه (يوسف) ابتسامة مطمئنه .. في حين هتف (ياسر):
"لا تقلق يا رجل .. غدآ صباحآ ستجدني في مثل هذا الهندام بالضبط .. انه يعجبني في الواقع"
رمق (يوسف) صديقه بنظرة اندهاش .. في حين أطلق (أشرف) ضحكة قصيره وربت على كتف (ياسر) قائلآ:
"تعجبني روحك المرحه يا جاري .. حافظ عليها وسوف تتمكن من التعايش مع الصعاب هنا .. والآن اسمحا لي أن أكمل طريقي الى دورة المياه"
"في الواقع .. انها فرصه للتعرف على وضع دورة المياه في هذا المجمع .. لقد رأينا نموذجآ غير مشجع يوم أمس في المجمع الذي يقطنه أخي"
قال (يوسف) ذلك وهو يترك الغرفه الى الممر .. يتبعه (ياسر) الذي أغلق الباب خلفه .. تحرك ثلاثتهم نحو نهاية الممر و (أشرف) يقول:
"صديقي (بسام) الذي يشاركني الغرفه من سكان المنطقة الشرقيه .. التقيته أثناء تواجدي في قسم الاسكان للحصول على غرفه .. واتفقنا على السكن معآ بعد أن شعرت بارتياح شديد لشخصيته وأخلاقه .. انه يمضي عطل نهاية الاسبوع مع عائلته في الدمام .. ويعود الي دائمآ محملآ بما لذ وطاب من المأكولات التي تعدها والدته"
"ياه .. أنت محظوظ فعلآ يا رجل .. تأكل طعامآ نظيفآ وجيدآ كل أسبوع"
هتف (ياسر) بذلك مع بلوغهم نهاية الممر حيث تقبع منطقة دورات المياه الخاصه بهذه الناحيه من المجمع .. لم تكن تختلف في شيء عن المجمع الآخر .. مقسومه الى قسمين: الأيمن للمربعات الخاصه بالاستحمام والتي يتم اغلاق مدخل كل مربع منها بستاره صغيره بلاستيكيه .. والأيسر للمراحيض ذات الأبواب المهترئه والمتآكله من الأسفل والمغاسل التي تجري فوقها الحشرات .. غمغم (ياسر) بامتعاض:
"اللعنه !! .. كنت آمل في دورات مياه أفضل من المجمع الآخر .. لكنها في الواقع أسوأ!"
رد عليه (أشرف) بهدوء:
"انه يومك الثاني هنا يا صديقي .. حاول أن تعتاد الوضع سريعآ حتى توفر على نفسك الكثير من الألم والاكتئاب"
سأله (يوسف):
"قل لي يا (أشرف) .. كيف تستحمون في هذا المكان المكشوف للهواء الطلق أثناء الشتاء القارص؟"
تنهد (أشرف) وهو ينظر الى قسم مربعات الاستحمام مجيبآ:
"لقد سألت عظيمآ يا رجل .. الأمر متروك لكل فرد هنا كي يقرر ما عليه فعله .. هناك من يذهبون الى أصدقاء لهم في بنايات مجمعات السكن الحديثه الخاصه بطلاب السنه الأخيره ليستحموا هناك .. وآخرون يهربون من الجامعه الى أقارب لهم في المدن القريبه المجاوره أو يستأجرون ليلة في أرخص الفنادق كي ينعموا بالدفء أثناء الاستحمام .. وستجد أيضآ الفئه الضعيفه الذين تتجمد أجسادهم أثناء الاستحمام هنا!"
أنهى (يوسف) الحوار بقوله:
"أعتقد أننا سنحتاج الى نصائحك وخبراتك يا صديقي في مختلف أمور الحياة هنا .. وكان الله في عون الجميع"
* * * انقضى النهار بسرعه على (يوسف) و (ياسر) .. وهذا حال كل من يجد أمامه العديد من الأمور والأشغال التي يجب انجازها في يوم واحد .. أحضرا حقائبهم من غرفة (حسام) وأفرغا محتواياتها .. عثرا على عامل من جنسيه آسيويه لتنظيف الغرفه .. ذهبا مع (أسامه) الى شركة نقل السيارات لاستلام سيارتيهما .. تجولا في السوق واشتريا العديد من الأغراض .. انها الآن العاشره مساءآ .. أخرج (ياسر) من أحد الصناديق مرآة مربعة الشكل، لها مقبض بلاستيكي في منتصف سطحها العاكس .. تطلع الى وجهه فيها للحظه، قبل أن يجول ببصره في أنحاء الغرفه لمحاولة تحديد أنسب الأماكن لها .. ثم بدى وكأنه قد حزم أمره، فتقدم من الأرفف الثلاثه المثبته على الجدار ورفع المرآه الى النقطه بين الرف الأوسط والسفلي ..
"ماذا تفعل؟"
سأله (يوسف) .. فأجاب دون أن يبعد نظره عن المرآه والأرفف:
"هذا هو أفضل مكان يمكن أن نضعها فيه .. لانحتاج الى تثبيتها بالمسامير .. والارتفاع مناسب جدآ لرؤية الوجه.. فقط لو كانت مساحة المرآه أصغر ببضعة سنتيمترات"
على الرغم من أن مساحة المرآه أكبر قليلآ من الفراغ بين الرفين، الا أن (ياسر) لم يستسلم بسهوله.. وأخذ بالضغط عليها من جميع الجهات بكل قوته .. سمع صوت احتكاك اطار المرآه بالحافه الخشبيه للرف وتكسر أجزاء منه مع تقدم المرآه الى الداخل .. حتى انحشرت أخيرآ بين الرفين واستقرت حيث أرادها .. فأطلق تنهيدة ارتياح:
"ياه .. لقد نجحت .. ولكن يخيل الي أنها قد انحشرت والتحمت بشكل نهائي مع الأرفف"
أعقب تصريحه هذا بأن حاول جذب المرآه الى الخارج عن طريق المقبض ولكن دون جدوى ..
