- كل ما يراه شبحا اسود
- فقالت بهدوء : اعلم ذلك هيا أوصلني الى كفر كنا ...؟!
- فقالت: قدرك انت ...
- فتحت الباب وهمت بالنزول ، لولا انه اعتذر لها
- وقالت :فارس ممكن توصلني لبئر السبع ؟
- بدت علامات الذهول على وجه الشرطي وقال :لا شيء ...لا شيء ..!
- فقالت له :اذن ابتعد من هنا !!
- وقالت : اوقف السيارة ..ها قد وصلنا .
- اوقف فارس السيارة وهو لا يرى شيئا يدل على عنوان .
(بسم الله الرحمن الرحيم)
قاد فارس سيارته المرسيدس مساءا في شوارع مدينة الناصرة متوجها الى احد المطاعم للقاء عدة اشخاص في انتظاره..
توقف فارس عند الاشارة الضوئية .. وفي اقل من ثانية فتح باب السيارة وصعدت امرأة ..جلست بجانبه واغلقت الباب ورائها بهدوء وثقة ...وهو ينظر مذهولا مستغربا دون ان يفهم شيئا مما يحدث
كل ما يراه شبحا اسود
او كتلة سوداء متحركة ..جال ببصره من القدم حتى الرأس لعله يرى شيئا يدل على جنس الكائن الذي يسكن تحت هذه الملابس السوداء ...رجل هو ام امراة ولكن عبثا فلا عيون ولا وجه ولا ايدي ترى من خلف هذا السواد ..وامام هذه الحال نطق الكائن الساكن خلف تلك الملابس ...بصوت انثوي جميل وهادىء وواثق:
عفوا ...هل تستطيع ان توصلني الى كفر كنا ؟
ابتسم فارس وقال :عفوا ..ربما اخطأت انا لست سائق تاكسي ...!
فقالت بهدوء : اعلم ذلك هيا أوصلني الى كفر كنا ...؟!
وبدون مبالاة وجد فارس نفسه يسير باتجاه كفر كنا وتناسى انه على موعد هام فكل ما كان يشغل باله هو من تكون صاحبة هذا الصوت الملائكي؟
- وادار بوجهه نحوها وقال :عفوا يا حجة ..!
- وعلى الفور ادارت وجهها بنحوه وقالت له : انا مش حجة ...
- قال : عفوا ...بقصد شيخه!
- قالت: ومش شيخة كمان..
- قال: اذن متدينة لدرجة كبيرة ؟
- قالت: لا..انا مش متدينة...!
- قال: عفوا ..هل انت مسلمة
- قالت: يمكن...شو هذا بهمك ...!؟
- فقال مستفزا : طيب ليش لابسه هالخمار ؟
- فقالت : انا لابسته لاني لابسته...!!!
- فقال: طيب.. مين انت ؟
فردت عليه: انا قدرك يا فارس
ذهل فارس ..فكيف علمت باسمه ..وبدا يفكر باشياء كثيرة وقال وهو يضحك : - قدري انا ...قولي لي يا قدري مين سلطّك عليّ وحكالك عن اسمي ؟
- فقالت: آه .. انا قدرك انت.. وكيف عرفت اسمك فهذا شغلي انا ...كنك ما بتأمن بالقدر ؟
- فقال: انا ما بأمن باشي ...!
فقالت: اذا هيك تعلم من اليوم انك تأمن باشياء كثيرة..!
- فقال: لا بأس ساؤمن ...قولي لي ما هو اسمك ام ساناديك "انسه " قدرك ام "مدام" قدرك.
فقالت: قدرك انت ...
- قال: طيب يا قدري انا اكشفي عن وجهك علشأن اشوفك؟
- فقالت:علشأن ايش بدك تشوفني ؟
- فقال: مش قلت انك قدري ...بدي اشوف قدري ان كان حلو ولأ يا ساتر ؟
- فقالت: ما تخاف ..قدرك حلو كثير ومش يا ساتر...ومش راح تشوفني هلأ، راح تشوفني في الوقت المناسب.
- وقال فارس وهو مستفز والفضول يقتله : بدي اشوفك هلأ ما دمت بتقولي انك قدري
فقالت : وقف السيارة ...اذا بدك تتأكد اني حلوة ...تفضل اكشف عن وجهي وارفع الخمار وراح تشوف...بس أحسن الك ما تعملها هلأ ؟
صمت فارس حائرا مذهولا مترددا بين ان يمد يده ليرى ماذا يخفي هذا الخمار ..ايفعل ذلك ام لا.. ولكن يده لم تتحرك ...!! اما صاحبة الصوت الجميل ذات الخمار الاسود فقامت بفتح باب السيارة وخرجت تسير في شوارع كفر كنا ..لا احد يرى منها شيئا...وعاد فارس الى الناصرة مسرعا لعله يلحق بالاشخاص الذين ينتظرونه ليجدهم قد غادروا المكان...
ابتسم وقال لنفسه : يا لقدري السيء ...لقد خسرت الصفقة..خسرتها لأشباع فضولي بالكشف عن سر هذه الكتلة السوداء وما تخفيه خلف هذا الخمار ...
واصل فارس السير في الطرقات يفكر بسر هذه المرأة وما تخفيه.. ونظر الى حيث كانت تجلس فراى على الكرسي جمجمة بحجم كف اليد وقد زرعت مكان تجويف العينين كرات مطاطية ذات لون احمر كان يشع منها ضوءا باهرا ربما بسبب انعكاس الضوء عليهما ...امسك فارس بالجمجمة وقد سرت قشعريرة في جسمه من منظرها وحينما نظر الى الجمجمة كان منظر الفكين اقرب الى الابتسامة...
- ضحك فارس وقال لنفسه : يا لقدري ...جمجمة وتبتسم ... احتار من حاجة هذه المرأة الى هذه الجمجمة ؟ ولماذا تركتها معه ؟ ام انها نسيتها دون قصد ؟ لا بد ان هذا الخمار يخفي قبحا لا مثيل له وهذا واضح بدليل انها تحمل جمجمة ...
مر يوم وفارس ما يزال يفكر بامر هذه المراة..شعورٌ غريب يشده اليها لا يدري سببه ..!اهو الفضول ام شيء اخر لا يعرفه..!؟
سار فارس بسيارته دون هدف محدد ، ذهب الى كفر كنا حيث نزلت ، فربما يجدها هنا او هناك...ولكن دون جدوى وعندما عاد الى الناصرة رأى نفس المراة تجلس على ....
وعندما عاد الى الناصرة رأى نفس المراة تجلس على احد مواقف الباصات...اقترب منها واراد ان يحدثها لكنه كان خائفا من ان تكون هذه المحجبة التي يراها امرأة اخرى ...فكيف يميز ان كانت هي ام شبيهه بها ...وبحركة غير متوقعة اقتربت ذات الخمار الاسود من شباك السيارة..
- وقالت: ليش اتاخرت يا فارس ...انا بستناك من ساعة ونص...؟
صعدت الى السيارة واغلقت الباب ...وهي ما زالت تعاتبه على تاخره وكانها على موعد مسبق معه...بقي فارس صامتا وعلامات الاندهاش والتعجب تظهر على وجهه والحيرة تعتصره لانه لم يفهم شيئا مما يدور حوله.
- فقالت له :وصلني لحيفا .
- ضحك فارس وقال :بتؤمري بوصلك لحيفا ولوين ما بدك ..بس قولي لي يا....
- قاطعته وقالت : ياسمين اسمي ياسمين ، ناديني ياسمين .
- فقال : ياسمين قولي لي عن جد كنت بتستنيني ولا بتمزحي؟
- فقالت: آه انا كنت بستناك ...انت شو مفكرني كنت بسوي هون.. بستنا واحد تاني ...على العموم اذا ما بدك تشوفني بنزل هون.
