الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
اللوتس
14-12-2022 - 12:52 am
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك من القصص التى نقراها ما تترك فى انفسنا اثر , تعجبنا كلماتها , اسلوبها , فكرتها , اتقانها المحكم
لن اتحدث كثيرا ً .. الموضوع ببساطه كل من اعجبتها قصه تضعها هنا فى الموضوع مع ذكر اسم الكاتب والموقع او المنتدى المنشوره فيه
مع رجاء خاص بالا نضع اى ردود سوى التى تحوى القصه أواى تعليق نقدى على قصه منشوره
ودمتم بأمن الله وعنايته


التعليقات (2)
اللوتس
اللوتس
مجرد تغيير !! ( قصة قصيرة ) .
قصة قصيرة بقلم : سمير الفيل
منتدى شظايا أدبيه
المسألة وما فيها أن عاكف أفندي الموظف بقلم الحسابات في ديوان عام وزارة المالية طقت في رأسه فكرة أن يغير نمط حياته و يخرج من جلده القديم، فربما يتغير به الحال بعد أن حاصرته المشاكل، وطاردته المتاعب في عمله ، حتى أنه فكر في أن يزج بنفسه في مستشفى المجانين ، فزوجته متسلطة ، ورؤساء العمل لا يعطونه ما له من حقوق .
والحقيقة أن عاكف المتولي بصل رجل روتيني ، يقدس الحياة الوظيفية ، ويعرف قيمة الحكومة ، ويحترم لوائحها ، ويفهم في الدرجة ، والمربوط ، والعلاوة ، ولا تشغله في الكون غير مصلحة بيته ، وزوجته نظلة تمشيه على الصراط المستقيم، وتشطّب على جيوبه أولا بأول ، وهو مطيع ، لا يكسر لها أمرا ، حتى لو قالت له أن الشمس تطلع من الغرب ، وتغرب من الشرق ، فهي على حق ، إذ أن عصاها ناشفة ، وهي التي تقود دفة الحياة ، وتستولي على ماهيته حتى آخر مليم ، وهو عارف بفضلها ، مدرك أن الله قد أرسلها من لدنه لتتولى تدبير أمره ، وإلا ضاع في خضم الحياة بمرتبه الذي لا يتجاوز مع الحوافز ، والوقت الإضافي أكثر من مائتي جنيه وبضعة قروش .
لكن هاجسا ظل يزحف نحوه في الظلمة ، من ذهنه إلى روحه ، ومن روحه إلى جسده ، فتمرد على النوم ، وضعضعه القلق ، فقام من حجرته ، وأطل على الأولاد : بنتان ، وولد شقي ظريف هو آخر العنقود ، ونظلة عندما تحمل هذا الولد بالذات تهدهده ، وتنغم صوتها ، وتغني : آخر العنقود سكر معقود .
هو لا يعرف كنه هذا الشيء الذي راح يشك بدنه، ويطلب منه أن يتحرك ، ويتخلى عن سلبيته ، ويشعره برجولته . دخل حجرة الصالون ، فتح النور ، وواجه نفسه في المرآة ، كانت ملامحه الأليفة هي هي ، وتجاعيد جبهته التي تكاثرت من هم البيت ومتاعب الشغل ، وقلة ذات اليد بدون أي تغيير .
ومضت في ذهنه فكرة أن يحلق شاربه ، نعم مجرد تغيير ، من هنا قد يأتي التحول ، ألم يسمع منذ زمن بعيد عبارة صكها الناس ، وهي تقفز أمامه الآن وتستولي على انتباهه ، وتهزه بعنف " تفرج على أهون سبب " ، وبالفعل أمسك المقص ، وجز الشعر الأسود الكثيف الذي يعتلي شفته العليا ، وأكمل على البقية بماكينة الحلاقة ، ثم غسل وجهه مرتين ، وعاد يتأمل السحنة ، وجد شخصا آخر تماما . شخص بشوش يضحك ، ويشرق وجهه بغمازتين خفيفتين لم يكن يراهما من قبل .