"هل رأيت نتاج أفكارك العبقريه يا رجل؟ .. كيف سنخرجها من بين الرفين؟"
"ومن قال أننا نرغب في اخراجها الآن؟ .. عندما يحين الوقت بعد بضع سنوات سنجد حلآ لهذه المعضله"
حرك (يوسف) رأسه يمنة ويسره وهو يفرد الورق البلاستيكي المخصص للطعام قائلآ:
"حسنآ .. دعنا نتناول طعامنا"
جلسا على أرض الغرفه يلتهمان عشاءهما من الساندويتشات وعيونهما متركزه على شاشة التلفزيون الجديد .. وفي غمرة انشغاله بذلك شعر (يوسف) بألم خفيف في صدره .. في ذات اللحظه التي صك مسامعه وصديقه صوت ارتطام جسم معدني بالأرض .. فالتفت الاثنان الى مصدره .. كان الابريق المعدني للشاي ملقآ على الأرض امام الثلاجه الصغيره الجديده .. هتف (ياسر) في انزعاج:
"اللعنه .. انه ابريق الشاي .. ما الذي أوقعه؟"
أجابه (يوسف) وهو يواصل التهام الخبز المحشو بالدجاج:
"لابد وأنه كان على حافة سطح الثلاجه جاهزآ للسقوط .. أو تركته ملقآ على جانبه فتدحرج وسقط"
هز (ياسر) رأسه نفيآ .. وقطب حاجبيه مفكرآ لبضع لحظات قبل أن يغمغم:
"لاهذا ولا ذاك .. أنا متأكد من أن الأبريق كان في الوضع الصحيح ، كما أن موقعه يتوسط سطح الثلاجه وليس على الحافه"
توقف (يوسف) عن المضغ فور سماع التأكيد السابق من صديقه .. واجتاحته رجفة قويه ..
-----------------------------------------

دانة28
دانة28
الحلقة السادسة
من
الغرفة رقم 8
للمؤلف :يحيى أحمد خان
------------------------
"ما الذي أصابني؟"
تساءل (يوسف) في قرارة نفسه أثناء توجهه الى مبنى الجامعه لحضور أولى محاضراته .. يوم أمس كان مخصصآ لتسجيل الطلاب، توزيع الجداول والكتب، التوجيه والارشاد، وما الى ذلك من احتياجات المستجدين على هذه المرحله من مراحل الحياة العلميه .. كل شيء بدأ في منزلهم السابق ..
وفي الطابق السفلي تحديدآ .. عندما قرر قضاء بضع ساعات يوميآ بمفرده هناك والحصول على ما يحتاجه من الهدوء والتركيز في الاستذكار .. لكن الاحاسيس التي بدأت تجتاحه وقتها .. والحلم الذي مر به .. لم يسمحا له بتحقيق ذلك .. ترى هل كان حلمآ فعلآ؟.. أم أنه قد عاش تفاصيله على أرض الواقع؟ .. ليته يستطيع الجزم .. بعد احتراق المنزل، انتقلوا الى شقه متوسطة الحجم بايجار سنوي معقول .. ولم يتبق معه من معاناته سوى الألم الخفيف في الصدر من حين لآخر .. مع بعض الأحلام المتفرقه التي كان يرى فيها تلك الانثى الشيطانيه ولكن دون تفاعل مباشر .. وهاهو الآن يسكن الغرفه رقم 8 .. منذ اليوم الأول سقط ابريق الشاي من فوق الثلاجه .. ترى هل هي اشارة ما؟.. أم أنه يتسرع في تقييمه للأمور؟ .. أجل .. هذا هو الوضع بالتأكيد، لقد أصبح متوترآ وسريع الحكم على الأحداث ..
داخله بعض الارتياح عندما وصل الى هذه النتيجه، فتناسى الأمر وهو يدلف الى قاعة المحاضرة ..
* * * 3- المواجهه الأولى
الساعه الثامنه مساء يوم الخميس .. (ياسر) ذهب الى مطعم قريب لاحضار العشاء .. (يوسف) يمشي الهوينى في الممر عائدآ الى غرفته .. ألقى التحيه على الشاب الذي مر بمحاذاته في الاتجاه المعاكس.. لم يحاول التوقف أو الابطاء خصوصآ مع الألم الخفيف في صدره .. دفع باب الغرفه فور بلوغها وهو شارد الذهن .. ثم أطلق صرخة فزع قصيره وقفز خطوة الى الوراء عندما رآه .. كان شابآ أبيض البشره، طويل الشعر، معتدل القوام، يقف مستندآ بجسده الى الطاوله الخشبيه القابعه عند الجدار الأيمن وهو يعقد ساعديه أمام صدره ويرسم ابتسامة خفيفه على شفتيه ..
ابتسامة لم يرتح لها (يوسف) أبدآ .. فبدأ قلبه يخفق بسرعه متوجسآ ..
