- حقيقة تعدد الزوجات
- إذاً فالمسؤول الأكبر عن ذلك هو الذي عمل على إيجاد هذا الواقع.
- وقوله تعالى: { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها .. } .
حقيقة تعدد الزوجات
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
في البداية لا بد لنا من القول بأن الله سبحانه وتعالى وبما أنه هو الخالق العظيم وبعلمه المسبق بخلقه علم بأن هذه الشريعة الحنفية السمحاء هي التي من خلالها سيكون صلاح الإنسان منوط بتطبيق تعاليمها وبها يضمن الإنسان لنفسه السعادة والعافية في دنياه والسلامة والنجاة في دينه, وقد شاءت إرادة الله ومن خلال العدالة الإلهية أن تكون هذه الرسالة بمثابة رسالة إرشادية وقائية لهذا الإنسان لكي يسلك سبيل الخير والسلامة وذلك بإتباعه لأوامر الله لما في ذلك من خير له ولغيره, لأن بصلاح الفرد تصلح أمّة, وأن بصلاح الأمّة يصطلح واقع الفرد.
وبالمقابل أيضاً فإن الله سبحانه وتعالى قد حذر هذا الإنسان من العواقب جرّاء معصيته له وبمخالفته لأمره مما يؤدي بالتأكيد إلى الشقاوة في الحياة الدنيا والندامة في الآخرة.
إلاّ أننا في الحقيقة ما نراه اليوم على أرض الواقع من مخالفات لمقاصد الشريعة ومن تجاوزات للحدود يجعلنا ندرك بأن من أهم الأسباب التي أوصلت البشرية إلى هذا الحد من الفوضوية الظلامية هي: المعصية المرخّص لها شرعياً والمحمية قانونياً, ونحن بدورنا نكون أكثر واقعية عندما نصف هذا الزمان والذي هو متصف بأهله بأنه زمن الجاهلية الكبرى بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى..!.
وأن من أعتم الظلمات وأجهل ما في هذا الزمن هو عندما يقوم هذا الإنسان بالتشريع لنفسه بدعوة الاجتهاد ومن ثم يُظهر الجانب الأسوأ من ذلك من خلال زعمه بأنه يطيع الله بما شرّعه لنفسه ويطلب رضا الله من خلاله.. فهذا من أقبح ما أنتجه الفكر البشري.
أن ما يجري اليوم هو أنهم يضعون المفاهيم للنصوص في قوالب تتوافق مع مصالح السلطان, ويتغاضون عن التمادي لحرمات الله من قِبل الأفراد عندما تقتضي المصالح, وأن هذا الواقع اليوم والذي ينبئنا من خلال هذه التجاوزات الغير محسوبة كيف أن الناس في هذه الأيام يهرعون لحل مشاكلهم إلى الفتاوى المأجورة عملاً بمقولة "دبّرها شيخي" وذلك عبر رجال الإفتاء أصحاب نوادي"فتاوى ما يطلبه ويريده السائل" سواءً عبر المحطات الفضائية أو على مواقع الإنترنت أو من خلال مراكز أُنشأت لهذا العرض.
وأنا أقول لهؤلاء ولغيرهم بأنه يجب عليكم أن تعلموا أمراً مفاده هو: أن الإسلام ليس هو لحل المشاكل وفض النزاعات, ولا هو عمامة يعلّق عليها عثرات وأخطاء الجهلة, ولا هو جبّة يستتر بها ويتاجرون باسم الدين بصفة أنهم القائمين عليه..
فالإسلام إنما هو في الحقيقة وجد لينظّم بداية كل أمرٍ والعمل به في هذه الحياة وفق منهجية أساسها الشرع الحنيف ومن ثم يكون الإسلام هو المسؤول عن ضبط كيفية التعامل ما بين الأفراد, وبالتأكيد ستكون النتيجة من جراء ذلك بأنه لا وجود أصلاً للمشاكل أو النزاعات عندما يتم تطبيق ذلك.
إن المنطلق السليم ينبئنا على أنه: من الطبيعي أن يتصرّف الإنسان تصرّفاً طبيعياً إذا كان هو في وضع طبيعي, وكذلك في المقابل بأنه من الطبيعي أن يتصرّف الإنسان تصرّفاً غير طبيعي إذا كان هو في وضع غير طبيعي.