في البداية أنكر نفسه ، ولكنه ما لبث أن صرخ بحذر في صورته المنعكسة : هذا أفضل ، والبداية تبدأ من الشكل ، ثم تسري في المضمون .
عاكف أفندي المتولي بصل الذي يحرص كل صباح على أن ينزل بالسلطانية ليشتري الفول المدمس المقدس ، والكباب الوطني الملقب خطأ بالطعمية ، رأى أن يحضر اليوم أصنافا جديدة ، فارتدى بيجامته المقلمة ، ونزل إلى قلب السوق .
ابتاع بيضا وبسطرمة ومربى ، وقالبا كاملا من الزبدة ، وبدلا من العيش الأسود الذي يُضرب به الكافر فيسلم على الفور ، غيّره بالعيش الأبيض الفينو في كيس أنيق من السولفان .
صعد قبل أن تصحو زوجته فتوبخه على ما فعل ، وانتزع قميصا أحمر كان يخشى أن يرتديه فيما سبق من أيام ، وبنطلونا له فتلة لامعة من القصب ، كانت منيرة أخته قد جاءت به له من " دبي " ، وفك الزرار العلوي للقميص فبانت بعض شعيرات صدره التي لها خليط عجيب من الأبيض الخجول بالأسود الجسور ، وبدأ في إعداد كوب الشاي ، وبينما هو ينتظر غليان الماء في البراد دخلت زوجته المطبخ ، فاستدار ليقول لها : صباح الخير ، وهو نادرا ما يفعل ، فصرخت بعزم ما فيها من قوة : يامصيبتي ، حرامي .. حرامي .
وضع يده على فمها بقوة لم يألفها ، وهمس في أذنها أن الحرامي عادة لا يدخل المطبخ ليعمل شايا ، بل يكتفي بحمل ما خف وزنه وغلا ثمنه ، ثم يلوذ بالفرار ، وقتها كانت تتأمل وجهه، فعرفت أنه بعلها ، صرخت فيه غاضبة : أيه اللي عمل فيك كده يامنيل؟
والمنيل الذي تعود الإهانة، وجد يده تسرع ، وتصفعها صفعة خفيفةعلى وجهها ، لكنها حاسمة للتحذير أن أيام الفوضى والتسيب قد انتهى عهدها ، وأن كائنا جديدا قد بُعث من العدم ، وأمرها بحسم لم تعهده فيه أن تجهز الإفطار لأنه سينزل اليوم مبكرا .
انكمشت نظلة لثوان ثم انسحبت إلى المطبخ ، وأدارت مؤشر الراديو على القرآن الكريم ، لعله يصرف الشياطين ، ويقصر الشر، ورأته قد جلس واضعا ساقا على ساق ، يقرأ جريدة الصباح باهتمام شديد ، وكلما قرأ خبر ملفتا قهقه ضاحكا ، وضرب كفا بكف .
في الأحوال العادية كان عليها أن تشخط فيه وتخبره أن الأولاد نائمين ، وعليه أن يضع حصوة ملح في عينه وينكتم ، لكنها تحسست مكان الصفعة ، ورأت أن تبعد عن الشر وتغني له ، وحالما فتحت القراطيس ، ورأت المربي والزبدة ، والبيض والبسطرمة ، مع غياب مؤكد للفول والطعمية تأكدت أن مسا ً قد أصاب الرجل ، واسترجعت أيام جاء ليخطبها ، لقد حذرها ابن عمها الأستاذ مأمون مدرس العلوم الذي كان يريدها لنفسه أن عائلتهم فيها عرق طاقق ، يظهر عند اللزوم ، وهي سألت في العمل ، واستفسرت كثيرا ، فعرفت أن عاكف رجل ملتزم ، لا يدخن السجائر، و حتى الشاي لا يجسر أن يشربه في مقهى .