"آسف اذا كنت قد أفزعتك .. لكنني طرقت الباب عدة مرات دون جواب .. ولما وجدته غير مقفل سمحت لنفسي بالدخول"
قال الشاب ذلك دون أن يحرك ساكنآ .. فسأله (يوسف) هامسآ:
"من أنت؟"
"أنا (بسام) .. جاركم في الغرفة المجاوره .. هل ذكرني (أشرف) لكم؟"
بحث (يوسف) في ذاكرته عن الاسم.. لقد حدثهم (أشرف) عن صديقه الذي يقضي نهاية الاسبوع مع أهله، هل كان اسمه (بسام)؟.. أجل.. لقد تذكر!
"بالتأكيد .. أهلآ بك يا أخي (بسام) .. مسرور بالتعرف اليك"
لم يحاول أي منهما مد يده للمصافحه .. وتم الاكتفاء بهزة من الرأس كعلامة ترحيب .. ثم تذكر (يوسف) أمرآ فتساءل:
"ولكن (أشرف) أخبرنا أنك تقضي نهاية الأسبوع مع عائلتك .. فما الذي أعادك اليوم الى هنا؟"
هز (بسام) كتفيه بلا مبالاة:
"لقد نسيت أحد كتبي هنا فقررت المجيء لآخذه .. ولما رأيت غرفتكم مضاءه - لأول مره منذ عامين تقريبآ - أحببت أن أتعرف اليكما"
شعر (يوسف) بقليل من الارتياح في هذه اللحظه .. فأغلق الباب خلفه وجلس على حافة سريره متسائلآ:
"هل بقيت هذه الغرفه مغلقه لعامين كاملين؟"
"أجل .. أنت تعلم أن تحديد الغرف للطلاب يتم عشوائيآ عن طريق الحاسب الالي .. واحتمال أن تبقى غرفة بعينها دون أن يختارها الحاسب فترة من الزمن وارد جدآ"
قبض (يوسف) ذقنه بأصابع كفه الأيمن ليفكر .. كلام (بسام) منطقي تمامآ .. فجأة شعر ببرودة خفيفه تسري في جسده فتمتم:
"لقد انخفضت حرارة الغرفه بشكل سريع .. يبدوا أن مكيف الهواء هذا يؤدي عملآ ممتازآ على الرغم من اهتراء اجزائه!"
لم يبد على (بسام) أنه سمع هذا التعليق من (يوسف) ..
"هل أخبرك أحد بقصة الطالبين اللذين كانا يسكنان هذه الغرفة قبلكما؟"
هز (يوسف) رأسه بالنفي .. فتابع (بسام) وهو يجول في أرجاء الغرفه:
"كانا مثالآ على أسوأ ما يكون عليه الشاب .. يمارسان كل أنواع المعاصي والفسق .. كل ما يمكن أن يطرأ على مخيلتك ستجد أن لهم خبرة سابقه فيه"
قطب (يوسف) حاجبيه وهتف مندهشآ :
"يا الهي ! .. الى هذا الحد؟ .. ما الذي فعلاه؟"
"كل شيء .. مسجل الكاسيت لم يكن يتوقف عن اصدار أصوات الغناء حتى أثناء نومهما .. الأفلام الجنسيه لم تنقطع عن الغرفه .. المسكر تم تهريبه من دولة مجاوره وشرب هنا .. المخدرات كانت التسليه المحببه لهما.. وذات مره قاما بأخطر ما يمكن أن يفعلاه داخل الجامعه"
صمت قليلآ .. فاشتعل فضول (يوسف) الى أقصى حد .. وأخذ يفرك ساعديه بكفيه محاولآ بعث بعض الدفء فيهما:
"ما هو؟ .. تكلم بالله عليك"
انتفض (بسام) دون سبب واضح .. ثم عاد اليه هدوؤه وهو يتابع:
"قاما بادخال فتاة ماجنه الى حيث تجلس أنت الآن ومارسا معها الرذيله طوال الليل!"
ارتفع حاجبا (يوسف) الى أقصى حد مع اتساع عينيه من الدهشه:
"مستحيل!"
"هذا ما يعتقده الجميع .. ولكنهما فعلاها في تلك الليله قبل عامين .. الفتاة ارتدت ثوبآ شتويآ أسود اللون وغطت رأسها ووجهها بالشماغ الأحمر .. وأثناء اجتيازهم البوابه الرئيسيه انحشرت هي خلف مقعد السائق .. فلم ينتبه رجل الأمن وقتها الى الأمر .. كانت مخاطرة كبيره الا أن ذلك لم يمنعهما من الاقدام عليها"
تطلع (يوسف) الى سريره .. واجتاحه اضطراب مزعج وهو يتخيل منظر ما حصل في تلك الليله .. هل يعقل ذلك؟.. ثم انتبه الى نقطة مهمة في الموضوع .. فطرحها مباشرة على (بسام):
"ولكن .. كيف تعرف كل هذه التفاصيل الدقيقه عنهما؟"
"لم يكن ذلك بالأمر الصعب .. هل ترغب في معرفة النهاية التي سارت اليها الأمور؟"
كانت محاولة واضحه للهروب من الاجابه .. الا أن (يوسف) لم يضغط عليه وهو يوميء برأسه ايجابآ ..
"أحدهما لقي مصرعه في حادث سير أليم .. أما الآخر فقد أفقدته المخدرات عقله فصار يهذي باستمرار، وهو الآن يواجه حبسآ انفراديآ في أحد المراكز الخاصه بالمدمنين!"
شعر (يوسف) بقبضة تعتصر قلبه .. صحيح أنه لا يعرف الشابين، ولكنهما من أبناء هذا البلد وفي مثل عمره تقريبآ .. وما أصابهما ليس بالأمر الهين أبدآ!