إذاً فالمسؤول الأكبر عن ذلك هو الذي عمل على إيجاد هذا الواقع.
والأمر الذي أريد قوله في هذا المقام والذي نحن بصدده هو: بأن الزواج هو مادّة منهجية أساسية من النظم الحياتية التي سنّها الله سبحانه وتعالى لتكون هي أساساً لرفع قواعد مشروعية هذا الزواج وهي: لإبقاء النوع الإنسان وفق منهجيّة الله وشرعه, ومن ثم يكون القصد من هذا الزواج هو: تحقيق الغاية منه والمتمثّلة بالإحصان الذي هو مبنياً على أساس تقوى الله تعالى, وبناء هذه القواعد هو بأن تكون المعاشرة ما بين الزوجين قوامها المعروف والإحسان.
ولنأتي إلى ما نحن بقصده من حيث قوله تعالى: { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا } .
فنحن ومن خلال فتح هذه الآية وحركتها فإننا نجد بأن القصد هنا باليتامى هم الأولاد من الزوجة المتوفاة أو المطلقة, وأن بيان المقصود من هذا الخطاب بالقسط في اليتامى هنا هو: أنه عندما يعجز الرجل عن أن يعوّض للأولاد ما افتقدوه بافتقاد أمهم إما بالطلاق أو بالوفاة فقد أباح الشرع عندئذٍ للرجل الزواج بامرأة ثانية.
وتعريف اليتيم هو: كل من لا مقسط له ولا معين ولا ناصر ولا أمين.. وكل من لم يتوفر له ذلك فهو يتيم ولو كان ذا أبوين, ومن توفّر له ذلك فإنه ليس بيتيم ولو كان فاقد الأبوين.
والمقصود باليتامى هنا في هذه الآية هم أولاد الزوجة المتوفاة أو المطلقة, لأن الأولاد في هذه المرحلة من العمر هم بأشدّ الحاجة إلى أمهم أكثر من أنهم بحاجة إلى آباءهم.
فجواز تعدد الزواج في شرع الإسلام ليس هو بالجمع بين امرأتين أو أكثر في آن واحد, بل إن مشروعية التعدد هي: لتكرار الزواج في حالة وفاة الزوجة أو طلاقها.
وأما الطلاق فلا يجوز إلاّ عند استحالة العيش بالمعروف, أو بالتفريق بحدٍ شرعي مثل الكفر أو بفاحشة, أو بفقدان أحد الزوجين القدرة على المعاشرة الزوجية.
وما نراه اليوم من مغالطات من جراء سوء الفهم على كلام الله مثل قوله تعالى: { واهجروهن في المضاجع واضربوهن..} .
فمعنى الهجر بالمضاجع هنا هو: أن يكون الهجر على نفس الفراش, أي: بأن لا يفترقان بالمكان وبنفس الوقت لا يقربها.
وأما في قوله تعالى: { واضربوهن } . أي: أن الضرب هنا معناه هو الفصل بالمكان وضرب حاجزاً بينهما بأن لا يقربها ولا يقرب فراشها.
وما نراه اليوم من أن ضرب المرأة الغير المبرح هو من الشرع فهذا ليس بصحيح ناهيك على أنها جناية في حق الإنسانية ونقض لعهد الله ولميثاقه الغليظ الذي أخذه على من بيده عُقدة النكاح لكي يحقق حياة كريمة متّسمة بالمعروف والإحسان.
وكما لا يجوز أيضاً الطلاق في حالة مرض الزوجة ولو دام مرضها سنوات إلا في حالة فقدان القدرة على المعاشرة, ففي هذه الحالة يخيرها: إما البقاء إذا توفرت لديه القدرة على العول أو الطلاق, وهذا لا يسمى جمع ما بين اثنتين إذا رضيت البقاء لأن هناك أحد الزوجات فاقدة المؤهلات لأن تكون زوجة, وكذلك في المقابل هي أيضاً يحق لها أن تطلب الطلاق عندما يفقد الزوج ذلك, وإلا فيجب على الزوج في حالة مرضها رعاية زوجته حق الرعاية وأن يقوم على قدر استطاعته بخدمتها وراحتها, كما لو أنه هو المريض فعلى الزوجة أيضا في المقابل أن تقوم برعاية زوجها حق الرعاية وتقوم على خدمته وراحته.