فتحت الباب وهمت بالنزول ، لولا انه اعتذر لها
- وقال : انا بدي اشوفك..بس مش شايف اشي منك غير هالسواد !؟
- فردت عليه غاضبة وقالت: مش مصدقني ...؟ قلت الّك انا حلوة.. اقسم بحيات ستي اني حلوة وراح تشوفني في الوقت المناسب.
- رد عليها فارس بصوت غلب عليه الحزن واليأس وقال: ياسمين قولي لي ..هل انت انسانة انا بعرفها وحابة تمزح معي من ورا هالخمار ولأ فيّ حدا مسلطك عليّ علشان تجنينيني.
- قالت: لا..انا ما بعرفك وما في حدا سلطّني عليك ..بس من اللحظة الاولى الّي شفتك فيها صرت قدرك..وبعدها عرفت عنك كل اشي.
- وقال لها : شو قصدك ...؟!
- قاطعته وقالت له :لقد وصلت وعليّ ان اذهب.
غادرت "ياسمين " الغامضة وبدات تسير بالشارع حتى اختفت بين الزحام.. وعيون فارس لم تعد تستطيع ملاحقتها فاخذ بالضحك مستسخفا مما يحدث وقد اتخذ قرارا ان لا يفكر في هذه المرأة الغامضة التي تود فقط ان تثير فضوله في لعبة ذكية ..فلا بد ان يكون من ورائها احد ..وعاد الى عمله ليشغل نفسه ولكنه فشل في ان يطرد خيالها من مخيلته واخذ يسأل نفسه: ما الذي يشدني الى هذه المقنعة السوداء؟ هل هو الفضول ام ان اسلوبها المثير قد اثر بي؟
شقت السيارة طريقها من جديد الى الناصرة وما ان وصل فارس حتى بدإ يقوم باتصالاته لترتيب عدة مواعيد لعمله ...بدل التفكير بسخافة هذه المرأة وما ان مرت عدة ساعات واقترب الوقت من منتصف الليل وقرر العودة الى البيت حتى فوجىء بالمرأة "صاحبة الخمار الاسود " تشير بيدها له ليتوقف ...دق قلب فارس بسرعة واصابه شعور غريب لم يعرفه من قبل ...شعور ممزوج بخوف رهيب من المستقبل ...وسعادة لرؤيتها ..توقف واقتربت المرأة من السيارة وفتحت الباب ورمت بجسدها الملفوف بالسواد على الكرسي
وقالت :فارس ممكن توصلني لبئر السبع ؟
لم يستطع فارس الاجابة بل وجد نفسه يسير في الطريق المؤدية الى بئر السبع دون ان يجادل او يأبه اذ كان عليه العودة الى البيت اواذا كان احدهم بانتظاره ...خيم الصمت لدقائق طويلة عليهما كانت كانها سنوات ...لم يتكلم احدهما.. نظر فارس الى المرأة بعد ان استجمع جملة واحدة بعد الذهول الذي اصابه
- وقال: ياسمين انا في حياتي كلها ما عرفت شو هو الحب ...ومش مهم مين بتكوني او مين انتِ ...انا بصراحة حبيتك من اول مرة سمعت صوتك فيها ..ما شفتك وبعرفش مين بتكوني...بس لاول مرة في حياتي بشعر اني مهزوم ، ايوه انا مهزوم بحبك .
- وقالت له ساخرة :بعدك ما شفتني وحبيتني ..الله يساعدك لما تشوفني شو راح يصير فيك...
- فقال فارس: راح احبك اكثر ..
- فقالت: بصراحة انا كمان مفكرة اني أحبك ..وخاصة اني قدرك يا ...
- قاطعها فارس وقال : ياسمين عن جد انت مصدقة شو بحكي ؟
- فقالت: آه يا فارس مصدقتك .. ما انا قلت لك من اللحظة الاولى اني انا قدرك .
- فقال : ياسمين مين انت ؟
- فقالت : ما تسال راح تعرف لحالك مين بكون ...
وفي هذه الاثناء مرت السيارة من امام حاجز للشرطة كان بجانب الشارع السريع بين تل ابيب وبئر السبع واشار الشرطي الى سيارة فارس بالتوقف لتجاوزه السرعة...استجاب فارس للنداء وتوقف بجانب الطريق واقترب من النافذة شرطي وطلب من فارس اوراقه الخاصة "الرخصة والتامين ورخصة السيارة " وهّم فارس في اعطاء الاوراق الى الشرطي ..وفي تلك الاثناء طلبت منه ياسمين ان لا يستجيب لطلب الشرطي وان يسير بسرعة ...سار فارس وهو لا يأبه بعواقب ما فعل مع الشرطة ...واخذت ياسمين تضحك ولكن ما هي الا لحظات حتى كانت عدة سيارات شرطة تطارد سيارة فارس وتنادي عليه بان يتوقف على يمين الطريق ...
وجد فارس نفسه في ورطة كبيرة وتوقف رغم ان ياسمين طلبت منه ان لا يهتم بهم .. ونعتها بالجنون وقال لها :انت مجنونة فعلا ..مجنونة وبدك تقتلينا .
احاطت الشرطة بالسيارة بعد ان توقفت واقترب الضابط منها وعلى وجهه علامات الغضب ...وما ان اقترب حتى بادرته ياسمين قائلة : ماذا تريد؟
بدت علامات الذهول على وجه الشرطي وقال :لا شيء ...لا شيء ..!
فقالت له :اذن ابتعد من هنا !!
ابتعد الشرطي وصعد الى السيارة العسكرية دون ان يكلم احدا ...ويبدو ان احد افراد الشرطة اصابه الفضول فاقترب من السيارة هو الاخر ...ولكن ما ان راى ياسمين حتى ابتعد هو الآخر مسرعا وكأن كل منهما قد راى "رئيس دولة" او شيئا مهما او شيئا غريبا ...وبسرعة ادار فارس راسه باتجاه ياسمين وراها تحمل بيدها "جمجمة " وراى شعاعا احمر باهتا سرعان ما اختفى ، فحرك فارس عينيه من تاثير الشعاع واخذ يفحص بعينيه من اين مصدره ، وهو متاكد من انه رآه ينبعث من تحت النقاب الاسود ...اكمل فارس سيره مذهولا وهو يفكر بما حدث ، وهل ان منظر النقاب هو ما اخاف الشرطة ؟ ام ان الجمجمة ؟ ام ان هناك شيئا اخر ؟ لم يخف على المرأة ذات النقاب خوف وذهول فارس فقد كان ذلك باديا على وجهه وعلى حركات يديه وعلى اشعاله السيجارة تلو الاخرى بنهم .
- قالت له : شو فيّ يا فارس ..فّي اشي ؟
- فقال: اللي صار مع الشرطة غريب..؟
- فقالت : وما هو الغريب في الامر ان تسال الشرطي ماذا يريد ...فيقولون لك لا شيء ..هذا يحدث مئة مرة في اليوم ولكن انت مرهق وانا السبب في ذلك ...اسفة ، اسفة يا حبيبي ما كان يجب ان اجعلك تقود هذه المسافة الطويلة ...
وصلت السيارة مدينة بئر السبع وهناك طلبت منه السير في طريق جانبية ، سار بها فارس اكثر من ساعة ليدب الرعب في قلبه ويزداد الخوف اكثر واكثر كلما اوغل في الطريق وكان هذا الطريق في عزلة عن العالم فلا شيء امامه او على جنبات السيارة سوى الصحراء المظلمة والكتلة السوداء التي تجلس بجانبه واصوات عواء الذئاب يملأ المكان وتزيده رهبة ...تنهدت المراة الغامضة
وقالت : اوقف السيارة ..ها قد وصلنا .
