أشواق المختار
17-12-2022 - 07:25 pm
جريمة القمر الدامي
تغفو بين أحلامها المتداخلة , ترقد على سرير من خشب
الصنوبر , ما زال يفوح بعطره الأثيري و كأنه قد نحت بالأمس ,
نور البدر يقتحم الغرفة الصغيرة بلا إستأذان لتتحرك الضلال
بتزامن مع حركات البدر في السماء,ترص الصناديق الكرتونية
على جوانب الحيطان العارية , القليل منها قد فتح على عجل
لتتناثر منه قطع الملابس الأنثوية , على المزينة كأس ماء قد
شرب نصفه تجاوره فرشاة شعر عاجية ترهن بضع شعيرات
ذهبية بين أسنانها الطويلة , صرير الأرضية الخشبية يعلو من
بعيد,خطوات بطيئة تخطو على السلم الضيق يمرر يديه على
الدرابزين الخشبي بيدين قد غلفتا بقفازين أسودين ,نفس
مريضة ونوايا سوداوية طفحت من ذلك القلب الا إنساني,تحولت
أحلامها إلى كوابيس تضطرب على فراشها ترتفع يدها على
رقبتها ثم تهدأ في نومها ثوان وتعاود الكره ولكن باضطراب
أكثر شدة ترفع كلتا يديها إلى حنجرتها وتلهث بصوت مسموع
لتصحو (فزعة , متعرقة ) تلتفت حولها وكأنها تتوقع هجوما من
أحد ,أنفاسها هي الوحيدة المتعالية في غرفتها,
تهمس :الحمد لله
تستلقي وتستجدي النوم عله أن يزورها ,تتقلب بصمت يمنة
ويسرة لم يعد فراشها مريحا وكأن كوابيسها قد حولته إلى
فراش من قرميد أحمر , تفقد الأمل هنا تقرر أن حان الوقت
لتنظم إلى أحظان والديها , تقوم من سريرها بحزم ,تقترب من
غرفة والديها التي تجاورها تقف أمام الباب, روح التردد تزورها
,ترفع يدها لتطرق الباب لكن ترددها يعلق يدها في الهواء ,
أصوات غريبة خلف الباب و كأن هناك من كمم بالداخل تضع
يدها على مقبض الباب البارد ..تفتحه ببطء شديد تشتم رائحة لم
تعهدها من قبل , تنظر من الفتحة الضيقة للباب فترى جثة رجل
ضخمة يقارب طوله المترين يكتسي السواد وسط الظلام ,ترتعب
فورا فحتما هذا ليس والدها فوالدها رجل متوسط الطول نحيل
الجسد ,تود الهروب إلى الخارج فرائحة الموت تخيم بالداخل ,
عليها أن تعلم ما حال والديها قبل الهروب ترفع يدها إلى فمها
لتكتم أنفاسها المتسارعة تقترب أكثر من الباب النحيل ترفع
عيناها إلى أخر الغرفة حيث تجلس والدتها على كرسيها الهزاز
و الرجل الضخم مشغول بتكبيل قدميها, تتلاقى عيناها مع عينان
والدتها التي تمنت أن تصرخ لأبنتها تأمرها بالفرار ,
نظرت والدتها أسفل الباب فنظرت الابنة المراهقة في تلك البقعة شعور
فضيع ينتابها لما ستجده هناك في الأسفل الآلام تعتصر معدتها
الغثيان يدفعها إلى التقيؤ لكنها تبتلع ريقها بإصرار , وجدت
يد والدها الدامية متصلة بجسده المقتول , رأسه
غرق في بركة من الدماء , إذا هذه هي الرائحة التي فاحت منذ
البداية ,تغلق الباب بأصابعها المرتعشة,ويأبى الباب أن يقفل نظرت لتجد أن يد والدها
تمنع الباب من الإقفال , هذه اليد
الرحيمة مسحت على رأسها ألاف المرات , و ناولتها المصروف
كل صباح , واليوم عليها أن تزيلها عن طريقها وتبعدها إلى
خلف الباب , أزاحتها إلى داخل الغرفة ودموعها تتساقط تسحب
معها ذكريات قد كانت سعيدة ,و أخيرا تغلق الباب وتنتهي
الذكريات ...
تخطو لغرفة أخاها الكبير تدعو الله أن يكون بخير
:يا رب أرجوك أرجوك أرجوك
تهمس تدعو تتمنى ...
وتدخل إلى هناك بقلب لا يحمل إلا ذرات من الأمل ...
غرفة مظلمة صامتة
تهمس بصوت لا يسمع :
راندي راندي
ضلال جسده الممتلئ على الكرسي بجانب المكتب ...
رائحة الموت تفوح من هناك ...
رائحة قارصة البرودة...