وكذلك لا يحق له بأن يطلقها في حالة ثبوت العقم وعدم الإنجاب عند الزوجة لقوله تعالى على لسان زكريا عليه السلام حيث يقول: { وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا ً} .
ومعنى ذلك هو أنه لو كان الزواج بامرأة ثانية من أجل الإنجاب مباح لكان زكريا عليه السلام قد تزوج, ولو كان الطلاق مباح له أيضاً في هذه الحالة لكان قد طلّقها وتزوج من أخرى للإنجاب, والحكمة في ذلك هو بأن هذا قضاء الله وقدره, فالرضا به والتسليم له هو من الثوابت الإيمانية, ومن الجهل بأن تقولوا بأن هذا شرع من كان قبلنا, فهذا من كمال التشريع طالما أن الإسلام الذي ارتضاه الله لنا هو حامل صفة الكمال بشمولية شرعه المؤدي للكمال, وبصلاحيته لكل زمان ومكان, وبأنه أيضاً حافظاً للحقوق ولكل فردٍ على حدٍ سواء.
ونحن لو تفكّرنا في حقيقة شرع الله وغايته المستوجب علينا تحقيقها لرأينا بأن الشرع يأمر في بعض الحالات ويكون هذا الأمر مخالفاً أحياناً للطبيعة البشرية لمن هو للنقص أقرب من خلال شهوات النفس الأمّارة بالسوء، والحقيقة هي بأن أمر الشرع جاء ليكون للإنسان حصناً وفي الوقت نفسه محذّراً له بأن لا يميل للنقص بتجاوزه شرع الله وأن يكون بذلك للكمال أقرب, وهذا بالتأكيد يكون على قدر امتثال المرء لأمر الله وتطبيق شرعه, وليس من الحكمة بأن تقيّم الكمال وأنت غارق في النواقص.
وأعود للقول بأن القسط هنا في هذه الآية هو في حق الأولاد من الزوجة المتوفاة أو المطلقة, فهؤلاء الأولاد هم في حكم اليتامى وذلك لافتقادهم لأمهم التي كانت توفر لهم الرعاية والأمن والحنان, والخطاب موجهاً للرجل مبيناً له بأنه إذا رأى في نفسه بأنه غير قادر على أن يعوّض لأولاده ما فقدوه ويوفّر لهم الواجب بحقهم فعندئذٍ يكون الشرع قد أباح له الزواج بامرأة ثانية لتقوم مقام أمهم بالرعاية وتعوّضهم ما افتقدوه, إلاّ أن هذا الزواج مرهون بتحقيق الشرطين التالين وهما العدل والعول.
فالعدل في هذه الآية من حيث قوله تعالى :{ وإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة..} . فالعدل هنا هو أولاً: بأن تحفظ للزوجة المتوفاة أو المطلقة حقها الإنساني والشرعي كواقع كان موجوداً في حياتك, والمطلوب منك هو بأن تصون ذلك الحق بالوفاء لها, ولو أنها غابت من حياتك فبأولادها حاضرة.
وثانياً: عليك أن تحقق العدل والمساواة بين الأولاد من الزوجة المتوفاة أو المطلقة وبين الزوجة الثانية, وأن تعدل ما بين الأولاد من الزوجتين وأن لا تجعل النقيصة في حق أي أحدٍ منهم.
وأما العول من حيث قوله تعالى: { .. أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا } .
فالعول أولاً هو: في الاستطاعة على تحمل تكاليف الزواج كالمهر وغيره, وثانياً: في القدرة على الإنفاق والمقدرة على أداء حق الرعاية للأولاد في التربية والتعليم, فأنت عندما تجد في نفسك بأنك قادر على الوفاء بتحقيق هذه الشروط فعندئذٍ يكون زواجك من امرأة أخرى مبنياً على موافقة الشرع وبالتالي يكون الزواج صحيح.