اوقف فارس السيارة وهو لا يرى شيئا يدل على عنوان .
- فقال فارس وعلامات الذهول بادية على وجهه :الى اين اني لا ارى سوى الصحراء المظلمة؟ الى اين هل تمزحين ؟
- قالت : كلا انا لا امزح سنسير على الاقدام وبعد دقائق سنصل ...
- قال : على الاقدام هل انت مجنونة ؟
- قالت : هل انت خائف ؟
- قال : نعم انا خائف ، وهل يوجد عاقل يوافق على السير في هذه الاماكن ولو عدة امتار ؟
- قالت : لا مكان للحب والخوف معا اما ان يقضي الحب على الخوف واما العكس فان اردت ان ازيل الخمار لتراني فتعال معي ، واعدك بانك ستسعد طوال حياتك .
- قال : وما ادراني ماذا سيكون تحت هذا الخمار ؟
- قالت : تعال وستعرف بنفسك ...!!
وسارت تشق طريقها في الظلام وفي عتمة الصحراء ، وكلما سارت خطوة شعر فارس بان روحه تبتعد عن جسده ...واختفت ياسمين المرأة الغامضة
وفي وسط تردده وخوفه من ان يلحق بها او لا يلحق ، بدأ يسمع عواء ذئاب آت من بعيد، تعالى صوت العواء اكثر واكثر ، ازداد صوت العواء وتكاثر واخذ الصوت يقترب ...ادار فارس محرك السيارة ليهرب من المكان بسرعة لشعور بالخطر الذي يترقبه ...وصوت الذئاب يحيط به من كل جانب ...
ابت السيارة ان تتحرك..وحاول مرة اخرى ولكن دون جدوى فمحرك السيارة لا يعمل وكأن خللا قد حل بها ، وبحركة لاشعورية وسريعة اغلق فارس نوافذ السيارة واحكم اغلاق الابواب واخذ يترقب وصول الذئاب اليه وهو يتساءل : هل تستطيع الذئاب كسر الزجاج والدخول الى السيارة ؟ وهل سأتحول الى وجبة عشاء لذيذة للذئاب ؟!!وماذا سأفعل ؟؟ وكيف سأتصدى لها ؟؟ كم يبلغ عددها ؟؟ لا بد انها عشرات الذئاب
الصوت يدل على ذلك ...الصوت قريب جدا وعلى بعد مترين او ثلاثة امتار على الاكثر ...ولكن لماذا لم تقترب من السيارة...؟ لا بد انها تعلم بانه من الصعب اقتحام السيارة فهي ستنتظر خروجي من السيارة لأصبح لها هدفا سهلا ...يا لغباء الذئاب ...هل تتوقع ان اخرج من السيارة واقدم نفسي لها بهذه السهولة
واخذ فارس يلتفت تارة الى الخلف وتارة الى الامام ...شمالا ويمينا ليرى ان كانت الذئاب قد هجمت ...وفي وسط هذا الخوف الرهيب من الموت الشنيع الذي يحيط به من كل جانب تذكر (ياسمين الغامضة ) وتمتم وقال :لعنه الله على ............."الله يسامحك يا ياسمين على ما فعلت" .
فرك فارس عينيه واخذ يحملق في الافق لتعود الطمأنينةالى قلبه بعد ان راى خيوط النور تشق طريقها وسط الظلام معلنة عن بدء شروق الشمس وعن الفرج القريب لخلاص فارس من "الموت "ومع انتشار النور تلاشى صوت الذئاب التي لم يرها .. نظر فارس حوله ليرى نفسه وسط صحراء جرداء قاحلة ...وعلى مدى نظره لا يرى أي اثر يدل على وجود حياة او بشر ...ازداد فضول فارس حول المكان الذي ذهبت اليه ياسمين
فتح باب السيارة واخذ يسير في نفس الاتجاه الذي سارت فيه ياسمين ، وبدأ يحدث نفسه ويقول :لا بد انها قريبة من هنا ، فهي قالت ان المكان الذي سنذهب اليه على بعد عدة دقائق فقط.. نظر فارس حوله بكل الاتجاهات وايقن انه لو سار عدة ساعات فلن يصل الى أي مكان ...فنظر الى الارض وراى اثار خطواته على الرمال ، فاخذ يبحث عن أي اثر لخطوات ياسمين الغامضة ولكنه لم ير أي اثر ، فقرر ان يعود الى السيارة ليصلحها ويعود ادراجه الى الناصرة بعد ان يأس من وجود أي امل يدله على ياسمين ذات الخمار
وفي طريقه الى السيارة لمح عن بعد شيئا يثير الانتباه في وسط الرمال فسار نحوه لدقائق وما ان وصله واقترب حتى دبت القشعريرة في جسمه فقد راى قبرا قديما يدل شكله على انه موجود منذ مئات السنوات وكان لون حجارته عبارة عن مزيج من الاسود والبني ولون الغبار المتراكم عليه ...
فتساءل فارس بينه وبين نفسه : يا ترى ما هي حكاية هذا القبر؟؟ ولمن هو ؟ لماذا هو في هذا المكان بالذات ؟..لا بد ان من بناه احتاج الى وقت طويل ..حتى يبنيه بهذه الطريقة البارعة ؟...ولكن لماذا ؟.. وبدأت عشرات الاسئلة تدور في ذهن فارس ولكن دون اجوبة ...وبالرغم من الخوف الذي كان يراوده الا انه وضع يده على القبر ليتحسسه ، ورفع يده التي التصق الغبار بها ، وشعر فارس ان على القبر كتابة معينة فاخذ يزيل الغبار عن القبر لعله يستطيع قراءة الكلمات المكتوبة ، فدبت بجسمه قشعريرة الموت والخوف...حينما قرأ
.. افتح القبر لا مكان للحب والشك معا .. اما ان يقضي الحب على الشك واما ان يقضي الشك على الحب ( افتح القبر وسترى ما يسعدك ) وما ان قرأ فارس الكلمات المكتوبة على القبر حتى اخذ يهرول مسرعا الى السيارة وهو يتمتم : يا الهي...ماذا يوجد داخل هذا القبر ومن هو الشخص الذي دفن فيه ..ومن يكون صاحبه ؟!
فتح فارس بوابة السيارة وادار المفتاح وتحرك بسرعة وهو ما زال يتمتم : ياالهي من يكون صاحب القبر ...من يكون ؟ وتذكر فارس ان السيارة التي كانت معطلة بالامس اشتغلت الان ...واخذت السيارة تشق طريقها بسرعة جنونية الى الناصرة
هدأ روع فارس فابطء السرعة واخذ يكلم نفسه بصوت مسموع : لن ادع هذه المراة تلعب في حياتي ..انا لم ارها ولم اسمع سوى صوتها ولا ادري من تكون ...لماذا اوهمت نفسي باني احبها ولماذا اتركها تتلاعب في مصيري ...اقسم بالله وبكل شيء عزيز باني لا اريدها ولهذا لن افكر فيها حتى لو جاءت ولتكن من تكون ، فهي لا شيء ...لا شيء ..ولن ادع خيالي يصنع منها شيئا.
عادت الثقة لنفس فارس وعاد الى حياته الطبيعية ليمارس العمل والنجاح بعيدا عن الاوهام وبالرغم من نجاح فارس في قدرته على طرد(ياسمين المرأة ذات الخمار) من عقله وافكاره ، الا انه ادرك ان الحياة لم تعد مثل السابق وانه غير قادر على الخلاص من شعور الآسى والحزن لفقدانه شيئا مهما في حياته
وأخذ يحدث نفسه قائلا: يا رب ...ما الذي يربطني بهذه المرأة الغريبة ؟ هل هو الحب ؟ فانا لا اؤمن بالحب... ولن اؤمن به ...وان كان هناك حب فلماذا لم اعرفه من قبل...؟ لماذا هي ؟ فانا اعرف عشرات الفتيات الجميلات ، لماذا هي وانا لم ارها ولا اعرف ما هو شكلها ؟ سوداء ، بيضاء ، شقراء ، قبيحة او جميلة ...
