- حكايتي مع الصدقة
- للشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي
- ولعلني لا أطيل عليكم, لأترككم مع قصة هذه الفتاة, حيث تقول:
حكايتي مع الصدقة
للشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي
أيها الأخوة والأخوات كنت أرى زمن الماديات قد طغى, فتملكني اليأس, حتى جاءتني هذه القصة, فانبعث في نفسي الأمل, روعة هذه القصة في بساطتها, لا تظنوا أن صاحبة هذه القصة تملك الملايين, كلا, جمال هذه القصة في إيثار هذه الفتاة, والله لقد تذكرت وأنا أقرأ هذه القصة, موقف عائشة أم المؤمنين, - رضي الله تعالى عنها -, حينما أنفقت في يوم واحد ألف درهم وهي صائمة, فقالت لها خادمتها لو أبقيت لنا ما نفطر به اليوم, فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها -: لو ذكرتني لفعلت.
ولعلني لا أطيل عليكم, لأترككم مع قصة هذه الفتاة, حيث تقول:
اسمعوني ولا تعجبوا, فلي مع الصدقة شأن عجيب, إنني أعيش معها حياة الراحة واللذة والسعادة, كم أحبها, لا أعلم شيئا ً يأنس الإنسان بتفريقه إلا الصدقة, فأنسنا معشر الناس في الجمع لا التفريق, لكنني مع الصدقة أجد الأمر بخلاف ذلك, أنا لست صاحبة أرصدة في البنوك, وأسرتي ليست بذات الثراء, حتى تسد حاجتي, نعم, أنا طالبة في الكلية, قد تتعجبون, لتقولوا وبعد هذه المقدمة, من أين لك المال, لأقول لكم, إنها مكافأة الكلية, على قلتها, فأنا بحاجة إلى ما تحتاجه كل فتاة, من ملابس ومذكرات ومصروف يومي, وغير ذلك من متطلبات الفتاة, إلا أن حبي للصدقة, نحر كل رغبات الحياة, نعم في نهاية كل شهر أنتظر هذه المكافأة على أحر من الجمر, لدي قائمة لأسماء بعض الأسر الفقيرة, أقتسم أنا وإياهم هذه المكافأة, نعم والله, لقد كنت أقتفي أخبار اليتامى والمساكين, كما يقتفي العطشان أثر الماء, والذي نفوس الخلائق بيده, إنني لا أملك نفسي إذا جاءني مسكين يمد يده, أشعر حينها باضطراب, حتى أسد خلته, لقد استلفت في يوم من الأيام, مبلغ من المال, لأسدد إيجار منزل أسرة فقيرة, وما كنت أعلم أن ورائي سوى هذه المكافأة, في يوم من الأيام جاءتني مسكينة تمد يدها, فلم أجد ما أعطيها إياه, ضاقت علي الأرض بما رحبت, لجأت إلى ربي قائلة, يا الله, قلبت نظري في سيرة القدوة والأسوة, محمد بن عبدالله - عليه أفضل الصلاة والتسليم -, فإذا بسيرته أنه كان إذا عرض له محتاج, آثره على نفسه, تارة بطعامه, وتارة بلباسه, وحينما وصلت إلى هذه الحد, تذكرت ثوبا ً متواضعا ً, كنت قد قمت بتجهيزه, لزواج أخي, فسارعت إلى بيعه, ثم قمت بدفع ثمنه كاملا ً لهذه السائلة, كنت أعلم أن من سيرته, - عليه الصلاة والسلام -, أنه ربما نزع رداءه, وتصدق به, تمنيت حينها, أن لو كنت ارتديت هذا الثوب, لأنزعه لهذه المسكينة, حتى تكتمل صورة الإقتداء, عمدتُ بعد ذلك إلى ثوب ٍ من ثيابي السابقة ولبسته في زواج أخي, وكنت أنظر إلى الفتيات في الحفل وأقول آهٍ لو ظفرت بثوبٍ من هذه الثياب, لا لأرتديه ولكن, حتى أبيعه وأتصدق بثمنه, لقد كنت أستلم مصروفي اليومي من والدي ثم أختلس لُقيماتٍ من إفطار البيت وآكلها, ثم أتصدق بمصروفي, ولا أذكر أنني تخلفت عن ذلك يومأ واحداً, أقسم لكم بالله أنني أجد لذة ً لذلك لا تعادلها لذة, حتى تقول هذه حكايتي مع الصدقة.
فأينكم يا أرباب الأموال, جربوا هذا الطريق حينها ستجدون سعادة ً هي أعظم من سعادة كثرة المال, قلت بارك الله في حالكِ أيتها الفتاة الصالحة, وأخلف عليكِ ما أنفقتِ, وإنني أ ُذّكر نفسي وإخواني بحديث المصطفى - عليه الصلاة والسلام - الذي يقول فيه "ما من يوم ٍ يصبح فيه العباد إلا وملَكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعطِ منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً" رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -.
من شريط ( صانعات المآثر )