والقصد بقوله تعالى: { أو ما ملكت أيمانكم } . أي أنه عندما تجد بأنك غير قادرٍ على العول بالزواج من محصنة حرة, فالشرع قد أباح لك بالزواج بإحدى ملك اليمين ممن تملكهم, أي: من الجواري أو السبايا أو الإماء اللواتي هن ملك يمينك, فالواحدة منهن لا تكلفك نفقة المحصنة الحرة لأنك في الأصل أنت مالكها وهي على نفقتك مادمت أنت مالكها, فهذا هو الخيار والبديل لك في حال إذا لم تستطيع أن تتزوج من المحصنات وذلك لقوله تعالى: { ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات .. } .
إلا أن هناك شرط للزواج من ملك اليمين وهو أن لا تكون أنت متزوج بامرأة أخرى, وأن لا تكون هي أيضاً متزوجة بآخر.
إذاً فهؤلاء الذين أطلق الله عليهم تسميتهم بملك اليمين, وبأنه لا يجوز لك الخلوّ بهن لأنهن بالنسبة لك هن من المحرّمات عليك إلا بحق شرع الله بدليل قوله تعالى في نفس الآية: { فانكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان .. } .
وهناك دليل آخر على الحرمة ما بينك وبين ملك اليمين وذلك في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم } .
فهذا بيان واضح على الحرمة ما بينكم وبين ملك اليمين, ولا تقولوا بأن الاستئذان بالدخول عليكم بالأوقات الثلاث إنما هي تخص النساء فقط بأن لا يدخلوا عليهن العبيد, فأعلموا بأن ما يتعلّق بملك اليمين هو بأن ما يحرم على النساء فكذلك يحرم على الرجال.
وأما في قوله تعالى: { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع .. } .أقول بأنه يجب عليكم أن تعلموا بأن معني قوله مثنى وثلاث ورباع إنما هو يعني التكرار للزواج في حالة وفاة الزوجة أو طلاقها, ولا يفهم منه بأنه يفيد التعدد بالجمع ما بين الزوجات.
ومن ناحية أخرى قال الله تعالى: { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيما, وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيما } .
وهنا لا بأس من الاستدلال من خلال قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح عندما قال العبد الصالح لموسى عليه السلام من حيث قوله تعالى:
{ لن تستطيع معي صبراً .. } .ولعلنا نلاحظ هناونحن في سياق هذه القصة بأن موسى عليه السلام لم يكن ليتحمّل ما يراه ففشل وعجز عن الصبر والسكوت دون معرفة سر ما حدث وما يحدث, إلى أن جاءت الحادثة الثالثة فعندئذٍ جاء الحكم والفصل من حيث قوله تعالى: { هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً.. إلى أن قال له: { ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرا } .
وهنا أقول: بأنه إذا كانت النصيحة من بشر إلى بشر وذلك بإعلامه منذ البداية بأنك لن تستطيع معي صبرا.. وكانت النتيجة بأنه فعلاً لم يستطيع أن يصبر, وهذا من بشر إلى بشر, فكيف إذا كان الإعلام من الله وهو أحكم الحاكمين بقوله: { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم } .فمهما قلت بأنك ستعدل كل العدل فإنك في الحقيقة المؤكدة بأنه لن تستطيع ذلك بدليل ما بيّنه الله سبحانه وتعالى بعدم الاستطاعة في ذلك.
ويجب عليكم أن تعلموا أيضاً بأن العجز عن تحقيق العدل وعدم الاستطاعة هنا إنما سببه هو أنه مرهون بموافقة واسترضاء الطرف الآخر وهو الزوجة, فهل أنت تملك القدرة على التحكّم في مشاعر الطرف الآخر وهي الزوجة بأن تقبل أن تتزوج بامرأة ثانية.
وأما في قوله تعالى: { فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالملعقة ... } .
فإنما هذا القول يقصد به التحذير في الإفراط من خلال الهجر بالضرب أي: بأنه يجب ألاّ يدوم الهجر أكثر من أربعة أشهر وهي مدة الإيلاء لقوله تعالى: { والذين يألون من نسائهم تربص أربعة أشهر..} .
وأما من ناحية أخرى فهناك الكثير ممن يقول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جمع تسعة من النساء في آن واحد.. !!.