"لماذا أخبرتني بكل هذه التفاصيل يا (بسام)؟"
"لدي يقين داخلي بأن تفاصيل تاريخ هذه الغرفه تهمك .. بالمناسبه .. هل تسير الأمور على ما يرام هنا؟"
"هنا أين؟"
"هنا في الغرفه يا رجل!"
انعقد حاجبا (يوسف) بشده!.. لماذا يسأله عن هذا الأمر بالتحديد؟.. هل هو على علم بسقوط ابريق الشاي دون تفسير واضح؟.. هل تمكن هذا الواقف أمامه من سبر أغواره والوقوف على حقيقة ما واجهه في السابق وما هو مستمر في مواجهته؟.. مستحيل .. أخذ يفكر بالجواب المناسب .. الا أن صوت (ياسر) منعه من ذلك وهو ينادي عليه من بداية الممر كي يساعده في حمل الأغراض .. فنهض بسرعه قائلآ:
"أرجو المعذره .. صديقي يحتاج مساعدتي .. هل يمكن أن تنتظرنا هنا؟"
أولاه (بسام) ظهره متحركآ نحو الجدار المواجه له بسرعه:
"يجب أن أرحل الآن"
انتفض جسد (يوسف) بعنف شديد .. وسرت القشعريره في أعضائه بقوه أوقفت شعر ذراعيه .. ضربات قلبه تسارعت الى أقصى حد .. فذلك المدعو (بسام) لم يخرج من الغرفه بالطريقه المألوفه .. بل اخترق الجدار الى الخارج .. اخترقه كما لو كان مجرد صورة ثلاثية الأبعاد .. أو شبح!..
-----------------------------------------------------------------

دانة28
دانة28
الحلقة السابعة
من
الغرفة رقم 8
للمؤلف :يحيى أحمد خان
-----------------------
أين أنت يا (يوسف)؟!"
هتف (ياسر) بذلك وهو يدفع باب الغرفه بقدمه ويدخل حاملآ مجموعة من الأكياس البلاستيكيه بيديه الاثنتين .. وجد صديقه واقفآ بلا حراك كتمثال من الحجر .. ولم يبد على (يوسف) أبدآ أنه لاحظ دخوله الصاخب الى الغرفه.. كان يحدق في الجدار المقابل للباب .. تتبع (ياسر) نظرات صديقه محاولآ تحديد ما يمكن أن يشد الانتباه الى هذا الحد فلم يعثر على شيء سوى جهاز التكييف والنافذه!.. تنبه الى أنه ما زال يحمل الأكياس الثقيله .. فقام بوضعها على الأرض في حرص ورائحة الطعام بدأت في الانتشار.. اقترب من صديقه وبدأ يربت على كتفه:
"(يوسف) .. هل تسمعني؟ .. الى ما تنظر يا رجل؟"
خيل اليه أن (يوسف) لن يستجيب لنداءاته .. الا أن هذا الأخير انتفض بغته وتراجع ملوحآ بذاعيه صائحآ:
"لا .. ابتعد عني .. ابتعد!"
قفز (ياسر) الى الوراء مذعورآ .. لماذا يتصرف صديقه بهذه الغرابه؟! .. ما الذي حصل أثناء غيابه؟ .. حاول التركيز واقترب ببطء من صديقه:
"اهدأ يا (يوسف) .. اهدأ أرجوك .. أنا صديقك (ياسر) .. خبرني بالله عليك ما الذي حصل؟!"
حملق (يوسف) في صديقه والتوجس يملأ مشاعره .. صدره يعلو ويهبط بشكل ملحوظ من فرط التوتر .. الآن فقط وجد التفسير لكل النقاط التي أثارت استغرابه أثناء لقائه مع ذلك (الشيء) المنتحل شخصية (بسام) .. الألم في صدره قبل دخول الغرفه، البرودة التي انتابته أثناء الحوار، انتفاض ذلك الكيان عندما ذكر هو اسم الله، عدم تقدمه للمصافحه في بداية اللقاء .. كلها أمور أثارت حيرته دون أن يفطن الى معناها الحقيقي .. أخذ يسأل نفسه:
"هل هذا فعلآ (ياسر)؟ .. أم أنه كيان آخر منهم يحاول تضليلي؟ .. ولكن مهلآ .. لقد تلفظ للتو باسم الجلاله .. على عكس ذلك الشيء الذي امتعض وانتفض لمجرد سماعه .. هل يجعل هذا الأمر (ياسر) فوق مستوى الشبهات؟.. ربما .. ولكن كيف سأشرح له الأمر الآن؟"
هداه تفكيره الى أن أول ما ينبغي فعله هو محاولة طمأنة (ياسر) الى أنه الآن بخير .. فاعتدل في جلسته وأطلق زفرة طويله خرج معها الكثير من توتره:
"لابأس يا صديقي .. لابأس .. أنا بخير .. آسف لأنني لم أنتبه الى مناداتك لي قبل قليل"
جلس (ياسر) جواره عل السرير . وربت على كتفه:
"هذا هو بالضبط ما أحتاج الى تفسيره .. لقد ناديتك من خارج الغرفه بأعلى صوت .. ثم خاطبتك من قريب دون جدوى .. كنت في عالم آخر تمامآ!"
