كثيراً ما يأتي إلى ال
عيادة رجال في سنٍ الشباب أو أحياناً متوسطو العمر، يأتون بأعراض غامضة، بعض أعراض الاكتئاب أو القلق أو أعراض لأمراض عضوية كالصداع أو ألم في البطن، أو آلام في الظهر أو أعراض لاضطراب في العمل من كثرة الغياب وضعف الإنجاز وفقدان المتعة في أكثر الأشياء التي كان يستمتع بها منذ فترةٍ طويلة.
غالباً ما يكون هذا الأمر يوحي بالاكتئاب أو اضطراب التكيف، غالباً ما يُعطى الشخص الذي يأتي بمثل هذه الأعراض أدوية مضادة للاكتئاب، ولكن مع المتابعة نكتشف أن ليس هناك تحسناً، فالأدوية التي صُرفت لها استخدمها المريض لفترةٍ كافية غير أن الأعراض بقيت كما هي.
مريض سألته هل هناك شيء في حياتك لم تُخبرنا به؟ قال: نعم، الحقيقة إن زوجتي ليست جميلة.. وهذا يجعلني مكتئبا معظم الوقت..!
سألته: ألم ترها قبل الزواج؟ أجاب بأنه رآها، ولكنه لم يتمكن من رؤيته لها بصورةٍ جيدة، خاصةً أنها قريبةٌ له ولا يستطيع أن يرفض لأن ذلك قد يؤدي إلى مشكلة بين العائلتين، وقد يُغضب ذلك الوالدة لأنها ابنة شقيقها وكذلك الخال الذي له أفضال عليّ وعلى بقية أفراد عائلتي حيث أن له مركزا اجتماعيا مرموق..ا فقررت الموافقة. أفصحت بذلك لأحد أقاربي الكبار عن عدم إعجابي بجمال وشكل ابنة الخال، فقال لي إن الجمال ليس كل شيء وليس على الجمال تقوم البيوت..! قال: انظر لزوجاتنا هل ترى فيهن الجميلة؟ إن كل واحدةٍ منهن أبشع من الأخرى..! ومع ذلك سارت الحياة بنا بشكلٍ جيد، وبعد فترة تعتاد على شكل الزوجة، حتى وإن كانت ملكة جمال فبعد فترة سوف تُصبح عادية، وترى النساء الآخريات هن الأجمل..! لأنه كما يقول المثل العشب أكثر اخضراراً دائماً في حديقة جارك..!
يُكمل الرجل كلامه، ويقول بأنه تزوج بتلك الفتاة القريبة منه والتي والدها صاحب مركز إجتماعي وقريب جداً منه. وسمع كلام والدته بأن الأخلاق أهم من كل شيء..صحيح بأن ابنة أخيها قد تكون ليست جميلة لكن تربيتها جيدة، وربة بيت ممتازة ونعرفها وتعرفنا، ولسنا بحاجة للتعرّف عليها أو أن تتعرف علينا. احمد الله انها وافقت عليك وخالك ساعدك في كل شيء.. حتى الوظيفة وفرّها لك.. الجمال يروح لكن يبقى الخلق وحسن التربية، وسوف يرزقك الله منها الأولاد والبنات وتحفظ لك بيتك، ماذا تُريد بفتاة جميلة، فالفتيات الجميلات دائماً مغرورات، ولا يعرفن تدبير المنزل ومراعاة الزوج.. الحمد الله زوجتك ما هي بشعة لكنها ليست جميلة فهي مقبولة الشكل فاحمد الله انه يسر لك الزواج بمثل هذه الفتاة.
يُكمل بعد الزواج كانت زوجتي فعلاً مؤدبة، وذات خلق رفيع ومهتمة بي وبالمنزل، لكن لم أستطع تقبّل شكلها، خاصةً وأنني ذهبت في شهر العسل إلى بعض الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، وشاهدت بعض المتزوجين حديثاً مثلي، ووجدت أن أغلب زوجات المرافقين له أجمل بكثير من زوجته - هذا من وجهة نظره- فبهتت الفرحة التي كان قد بدأ يختال بها..! بدأ يشعر بأنه أقل من الرجال الذين معه، لأن زوجاتهم جميلات بينما هو يحظى بزوجةٍ غير جميلة..!