إنه شديد الانضباط ، وقد قبلته لسبب وحيد هو أنها تأكدت أن شخصيتها الطاغية ستجعلها في وضع مميز لا يحلم به أحد ، وسوف تركبه كما تفعل أمها الباطشة مع المحروس أبيها بدون أن يبدي المسكين سأمة أو نأمة ، كل ما يمكنه أن يفعله ، هو أن يهز رأسه في استكانة : الصبر جميل .
أقتربت بصينية الشاي الفضية التي لا تخرجها لغير الضيوف ، وضعت الغموس في أطباق "الأكروبال " التي أخفتها منذ يوم دخلتها ، وسألته في استعطاف : عايز حاجة تانية يا أخويا ؟
نظر إليها من فوق إلى تحت ، وتأمل شكلها الرث ، نهرها : أيه الهلاهيل اللي أنت لابساها دي ؟ روحي إلبسي هدوم عليها القيمة .
تسللت إلى حجرتهما المشتركة ، وعادت بطاقم جديد كانت قد ادخرته لأيام مفترجة ، ودخلت الحمام ، تحممت ، ودعكت جسدها بالليفة ، فصعدت الرائحة العطرة للصابونة اللوكس ،وملأت نخاشيشها ، أحست أنها تستمتع لأول مرة بالصباح. صحيح أنها في الإجازة الصيفية ، وعملها كمدرسة فلسفة يتيح لها قدرا ً من الحرية في التزويغ من دفاتر الحضور والانصراف ، ولا عمل عندها اليوم ، لكن ما المانع أن تتجمل في الصباح ؟ هل كتب على بني جنسها أن يقتصر تجملهم في الهزيع الأخير من الليل ؟
مشطت شعرها ، وضعت بودرة خفيفة على الوجنتين ، زججت الحاجبين ، ومررت بفرشاة الرميل أسفل الجفنين لتتحول السمرة الشاحبة إلى اخضرار فاتن .
دهشت أن رأت عروسا في أكمل زينتها ، حتى أنها كادت تمسح ما فعلت بوجهها ليصبح غريبا ، صبوحا إلا أن صوته عصف بأفكارها : أنت يا ست نظلة ، تعال افطري وبطلي تضييع وقت !
كان صوته خشنا على غير العادة ، حتى أنها فطنت إلى أنها لو تأخرت نصف دقيقة فسيكون في ذلك دمارها . سحبت كرسيا ، وجلست كتلميذة مستجدة في أولى روضة ، وبنظرة خاطفة تأملها ، وصرخ في نفسه : يخرب بيتك يانظلة ، ومخبية السحر ده فين ؟
لكنه جمد قلبه ، وقال في لهجة تجمع بين الأمر والتحذير إن هي وضعت العراقيل : اليوم هناكل محشي . أيوه محشي ورق عنب ، وكمان فلافلة . أرجع من الشغل ألا قي الأكل جاهز .
تأملت النافذة نصف المغلقة ، والشمس تستقر بشعاعها الدافيء عليها : وماله المحشي .
قبل أسبوعين طلب منها ذلك ، فولولت ،وندبت حظها ، وأبانت عن تعاستها التي لم تكن تستحقها . قالت له بالعين المفنجلة : صحتي لا تسمح ، ولو عايز باذنجان .. تعالي قوره حضرتك ، واحشيه .
في هذه المرة سكتت تماما ، ولما ساد الصمت لحظات، افتعلت ضحكة ،جاءت هزيلة ومتذبذبة ، أضافت وهي تتلمس تأثير كلامها : ده حتى المحشي في الصيف مفيد للجسم .
أمرها أن تلّمع له الحذاء فهو في عجلة من أمره ، ولأنها تأكدت أن عفريتا قد ركبه ، ومستحيل أن ينزل من فوق كتفيه حتى لو دقوا له الطبل البلدي ، فعليها أن تطاوعه .