تطلع (يوسف) الى صديقه .. آه لو يعرف كم هو على حق فيما قاله .. لقد كان يواجه مخلوقآ من عالم آخر .. ومن بعد آخر .. هذه المواجهه التي ستجعله يشك في كل شخص يلتقي به من الآن فصاعدآ .. سيفترض أنه منهم حتى يثبت العكس .. ويالها من حياه !.. أخفى كل هذه الهواجس والاضطرابات عن صديقه وهو يقول بصوت حاول أن يضفي عليه شيئآ من المرح:
"أعتقد أنها كانت حالة قويه من شرود الذهن وأحلام اليقظه .. أكرر اعتذاري .. والآن دعنا نتناول عشاءنا قبل أن يبرد"
"هل أنت متأكد أن كل شيء على ما يرام؟"
كان جوابه أن نهض من على السرير ليبدأ في اخراج المشتريات من أكياسها .. وهو يحمل قرارآ مهما: اذا كان سيعيش على الشك والتوجس فليفعل ذلك بمفرده .. ليس هنالك ضروره من أن يعيش صديقه ذات الحياه
"تفضل بالدخول"
دفع (أشرف) الباب – مساء اليوم التالي – ودلف الى الغرفه بعد أن سمع صوت (ياسر) يأذن له .. كان هذا الأخير وصديقه (يوسف) يتابعان احدى مباريات كرة القدم على التلفاز، كل واحد منهما مستقر فوق سريره ومستند على وسادته الى الجدار .. هذه هي طريقتهما المفضله في متابعة البرامج سويآ ..
"حياك الله يا (أشرف) .. تفضل"
نطق بها (يوسف) وهو يتأمل ملامح الواقف أمامه بدقه .. كان يبحث عن الاثبات الذي يحتاجه للتأكد من حقيقة القادم .. وشعر ببعض الارتياح عندما ازدادت ابتسامة (أشرف) وهو يمسك بالباب ليبقيه مفتوحآ:
"كيف حالكم يا جيراني الطيبين؟ .. أحضرت لكم مفاجأة"
لم يكد ينتهي من عبارته حتى اجتاز الباب شاب وسيم، طويل القامه، نحيل الجسد، حنطي اللون .. يحمل في يده طبقآ زجاجيآ تمت تغطية محتوياته .. بادرهم بالتحيه:
"السلام عليكم يا شباب"
رد (يوسف) و (ياسر) عليه السلام وهما ينهضان ليصافحاه .. و (أشرف) يقول موضحآ:
"هذا هو صديقي في الغرفه (بسام) .. لقد علم بأن غرفتكما لم تعد خاليه، فأصر على احضار بعض الكعك الشهي لكما من منزله .. وصدقاني .. ان والدته تجيد صنعه بشكل ممتاز"
"جزاك الله أنت ووالدتك كل الخير يا أخي"
تمتم (يوسف) بهذا وهو يتناول الطبق من يد (بسام) .. الأمور جيده الى الآن .. ولايوجد ما يدل على أن الشابين لا ينتميان الى جنس البشر ..
هتف (ياسر) وهو يتناول قطعة من الكعك ويلوكها في فمه:
"ياه .. نحن محظوظان فعلآ .. على الأقل لن نشعر بالحرمان التام من متعة الطبخ المنزلي"
حدجه (يوسف) بنظرة عتاب وهو يشعر بالخجل .. في حين ابتسم (بسام) قائلآ:
"بالهناء والعافيه .. وسأحرص على التجديد كل أسبوع في الأطباق التي أحضرها لكم"
"تقبل اعتذاري عما قاله صديقي .. أرجو ألا تتعب نفسك ووالدتك"
انفرجت شفتا (بسام) ليرد .. الا أن (أشرف) كان الأسرع:
"يا رجل لا تقلق .. لقد أوصى رسولنا الكريم على سابع جار .. فكيف بكما وانتما تقطنان الغرفه التي يلتصق جدارها بجدارنا"
أثلج هذا القول صدر (يوسف) .. فعلى الرغم من المعاناه التي يمر بها منذ تجربته مع الطابق السفلي .. الى أن الحياه ما زال بها الخير ..
فالغرفه رقم 6 يقطنها شابان طيبان .. والأهم من ذلك .. أنهما من البشر!..
----------------------------------------------------------------

دانة28
دانة28
الحلقة الثامنة
من
الغرفة رقم 8
للمؤلف :يحيى أحمد خان
----------------------------
4- رعب في المرآه
مضت بضعة أيام .. الوقت الآن ما بين المغرب والعشاء .. (يوسف) يتقدم في الممر ببطء نحو دورة المياه .. منشفة الاستحمام على كتفه .. ومايحتاجه من أغراض تقبع داخل كيس بلاستيكي يحمله معه .. الصيف يوشك على الرحيل .. الا أن حرارة الجو والرطوبه ما زالتا تجبران الطلاب على الاستحمام مساءآ وليس خلال النهار .. هذا بالتأكيد أحد أسوأ أمور المعيشه هنا في سكن الطلاب .. استخدام دورات المياه المكشوفه على الهواء الطلق .. لم يكد يبلغ مدخل دورة المياه حتى اجتاحته موجة برد خفيفه .. توقف في مكانه .. وأخذ يجول ببصره في ترقب .. الهدوء مخيم على المكان .. ترى ما الذي سيحصل الآن؟.. أي أهوال بانتظاره؟ .. هل يكمل طريقه الى الداخل أم يعود أدراجه الى الغرفه؟ .. لو عاد الآن فسيعني هذا أنه لن يستخدم دورة المياه بعد الآن .. لا .. لن يهرب .. سيواجه الأمر بشجاعه ويؤكد لهم أنه هو من يحدد متى يستحم وليس هم .. ازدرد لعابه بصعوبه ..