لا يمكنها تركه هناك دون أن تعرف هل هو يتنفس مع الأحياء أم يرقد مع الأموات ...
تمس يده الدافئة الدامية وتتضح لها الرؤية ...يداه وقدماه قد
قيدتا إلى الكرسي و شق كبير يفصل عروق رقبته عن بعضها
لم يمر على موته إلا بضع دقائق ...
هذه المرة لا تمتلك نفسها فتخرج كل ما كان ببطنها ...
تقيأت و تقيأت ...
جلست ... لثوان ...وصوت الباب يفتح أهو المجرم
القاتل
: ماما ..
لا أنه جاك الصغير ..أخيها الأخر و أخر أفراد عائلتها ..
تخرج هي من غرفة راندي لتجد جاك يقترب من باب غرفة
والديها تعدو مسرعة و تضع يدها على فمه وتهمس في إذنه
: هل تريد المثلجات يا جاك .
يهز رأسه بنعم .
وتحمله خشية أن يصدر صوت ما ...تنزل من السلالم ...
وتحاول فتح الباب الأمامي ...إنه مقفل تنتقل إلى النافذة
وتحاول فتحها و لكن لا أمل ...
جاك بملل : أين مثلجاتي .
تجلس بمحاذاة جاك ذو الأربع سنوات كيف ستمرر له فكرة
المجرم الشرس ...عليها أن تحاول ...
: جاك هناك رجل سيئ في منزلنا و هو يريد أذيتنا حتى أحميك عليك أن تطيعني بصمت ...
صوت الباب من جديد
ما زال عليه أن يبقى في الأعلى فهو يعلم أن هناك ضحيتان بانتظاره ...
كاتي تأخذ بيد جاك تمر على المطبخ سريعا وتأخذ سكنيتين من
مجموعة والدتها المميزة ...
وينزلان سريعا إلى القبو تهمس لجاك
: علينا أن ننزل بحذر حتى لا يسمعنا الرجل السيئ .
يرد جاك بخوف
: أنا لا أحب الظلام .
تجيبه وهي تشد على يده
:أنا أيضا .
إنها أول مرة تنزل إلى القبو في منزلهم الجديد لذا هي لا تعرف
ترتيب أي غرض فيه فقط تهتدي بأطراف أصابعها الباردة ...
تتعثر قدمها بخشبة قديمة فتسقط أرضا وتسحب معها أخيها
الصغير يتأوهان بألم ...تخشى أن يسمعها القاتل فينزل إلى هنا
تبحث عن مخبأ تعودت عيناها على ظلام الغرفة فترى صندوق
كبير بفتح ضيقة و ترى نافذة ضيقة على بعد متر واحد من
الأرضية تسحب الصندوق وتضعه تحت النافذة تدخل جاك
الصندوق وتقفل عليه
: أسمع يا جاك لدي خطة
سأكسر زجاج النافذة ومن المحتمل أن يسمعني الرجل السيئ
ومن المحتمل أن يؤذيني ومهما صرخت ومهما فعل لا تحدث
صوتا حتى ترى رجال الشرطة أخرج, وإن خرجت أنا من القبو
وتبعني الرجل السيئ
أخرج من النافذة و أجرى ولا تنظر إلى الخلف ولا ترجع إلى هنا
اذهب إلى منزل سام الطفل الأشقر الذي لعبت معه اليوم والده
شرطي سيساعدنا أخبره أن رجل سيئا في منزلنا , تصمت لثوان
قليلة وتقول بإبتسامة دامعة :أحبك يا جاك .
تقف شامخة تحضر مطرقة صدئة كانت بجانب الصندوق
ومنشفة قديمة وتكسر الزجاج بسرعة كي تفسح أكبر مجال
للهروب لجاك ,بعد أن انتهت وضعت المنشفة القديمة على
النافذة ليغطي أكبر قدر من الزجاج المكسور ,تهمس لجاك
: الخطة يا جاك تذكر الخطة .
و اختبأت خلف السلم الخشبي القديم .تجهز سكينتها الكبيرة
لتطعن هذا السافل لن تمكنه من قتلها و لن تترك أخيها الصغير
وحده في هذا العالم ...
يفتح الباب على مصراعه وينزل القاتل الضخم بخطوات حذرة لم
تتعود عيناه على الظلام بعد ومع ذالك يواصل سيره نحو الأسفل
ينهي درجات السلم كاد أن يلتفت خلف السلم لكنه غير رأيه
وقرر أن يبدأ البحث من الجهة الأخرى و صار هدفا سهلا لكاتي ..
أحس بطعنة مفاجئة في أسفل بطنه أحس بتقطع جلده ولحمه و أعضائه ....
صرخ بألم وقد ألتفت عليها
: أيتها البائسة .