أقول: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول وأولى من يسمع كلام الله ويعمل به من قبل أي شخص آخر, وهو أعلمنا وأفهمنا وأتقانا لله سبحانه وتعالى, ولو أنه صلى الله عليه وسلم تتوفّر لديه مقومات تحقق العدالة, وبالتأكيد فإنه هو أعدل من كل يعدل, ولكن شرط العدل هنا كما قلت سابقاً بأن تحقيقه مرهون بموافقة الطرف الآخر, وكما تعلمون بأن كلما عَظُم قدر الرجل ومكانته كلما زادت غيرة المرأة عليه وتمسكها به, والطبيعة البشرية تنبئنا على أنه لا توجد امرأةٌ واحدةٌ على وجه الأرض ممن ترضى وتقبل بأن تأتي امرأة أخرى لكي تشاركها حياتها بزوجها كما لا يقبل الرجل بأن يأتي أحد ويشاركه زوجته , وهذه قاعدة عامّة بالطبيعة البشرية, وأن الشواذ عن هذه القاعدة نقص, والحكم يبنى على الكمال وليس على النقص, إذاً فالأحاديث التي تقول بأنه صلى الله عليه وسلم قد جمع بين امرأتين أو أكثر في آن واحد فلا أصل لذلك, وأن هذا الكلام غير صحيح وكله كذب وافتراء على شخصه صلى الله عليه وسلم, فهو أعلم خلق الله بالله وأتقاهم له, ولو أنكم يا من تقولون هذا تأملتم بأن أحداً ما عنده تسعة من النساء في وقت واحد.. فماذا سيكون حاله..؟
وأمّا النساء اللاتي وهبن أنفسهن للنبي للزواج بهن, أقول: نعم إن هناك نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم كون ذلك كان سائد في الجاهلية قبل الإسلام ولكنه لم يقبل بهن ولم يتزوج منهن أحداً أبداً.
وأما في قوله تعالى: { وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير, إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير, عسى ربه إن طلقكما أن يبدله أزواج خيراً منكن قانتات تائبات عابدات سائحات ثيّبات وأبكاراً } .
أقول: بأن فهم ذلك يتطلب منا معرفة علم القرآن المفتوح وعلم الكلام المفتوح وذلك لكي نفهم المعنى من خلال المبنى والمقصود من هذه الآية.
ففي قوله تعالى: وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه. أي معني ذلك هو أن هذه الحادثة وقعت مع إحدى زوجاته اللاتي تزوج منهن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومعنى قوله تعالى: {..وإن تتوبا إلى الله..}. فإن هذا القول هنا جاء بالمثنى أي: أن الخطاب كان موجها إلى التي أفضت بالسرّ وإلى من أفضت إليها ذلك السر, وليس هذا بالتأكيد أن تكون من أفضت إليها السر هي زوجة ثانية للرسول صلى الله عليه وسلم, وأما قوله تعالى:
{ عسى ربه إن طلقكما أن يبدله أزواجاً خيراً منكما . }. فهنا يجب علينا كيفية معرفة علم الكلام المفتوح أي: أن الكلام عندما يأتي موجها للمفرد بلغة المثنى والجمع, وهذا ينبئنا على أن المراد من ذلك هو أنه جاء بلغة التخصيص والتعميم من حيث أن المقصود بالخطاب هو للمُخاطب خاصة وذلك للدلالة على فهم المبنى من الكلام, ولغيره عامة في آن واحد لكي لا يكون الكلام مقيداً لا بشخص ولا بحدث بعينه ويكون العمل به كحكم متحرك عبر كل زمان ومكان.
وذلك كما في قوله تعالى: { وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه .. } . بمعنى أن الكلام هنا عندما جاء مخصص بلغة المفرد فنما ذلك من أجل معرفة وفهم بيان الخطاب, وأما من حيث الحكم والتشريع فيؤخذ بصفة العموم وليس بالخصوص.
وأما ما جاء في سورة الأحزاب من حيث قوله تعالى: { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعول, ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنّة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراّ مقدورًا } .
أقول في البداية بأن ما جاء بشأن قصة الصحابي زيد ابن ثابت رضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين فإنها غير صحيحة ولا أصل لها, وما قيل في القصة المذكورة في حقه صلى الله عليه وسلم فهو أكبر وأجلّ من ذلك, وأما المقصود بالذي أنعم الله عليه بالهداية وأنعمت عليه بإطلاقه من الأسر فذاك الرجل هو ليس زيد ابن ثابت كما يقولون بل هو رجل آخر.
