- ولم أنسجها من خيال ..... بل هي قصة من إفرازات الواقع ونتاجه .....
- ولعلي لا أطيل وأدخل بكم إلى تفاصيل هذه القصة ......
بسم الله الرحمن الرحيم
سأروي لكم أخوتي قصة مؤلمة..... ، لم أقرأها في كتاب .... ولم أستوحها من فكر ....
ولم أنسجها من خيال ..... بل هي قصة من إفرازات الواقع ونتاجه .....
ولعلي لا أطيل وأدخل بكم إلى تفاصيل هذه القصة ......
بينما كنت جالساً في غرفة المرشد الطلابي ، وكنت أرى ما يقوم به من جهد وعناء ، فهذا طالب يشعر بمغص حاد يستنجد لطلب العلاج ، وآخر يشتكي من زميله أنه شتمه ، وثالث جاء يبكي على إثر شجار بينه وبين زميله ، كل هذا ومرشدنا يكفكف دمعة هذا ويسكن ألم ذاك ، حتى دخل علينا مدرس اللغة العربية وبيده دفتر أحد التلاميذ مفتوح على مادة التعبير .......
قال المعلم للمرشد الطلابي أعطيت الطلاب موضوعاً في التعبير وأمليت عليهم رأس الموضوع والذي جاء فيه ( جلس أحمد تحت ظل شجرة مثمرة في غابة غناء ، وسط زقزقات العصافير وخرير الماء الجذاب ثم ماذا حدث ...) أكمل بأسلوبك تتمة هذه القصة .....
ثم قال فكتب لي طالب هذا الموضوع فما رأيك ؟
جلس المرشد يقرأ بتمعن ، ثم جعل يحملق بعينيه ويحوقل ويستغفر....
قلت ماذا في الأمر ، فناولني الدفتر وجلست أقرأ ، فإذا بالطالب قد أكمل تلك البداية بقصة بريئة ......
كتب الطالب : وبينما هو كذلك إذ طلعت عليه فتاة جميلة ، جلست إلى جنبه وأخذ يضاحكها ويتبسم لها ، ثم (باسها ) وأخذا يشلح ملابسها ....)
تألمت لما قرأت ذلك الكلام لأنني أعرف ذلك الطالب فهو تلميذ موادع ومسالم ، وتظهر عليه علامات الغفلة والبراءة المتناهية ، قام المرشد باستدعائه فحضر وبيده الدفتر ، فقال له المرشد ماهذا الموضوع الجميل الذي كتبته ، فناوله الدفتر تعلوه ابتسامة عريضة مما سمع من الثناء ، أعاد المرشد قراءة الموضوع بصوت مرتفع حتى بلغ تلك المنعطفات الخطرة فسكت..... وكأنه فهم للتو حكمة هذا الاستدعاء ، أخذ المرشد الدفتر وأكمل قراءة الموضوع ، والطالب في خجل متناه ٍ يود لو انشقت الأرض وبلعته ، سأله المرشد من أين جاءتك معاني هذه القصة ، فسكت هنيهة ، ثم أعاد عليه السؤال ، فرد عليه قائلاً ، شاهدتها في التلفاز ، بعد ذلك اتضح أن هذا الطفل الذي لم يكمل الحادية عشر من عمره ، يجلس بانفراد بشكل يومي أمام شاشة التلفاز في ظل غياب أمه وأبيه ....
هذا الطفل ومثله كثير مع الأسف الشديد ، يعيشون هذه الأيام حالة تناقض رهيبة ، فهم تائهون بين مطرقة البناء المدرسي وسندان الهدم والتدمير الذي يعترض طريقه في هذه الحياة .....
إن الإعلام المرئي اليوم يشكل عقبة كؤود أمام طريق الخيرين الذين يفهمون حجم الشر الكامن فيه ، فعملية الغربلة والتنقية باتت اليوم واجب ملح ، لا يمكن التخلي عنه في ظل متغيرات متسارعة نحو فوهة الفساد وبراكين الانحلال ، إنه وإلى عهد قريب ربما عاشه كثير منا ..كان من أعظم الموبقات والجرائم التي يعاقب عليها القانون وتمنعه الأعراف أن ينظر الإنسان إلى مثل هذه المناظر المسفة بالأخلاق والفضيلة ، لقد كانت وصمة عار في جبين من يعرف عنه الناس ذلك ، فأصابع الإزدراء والتحقير والتحذير لاتكاد تفارقه ، كنا حينها في خير عظيم وراحة بال ، أما اليوم فقد أصبح باستطاعة الطفل الذي لا يكاد يعرف من آلته إلا قضاء الحاجة ، أصبح باستطاعته أن ينظر وفي بيته تحت كل ظروف الأمن والحماية إلى أبشع المناظر وأقبحها ، فيبدأ من حينها رحلة صعبة في عالم رحب من التساؤلات المحيرة و المتصادمة مع ثقافته وتربيته التي اجتهد الأبوان في صقله بها ،...
أن منظراً واحداً يراه الطفل البريء في شاشة التلفاز أو عبر الجوال كفيل بأن يزلزل كثير من ثوابت الأدب التي غرسها الأبوان طيلة تربيتهما للابن ، ويزداد الأمر سوءً حينما تكون الضحية فتاة بريئة ، تضيع وسط هدير هذه الأمواج العاتية ، فتقع في أزمة الفكر وتناقض المبادئ ، ومصير مجهول ، يقرع كل لحظة أجراس الإنذار والخطر على عفتها وطهارتها .....
لقد دخل العدو بيوتنا راسماً في خطته طويلة الأجل ، استقطاب الأجيال القادمة ، التي تصحو وتنام أمام شاشات التلفزة الفضائحية ، هذه الشاشات المتسخة هي المناخ المناسب والبيئة الخصبة لأوبئة فتاكة لن يشفى منها المجتمع إلا بعد عناء وأي عناء .
إننا لسنا بدعاً من الأمم ، فنظرة تأمل تلقيها إلى دول مجاورة لتسمع منها أنيناً وبكاءً على نسل ذاب أخلاقه وانحلت قيمه ، وضاعت مبادؤه ، مما يجلنا نضاعف درجة الخوف من هذا الخطر القادم ، ونعلي من صيحات التحذير و التخويف ، وعليه فالواجب علينا أن نعيد النظر في تربيتنا لأبنائنا وبناتنا
وأن نتقي الله فيهم قدر الاستطاعة والله المستعان ...االى متى نفيق من غفلتنا لننقذ اطفالنا اليسوا نواة المستقبل.....
للعلم منقول