- قصة/ حنان قلب...!!؟؟
قصة/ حنان قلب...!!؟؟
جلس هناك وحيد في تلك الزاوية كما أعتاد منذ استلم وظيفته قابع على مكتبه وقد بعثر أمامه الكثير من الأوراق.... أقترب منه زميله يحدثه علّه يرد عليه لكنه أستمر في صمته ينظر في ثنايا أوراقه بكل تفحص... وكأنها النظرة الأولى إلى محتواها وإذا ما فارقها بعينه أرسل نظراته إلى البعيد بكل قوة كمن ينظر إلى مشهد لا يريد الالتفات عنه ... من خلف كل هذا الجمود المصطنع تلمح سجينة في عينيه تقف خلف قضبان تمنعها من الخروج... الحرية.. هكذا يظل حتى تحين لحظة الانصراف من العمل ويبدأ الجميع بالخروج ويكون كعادته آخر الخارجين... بعد أن يطلق مقولته اليومية ( ينتهي العمر ولا ينتهي العمل ) ويحمل حقيبته التي لو نطقت لشكت مما تحمله كل يوم من أوراق لا تنتهي.. يمشي بخطوات متثاقلة وكأنه لا يريد العودة , يقف عند بوابة مقر عمله وينظر وكأنه يلوم نفسه لماذا أوقفت سيارتي في ذاك المكان البعيد؟ سؤال يطرحه على نفسه كل يوم عندما يقف ففي نفس موقعه هذا, ويبتسم فهو يعلم إنه يصنع ذلك بمليء إرادته متعمداً تأخره عن منزله...ويمشي بكل هدوء شارد الدهن ,يتحدث بصوت مسموع مع نفسه ويضحك ويخاصم وكأن هناك من يشاركه المسير حتى يركب سيارته وينطلق إلى أي مكان إلا بيته, وهكذا حتى يشعر بالتعب ويعود , وعندما يقف أمام البيت يدخل مفتاحه في بابه وهو يقول الآن تبدأ السيمفونية ... وما تكاد تلمحه حتى تنهال عليه كعادتها :
أين أنت؟ لماذا تأخرت؟ ألا تعلم إني أنتظرك؟ وكأني آخر ما تهتم به....!!!؟
إلى متى ستظل على هذا الحال..لم تعد لدي القدرة على التحمل ... ويكمل سيره إلى غرفته فقد أدمن كلماتها له ولم تعد ذات تأثير فيه... ويقف الباب خلفه ... وتستمر تحدث نفسها ثم تغرق في نوبة بكاء طويلة ... شهور على هذا الحال ... ويرمي بجسده النحيل على السرير ويغمض عينيه ويغط في نوم عميق بعمق هروبه منها .. نوم يغيب فيه عن كل ما حوله , وعندما فتح عينيه كانت الشمس قد ودعت السماء وغابت عنها وتوشحت السماء السواد حزناً عليها ليظهر القمر مواسياً لها ومرافق حتى تعود .... تلفت فلم يبصر بصيص نور غرق البيت في الظلمة , خرج متثاقل الخطى باحثاً عنها ..لم يكن هذا طبعها تعود أن يصحو على البيت مضاء ورائحة العطر في كل أرجائه .... وجدها هناك في زاويتها وحيدة غارقة في ظلمة المكان والإحساس... جلس بجوارها كما لم يصنع من قبل فلم تعره اهتماما...أمتلئ قلبها منه .. توسد فخذها.. وأمسك بيدها وراح يقبلها ثم وضعها على عينيه... جرت دمعة حارة من عينيها ..رفعت يدها وأخذت تلاعب خصلات شعره....شعر بتلك الآهة البركانية خارجة من صدرها أحرقته..شعر بما صنعه بها ... أحال حياتها إلى جحيم هادئ.. دون أن يهاجمها بشكل مباشر أو يضايقها بحرف ... قطعت تلك اللحظة الهادئة بينهما على الرغم من طول انتظارها لها ... قالت بنبرة جادة لأول مرة يسمعها منها : أسمعني أريد أن أتحدث إليك بصراحة ...