"أعوذ بالله من الشيطان .. توكلت على الله"
تمتم بذلك .. ثم تقدم الى الداخل ببطء على عكس خفقات قلبه التي تزداد سرعه .. شعور قاتل هذا الذي يشعر به كل من يعلم أن هنالك خطرآ يحدق به .. دون أن يعرف متى وكيف سيواجهه .. انعطف يمينآ نحو المغاسل .. هنالك مجموعة من صنابير المياه بأحواضها وفوقهم مرآه مستطيله طويله .. فتح أقرب صنبور اليه بأصابع مرتجفه .. لابد وأن يتأكد من درجة حرارة المياه قبل أن يبدأ مشروع الاستحمام .. وعندما رفع عينيه الى المرآة أمامه انتفض .. واتسعت عيناه في رعب .. فخلفه تمامآ كان يرى ذلك الوجه الانثوي وقد انفرجت الشفتان عن ابتسامة شيطانيه .. فصرخ وهو يستدير بسرعه ..
لا شيء !! .. لا أحد خلفه .. ولكن .. هو على يقين تام مما رأى للتو .. لا يمكن أن يكون مجرد تخيل .. التف ببطء الى وضعه الأول وتطلع الى المرآه .. لا شيء .. حسنآ .. هل انتهى الأمر؟.. لا يدري .. على كل حال .. حرارة المياه مناسبه .. أغلق الصنبور واستدار ليتقدم نحو أقرب المربعات الخاصه بالاستحمام .. الستارة البلاستيكيه التي تغطي مدخل المربع كانت مواربه قليلآ .. وقبل أن يصل اليها بخطوة واحده توقف بغته .. الأمر لم ينتهي بعد .. هواء زفيره أخذ يتكثف أمام فمه – وهو ما يستحيل حدوثه في الصيف - .. تحسس صدره .. الألم موجود .. كان يشعر أن المواجهه القادمه تنتظره داخل المربع .. على بعد خطوة واحده .. هل يتراجع؟ .. لا .. لن يفعل .. سيواجه .. سيقاوم .. بأصابع مرتجفه أمسك طرف الستار .. أنفاسه تتلاحق بسرعه..و ..بحركة واحده خاطفه سحب الستار الى النهايه ..
لا شيء !! .. كان يتوقع أن يواجه أحدهم أمامه .. ربما تلك الانثى .. ولكن لا .. لا أحد .. أين الخطر اذن؟.. أتاه الجواب فورآ .. صوت غير آدمي ينبعث من نقطة ما في الاسفل .. خفض بصره بسرعه الى أرض المربع البلاطيه .. فرأى مصدره .. قطة سوداء .. كانت تنظر اليه .. وخيل اليه انه يرى شبح ابتسامه على فمها الصغير !! .. مستحيل ! .. في اللحظة التاليه .. تناهى الى مسامعه صوت أقدام تقترب من الخارج .. فقفزت القطه من مربع الاستحمام، وانطلقت تعدو خارجة من دورة المياه .. في نفس اللحظه التي دخل فيها أحد طلاب السكن الى المكان .. فهتف به (يوسف) بصوت مرتجف:
"هل رأيت القطه السوداء؟"
"أي قطه؟"
"تلك التي خرجت للتو"
هز الشاب رأسه بالنفي .. فأشاح (يوسف) عنه ودخل مربع الاستحمام مغلقآ الستار خلفه .. وقال محدثآ نفسه بعد أن بدأ يهدأ:
"اما أنني الوحيد الذي يستطيع رؤية القطه .. أو أنها قد اختفت فور خروجها من المدخل"
هاهي جولة جديده من الصراع قد انتهت ..
ولكن الحرب ما زالت مستمره ..
-----------------------------------------------------------------

دانة28
دانة28
الحلقة التاسعة
من
الغرفة رقم 8
للمؤلف :يحيى أحمد خان
-----------------------
انها محاضرة مادة الكيمياء التي يكرهها .. يجلس وحيدآ في الصف الأخير من المدرج ..يسرح بخياله بعيدآ .. ويتساءل كثيرآ .. لماذا يواجه كل ما يواجهه مع عالم الخوارق؟.. عالم الجن .. هذا العالم الذي ترتجف لذكره قلوب الملايين .. لماذا هو؟ .. ما الذي ينفرد به عن أصدقائه وأقرانه حتى يتم اختياره لهذه المواجهات؟.. والى ماذا سينتهي الأمر في النهايه؟ .. هل سيتغلبون عليه؟ .. أيعني ذلك أنه سيموت؟ .. أم سيصاب بالجنون؟.. أو ربما يدفعه ذلك الى الانتحار! .. اختلج قلبه، وسرت ارتجافه في أوصاله عندما وصل بتفكيره الى هذه الاحتمالات .. لا .. لا يمكن أن تكون هذه هي نهايته .. انه يحلم بحياة سعيده .. مليئة بالطموح والانجازات .. يحلم بعائله وأطفال .. هل حكم على كل أحلامه بالتبخر في الهواء؟.. أخذ يعتصر ذهنه ويبحث في ذاكرته عما يمكن أن يكون السبب في كل هذا .. غير أن محاولته لم تفض الى أية نتيجه .. لا جدوى من هذا الآن .. تنهد بقوة .. وأخرج مع زفيره كل ما يعتمل في داخله من احباط وحيره وقلق .. القلق من المستقبل .. ترى كيف ستكون الجوله القادمه من المواجهه؟ .. متى ستحدث وعلى أي شيء ستنتهي؟.. الى متى ستحتمل أعصابه هذا الوضع؟ .. لا يمكنه الوثوق بأي شخص أمامه دون أن يتأكد من أدميته أولآ! .. لا يمكنه زيارة دورة المياه من غير أن يتلفت حوله كل لحظه .. والقادم من الأيام يحمل له المزيد والمزيد من الصعوبات بالتأكيد .. أعاده صوت المحاضر الى أرض الواقع وهو يشير اليه صائحآ:
"أنت هناك في الخلف .. ما هي الاجابه على السؤال المطروح؟"
ولم يحر (يوسف) جوابآ .. أبدآ ..