أسرعت بإحضار حق الورنيش والفرشاة ،وجلست القرفصاء ، تلمعه بهمة وإخلاص ، ثم انحنت راكعة ودسته في قدميه بلطف مبالغ فيه ، وهي تكلم نفسها : والله عفريت ابن حلال ، خلاك راجل صحيح ، بقيت وسيم ، وعليك القيمة !
يبدو أن بعض حروف تسربت من بين شفتيها لأنه سألها ، وهو يأمرها أن تحكم رباط الحذاء : بتقولي أيه يانظلة . فيه حاجة ؟
هذه المرة ، وجدت في نفسها الشجاعة لتخبره أن شكله قد صار أجمل ، وأن شاربه ربما كان السبب في تأخر العلاوة ، وعدم ترقيته في قلم الحسابات ، فبعض الناس نجمهم خفيف ، وربما تكون أشكالهم ، وسحنتهم هي السبب في عدم الحصول على حقوقهم كاملة ، غير منقوصة ، وذكرته أن يعود الظهر بالبخور الجاوي لتبخر البيت من عيون الحساد .
أشاح بيده ، وسألها كأنه يستجوب متهما : باقي كام من المصروف يا ست أنت ؟
لم تبك حظها السيء ، وميلة بختها هذه المرة ، لكنها وبخت نفسها لأنها أمسكت يدها أول الشهر أكثر من اللازم ، وأخبرته أن المانجو طلعت ، وستعطيه عشرين جنيها كاملة ليشتري كيلوجرامين ، ولا ما نع من بعض التين البرشومي .
نهرها وهو يغادر : صنف واحد يامجنونة ، تين ولا مانجو ؟
تابعته وهو ينزل السلم ، أمسكت بالدرابزين ، وهي تكاد تطير من الفرح : مانجو ياسي عاكف .. مانجو .
رمقها قبل أن يختفي وراء السقف الواطيء ، وأمرها أن تدخل شقتها وتغلق الباب من خلفها ، وفي نفسه قال : هل هذه هي نظلة ؟
كانت تبدو غريبة في شكلها ، وسلوكها ، بل في غنجها ودلالها ، وهي تودعه : مع السلامة ياروحي ، ما تتأخرش !
سأل نفسه ، وهو لا يكاد يصدق : روحي .. غريبة !
وطوح برأسه إلى الخلف ، وقد دبت في جسده فتوة لم يعهدها : كل ده علشان شلت الشنب ؟
ثم اندفع على محطة الأتوبيس ، ولم يأبه بالزحام ، فقد شعر أن شيئا جديدا يتخلق ، وأنه قد تحرر من شيء ثقيل لا يعرفه ، وأحس بأن الحياة تستحق أن تعاش بلا شكاوى ، ولا لوم ، ولا تأنيب ذات .
أما نظلة ، فقد عادت إلى الصالون ، وحدقت في المرآة الجميلة التي تواجهها ، وقالت في نفسها : قمر والله قمر .. صحيح يستاهلني !!
القاهرة 8/9/2004

اللوتس
اللوتس
بسم الله الرحمن الرحيم
غادة السمان
هاربة من منبع الشمس
مازلت في أعماقي..
تمسح الطين عن جسدي بأهدابك !
مازلت في أعماقي...
النجوم تفور من منابت شعرك فوق الجبين الأسمر وتنهمر فوق صدرك وهديرها أبداً يناديني .. يهتف باسمي ذائباً ملهوفً ..
وأسرع في مشيتي، أشد كتبي إلى معطفي، وتظل أنت تتمطى في أعماقي، والشتاء يتأوه في قطرات المطر التي تلعق وجهي .. وتظل أنت تهتف باسمي، والريح تعول وتدور حول الأذرع الرمادية لأشجار متعبة تسندها ظلالها إلى جانبي الطريق .. والرعد يتدفق في أذني كصرخات دامية التمزق لامرأة ضائعة في صحاري شاسعة.
مازلت في أعماقي تتمطى!