حاولت أن تطعنه ثانية لكنه أمسك يدها هذه المرة و أحاط عنقها
بيديه أراد أن يخنقها تركله بعشوائية علها تصيبه بين ساقيه
وبعد ثلاث محاولات وقبل أن تلفظ أنفاسها لتقتل مخنوقة
بيديه العملاقتين ...نجحت تركها و أنصرع أرضا ,وسقطت هي
بجانبه تحاول أن تعيد أنفاسها و بصعوبة تتسلق السلم الخشبي
بكلتا يديها ورجليها ...
و أخيرا خرجت من هناك تركت باب القبو مفتوحا ..
مئات الأفكار للأماكن الاختباء التي تطرأ على بالها مما جعل
الاختيار أمرا عسيرا ..
صعدت إلى الدور الثاني ..
وضلت تختبئ بين الضلال تعصر أعمدة السلم الخشبية بيديها
الصغيرتين تنتظر خروجه ليهرب جاك لكن ذالك المجرم يأبي
الخروج ...
تصرخ بصوت عال علها تقنعه باللحاق بها
: أيها الغبي القبيح .
تمر عدة ثوان ولا يصدر من خلف باب القبو أية حركة
هل وجد جاك ؟ هل قتل جاك ؟
تهمس بألم والدموع تلاحق بعضها
: لا لا لا .
ثم يخرج هو من بين الظلام يعرج و يمشي بصعوبة يتكأ على
الجدران دمه يترك أثارا على السجاد الفاتح .
تذكرت مسدس والدها الصغير وكيف كان يشرح لها الظروف
الملحة التي تسمح باستخدامه أنه في الخزنة السرية يقبع مع
مجوهرات والدتها و هي في ظل هذه الظروف .
تعدو نحو غرفة والديها ...
تدخل الغرفة وتقفل الباب ,لمحت المجرم الضخم و هو في نهاية
السلم يصعد بصعوبة, رصاصة واحدة تكفي لقتله و إنهاء هذا
الكابوس القاتم .
الخزانة خلف اللوحة المعلقة بجانب الحمام ...
ترمي اللوحة بسرعة وتضغط الأرقام السرية بسرعة أنه تاريخ
زواج والديها 1987
تخطئ المرة الأولى
: اللعنة
يخبط الباب بكل قوته و يربكها الصوت ليزيد من ارتجاف يديها
تخطئ المرة الثانية ,
تغمض عينيها وتسحب نفسا عميقا تعزل نفسها عن وضعها
لتستعيد وعيها المتزن ثم تفتح عينياها وتضغط الأزرار مسرعة
,تفتح الخزانة مع فتح الباب تسحب المسدس من داخل الخزانة
و توجهها نحو المجرم و تضغط على الزناد لكن لا يخرج
الرصاص(عليها أن تفتح زر الأمان ) فيهجم عليها الرجل
الضخم تسمع صفارات الشرطة من بعيد ياللسعادة لقد نجا جاك
و هاهم في طريقهم إليها ..
يرفع يدها الممسكة بالمسدس يضمها إليه ويغرس سكينة
صغيرة في بطنها و يقول بصوته الأجش
:أذهبي إلى الجحيم .
تراخت عضلاتها وشعر بجسدها يتثاقل عليه
همست في إذنه
: الجحيم لك وحدك .
و من خلف ظهره رفعت المسدس وقد عالجته ليطلق
النار في رأسه الأشعث الكبير .
سقطا معا جثتان هامدتان اختلفتا في المعالم اختلفتا في العمر
اختلفتا في النوايا ...
لكن اشتركتا في ساعة الموت ...
سميت هذه القضية بقضية القمر الدامي نظرا لكثرة الدم في تلك
الليلة المقمرة ...
نجا الصغير جاك نجا وحيدا وعاش مع جديه اللذان وجدا فيه
العزاء و الأمل ...
أما المجرم فقد كان قاتلا متسلسلا يقتل عائلة كاملة كل سنة في
نفس اليوم , له زوجة لطيفة وخمسة أولاد لم يكتشفوا حقيقته
إلا بعد موته ...
كاتي مراهقة في الخامسة عشر
طالبة ذكية لكنها مشاغبة ذات مقالب مزعجة, كانت تحلم بأن تمتلك مخبزا للحلويات,
قتلت بلا سبب بلا ذنب فقط لأن قاتلها رجلا مجنون أختار منزلها من بين ألاف المنازل في الضواحي.
قتلت وهي تشعر بنوع غريب من الرضى , لأنها أخذت معها تلك الروح الشرسة .
النهاية... .
بقدر الحزن الذي فيه الا انها مغامرة مشوقة..والاسلوب قريب لاسلوب اجاثا كرستي..
ولكن ولان لم تذكري منقول... فهل انت الكاتبة.. أشواق المختار!..رائعة