لماذا اربط نفسي بامرأة الخمار والقبور والجماجم والذئاب والصحراء، والخوف والجنون ..؟ لماذا؟ وما الذي يجبرني على ذلك ، اي حب هذا ، لا بد انه الفضول ، ولكن منذ اللحظة الاولى اشعر بهذا الشعور ...يا الهي هل هو الحب؟! هل الحب مجنون لهذه الدرجة ، ام انها لعنة علقت بها لتدمر حياتي ، كلا لن ادعها ...لن افكر فيها ...كفاني جنونا وغباءا وضعفا ...كفى ! سار فارس في شوارع الناصرة ، مرة يشعر بالفرح والثقة لخلاصه منها وتارة يشعر بالحزن والاحباط لفقدانه اياها ...
وفجاة لمح فارس في اخر الشارع عن بعد امرأة ترتدي السواد والخمار وتسير في الشارع مبتعدة ...خفق قلب فارس بقوة ولم يتمالك نفسه فاخذ يسير خلفها بسرعة ليلحق بها وكأن هناك قوة تسيره نحوها دون ارادته...اقترب فارس ولم تعد تفصله عنها سوى عشرة امتار او اقل ، ودخلت ذات الخمار الى احد المحلات التجارية في الشارع ووقف فارس ينتظر خروجها ..
وبنفس اللحظة كانت هناك يد تربت على كتفه وبصوت جميل هادىء يقول له :اثقل يا مجنون ...
فتلفت فارس الى الخلف نحو مصدر الصوت فرأى (ياسمين ذات الخمار الاسود ) واقفة تضحك .
- فقال فارس :ياسمين حبيبتي ، اين كنت ؟ اين اختفيت ...؟ اين ذهبت ..؟ لماذا لم تأت ...؟ انا احبك ولا حياة لي بدونك ...لا استطيع ان احيا بدون سماع صوتك او ان أراك ...مع انني لا ارى سوى الخمار ...ارجوك ارحميني .
- قالت ياسمين ذات الخمار : فارس لماذا تسير خلف هذه المرأة ... من اين تعرفها ، وماذا تريد منها؟..انت كاذب انت لا تحبني ...وان كنت تحبني فلماذا تسير خلف امرأة اخرى...
- قال فارس : ياسمين ، حبيبتي اعتقدت انها انت ، خاصة وانها تشبهك في الاسود والخمار.
- قالت ياسمين : لا يا حبيبي ، انا احلى منها بكثير ، وشو جاب لجاب ، انا يا حبيبي ما في واحدة احلى مني.
- قال فارس : ياسمين بدك تجننيني ، هو انا شايفك ولأ شايفها ، هو في حد بقدر يشوف من تحت هالعبايه والخمار ...فانا يا دوب سامع صوتك ...كيف بدي اعرف ان كنت احلى منها واللى هي احلى منك ...يالله ان كنت واثقة من جمالك ارفعي الخمار علشان اشوفك . -
ضحكت ياسمين وقالت : انا موافقة على رفع الخمار ، وهلأ بتشوف اني احلى من كل بنات الناصرة ...واحلى من البنت اللي انت لاحقها كمان ...بس بشرط اول بتنادي عليها وبتخليها ترفع الخمار وبتشوفها، تفضل ادخل المحل وراها وشوفها ...
- قال فارس : شو القصة بهذه البساطة ...بدك ادخل واقول لواحدة متدينة بالله ارفعي الخمار ، علشان اشوف وجهك ...شو المناسبة ...ولأ بدك اتبهدل ؟
- فقالت ياسمين : شو هي احسن مني ، شو بتفكرني ...ولأ بس بدك ...
- فقال :حبيبتي انا بحبك ومن حقي اشوفك وأما هي ما بتهمني ، ليش اشوفها .
- فقالت : لقد قلت لك اني جميلة جدا ...والله العظيم انا حلوة كثير ..بدك اوصفلك نفسي ...انا شعري طويل وناعم ، وعيوني وساع ، وبشرتي ...
قاطعها فارس وقال :ياسمين انا ما بيهمني ان كنت جميلة ولا لأ ، وعلى فكرة ما فّي واحدة بتقول عن حالها مش حلوة.
- فقالت : انا حلوة، صدقني وما تستعجل الامور ، وستفخر بي فانا عندما رايتك لاول مرة قررت ان اختار نفسي زوجة لك ..."ولأ انت مش واثق بذوقي ".
- ضحك فارس بصوت عال وقال ساخرا : انت اخترت نفسك زوجة لي ، جميل انا موافق ...هيا بنا اذن نتزوج...
- فقالت : لكن يجب ان تصبر بضعة اسابيع حتى انهي بعض المشاكل العائلية ومن ثم نتزوج فورا ان وافق اهلي او لم يوافقوا ولكن الاهم من ذلك يجب ان اتاكد بانك تحبني فعلا ...والان هيا تعال اوصلني ...
- فقال فارس ساخرا : والى اين هذه المرة تريدين ان اوصلك ...الى صحراء سيناء ام الى جنوب لبنان ؟
- فقالت ياسمين بنبرة حزينة : اسفة ...انا اسفة اللي طلبت منك توصلني. وسارت مسرعة واختفت وسط الزحام وفارس خلفها يناديها ولكنه لم يستطع اللحاق بها ...
عاد فارس سائرا الى سيارته وهو حزين وخائف من ان تكون ياسمين قد غضبت وان لا تعود من جديد ...جلس فارس في سيارته وهو لا يدري ماذا يفعل وفي لحظة رأى ياسمين ذات الخمار تقترب من السيارة -
وتقول له : انا اسفة اللي دخلت في حياتك ...خلص هذه اخر مرة بتشوفني فيها .
وهمت ياسمين بالذهاب لولا ان فارس امسك بها واصر على ان تركب السيارة، وقال لها : حبيبتي انا بمزح معك لا اكثر ، والله لو طلبت مني اوصلك الى اخر نقطة في العالم لفعلت ، فلا تكوني مزاجية لهذه الدرجة ...والان اين تريدين ان اوصلك ؟
فهزت المرأة الغامضة راسها وقالت :اوصلني الى طبريا .
فتحرك فارس باتجاه طبريا وقال لها : ياسمين ما حكاية تحركك من مكان الى اخر وفي اوقات مختلفة وما حكاية القبور والجماجم؟
- فقالت غاضبة : اية قبور ...وما دخلي انا بالقبور ، وعن اية جماجم تتكلم ، اين هي الجماجم ؟
فمد فارس يده الى جيب السيارة وفتحه واخرج منه الجمجمة الصغيرة وقال :...
انا اتحدث عن هذه الجمجمة وعن الجمجمة الاخرى التي تحملينها بيدك واقصد بالقبور القبر الذي ذهبت اليه في الصحراء ...ام تراك نسيتي؟
- قالت ياسمين : انت مجنون أي قبر في الصحراء ...؟ انا لم اذهب الى أي قبر ...شو انت بتفكرني ...الم اطلب منك ان تاتي معي لترى اين اسكن ولكنك خفت وتركتني اسير لوحدي ...وهذه ليست جمجمة ...انظر اليها ، انها ليست جمجمة انها مجرد حجر يجلب الحظ.
- فقال فارس: كلا يا حبيبتي انها جمجمة صغيرة ، اما ان تكون لطفل صغير حديث الولادة او لشيء اخر لا ادري ما هو ...