منذ أن تزوجنا وأنا أحاول أن أقترب منك..أن أفهمك... لكني على كثر محاولاتي...فشلت... وشدت شعره برفق ..فشلت بشدة .. لأن كل محاولاتي كانت بيد واحدة لم تحاول أن تشاركني ولو بالمحاولة ... ولم تقدم على أي خطوة .. كأني لا أعنيك ...لماذا؟ وتابعت حديثها بقوة أشد : اليوم قررت أن أعود من حيث أتيت وأظن أنك تريد ذلك كما صرت أريده .. أن أرفع راية استسلامي ... نفذت كل أسلحتي وتناقصت ذخيرتي.. ولم يعد في جعبتي الكثير... لم يعد لدي ما أقدمه لأنك لا تريد وأنا كذلك ما عدت أريد .. تنهد تنهيدة طويلة وعاد إلى يدها التي لم تفارق رأسه رغم كلماتها الحادة لم تكف عن العبث بشعره دليلا أخير على حبها الأكيد له .. أخذها وأعادها إلى صدره وكأنه يريد بذلك التكفير عن كل لحظة ألم وقسوة عليها .. فهو يعلم علم اليقين أن لا ذنب لها ..هكذا قدر لهما أن يكونا ... تجمعهما صورة واحدة .. ويحيط بهما نفس الإطار ولكنه لم يكن بنفس حجميهما ... فعاش كل وأحد منهما مغلقاً صدره عن الآخر ... انحنت جانباً ..تناولت وسادة كانت قد سقطت أرضاً ... رفعت رأسه بهدوء كأم تخشى أن تيقظ رضيعها .. ووضعتها تحت رأسه وانحنت أرادت تقبيل جبين الحبيب الذي مازال وإلى هذه اللحظة شارد منها في متاهات الحياة ... رغم اجتماعهما تحت سقف واحد .. إلا إنه في عالم بعيد ... سقطت من عينها دمعة على جبينه جعلته يفتح عينيه رفعت رأسها بسرعة ..لم تشأ أن يبصرها في لحظة ضعف .. وقالت وقد بدأت خطواتها تبتعد عنه .. أعلن سيدي وفي هذه اللحظة هزيمتي .. أعلن استسلامي ...لم يوقفها , لم ينطق بكلمة واكتفى بمتابعة خطواتها .. لقد أراد ذلك .. حملت حقائبها وارتدت عباءتها وأخذت تتجول في أرجاء بيتها ( سجنها ) إلى كل زاوية شاركتها معاناتها.. أحبتها رغم كل ما كانت عليه حالها منذ أن دخلته وإلى الآن وقد حزمت أمتعتها للرحيل ... تمنت لو يمنعها.. لو يعاتبها .. أو حتى يناديها لتعود إليه .. ولكنه التزم الصمت خبأ رأسه بين يديه حتى لا يبصرها تغادره ...