* * * الغرفه مظلمه الا من ضوء خفيف ينبعث من مصباح قراءه على طاولة (يوسف) .. لقد انتصف الليل .. (ياسر) و (يوسف) نائمان .. وقد اتفقا منذ اليوم الأول على ألا يناما في الظلام التام .. لا بد من وجود مصدر اضاءه لا يسبب لهما الازعاج أثناء النوم .. وهذا ما كان .. الدقائق تمضي .. (ياسر) يغط في نوم عميق .. أما صديقه .. فلم يكن نومه مريحآ أبدأ .. ذكريات المواجهات السابقه أخذت تهاجم أحلامه هذه الليله .. قطرات العرق بدأت في التكون والتجمع على وجهه .. سرعة تردد أنفاسه في تزايد .. حتى كانت اللحظه .. فتح عينيه عن آخرهما دفعة واحده .. كان مستلقيآ على جنبه، ووجهه نحو الجدار .. هناك احساس لم يعرفه من قبل .. شعور بأن هنالك من هو مستلق بجانبك .. كيان غير بشري قريب منك جدآ الى درجة الالتصاق .. ولكن دون أن تشعر بتفاصيل جسده أو حرارة أنفاسه .. هواء زفير (يوسف) بدأ في التكثف .. حاول أن يستجمع شجاعته .. ويستدير ليرى ما هية الشيء خلفه و .. لم يستطع .. انه مثبت بقوة خفيه الى الفراش .. ليبقى على هذا الوضع من الاستلقاء .. عقله أرسل الأوامر الى أعضاءه بالتحرك ولكن دون جدوى .. الشلل أصابها جميعها .. لم يعد يملك السيطره سوى على عينيه وفمه .. فقط .. البرودة المؤلمه تنتشر في جسده .. تتبعها القشعريره .. مما ضاعف من شعور الغيظ والخوف عنده .. أية حالة هذه التي يمر بها الآن؟ .. هل أصيب بالشلل الحقيقي؟ .. لا .. مستحيل!. ثم اخترق عقله الصوت الانثوي الشيطاني .. هذه المره كان كفحيح عشرات الأفاعي ..
"كيف تجد انتقامي؟"
حاول مرة أخرى أن يستدير ليرى محدثته فلم يفلح ..
"لا تتعب نفسك بالمحاوله .. لن تستطيع الحراك"
خطرت له فكره .. سيصرخ بأعلى صوته ليوقظ (ياسر) .. وقام بوضعها الى التنفيذ فورآ .. الا أن لسانه كان ثقيلآ جدآ .. فخرج صوته من بين شفتيه ضعيفآ مختنقآ .. بالكاد يستطيع هو ذاته أن يسمعه ! .. فشلت الفكره اذن .. يبدو أن سيطرة هذه الشيطانه على جسده أقوى مما كان يتصور .. قرر أن يجرب الحوار معها لعل في هذا نجاته:
"لماذا؟ .. ماذا فعلت أنا؟"
اكتسى صوتها ببعض الصرامه والغضب:
"لقد تسببت في موت أبي أيها البشري .. تركت دمه يسيل بلا رحمه"
بلغ ذعر (يوسف) أقصى حدوده بعد هذا التصريح القاسي .. اذن هذا هو التفسير لكل ما يحصل .. ولكن .. كيف قتله؟ .. ومتى حصل ذلك؟ ..
حول تساؤله هذا الى كلمات خرجت مرتجفه من بين شفتيه .. فأتاه صوتها داخل عقله:
"لا تحاول تصنع البراءه أيها الانسي .. بامكاني قتلك في لحظه .. ولكني أتلذذ بتعذيبك .. سوف تعاني لفترة طويله .. تمامآ كما جعلت أبي يتعذب لفترة قبل أن يموت"
في تلك اللحظه استيقظ (ياسر) من نومه .. واتجه نحو الثلاجه الصغيره ليروي ظمأه .. كم تمنى (يوسف) لحظتها أن ينتبه صديقه الى ما يعانيه هو الآن .. ولكن .. كيف له ذلك؟ .. لا أحد غيره يرى أو يسمع بما يواجهه هو .. أراد أن يصرخ مستنجدآ وكله أمل بالنجاح هذه المره .. لا جدوى .. عذبه احساس الشلل والعجز عن فعل أي شيء .. أتاه صوتها من جديد:
"سنلتقي فيما بعد .. أعدك بذلك"
بدأ يستعيد سيطرته على جسده ببطء .. وتدريجيآ .. (ياسر) انتهى من شرب الماء وعاد الى فراشه .. في اللحظة التاليه .. مزق صوت ارتطام جسم بالأرض الهدوء الذي كان مخيمآ على الغرفه .. أعقبه صوت تهشم الزجاج .. استعاد (يوسف) سيطرته الكامله على جسده دفعة واحده .. فقفز من فراشه ليشعل ضوء الغرفه الأبيض .. في حين شهق (ياسر) وهو يغطي عينيه بكفه ليحميها من وهج الضوء:
"ماذا حصل؟"
حدق (يوسف) في نقطة معينه على أرض الغرفه دون أن يجيب .. أما صديقه .. فقد مضت بضعة لحظات قبل أن تعتاد عيناه على الضوء القوي .. ولم يكد ينظر الى ذات النقطه على الأرض حتى انتفض جسده كله .. وبعنف ..