عاد من تلك الرحلة، وبينما كانت زوجته فرحة، جذلة بزواجها، كان هو يشعر بتورّطه بهذا الزواج، لم يكن يبدو عليه فرحة الزواج.. لكنه استمر في هذا الزواج، رغم انطفاء البهجة والمتعة في كل شيء فيه إلا أنه أنجب أبناء وبنات. زوجته عرفت بأن زوجها لا يميل لها، فانكفأت هي على نفسها، تعيش روتين الحياة الزوجية الممل..!
أصبحا يعيشان غريبين في بيتٍ واحد، شعر بأن هذا هو الزواج، وفهم من أصدقائه حتى لو أن زوجته جميلة فسيملها بعد وقتٍ ليس ببعيد..!
لم يستطع التأقلم مع وضعه الزوجي، وأصبح يعيش أحلام يقظةٍ تُثيره عاطفياً وجسدياً، دخل في علاقات وسافر في رحلات استجمام غير بريئة لكن لم تعجبه هذه الرحلات، لان ما يُريده هو أن تكون معه زوجةً جميلة..!
بدأ يُعاني أكثر عندما لم تفده العلاقات خارج الزواج، ولم يرتح وينسجم مع السفر والرحلات للمتعة، فهذا ليس مطلبه.. بدأ يشعر بنوبات من الحزن والوحدة والفراغ العاطفي الذي لم يجد من يملؤه في غياب الوفاق الزوجي مع التي تُشاركه حياته..! فهي أيضاً أصبحت مُكتئبة وبدأت تُراجع العيادات النفسية وتتناول الأدوية المهدئة والمضادة للاكتئاب، وانعزلت عنه مكسورةً، بشكلٍ شبه تام وأصبحت تُركّز حياتها على الأولاد وزيارة الأهل، والتزمت بالدين وأصبحت تحضر المحاضرات الدينية، وتنشط في مجال الدعوة والعبادة فتجد راحةً نفسية، لكن جميع هذه الأشياء لم تُغنها عن فقدان العاطفة من زوجها الذي ردّها مراتٍ عديدة حينما حاولت أن تتقرب له..!
بسبب عدم اقتناعه بجمال زوجته، بدأ يتردد على العيادات النفسية،و بدأ يتنقّل من
عيادة خاصة إلى أخرى، ويتناول أدوية متعددة.. أدوية مضادة للقلق، أدوية مضادة للاكتئاب حتى أدويةً مضادة للذُهان صرفها له أحد الأطباء الزائرين الذين عاينوه على عجل لأقل من خمس دقائق ودفع ستمائة ريال مقابل هذه الدقائق للأستاذ الدكتور الزائر الذي يرى أكثر من ثلاثين مريضاً خلال ساعةٍ واحدة، ثم دفع مبلغا يزيد عن الألف ريال قيمة أدوية مضادة للذهان وهي أبعد ما تكون مناسبة لمثل حالته..!
قلت له المشكلة ليس أن زوجتك ليست جميلة.. المشكلة فيك أنت، فأكثر الرجال يرون نساءهم ليسوا جميلات وبعض الرجال زوجاتهم جميلات جداً ومع ذلك تجده يعمل علاقة مع الخادمة التي في منزله، والتي شكلها ورائحتها مقُززة ولكن هذا أمر ليس له علاقة بجمال الزوجة..! المشكلة بك أنت الذي لم تنه الموضوع من البداية.. منذ أن رأيت ابنة خالك، كان تركها أفضل لك ولها بدلاً من هذه الحياة التي يعيشها كلٌ منكم.. أنت لست بحاجة لطبيب نفسي، رغم صرفك مبالغ باهظة على الأطباء النفسيين والأدوية النفسية، أنت بحاجة إلى شخص مُتخصص بالعلاج الأسري والارشاد الزوجي.. بدلاً من هذه الحبوب المتنوعة التي تتعاطاها ولا يصلك منها إلا الأعراض الجانبية والخسارة المالية..كم واحدا مثلك؟ أعتقد انهم كثر..!!!
عموما مشكورة أختي على الموضوع