خرجت تحمل جمرة بين ضلوعها.. ويكاد عقلها يتركها وإليه يذهب فهو يخشى عليه من الوحدة.. ولسان حالها يقول: هو وحيد بوجودي فكيف سيكون بعد خروجي ؟؟ وتعمدت أن لا تلتفت خلفها حتى لا تبصره وتنثني عن عزمها بالرحيل
وفز من كرسيه حين سمع قفل الباب خلفها غير مصدق .. كان على يقين عن عجزها عن هذه الخطوة .. ولكنها خرجت... جال في بيته..غرفة غرفة .. وحيد من كل شيء ... مشاعر وحياة.. أخيراً تحررت دموعه من سجنها .. خرج ( القلب الحنون ) كما كان يسميها بينه وبين نفسه الصادق ,خرج هكذا حزين... خنقته بيدي .. وتركتها وحيدة رغم وجودي .. كم كان يسعدني صوتها المعاتب وسؤالها عن تأخري وانشغالها عليّ .. رغم تمردي على مشاعري تجاهها ورفضي لها لكنها استطاعت أن تبني لها في قلبي قصر كبير .. بكبر حبها وحرصها ..رغم قسوتي غمرتني بحنانها... ورغم هجري وصلتني بأفعالها .. غير كل نساء الكون هي.. حقاً لم أكن أريدها .. شعرت أنها مفروضة عليه , أمراً من والديّ وعلي تنفيذه , لم يكن لي أي خيار .. وجدتني أسير بجوارها أمام حشد من الناس هكذا قررا حياتي ورسما معالمها حتى في اختيار شريكة عمري .. دون أن يكون لي رأي ..رغم إصراري على أخرى ... غضب والدي وأصرت والدتي ,فهي تعرف أهلها.. دخلت عليه غرفتي ليلة عمري وقالت: لا تحزن يا ولدي و أنا متأكدة سوف تكون أسعد رجال الدنيا معها .. أعرفها من طفولتها ولن أختار لك إلا ما يناسبك ... واسترسلت في حديثها : يا ولدي سنوات دراستك وسفرك أثرت على تفكيرك وأنستك تقاليدنا سيأتي اليوم الذي تعرف فيه صدق كلماتي .. وعاهدت نفسي من ليلتها أن أجعلها تتركني وترفضني وتذهب ولكنها كانت أقوى من كل أسلحتي ..قوية كالنخلة صامدة رغم كل عواصفي وعجرفتي ونكراني ... ومرت الأيام وهو يقلب صفحات حياته معها .... أخيراً تحقق له ما يريد بخروجها .....
عندما يأتي المساء ويرخي الليل ستاره معلناً نهاية يومٍ رتيب وبداية ليلة لا تقل عنه رتابة.... ويبدأ صراخ الصمت في صدري من جديد ... وأتعجب كيف يتحول ضحكات الصباح عويل مساء ... ونشاط يوم إلى فتور ليله .... وكأن كل سحب السماء سكنت فكري فلم أعد أبصر منها أبعد من رمشي يا له من عالم ممل ...في كل الأمور حتى لحظات التمرد أصبحت مملة ... تمردنا حتى ما عاد للتمرد لذة ولا طعم أصبح كغيره يدور في فلك الروتين والملل ... أين أنت ؟ أين ؟ تركتني هكذا وكأنه لم يكن لي في عالمك وجود!!؟ في يوم عيد.. أقصد في أول عيد عشته بعدما تركتك كنت وحيده أنتظرك ... أقول لنفسي لا بد وأن يتذكرني في مثل هذا اليوم .... وبينما أما مستلقية أحدث نفسي وأمنيها بلقائك سمعت طرقات خفيفة ... نهضت من كرسي مسرعة وأنا أقول أخيراً جاء ... تذكرني حبيبي وأسرعت إلى خزانة ملابسي أخرجت ذاك الثوب الذي طال حبسه فيه .. خبأته وقلت : لن يراني أحداً قبلك فيه .. ارتديته كالمجنونة بسرعة أخاف أن تظن أن البيت خالي وتعود ... وركضت كطفلة سترى عالمها خلف ذاك الباب.... ولكني لم أجد أحد؟ عدت إلى كرسي ورميت بنفسي عليه ... ولكن الطرق مازال مستمراً ..طرقات خفيفة واهنة ..عدت وفتحت الباب وتلفت فلم أجد أحداً... أخذت أطوف في أرجاء غرفتي متعجبة مما يحصل لي ...هل تراني بدأت أهذي وأتخيل أشياء لا وجود لها؟ وقرب صوت الطرق مني .. تتبعت مصدره ...سحبت ستارة نافذتي فإذا بعصفور صغير ينقر زجاج النافذة .... أنظر إلى أي حال أوصلتني ؟ بت أسمع خطواتك حتى في نقر الطيور .. وأتلفت علًي أجدك تنتظرني خلف ذاك الباب .... ماذا أقول لنفسي وقد فضلتك على كل من جاء طالباً يدي .. لم تفتح أبواب قلبي إلا لك... وعندما جمعنا بيت واحد شعرت أني أسعد امرأة ... شعرت وكأن كل بنات حواء يحسدنني على سعادتي , تلك السعادة التي لم تكتمل بل وأدتها في صدري ليلة مولدها ... ( جاهلي المشاعر) لم أفهم ليلتها سبب قسوتك.. لم تنظر إليّ حتى ... كأي شخص تعودت رؤيته.. تركتني في غرفتي وذهبت لتستلقي على أريكتك المفضلة ... حتى عليّ ,جلست مذهولة بثياب عرسي حتى طلعت الشمس .. وعند الظهيرة استيقظت وبدلت ملابسك واستعديت للخروج دون أن تنطق بكلمة .. وأنا أتبعك بنظراتي انتظرت منك لو كلمة (صباح الخير) ولكنك لم تفكر حتى في هذه بل واصلت سيرك إلى أن وصلت إلى باب البيت وقلت : سأنتظرك في السيارة بدلي ملابسك والحقي بي, فرحت أخيرا سمعت صوتك, لكم تمنيت سماعه ولكن ليس على هذا الشكل , بدلت ملابسي ولحقت بك, وطول الطريق إلي بيت أهلي وأنت صامت تنظر إلى البعيد, ولم تلحظ حتى نظراتي أو بالأحرى تجاهلتها, أوقفت السيارة جانبا ولم أعرف لماذا إلا بعدما تلفت وعلمت إني أمام بيتنا فتحت بابك ونزلت .. بدأت تدخل بيتنا وأنا مازلت داخل السيارة ... تنبهت وأسرعت خلفك وسمعت أمي تحييك وتدعوك للدخول ولكنك اعتذرت ولأول مرة ألتفت لي وقلت سأعود لأخذك في المساء .. وهكذا استمرت حياتنا .. عشت عمري معك أنتظرك ... في كل مساء أنتظرك فقط لأراك تدخل غرفتك وتقفل بابها خلفك , كثيراً ما سألت نفسي لماذا أتحملك؟ ثم لماذا أخبئ سرك داخل صدري ولا أطلع عليه أحد؟ وبعد ليال طويلة وجدت ضالتي وعرفت الجواب ... أتعلم لماذا؟ لأني باختصار ... أحبك ... أيها الغالي , وقررت من يومها أن أنتظرك .. لا بد وأن تأتي لحظة تشعر فيها بحبي وخوفي عليك.. وحرصي على بقائي معك ... أرعاك بكل حب ولا أجعلك تحتاج لشيء , واستمر الحال ولم تتبدل وكأنك متبلد الشعور عديم الإحساس .... لماذا؟
وهو هناك يهذي تركتني وذهبت , الآن لا أريدها أن تذهب لا أستطيع أن أفتح باب بيتنا ولا أجدها تنتظرني عابسة حيناً وباسمة أخرى ... معاتبة حين وآخر باكية.. هكذا مزقتها .. ماذا فعلت بها .. حبيبتي أخيراً قرر إطلاق الطير الحبيس فيصدره وركض إليها الآن دق الباب.. دق الزوج المحب وليس المسير ..!!! الآن هو يريدها بمليء إرادته..باختياره ... فتحت الباب يتباطأ المنهك ..الذي أضناه الشوق وشل تفكيره وقد طال انتظارها .. وما أن رآها حتى رمى برأسه على صدرها وراح يضمها بقوة الندم ... رفع رأسه و أبصر الفرحة في عينيها.. قال لها الآن أنت حبيبتي ..زوجتي .. في هذه اللحظة أسقطت سحابات عيونها مطرها لتغرقه .. حباً وشوقاً .. دخلت أمها وعجبت لما تراه وسألتها : أكل ذلك لمجرد عودته من سفر لم يطول أكثر من شهر ؟ نظر إليها وقد زادت شمسها شروقاً في سماه وقال: كم كنت غبياً لو حرمت نفسي منك...
وضع يده في يدها وخرجا ليجابها الحياة معاً بما يحملانه في أعماقهما من صدق وحب لا حدود له.
قصه حملت بين ثنياتها الاحساس
والمشاعر
سلمت يمينك
دمت لنا بكل ود
كبرياء انثى