-----------------------------------------------------------

دانة28
دانة28
الحلقة العاشرة
من
الغرفة رقم 8
للمؤلف :يحيى أحمد خان
--------------------------------------------------
"هذه الغرفة مسكونه!!"
غمغم (ياسر) بذلك وهو يستقر جالسآ فوق سريره، بعد أن انتهى من شفط قطع الزجاج المتناثره بالمكنسة الكهربائيه .. في حين قام (يوسف) بالتخلص من الجزء المتبقي من الحطام في الخارج حيث يقبع صندوق المخلفات العام .. جلس الأخير بدوره فوق سريره، واستند بظهره الى الجدار ليواجه صديقه قائلآ:
"لماذا تظن ذلك؟"
كان (يوسف) يعرف الاجابه .. في الواقع .. كان متأكدآ من أن الغرفه مسكونه – خصوصآ وأنه تعرض لتجربه شخصيه قبل أيام مع ذلك الكيان الذي ادعى أنه (بسام) – الا أنه يحاول بشتى الطرق أن يبعد صديقه عن هذا كله .. يجب أن يقتنع (ياسر) بأن كل هذه الأمور مجرد أوهام .. أشار الأخير بيده نحو الموقع الذي كانت تحتله تلك المرآه المربعه التي اشترياها منذ اليوم الأول لمجيئهم الى هنا وهتف بانفعال:
"يا رجل .. لقد سقطت المرآه فجأة في منتصف الليل! .. وبقوة كانت كافيه لتحول زجاجها الى أشلاء! .. تلك المرآه التي انحشرت بين الرفين الى الحد الذي عجزت أنا نفسي عن اخراجها .. قل لي بالله عليك: كيف تفسر ذلك؟"
شحن (يوسف) ذهنه للبحث عن تفسير سريع ومقنع .. بعد لحظات، خطر له واحد لا يبدو مقنعآ ولكنه لا يملك غيره على أية حال:
"التفسير بسيط .. لقد تقلصت المرآه قليلآ بفعل برودة الغرفه، فخرجت من حالة الانحشار التي كانت فيها .. ولأن الجانب العاكس فيها أثقل لاحتوائه على المقبض، فقد مالت فورآ نحو الأمام وسقطت .. هذا كل شيء"
بدا على (ياسر) أنه يحاول استيعاب وهضم هذه النظريه .. هل يمكن أن يكون هذا فعلآ التفسير الحقيقي للموضوع؟ .. انه يحمل الكثير من الموضوعيه والمنطقيه العلميه .. ولكنه لا يجيب على كل الاسئله .. ثم تذكر شيئآ آخر:
"وماذا عن ابريق الشاي الذي قرر الانتحار فجأة بالقاء نفسه من فوق الثلاجه؟ .. هل تعرض للتقلص الحراري هو أيضآ؟"
كتم (يوسف) ضحكة كادت تهرب منه .. فعلى الرغم من الخطر الذي يهدده في كل لحظه مع تلك الانثى الشيطانيه، ومع هذه الغرفه المسكونه .. الا أن الجمله الأخيره التي ألقاها صديقه حملت الكثير من السخريه المضحكه .. حاول أن يبحث في ذهنه عن تفسير لحادثة ابريق الشاي - بخلاف ما حاول به تعليل الأمر أثناء وقوعه - فلم يفلح! .. مما جعل (ياسر) يواصل جداله:
"أرأيت؟ .. لا يوجد تفسير منطقي لما حصل! .. هذه الغرفه مسكونه بلا شك"
أطفأ (يوسف) الضوء الأبيض القوي، فساد الظلام أرجاء الغرفه - عدا ذلك الركن الذي ينبعث منه ضوء مصباح القراءه - قبل أن يستلقي فوق السرير ويسحب الغطاء فوقه:
"صدقني يا (ياسر) .. هناك تفسير منطقي حتمآ .. والآن حاول أن تخلد للنوم"
تعوذ (ياسر) من الشيطان .. وتمدد بدوره وهو يتمتم في مراره:
"ألا يكفي معاناتنا من أمور المعيشه، والدراسه الصعبه، حتى يضاف الى ذلك العيش في غرفة مسكونه؟"
اعتصر الحزن قلب (يوسف) بعد سماعه ذلك .. ليته يستطيع التخفيف عن صديقه، وطمأنته .. ولكن .. فاقد الشيء لا يعطيه .. هو ذاته يفتقد الى الطمأنينه منذ سنوات .. منذ أن بدأت تلك الشيطانه في تعذيبه .. انه يحتاج الى من يخفف عنه شخصيآ .. ولكن من؟ .. من؟ .. تردد السؤال في ذهنه .. دون جواب .. وسرعان ما تغلب اجهاد جسده وعقله على حيرته وقلقه .. فغاص في نوم صامت .. بلا أحلام ..
-----------------------------------------------

حسآيف تذبل الضح وهي بين الشفآيف للكآتبه رجآوي وربي إبدآع
ابكت الملائكة