- ماذا يقول الماء؟
ماذا يقول الماء؟
يحكى أن أحد الملوك أرق في إحدى الليالي، وجافاه النوم، فنهض من سريره، وأخذ يتمشى في شرفة القصر، وهو يفكر ويتأمل، فهداه تفكيره إلى أن يسأل عن الماء، ماذا يقول حين يغلي؟
وأرسل على الفور وراء وزيره، فتم احضاره من بيته، والنوم ما يزال يملأ عينيه، ولما سأله الملك عما يقول الماء حين يغلي؟ دهش الوزير، وأجابه بأنه لا يقول شيئاً، فغضب الملك، وأمره أن يبحث عن جواب، وأمهله ثلاثة أيام، إن لم يأت بعدها بجواب مقنع، قطع رأسه
وخرج الوزير مغتّم الصدر، يفكر ويتأمل، فلا يهديه تفكيره إلى شيء، إذ أنه مقتنع بأن الماء لا يقول شيئاً وهو يتردد في سؤال أحد خشية أن يسخر منه الناس، إنْ هو سألهم مثل هذا السؤال
وقد ظل على مثل هذه الحالة إلى عصر اليوم الثالث، من غير أن يهتدي إلى جواب، ومن غير أن يبوح بمكنون نفسه لأحد، حتى رقت لحاله زوجته، فنصحت له بالخروج للتنزه، عسى أن ينشرح صدره، ويستريح مما هو فيه
واستجاب الوزير إلى نصيحة زوجته، فخرج مع أحد معاونيه، متنكّرين في زي سائحين، وقصدا إلى البادية يتفسحان، ومن بعيد لاحت لهما مضارب إحدى القبائل، فقصدا إليها، وما إن بلغا أول خيمة، حتى خرج لهما شيخ عجوز، رحب بهما، وقادهما إلى خيمته، وقدم لهما ما لديه من طعام، في كرم كبير، وكانت تعمل على خدمتهم، وتقدم لهم الطعام ابنة الشيخ العجوز، وهي صبية تبدو عليها مخايل الذكاء
وبعد تناول الطعام أحضرت الصبية أدوات القهوة، وأوقدت النار وأخذت تغلي الماء لتعد القهوة، وكان الوزير قد أحس بالسرور والانشراح، ولكنه حين رأى الماء يغلي، ندّت عنه، من غير أن يشعر، آهة طويلة، وذكر سؤال الملك، فتكدّر
وتنبه إليه الشيخ العجوز، فسأله عن الهمّ الذي يحمله، فتبسم الوزير، وأجابه أن لا هم لديه ولا حزن، ولكن خاطرا مرّ في باله، وهو تساؤله عما يقول الماء وهو يغلي، فضحك الشيخ العجوز، وقال له: "لأجل هذا تشغل بالك"، ثم التفت إلى ابنته، وقال لها: "أجيبي عمّك يا بنت عن تساؤله" فقالت على الفور: الماء يا عم يقول:
الحق علي أنا اللي في الوادي جريت
كل عود مني انتشا منه انكويت
فأعجب الوزير بجواب البنت، فشكرها، وشرب القهوة، ثم شكر للرجل العجوز حسن ضيافته، وكرمه، وودعه، وخرج مع معاونه
وأسرع الوزير إلى الملك يخبره بالجواب، وهو في غاية السرور، فأمر الملك السياف بقطع رأسه، فدهش الوزير، وسأله عن السبب، فرد عليه الملك بأن الجواب الذي قدمه ليس جوابه هو، فاعترف بالحقيقة
وعلى الفور أمر الملك رجاله بإحضار الصبية، وأبيها، فأُحضرت إليه، فخصص لها جناحاً في قصره، تعيش فيه مع أبيها، وجعلها من كبار جواريه
شاكرة لكِ اياها اختي
دمتي بخير