وأنا أنزلق فوق ظلمة الشارع، ويخيل إليّ أن برك الماء المتجمدة قد ابتلعت أنوار الجامعة التي خرجت منها قبل قليل ..
وألتفت ورائي وكأنني أريد أن أتحقق من أنها فعلا هناك .. المكتبة، والمقاعد الخشبية في الحديقة، والنادي المزدحم حيث التقيت زرقة عينيك الضالتين أول مرة، يوم جئت تبحث عن أختك، زميلتي في الصف، وتطوعت أنا لأشاركك التفتيش عنها .. وأحسسنا بسعادة مبهمة ونحن ندور معاً من مدرج إلى مدرج ومن باحة على باحة فلا نجدها .. ونتبادل الحديث بعفوية لذيذة كأي صديقين قديمين ..
كم كانت أختك رائعة وكريمة ذلك اليوم! .. لقد اختفت .. لم نجدها بالرغم من الساعة التي قضيناها منقّبين، والتي انتقل البحث في دقائقها الأخيرة من القاعات إلى وجهينا ..
وشدتني إلى عينيك كآبة حنون، مغرية الدفء كلهيب موقد يلوح لضائع بين الثلوج من وراء زجاج نافذة .. تنهدت بارتياح لما لم نجدها، وعرضت عليّ تناول كأس من الليمون في النادي ريثما نستريح ونعاود البحث من جديد .. وجلست أمامك .. أشرب من ملامح وجهك وأخزنها في أعماقي بحرص بينما أنت تحدثني ببساطة وانطلاق عن رتابة ساعاتك .. عن جلستك البلهاء كل أمسية وراء زجاج المقهى وتشابه أيامك .. كيف أن السبت يمكن أن يكون ثلاثاء أو أربعاء بالنسبة إليك .. الأشياء التي فقدت طعمها ولونها والأيام التي أضاعت مدلولها ..
وظللت أعب من كأسي وفرحة جديدة تعربد فوق المنضدة وتنثر شعرها إشعاعات سعادة في كل ما حولنا .. حتى في نظرات زملائي المرتابة التي بدأت تنتقل من وجهي إلى وجهك بحدة وفضول ..
قلت لك ضاحكة لأخفي بعض ارتباكي: " إنهم يحدقون إلينا وكأننا .. حبيبان!! " والتقت نظراتنا بصورة غير عادية لما نطقت بكلمتي الأخيرة "حبيبان" .. لا أدري لماذا ارتعش صوتي مع انتفاضة أهدابك، بينما رددّت أنت عبارتي شبه حالم وكأن حجب الغيب قد انتهكت أمام عينيك : " كأننا حبيبان " . !
وظللت أتأملك مفتونة نشوى، وكأنني اكتشفت في أعماق عينيك مغارة مسحورة ياقوتية الجدران، تومض كنوزها المكدسة قوس قزح وديع الهدوء، يترسب في حواسي، ويغمرها بخدر لذيذ .. لا يعكره سوى همسات الزملاء الذين ركزوا اهتمامهم على التيارات اللامرئية الهادرة بين مقلتي وشفتيك .. لذا لم أتردد في للخروج معك حينما اقترحت عليّ بصوت مبهم النبرات أن نستمر في " البحث عن أختك " خارج الجامعة !
وارتمين شبه حالمة في زرقة سيارتك لنضيع معا في شوارع المدينة التي لم تبد كئيبة كعادتها .. وأدركت أنك بدأت تتسلل إلى أعماقي ..
ولما جئت مع مساء اليوم التالي، عرفت أنك لم تأت باحثاً عن أختك .. وأسندت وحشتي إلى سأمك وانطلقنا بهما إلى الغوطة حيث وأدناهما قرب خيمة ناطور أغرتنا نيرانه بالاقتراب منه وإلقاء التحية عليه .. وجلست ترقب رقصة الوميض على جانب وجهي، بينما أنا أعبّ القهوة العربية، والقمر يستند على جانب الخيمة حينا، وتختطفه أرجوحة الرياح الغمامية حينا آخر ...