- فقالت : ان كنت مصرا على انها جمجمة فليكن ذلك ...انها تجلب الحظ ...انظر اليها اليست جميلة؟ لماذا انت خائف ؟ هل تخاف من حجر او كما تقول من جمجمة ؟ دعها معك وستجلب لك الحظ السعيد صدقني يا فارس..
#################
فارس يا ابن الدهري
ملعون القلب اللي حبك
وملعونة انا ان رحمتك
لازم تعرف قذارة اصلك
روح اسأل امك كيف حملت فيك
واسالها مين ابوك
وفي أي بلاد اختك واخوك
وذكرها بربيحة الملعونة
ليش اختفت بليلة قمر
وقلها انو القدر ما منو مفر
ولعنة جورجيت حتطارد كل ذكر
وعلشان تصدق شو بقول .. افتح الصندوق اللي طلعته من قبر ربيحة بايديك وشوف شو فيه ...
واسرع فارس الى الصندوق ليفتحه ويرى ما بداخله وقلبه يدق وفكره يقول ان اللعبة ابتدات حيث انتهت ... فتح فارس الصندوق وذهل مما راى .. فقد وجد بداخل الصندوق حقيبة جلدية داخلها قطعة من قماش ملفوفة بعناية .... فتح فارس قطعة القماش ليجد فيها قطع ذهبية ومجوهرات من اساور وسناسيل واحجار كريمة تدل على ان صاحبها على درجة عالية من الثراء ، كما وجد مجموعة من الاوراق والصور القديمة ... نظر فارس نظرة فاحصة وسريعة الى الصور ليذهل مما رأى .. !!
كانت تجمع مجموعة من الشباب والفتيات وعجوز وعجوزة ... وبشكل بديهي تبين ان الصورة جمعت في محتواها عائلة مكونة من اب وام وابناء ، وصعق فارس .. ليس من الصورة وحدها ولا المجوهرات والاحجار الكريمة وقيمتها .. انما من وجود احد الاشخاص الظاهرين في الصورة ... وهو فارس نفسه بطوله وعرضه ووجهه وعيونه وشعره وانفه حتى الندبة الظاهرة في ذقنه واضحة في الصورة وجميع الظاهرين في الصورة فيهم تشابه واضح وكبير يرى لاي ناظر بانه تشابه عائلي ، تمعن فارس بالصورة مرة ومرات وهو بحالة ذهول يتسائل عن كيفية وجوده ضمن الصورة التي تم تصويرها قبل عشرات السنين !!!
كان فارس للوهلة الاولى سيشك بنفسه بانه قد تصورها مع هذه العائلة قبل سنوات ونسي ذلك مع الايام لولا ان الملابس التي يرتديها في الصورة كانت لأجيال سابقة ولا يمكن ان يكون قد ارتداها يوما ما .. تساءل بينه وبين نفسه ان هذه التشابه الكبير لا يمكن ان يكون الا لاخ توأم !! ولكن قدم الصورة والملابس وعمر فارس الحالي وعمره في الصورة يجعل الفكرة غير معقولة ...
حار فارس وتساءل : لمن هذه الصورة ...؟!! لست انا وليس توأمي ؟!! ليست صورتي ولكن انا من في الصورة ؟!! لست انا !! ولكن انا هو !! ايعقل ان يخلق الله تشابها الى هذا الحد .. وصرخ فارس باعلى صوته بعد ان غلبته الحيرة : ... من انا ؟؟؟ من الذي في الصورة !!؟؟ ملتفتا الى حيث سقطت ياسمين بعد ان صفعها .. ولكن اين ياسمين...!
استدار وبحث عنها حوله اختفت ياسمين ولم يعد لها اثر وكأن الارض انشقت وابتلعتها او انها قد استغلت انشغال فارس بمحتويات الصندوق وذهبت لتتركه في حيرته .. كلمات ياسمين الاخيرة اخذت تدور في رأس فارس وترن بأذنيه بشكل متلاحق ..
روح اسال امك كيف حملت فيك ؟ روح اسال امك كيف حملت فيك ؟ واسألها مين ابوك وفي أي بلاد اختك واخوك ؟
ركض فارس باتجاه السيارة وفتح الباب وجلس خلف المقود وانطلق وهو يتمنى لو ان السيارة تطير وتوصله سريعا الى امه لعله يجد عندها بعض التفسيرات.. اخذ فارس يشق طريقه بسرعة وكأنه يسابق الوقت او يهرب من كلمات ياسمين ليطرد من مخيلته أي فكرة تقوده للشك بوالدته التي هي اغلى واعز الناس على قلبه .. ولكن هيهات ان ينجح في ايجاد فكرة معقولة ومقبولة تبعد امه عن هذه القصة الغريبة .. اقترب فارس بعد وقت من البيت وما زالت تدور في داخله خواطر مجنونة يجيب عليها ويسألها ويرفضها ويؤكد وينفي ..
اوقف فارس السيارة بجانب البيت وحمل الصندوق ودخل مسرعا الى البيت ، اسرع الى غرفته ووضع الصندوق الذي بيده على سريره وخرج يبحث عن والدته في ارجاء البيت ولكن لا اثر لها ... غيابها زاد من قلقه واشعل النار بداخله .. النار التي لن يطفئها غير أمه بجوابها ..!!؟اسئلة تحاصر مخيلة فارس عن سر غيابها عن البيت !!! لا بد انها ذهبت الى السوق او ربما عند الجيران.. ربما.. وربما
جلس فارس واستسلم لأمر واحد فليس بيده ما يعمله سوى ان ينتظرها الى ان تعود .. مرت دقائق كانها سنوات لم يستطع خلالها الصبر فقفز مسرعا الى الجيران لعله يجدها هناك ولكن حظه لم يسعفه اذ انها لم تكن هناك واقنع نفسه مجددا بالانتظار حتى تعود .. مرت الدقائق ببطء وانتهت الساعة والنصف وفارس يجلس شارد الذهن ينظم ويرتب افكاره .. كيف سيسأل امه وكيف ستكون طريقة الحوار ... ؟
خرخشة مفاتيح تقترب من الباب الرئيسي ترافقها خطوات متلاحقة وصرير الباب سبق دخول امه الى البيت انتفض مسرعا باتجاه الباب لاستقبالها .. كانت الام تحمل في يدها مجموعة من الاكياس المليئة ساعدها فارس وحمل عنها الاكياس وتوجه بها الى المطبخ ، جلس فارس على الكرسي وطلب من امه ان تجلس ليحدثها ... ولكنها قالت له : ان يتكلم على راحته حيث ستقوم هي بترتيب الاغراض ، فقام وساعدها وهو يعلم انها لن تصغي اليه ما دامت تشعر بأن هناك شيئا ليس في مكانه .. وبعد الانتهاء من الترتيب جلست
وقالت :خير شو قصتك .. وشو اللي ذكرك انه ألك ام تعطيها من وقتك ؟
- امسك فارس يدها بكلتا يديه .....وقال : امي حبيبتي.. فهميني انا شاعر انه في سر كبير في حياتك ؛ في قصة ؛ في اشي ؟ احكيلي عنه ؟
- وبنظرة دافئة من عينيها قالت : سر شو يمّا اللي بتحكي عنه...؟
- فرد متلعثما : سر بيتعلق فيّ انا ؟!!
