White_Swan
23-08-2022 - 01:05 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا يالفراشات
شيخ عجوز يحمل كرتين من الحديد بأعلى قمة برج بيزا في بدايات عصر النهضة
يوشك أن يتحدى مقولة صمدت لأكثر من ألفي عام ! إنه جاليليو جاليلي العالم
الإيطالي الشهير و تأكيده التجريبي البسيط أن الأجسام المختلفة الوزن تسقط للأرض بسرعة واحده
إذا أهملنا تأثير قوة الإحتكاك ( لذا كانت الكرات الحديدية التي ألقى بها من قمة البرج كروية الشكل لتقليل مقاومة الهواء لها للحد الأدنى ) و جاءت النتيجة الساحرة لمست الكرتان الكبيرة الثقيلة و الصغيرة الخفيفة الأرض في نفس اللحظة وسط إستغراب أهالي فلورنسا . هذه النتيجة التجريبية البسيطة حملت في طياتها أول تحد جاد لأفكارنا البسيطة حول طبيعة الحركة و القوانين التي تحكمها ، فمنذ أكثر من ألفي عام قرر أرسطو أن الأجسام لا تحافظ على حركتها بسرعة ثابتة إلا بفعل قوة خارجية تؤثر عليها ، كان أرسطو حينها يجعل من حدسنا اليومي قانونا قدر له أن يصمد طويلا .
جاءت الصياغة المكتملة للحدس الجديد المبني على التجارب في صورة قوانين نيوتن للحركة ، حيث الأجسام في حالة حركة دائمة بسرعات منتظمة ( أي لا تتزايد السرعة أو تتناقص ) و حيث تؤثر القوى في الجسم بنسبة كتلته و حيث يقتصر فعل القوة على تسارع الحركة أو تغيير إتجاهها .
هذه التجارب حول الحركة أكدت ظاهرة تكررت كثيرا في تاريخ العلم ، فغالبا ما يكون الحدس البسيط الناتج عن التجربة المعاشة خاطئا للغاية ، لأن القوانين الحقيقة للظواهر لا تتبدى بوضوح لتجربتنا اليومية القاصرة و المحدودة بمقاييس الحياة الإنسانية مثلا تبدو الشمس لنا أصغر من القمر رغم ضخامتها المهولة .
ومن سخرية القدر أن ما فعله جاليليو بإستبصارات أرسطو قد تكرر تماما في إحدى القوانين التي صاغها جاليليو كتعميم للخبرة اليومية حول موضوع لصيق بالحركة ، ألا و هو قانون جمع السرعات . فمن المعروف أننا إذا كنا مثلا في قطار متحرك و أخذنا نجري فيه بإتجاه حركته فإن سرعتنا الكلية بالنسبة لمراقب خارجي يقف على الأرض هي حاصل جمع السرعتين ( سرعتنا و سرعة القطار ) ، أما إذا كانت حركتنا عكس إتجاه حركة القطار فإن سرعتنا في هذه الحالة هي حاصل طرح سرعتنا من سرعة القطار ، كان جاليليو هو أول من صاغ هذا القانون البسيط و الواضح ظاهريا ، إحتاج الأمر هذه المرة ثلاثمائة سنة حتى يعدله أينشتين كما فعل جاليليو آنفا مع أرسطو و لكأني به يتشفى من وراء العصور و هو يربت بغبطة على كتف أينشتين !
حكى أينشتين عن الإستبصار الأساسي الذي أدى به لإكتشاف النظرية النسبية ، حيث تخيل أنه تحرك حتى وصلت سرعته إلى سرعة الضوء ثم نظر لشعاع ضوئي ، حسب قانون جمع السرعات يجب أن يكون الشعاع الضوئي ساكنا بالنسبة إليه ، و لكن لم يكن هناك من معنى لشعاع ضوئي ساكن فالضوء مجالات كهرومغناطيسية متذبذبه أي أن طبيعتها أن تتحرك متبادلة مواقعها بإستمرار ، حينها بدأت تتبلور النظرية النسبية في ذهنه بإفتراض أن سرعة الضوء ثابته لجميع المراقبين ، و كان أينشتين حينها في السادسة عشر من عمره !!
ثبات سرعة الضوء الذي ينسف قانون جمع السرعات الكلاسيكي شيء مدهش حقا ، فمايعنيه في الحقيقة أن كل المراقبين سوف يقيسون نفس السرعة للضوء مهما كانت سرعاتهم الخاصة . فإذا كنت تقف على قمة جبل مزود بأداة لقياس سرعة شعاع من الضوء يطلقه عالم من قمة جبل مجاورة فستجد أن سرعته تساوي 300000 كلم/بالثانية ، و إذا كانت هناك طائرة نفاثة تحلق فوقك بسرعة 100000 كلم/ثانية (على سبيل التخيل و المثال) و قاست سرعة نفس شعاع الضوء الذي تقيسه أنت لوجدته 300000 كلم/بالثانية و ليس 400000 كلم/بالثانية (إذا كانت تطير نحوه) أو 200000 كلم/بالثانية ( إذا كانت تطير مبتعدة منه ) كما يحتم قانون جمع السرعات .