مازلت في أعماقي !! .. تضحك زرقة عينيك لكآبتي . المنحنى قد غيّب الجامعة عن أنظاري .. والوحشة ترتّل أنات الفراق في دبي .. وأنا اسير إلى غرفتي الباردة وأهذي ..
أمواج المساء لم تعد تنحسر عن ضياء عينيك.
بحاري الكئيبة لم تترقب رنين مرساتك الذهبية في أبعادها السحيقة .. أسير .. وأتعثر وحيدة كطفل جائع في معبد مهجور، مازالت رائحة دم حار تسيح من جدرانه المرعبة .. وأنت .. مازلت في أعماقي ! تمسح الطين عن جسدي بأهدابك .. وصوتك الذائب، صوتك الملون مازال يعربد في عروقي مبتلا بالمطر .. مطر دافئ كان يغسل نوافذ سيارتك " الهائمة في غوطة دمشق " وتتمسك قطراته بالزجاج، وتحدق بفضول على الداخل .. إلى حيث الدفء .. إلى حيث أنا وأنت ذرّتا رمل جمعتهما العاصفة في شاطئ صخري .. وتظل حبات المطر تنزلق ببطء منصتة لهمساتنا ..
- اقتربي مني يا رندة .. اسكبي الألوان في الأشياء التي أضحت باهتة كالأشباح .. اضرمي النيران في وحشتي ففي نفسي جوع إلى النور .. ضمّي وحدتك وتشردك إلى لهفتي وفراغي ..
وأقترب منك .. ألتصق بذراعك الأيمن وأرمي بأثقال رأسي إلى كتفك :
- مذ حضرت من بلدتي الصغيرة وانتسبت إلى الجامعة ومدينتكم وحش يخيفني ..
- ماذا يخيفك فيها يا حلوتي ؟
- لكل شيء طابع لا إنساني هنا .. أسمع ضجيجا وعويلاً أرى مصدره .. تنبع من الزوايا المظلمة صرخات بلا شفاه .. تتفجر من شقوق أحجار الشارع دماء بلا جراح .. الزيف يلون كل شيء بكآبة باهتة صفراء ..
وفجأة توقف سيارتك وتلتفت إليّ وكأنما روّعتك حرقتي وأثارت حنانك .. وتتجمع قطرت المطر بفضول حول النوافذ كلها وتظل تنصت بينما أنا أهذي شبه باكية :
- كنت أخرج من الجامعة مساء، أدور في الشوارع وأبحث عبثاً عن ظلي . واكتشفت أن كل شيء في مدينتكم مزيف، حتى النور الأبيض الفاجر محروم من الظلال من الظلال التي تكسبه مسحة حزن إنساني مستكين ..
- يا غجريّتي الصغيرة الضائعة ..
- كنت أصرخ بوحشية كلما كفّنني صمت غرفتي لعلّي آنس بصدى .. ولكن الجدران بخيلة حتى بالصدى !! .. وأضربها بقبضتي .. أحاول أن أغرس أظافري في أحجارها الصلدة .. وأنشج .. وعبثاً أنتظر أي وتد حقيقي في عدمي المريع .. لا ظل .. لا صدى .. لا شيء .. لا شيء حتى وجدتك ..
وتزداد اقتراباً مني .. ويخيل غلّ أنك تريد أن تلتقط بشفتيك كلماتي المتعثرة فوق عنقي وذقني قبل أن تتناثر في فضاء السيارة الدافئ ..
- كنت أتشرد كل ليلة في دربي المقفر .. أحس بملايين الأيدي الخفية تضغط على عنقي .. تسمرني في الشوارع عارية تحت أسياخ المطر الباردة .. تحملني من شعري بقسوة وتدلي بي في البرك الموحلة .. وتظل تنقلني بين الآبار المتجمدة و أتخبط في الهواء، لا أقبض إلا على حزم الريح، لا أقبض على شيء !