- فقالت : يمّا شو هالكلام مالك انت الله يهديك ؟
- حار فارس اكثر ولم يملك الشجاعة ليتحدث بصراحه ، صمت قليلا ليفكر وبسرعة قال : اسمعت قبل هالمرة بأسم الدهري ؟
لم تجب عن السؤال وبدت على وجهها علامات الاضطراب والقلق والارتباك .. اعاد فارس السؤال مرة اخرى فاجابته متلعثمة : لا ما سمعت في ها الاسم شو فّي ؟ شو القصة ؟ مين هذا وانت شو خصك فيهم ؟ انا ما بعرفهم ولا عمري اسمعت عنهم ، ومين حكالك عنهم ؟ واحنا شو خصنا فيهم وليش بتسأل عن ناس ما بنعرفهم ؟!! بلاش كلام فاضي وبكفي اني متحمليتك ومتحملة عمايلك يوم بتناملي في الدار وعشرة ما حدا بعرف الك طريق بكفي لهان بكفيك انا مش راح اظل ساكته ..
بقي فارس صامتا وقد اتكأ على الطاولة منتظرا ان تفرغ امه من كلامها .. وما ان انهت كلامها حتى قال لها فارس بهدوء : انت ليش معصبة يمّا .. انا بس سألتك ان كنت اسمعتي قبل هالمرة في اسم الدهري انا ما حكيت اشي .. شو القصة يمّا شو فيّ ..
ردت امه غاضبة : ارجعنا لنفس الموضوع انا قلتلك ما في اشي وما بعرفهم واذا بتحكي كمان مرة في هالموضوع ما راح احكي معك طول عمري ...
وبحركة لا شعورية مد فارس يده الى جيبه واخرج الصورة والقاها على الطاولة امام والدته دون ان يتكلم بكلمة واحدة .. امسكت امه بالصورة ويداها ترتجفان وقد اصفر وجهها واغرورقت عيناها بالدموع ..
اشفق فارس على حالها فهي اغلى الناس على قلبه ولا تستحق ان تذرف دمعة واحدة من عينيها فانتقل الى جانبها وضمها اليه وقال : شو القصة يمّا ؟ احكيلي من شأن الله احكي وريحيني.
وزاد بكاء ام فارس واخذت تقول : ما بدي تضيع مني .. انا خايفة عليك ، خايفة عليك يمّا
- هدأ فارس من روعها وقال : لا تخافي يمّا لا تخافي.
- فقالت باكية : كيف ما اخاف كيف ..؟ انا شو عملت يا ربي تيصير فّي كل هذا يا ريتني مت وارتحت .
- فقال فارس : بعيد الشر .. لا تخافي واحكي شو الموضوع ؟
- ردت غاضبة : شو احكيلك هو في اشي بينحكى انت من وين جبت هالصورة ومين اللّي اعطاك اياها.
- فقال : مش مهم مين اعطاني اياها المهم شو قصتها...؟
- فقالت : لا هلأ بدك تقول لي مين اعطاك اياها ومن وين جبتها ؟
- فقال : طيب اذا مهم عندك انك تعرفي راح اقولك اعطتني اياهم وحدة حلوة زي القمر
- اخذت ام فارس تلطم على وجهها وتبكي وتصرخ وتقول: يا خراب بيتي .. يا ويلي عليك يمّا هي لحقتك لهون وين بدي اهرب فيك وين بدي اخبيك وبتقول يما حلوة مثل القمر..؟! ضعت مني يا فارس وانت قدامي والله قلبي كان حاسس راح ييجي اليوم الّلي يوخذنك مني.
عبثا حاول فارس ان يهديء من روعها حتى انه شعر بندم كبير لتهوره بفتح هذا الموضوع معها وادخلها في هذه المتاهة ونبش لها ماضيا كان واضحا انه انتهى بالنسبة لها ولكن حدث ما حدث ولم يكن امام فارس فرصة للتراجع ، ويجب ان يفهم ما حدث وما يحدث لعله يجد مخرجا وخاصة ان شعوره قد تأكد بأن الذي يواجهه لم يعد مجرد لعبة او تسلية .. ومغامرة ... وان خلف ياسمين ام الجماجم قصة حقيقية عمل فارس كل جهده ليهدىء من روع وخوف امه..
ضحك ومزح وابتسم واظهر لها انه لا يوجد هناك ما يستحق ، ولكن كان من العبث ان يعيد الاطمئنان الى قلب امه بعد ان فجر بداخلها خوف المستقبل وألم الماضي معا ..
وبلهجة صارمة قال فارس : اسمعي يمّا ما بصير الا اللّي الله كاتبه والبكا مش راح يفيد .. انا بعرف في القصة واذا انت بدك تساعديني بلاش تظلي تبكي وتندبي حظك احكيلي عن القصة .
- قالت امه : يمّا القصة طويلة وشو بدي احكيلك تحكيلك !!
- قال : احكي يمّا انا بدي اسمع وبدي افهم احكي لي مين اللي في الصورة ومين عيلة الدهري .
- قالت : اللي في الصورة يمّا ابوك واعمامك وعماتك وجدتك وجدك وهذه الصورة قبل ما انت تخلق على الدنيا بكثير وهي يمّا عيلة الدهري الي بتسأل انت عنهم .
- فقال : يعني المرحوم ابوي اللي رباني مش ابوي .
- فقالت : لا يمّا ابوك الحقيقي من عيلة الدهري واللي رباك الله يرحمه مش ابوك .
- فقال : كيف يمّا .. كيف اشرحي لي ... كيف وانا عايش اكثر من ثلاثين سنة ولا عمري حسيت انو ابوي وعمامي وكل هالعيلة انهم مش عيلتي الاصلية
- فقالت : ما حدا يمّا بعرف انك ابن الدهري وكلهم بفكروا انك منهم وابنهم .
- فقال : شو افهم من هالحكي انو المرحوم كمان ما بعرف اني مش ابنو..!؟
- فقالت : لا يمّا لا تفكر غلط المرحوم رباك وهو بعرف انك مش ابنوا .. هو الوحيد اللي بعرف قصتك .. المرحوم اتجوزني لما كان مسافر ولما رجع وجابني معه قال لهم انك ابنو
- فقال فارس : وابن الدهري اللي هو ابوي .. كيف يمّا..؟
- فقالت : لا يمّا لا تفكر غلط كان جوزي على سنة الله ورسوله ..
وبدا الارتياح على وجه فارس وكانه منذ البداية كان يريد ان يحصل على هذه الاجابة بانه ابن شرعي ولم يأت بطريقة اخرى .
- وقال : طيب شو قصة اللعنة اللي بتطارد هالعيلة "عيلة الدهري والشامي" ومين هاي "جورجيت"
وما ان سمعت ام فارس بأسم جورجيت حتى تغير لونها واخذت تردد : باسم الله.. بسم الله.. الله يحفظنا الله يحفظنا لا تحكي اسمها يمّا وصمتت قليلا وقالت جورجيت يمّا احلى بنات الشام لا احلى بنات الدنيا كلها ظلموها ودفنوها وهي حبلى جوى قبر وهي .. وهي .. وتلعثمت ام فارس واخذت تستعيذ بالله .. وفارس يلح عليها ان تكمل حديثها ويصر على ذلك .. وتجيبه : يمه والله انا ماني متذكرة .. هاي قصة صارت زمان قبل ما انخلق على وجه الدنيا .. وما صارت على جيلي وسمعت فيها ، وكانوا يحكو ...
- فقال فارس : احكي يمّه القصة اللي انتِ بتعرفيها .. احكيلي قصة جورجيت ولعنتها ..وكيف تعرفتي على ابوي وتجوزتيه.. احكيلي .