وفي قوله تعالى: أمسك عليك زوجك واتقِ وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه. فهذا الخطاب هو موجهاً لذاك الرجل الذي أنعم الله عليه وليس موجها ًمن الله إلى الرسول معاتباً كما يقولون هؤلاء الذين لا حياء فيهم ولا مروءة, وكل من يعتقد بما جاء في القصة المذكورة فإنه يكون فاقدا الحد الأدنى للمعرفة بحقيقة قدره صلى الله عليه وسلم..
وقوله تعالى: { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها .. } .
فمعنى زيد هنا هو اسم صفة زمنية مصاحب لحال. أي: أنه مثلاً عندما ينضج الثمر يحين وقت القطاف, ومعنى زيد هنا هو الظرف الزمني لذلك الحال(..وما أقصد به هو فترة العدة للمطلقة وهي فترة زمنية زائدة على عقد الزواج وفرضها الله تعالى للتشاور ولا يحصل الطلاق إلا بانقضائها..) وليس المقصود به هو الصحابي زيد ابن ثابت كما يقولون, وأن قصته مع زينب رضي الله تعالى عنها وعن أهل بيته صلى الله عليه وسلم لا أصل لها.
وأما في قوله تعالى: { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له .. } .فمعنى ذلك هو بأنه صلى الله عليه وسلم كان أعظم أخلاقاً وأشد حياءً من أن يتكلم مع أحد من صحابته بهذا الخصوص من شدّة حيائه, بينما أمره الله تعالى بأن يبين للناس أمر دينهم كما كانت سنّة الذين من قبله من الأنبياء والرسل عليهم السلام في تبيان شرع الله, وكل من أراد أن يتبين في هذا الأمر فعليه بالتدبر والتفكر على أساس أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أشرف وأعلى قدراً من كل ما يقال عنه مثل هذا الكلام.
وأما من حيث قوله تعالى: { يا أيها النبي لِم تحرم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم } .
أقول: أن حقيقة هذا الخطاب هو موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة وللمؤمنين عامة بأنه لا ينبغي لأحد أن يحرّم شيئاً حلله الله تعالى ولو كان هذا صادر من الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان فحو هذا الخطاب ضمناً هو موجهاً للنبي صلى الله عليه وسلم, وسببه هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم وعد إحدى زوجاته وأشهدها على أن لا يتزوج من امرأة أخرى في حال إذا توفت زوجته كما طلبت منه, إلا أن الله سبحانه وتعالى نبهه لذلك من قبل دخول وقت التحريم حيز الفعل, وبالطبع فإن هذا التنبيه هو للأمة قاطبة وليس لشخصه صلى الله عليه وسلم فقط.
ومما يروون على أن هناك حديث يقول: حُبِّب إليِّ من دنياكم ثلاث: النساء والطيب وجعلت قرّة عيني في الصلاة.
ولعلنا نسأل بأنه هل يعقل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام وبأنه حبِّب إليه النساء..؟ وكيف ذلك وهناك في كتاب الله ما يناقض هذا الكلام حيث قوله تعالى: { زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب, قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهّرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد } .
وهل من المنطق أيضاً والمقبول أن الله سبحانه وتعالى يصف النساء بأنهن من الشهوات والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: حبِّب إليَّ من دنياكم النساء.
أليس الله هو القائل: { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم..} . فكيف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختار الدونية في حب النساء وهن من الشهوات ومن متاع الحياة الدنيا ويترك الخيرية عند الله والتي هي لأهل التقى..؟ فما كان للدنيا فهو للدنيا والرسول صلى الله عليه وسلم أكبر من أن يوصف بهذا.
وإني لا أقصد هنا بأن النساء هن من الشهوات لذاتهن في المطلق, ولكن الذي أقصده هو إشارة إلى الاكتفاء بما شرّعه الله وما زاد عن ذلك فهو من الشهوات, كما هو أن الذهب والفضة والخيل الم
الموضوع طويل والخط كبير جدا لدرجه انه مو واضح
ماقدرت اركز ياليت تعيدين صياغته وكتابته
عشان تسهل القرأه
ولكي مني كل الاحترام