لهذا الأمر تضمينات غريبة ، ربما من أهمها ما توضحه تجربة ذهنية شهيرة تسمى تجربة القطار . التجارب الذهنية في الفيزياء النظرية هي تصورات لتجارب مصممه لتوضيح أفكار محدده أو دحض مفاهيم أو نظريات ، و تعتمد على المنطق لبيان التماسك الداخلي لفكرة غير مألوفة أو العكس بيان تناقضها ، و ليس من الضروري ( و غالبا ما يصعب جدا ) إجراؤها . بهذا التفهم لطبيعة التجارب الذهنية ندلف لتجربة قطار أينشتين الشهير.
تخيل سكة حديدية طويلة في منتصفها تماما محطة قطار بها مراقب يدعى ألفا ، و تخيل قطارا يتحرك من أقصى شمال السكة الحديدية إلى طرفها الأيمن و يحمل مراقبا آخر يدعى بيتا ، الآن لنفترض أنه في اللحظة التي مر فيها القطار أمام المحطة (أي أن ألفا و بيتا في نقطة واحدة تقريبا) رأى ألفا صاعقتين تضربان طرفي السكة الحديد في نفس الوقت ، و عندما يلتقي ألفا و بيتا لاحقا يندهش ألفا كثيرا عندما يصر بيتا أن الصاعقة قد ضربت الطرف الأيمن للسكة الحديدية أولا ثم بعد قليل ضربت الطرف الأيسر . فمن منهما هو المحق ؟!! المدهش في الأمر هو كونهما محقان معا ، و لنشرح لماذا ..
بما أن بيتا يركب على متن القطار المتحرك جهة الطرف الأيمن فإنه سوف يلتقي بالشعاع الضوئي القادم من الصاعقة اليمنى أولا لأنه يتحرك نحوه ، بينما سيصله الشعاع الضوئي القادم من الجهة اليسرى بعده بقليل لأن بيتا يتحرك مبتعدا من الطرف الأيسر للسكة الحديد. هذه النتيجة تترتب على كون سرعة الضوء ثابتة لكل المراقبين و محدودة أي أن الضوء لا يتحرك بسرعة مطلقة أو لحظية ، لذا يكون ترتيب الأحداث ( مثل أي الصاعقتين ضرب أولا) نسبيا يعتمد على مواقع المراقبين و سرعاتهم ، هذه النتيجة تؤدي إلى أن ما ندعوه تزامن الأحداث (وقوع حدثين في نفس الوقت) ماهو إلا وهم كبير ، فالزمان ليس إطارا مطلقا تقع الأحداث بداخله و لكنه جزء من نسيجها و يتأثر بها !!
هنالك مفارقه أخرى تترتب على نسبية الزمن ، يمكن شرحها بتجربة ذهنية أخرى . أولا علينا أن نصنع ساعة من نوع مبتكر تتكون من إسطوانة بها مرآة عند كل طرف و نبضة ضوئية تنعكس عند طرفي الإسطوانة جيئة و ذهابا ، هكذا يمكننا إعتبار كل رحلة للنبضة الضوئية بطول الإسطوانة ثانية واحدة ، فما قياس الزمن إلا تكرار لفواصل منتظمة و بما أن سرعة الضوء ثابتة (في وسط معين) فإن ساعتنا هذه ستكون أداه ممتازه لقياس الزمن !
الآن فلنصنع ساعة أخرى بنفس الطريقة و لنضعها في مركبة فضائية تتحرك مبتعدة عنا بسرعة تساوي نصف سرعة الضوء ، لنتذكر أن كل مرة تقطع فيها النبضة الضوئية الإسطوانة جيئة و ذهابا تعتبر ثانية واحدة .
سنلاحظ على الفور ظاهرة غريبة للغاية ، فبما أن المركبة الفضائية تتحرك مبتعدة عنا فسوف نرى النبضة الضوئية تتحرك في مسار مقوس بالنسبة لنا ( إنظر الصورة) و قطعا ستستغرق زمنا أطول في قطع رحلتها بين طرفي الإسطوانة ، بالنسبة لنا سيبدو أن الزمن قد صار أبطأ على متن المركبة الفضائية كلما زادت من سرعتها مبتعدة عنا ، و لكن بالنسبة لراكب على متن المركبة ستكون الأمور عادية تماما و النبضة ترتفع و تنخفض بإنتظام بلا أدنى تأخير .
هذه المفارقة تسمى مفارقة التوائم و تنص على أنه إذا إفترق توأمان و ركب أحدهما
مركبة فضائية سافرت بسرعة قريبة من سرعة الضوء لعشرين سنة مثلا ثم عادت للأرض
فسيجد التوأم الذي ركب المركبة أن أخيه قد أصبح أكبر منه بعشرة
سنين على الأقل ( حسب سرعة المركبة الفضائية ) !!
يا لها من نتائج غير متوقعة لبحث أرسطو القديم
عن ظواهر الحركة و قوانينها
دمتن برعايه الله,,