وتحت ضغط فارس والحاحه على والدته وفشلها بالتهرب من الحديث في هذا الموضوع .. الا انها رضخت لطلبه واخذت تروي قصتها منذ البداية , وقالت : حينما تعرفت على ابوك "منير الدهري" كان يعمل في التجارة ويتنقل بين المدن وكان كريماً الى ابعد الحدود .. ربطته بوالدي علاقة وثيقة بحكم عملهم في نفس المجال .. تقدم ابوك وطلب يدي من والدي وكان عمري وقتها 17 عاما ... وافق والدي على زواجي منه ولم يكن بحاجة للأخذ برأيي وانا لم استطع ان اعارض .. تزوجت والدك وانتقلت للسكن معه في "الشام"...
وفر لي كل سبل العيش والراحة وكان لطيفاً معي الى ابعد الحدود بل انه كان زوجاً مثالياً .. كان يرفض دائماً ان يعرفني على عائلته "عائلة الدهري" بحجة ان هناك خلافات قائمة بينهما وكنت اعلم بأن ما يقوله غير صحيح وكان هو يعرف ان كلامه غير مقنع لي ولكن لم يكن امامي ما افعله سوى ان ارضى بالامر الواقع وابقى في عزلتي التي وضعوني بها .
سارت الامور طبيعية حتى جاء ذلك اليوم الذي انتظرت فيه عودته الى البيت لأبشره بأنني حامل وانه سيرزق بطفل... لكن الخبر وقع عليه كأنه مصيبة فبدلاً من ان يفرح .. حزن حزناً شديداً.. ومنذ تلك اللحظة تحولت حياتنا الى قلق وتعاسة ولم اكن افهم وقتها لماذا كل هذا واكثر ما كان يحزنني انه كان دائماً يردد : مصيبة اذا جبتِ ولد .. واخذ الغموض الذي يحيط بوالدك يزداد يوماً بعد يوم وهذا الغموض حول حياتي الى جحيم وقررت وقتها ان اتمرد على والدك واخرج من سجني وعزلتي ..
سألت عن عائلة ابوك وتوجهت اليهم وعرفتهم بنفسي وبأني زوجة ابنهم وعلمت وقتها بأن والدك كان متزوجاً من امرأة اخرى وقد انجب منها " طفلة " وبعدها جن جنون ابوك وبدأ يعاملني اسوأ معاملة .. نقلني للعيش وسط عائلة الدهري .. اثرى عائلات الشام في ذلك الوقت .. وبالرغم من انني زوجة ابنهم الا ان الغموض كان يحيط بكل تصرفاتهم فهم لا يثقون بأحد ولا يحبون احداً .. لست انا لوحدي وايضاً زوجة والدك وكذلك زوجات اعمامك وحتى عماتك لم يكونوا يعاملوهن معاملة حسنة .. فجدك كان مستبداً وقاسيا بشكل كبير وكذلك والدك ... وبعد ذلك قام بتطليقي واراد ان اعود الى اهلي ... ولكن جدك رفض ان يسمح لي بالرحيل وقد خيرني .. ان اردت العودة الى اهلي ان اعود لوحدي .. واتركك .. او ان ابقى وسط العائلة واقوم بتربيتك .. فلم يكن امامي الا ان ابقى معك ..
وجدك هو الذي سماك " فارس " وقد كان يحبك كثيراً .. وكان جدك كبير العائلة ... واعمامك كانوا يتعاملون مع الجميع بإحتقار وكان الناس يخافون منهم ولا يحبواهم ولم يكونوا يسمحوا لنا بالاختلاط بأي شخص غريب من خارج العائلة ... وحينما انجبتك وعلم والدك بأني وضعت " ذكرا " اخذ يشتمني ويلعنني .. ولم تكن عائلة الدهري صغيرة وبالرغم من كبرها الا انها كانت متماسكة وكان جدك يتحكم بالصغيرة والكبيرة من شؤون العائلة ... لم يكن اي من اعمامك او اعمام ابوك يستطيع القيام بشيء دون اذن من جدك .. وكون جدك احبك فهذا يعني انك تميزت وسط هذه العائلة .. وللحقيقة بالرغم من قسوة جدك الا انه كان يعاملنا معاملة خاصة مقارنة بباقي نساء عائلة الدهري ، الا انه كان يغضب لو اني قمت بالسؤال عن اي شيء من الامور الغريبة اللي كانوا يقيمونها في الليل بسرية تامة .. والخوف الدائم الذي يعيشون به .
مرت اشهر واصبح عمرك يقارب السنة وانا لا افهم ماذا يحدث حتى اختفى احد اعمامك ولميعد الى البيت ، فخيم على العائلة جو من الحزن والقلق واكثرهم حزناً على غيابه كانت عمتك " ربيحة " التي ربطتني بها علاقة مميزة وقوية .. كنت اهدىء من روعها واخفف من حزنها واحاول ان اطمأنها بأنه سيعود بمشيئة الله .. وان الغائب حجته معاه .. ولا داعي للخوف .. فأجابتني وهي تبكي : انت مش عارفة يا ام فارس اشي .. هو في مرة " ابن الدهري " اختفى ورجع .. ولاد الدهري مصيرهم معروف .. الله يحميلك فارس وما يجيه الدور.
اقشعر بدني من كلام عمتك " ربيحة " وضممتك الى صدري وانتابني شعور بالخوف عليك واستحلفتها ان تخبرني بالقصة.
في البداية رفضت ان تخبرني بشيء ولكنها زادت من فضولي وخوفي .. بقولها .. بقتلوني لو حكيت.. انتِ ما بتعرفيهم .. والله بقتلوني وما برحموني .. لأنهم ما بعرفو الله وقلوبهم ما فيها رحمة.
وخوفي عليك يا فارس ..جعلني الح واتحايل عليها بكل الطرق وليتني لم افعل ذلك ..
- بدأت ربيحة تروي لي القصة التي تقشعر لها الابدان قصة "جورجيت" التي اقسمت ...
على ان تنتقم من كل " ذكر " يحمل دم عائلة الدهري ..
وروت لي كيف ان ابناء عائلة الدهري يختفون الواحد تلو الآخر منذ عشرات السنين .. وكيف ان ستة من اعمامها .. منذ كانت صغيرة .. اختفوا الواحد تلو الآخر وان هذا ثالث اخ يختفي ولا يعود وانهم قد وجدوا واحداً منهم بالصدفة داخل احد القبور ... وكل الجهود التي بذلوها وبالرغم من استعانتهم بعشرات الشيوخ والسحرة من مختلف البلدان لم يستطيعوا ان يمنعوا جورجيت من الانتقام ومطاردتهم في كل مكان..
وروت لي كيف انها رأت وهي صغيرة جدك واعمامها يقتلون زوجة عمها ويدفنونها عقاباً لأنها اخبرت شخصا بهذا الموضوع الذي يعتبرونه سراً ممنوع البوح به على اعتبار انه يشكل " اهانة كبيرة " لعائلة الدهري وخاصة ان عدوها مجرد " امرأة ".
وبعد سماعي لما روته ربيحة انتابني خوف شديد عليك وعلى نفسي من جورجيت ومن هذه العائلة واقسمت لعمتك ربيحة ان لا اخبر احداً بما عرفت وان لا اتصرف بأية طريقة تشير بأني عرفت شيئاً وفعلاً هكذا تصرفت .. ومرت الايام واصبح عمرك سنة بالتمام .. وفي يوم عيد ميلادك الاول وانا في البيت دخلت بيتي امرأة ترتدي الخمار وكلمتني بإسمي وكأنها تعرفني منذ مدة طويلة .. رفعت الخمار عن وجهها ليهل من خلفه " البدر " بجماله
وقالت : لو انك خلفتي بنت كنت ارتحتي .. بس انتِ خلفتي " دهري جديد " وعيلة الدهري حتنقص ومش حتزيد .. والقدر ما منو مفر .. ولعنة جورجيت حتطارد كل ذكر .. غطت وجهها بالخمار .. ولا اذكر ما حدث .. فقد اغمي عليّ وحينما صحوت كان جدك واعمامك يحيطون بي .