لا شيء حتى وجدتك .. ولن أفقدك لأي سبب في العالم ..
وأشدد قبضتي على ذراعك بينما تتحسس يداك ظهري وتبعثان رعدة دافئة في جسدي المنهك .. وتهتف بي :
- أنت ترعبينني بهذه الأفكار ! ..
- بل إنها ترعبني أنا بالذات .. لم أجرؤ قط على الاعتراف بها لنفسي وأنا وحيدة .. أما الآن .. وأنا أمام صدرك ..
وقاطعتني هامسا بحرارة :
- بل أنت تغفين في صدري .. تتبعثرين في الدم الذي يتدفق في كل ذرة من كياني ..
ويسعدني دفء أهدابك التي تمسح الطين عم جسدي وأنا أهذي :
- كم تعثرت في برك الطين ولطختني الأوحال .. وأنا أحسن أن قطرات المطر مدببة الجوانب وخّازة الحواف .. تنغرس في خدي بينما بردها الكاوي يلهب عذابي ..
- والآن يا رندة ؟ ..
- تبزغ شمس في كل قطرة مطر ..
وأشدك إلى صدري بكل قواي .. أفتّتك ذرّات، وأسحقك ذرّات، وتنسلّ كل ذرة من إحدى مسامي إلى أعماقي .. إلى حيث ينضم بعضها إلى البعض الآخر من جديد .. وأحس أنك حي تعربد في الحنايا والضلوع .. وتهتف بنشوة :
- أيتها الغجرية الهاربة من منابع الشمس .. ألا ترين أن الصقيع أدماني ؟؟ ..
وأحدق إلى الشعيرات البيض التي تسلّلت إلى شعرك، ويخيّل إليّ أن ثلجاً لئيماً يتمسك بها .. وأحاول إذابته بشفتي الملتهبتين وأنا ألثمها شعرة إثر شعرة ...
وتبعدني عنك ضاحكا، وتمسك بوجهي بكلتا يديك، فتتألق حلقة ذهبية في بنصر يدك اليسرى طالما رأتها من قبل ..
وأسألك بكثير من اللامبالاة :
- منذ متى تزوجت ؟
- منذ سبع سنوات ..
ما يهمني سواء كنت متزوجا أم لا ؟ .. أنا وحيدة .. وحيدة .. يدي المتخبطة في فراغ الذعر لن تسأل اليد التي تعلق بها : كم عمرها ؟ لمن كانت من قبل .. حسبي أنها يد إنسان .. حسبي أنها يدك يا أغلى غال ..
ويخيّل إليّ أن ذرّات الظلام تتفجر حول شفتي، وأن قطرات المطر تقفز مذعورة عن النافذة وأنا أسألك :
- هل لك أولاد ؟؟
- صبي وبنت !!
حاولت أن أرسم في ظلمة السيارة صورة لصبي وبنت يتعلقان بثيابك كلما دخلت دارك .. وزوجة تكشف لك طبق الطعام على المائدة، ويتصاعد البخار فيغطي وجهها بينما تحوط يداك خصرها كأي زوج .. لم أستطع .. حاولت أن أخجل من نفسي أن أتذكر ما تعلمته في بلدتي المنعزلة .. لم أستطع .. خيّل إليّ أن جميع أطفال العالم قد ذهبوا في حلقات متماسكة الأيدي إلى كوكب سحيق البعد .. وأن الطعام بارد على منضدتك .. وأن زوجتك لا تغري بالتقبيل .. وأن يديك لم تخلقا إلا لتضماني هكذا .. هكذا ..
وتظل قطرات المطر تتمسح بزجاجنا منصتة .. وأبخرة الدفء تتكاثف في الداخل حتى لا تعود القطرات الفضولية ترى شيئا .. وحتى لا تعود تسمع شيئا بعد أن تخفت همساتنا، وتستحيل إلى قبل مكتومة .. فتهوي إلى التراب وتمتزج به في عناق وديع الاستسلام ..