سألني جدك عما حدث .. لم استطع وقتها النطق بكلمة وكان جدك واعمامك ينظرون اليّ بنظرة غريبة تثير الخوف .
تركوني وشأني وذهبوا .. اخذت صحتي تتدهور وتسوء مع الوقت ولم اكن اتكلم مع احد .. حبست نفسي في البيت وكنت ارفض الخروج ... وجاءت بعد ايام زوجة والدك لزيارتي وكانت حامل .. وحينما رأيتها وبطريقة تلقائية ودون تفكير .. قلت : يا ربي تخلفي بنت وما تخلفي ولد .. ولم انتبه لوجود جدك معها ولم اعرف ان كان جدك قد سمعني .. ام لم يسمعني ... فهو لم يعلق على شيء ... الا انه طلب مني ان اخرج من البيت وان لا اعزل نفسي عن العائلة وانني ان لم افعل ذلك فسيغضب ...
خوفي من جدك جعلني افعل ذلك واعود من جديد الى سابق عهدي للاختلاط بالعائلة وبزوجات اعمامك واقاربك من عائلة الدهري ... وزادت مصيبتي اكثر حينما اختفت عمتك " ربيحة " ليجن جنون جدك ويقوم بالتحقيق مع معظم نساء العائلة ان كان هناك من يعرف اين ذهبت ولكن دون جدوى ...
خرج جدك واعمامك ووالدك يبحثون عنها واختفوا عدة ايام ثم عادوا من جديد وكانوا يغضبون لو ان احدنا سأل او نطق بإسم " ربيحة " وشعرت بإن مكروهاً ما قد اصاب عمتك " ربيحة " ودب الخوف بقلبي وعلمت بأن الدور سيأتي عليّ لا محالة وقررت الهرب متى سنحت لي الفرصة .
هربت الى والدي في حلب ورويت له القصة بالكامل .. وكان والدي ينوي السفر الى الاردن لغرض التجارة فأصطحبني معه واقمت معه هناك .وفي الاردن اكتملت مصيبتي حينما توفي والدي بحادث سير في الاردن ومرت اسوأ واصعب ايام حياتي بعدها حتى تعرفت على شاب من فلسطين وتزوجته وقد كانت طبيعة عمله تجعله ينتقل من بلد الى آخر .. سافرت معه الى المغرب ومن ثم الى اليمن وبعدها الى مصر واستمر تنقلنا اربع سنوات .. حتى عدنا الى فلسطين واستقر بنا المطاف في الجليل .. وقد اخبر اهله والجميع بأنك ابنه ولم يكن ليشك احد بذلك فقد احبك اكثر من اي شيء آخر .. حتى بعد ان انجبت اخاك " علاء " كان يحبك انت يا فارس اكثر منه .. ومع مرور السنوات نسيت عائلة الدهري وجورجيت وكل هذه القصة ، حتى انها لم تعد تخطر على بالي منذ سنوات ... وهذه هي قصتي مع عائلة الدهري ، التي طواها الزمن قد فُتحت من جديد ..
- كان فارس يصغي بتأثر شديد لقصة والدته المأساوية وما تحملته من عذاب شديد والم .. وقال لها وهو يمسك بيدها : يمّه يا حبيبتي .. انا آسف اللي ذكرتك ورجّعتِك للماضي .. لو كنت بعرف ما فتحت الموضوع .. سامحيني يمه.- فردت عليه : الذنب مش ذنبك يمّه .. هيك القدر بدو .. والله يستر من الايام الجاية عليك .. وهي بعد ثلاثين سنة الدور اجاك يا فارس .
- فقال فارس: انا فهمت يمّه قصتك وقصة ابوي وعمتي ربيحة .. بس لهلأ .. ما فهمت قصة " جورجيت " ولعنة الانتقام اللي عندها .. وقصة جورجيت اذا كانت على زمن جد جدي .. يعني الها اكثر من " مية سنة " وانا مش فاهم جورجيت طيبة ولا ميتة ؟
- فقالت : يمّه .. يا فارس جورجيت ماتت وما ماتت ، جورجيت بتقدر تكون موجودة من خلال بنتها .
- فقال فارس: مش فاهم يمّه شو بتقصدي ؟
- فقالت : جورجيت يمّه كانت حامل لما دفنوها .. وخلفت بنت " جوا " القبر وبنتها كبرت و... يمّه من شأن الله ما بدي احكي بسيرة جورجيت ..، والله سنين وانا ما بعرف انام وما صدقت وانا انساها .. بترجاك سكّر على الموضوع .
- فقال فارس: انا بعرف انو صعب عليك تحكي في هالموضوع ، بس يمّة لازم نواجه الامور ، مش نهرب منها .. علشان هيك يمّه لازم تتحملي وتفهميني سيرة هالمجنونة جورجيت ..
- فقالت: لا يمّه .. لا ياحبيبي .. لاتحكي هيك ! جورجيت مش مجنونة .. جورجيت مظلومة .. لا تحكي يمّه مثل عيلة الدهري.
- فقال : والله يمّه هالقصة قصة مجانين ، ما الها اول من اخر .. لا انا قادر اصدقها ، ولا انا قادر اكذبها .. بسمع كلام ما بصدقه مجنون ، وشفت اشي اللّي ما بدخل العقل .. قصة بدايتها جنون وما بتنتهي إلا بجنون .
- فقالت ام فارس والدموع في عينيها متوسلة : بترجاك يمّه ما تجيب سيرة جورجيت .. روح يمّه سافر لبعيد ، بلكي الله نجاك .. جورجيت اقسمت ومش راح تتراجع عن قسمها .
- فقال فارس بإستغراب : وانت شو اللي بخليك متأكدة القصة ما صارت على زمنكو انتِ سمعتِ فيها مثل غيرك وما بتقدري تعرفي اذا كانت صحيحة ولا مش صحيحة .
- فقالت : يمّه مشان الله ما بدي اكذب عليك ولا تخليني احكي اشي ما بدي احكيه ولا تفكر حالك انت الوحيد اللي بتفهم .. يمّه انت بعدك صغير .. اسمع كلامي وروح سافر..
- فقال فارس : انا مش حسافر ومش حروح ولازم افهم كل شي واذا بدك تساعديني لازم تحكيلي اللي ما حكتيه .. ولازم تفهمي انو الزمن تغير واليوم مش مثل زمان والخرافات اللي بتخوفكم ما بتخوفنا .. ومش راح اهرب من شان خرافة وهبل جورجيت.
- فقالت : صحيح يمّه انو اصل الانسان بردَّ ..انت ما عرفت عيلة الدهري وما تربيت عندهم .. بس تصرفاتك وطباعك دهري...
- اسمع يمّه : انا قعدت سنين وانا بضوي شمع يوم .. يوم على روح جورجيت وبترجاها تبعد عنك وما تجيك لما تكبر وبقلها انك عمرك ما راح تحمل اسم الدهري ... افهم يمّه كل نسوان وبنات الدهري واللي حملوا اسم الدهري بعرفوا قصة جورجيت وضوّوا الشمع على روحها وبكوا على بقصتها ، علشان هيك عيلة الدهري كانت بتشوف في كل النسوان عدو الها ... ويا ويل اللي كانت تغلط ..
.. كانوا يقتلوها وما يرحموها .. عيلة الدهري كانوا بشوفوا في كل مرة " جورجيت "... جورجيت يمّه كانت تطلع لكل واحدة من عيلة الدهري متزوجة او بنت .. ان كانت بنت عيلة الدهري كانت تقولها : لا تتجوزي حدا من عيلتك علشان ما تخلفي ابن يحمل دم الدهري علشان راح يصله الدور ومن