وتنفض عن عشنا الأزرق ذرّات المطر ونحن ننطلق من جديد إلى أعماق الغوطة، إلى حيث تلوح خيمة الناطور ذي الوجه الباش والكلب الأبيض الودود .. وتوقف هدير المحرك وأنت تسألني ككل ليلة :
- ما رأيك بفنجان دافئ من القهوة ؟
ويتلوى شبابي طربا ً .. وأجيبك بفتح باب السيارة والقفز منها غير عابئة بالمطر .. وتركض يدي في يدك إلى الخيمة ونجلس أمام نيران الناطور طفلين في الغاب هربا من مذبح مرعب نذرا فيه قربانين لإله أحمر العينين .. وتتعانق نظراتنا بين أحضان اللهب الذي يزداد تأججاً .. والناطور يرقبنا ببهجة فطرية طالما افتقدتها في أعين العابرين من أهل المدينة . حتى إذا ما سرى في عروقنا دفء قهوته العربية، عدنا إلى عشنا الأزرق حيث تلتقط بشفتيك حبات المطر العالقة بأهدابي .. ويغيبنا المنحنى الرمادي .. لماذا أستعيد هذا كله الليلة مادمت قد مضيت ؟ ..
أنا أعرف أننا لن نعود نلمّ الحنين .. لن نشرب القهوة العربية عند خيمة القمر .. لن تلتقط بشفتيك حبات المطر عن أهدابي ..
مضيت .. دون أن نتشاجر مرة واحدة .. دون أن نختلف في رأي .. كان كل شيء على حاله يوم افتراقنا ..
الطريق ينزلق بهدوء تحت عجلات عشنا الأزرق .. والاطمئنان يسبل جفنيه النديين على قلبينا، وأنا أدفن قُبلي بين عنقك وياقة معطفك، وأغمغم ببساطة : لم تعد المدينة ترعبني منذ تمددت في زرقة عينيك .. ستكون لي أبداً، أنت والمطر، والقهوة عند خيمة القمر ..
- نكاد نصل يا رندة، ارتدي معطفك . لا أريد أن يصيبك البرد .
وأنهض على ركبتي، ووجهي متجه نحو المقعد الخلفي كي ألتقط معطفي الذي رميته هناك كعادتي كل ليلة .. وفجأة .. أراها هناك ! ..
فردة حذاء طفل تبسم في وجهي بسخرية ممزقة ! .. فردة حذاء طفل منسية سقطت من قدم ابنك بينما زوجتك تحمله وهي تهبط به من سيارتكما .. أجمد ! .. يغمرني خجل مذعور مفاجئ ..
وكعادتك تظل قابضاً على المقود بيدك اليسرى بينما تحوط خصري باليمني وتجذبني إلى صدرك ضاحكاً مداعباً .. لا أغمر وجهك بقبلي اللاهثة .. أظل زائغة التعبير مجمدة النظرات إلى الوراء، حيث ترمي ببصرك متسائلاً .. وتراها كما أرها .. لا شيء .. مجرد فدرة حذاء طفل تبسم بسخرية ممزقة !! ..
وأدرك أنك تفهمني تماماً .. لا حاجة بي إلى الكلام مادمت تسمع هذيان صمتي المحموم ..
توقف سيارتك ويخيل إليّ أن صوتك انبعث متعبا هدته الليالي وأنت تقول :
- لقد وصلنا .. هل أنتظرك غدا كالعادة ؟
وأجيبك ونظراتي مشدودة إلى فردة حذاء طفلك الساخرة :
- لا .. لم يعد ذلك ممكنا .. أليس كذلك ؟ ..
كان ذلك آخر نقاش دار بيني وبينك .. لكني أحسست ساعتئذ أن الرياح قد حطمت نوافذ عشنا إلى الأبد .. ونظرت على صدرك، إلى حيث تسحقني كل ليلة مودعا، وخيل إليّ أن جميع أطفال العالم عادوا منشدين من كهوفهم السحيقة، وتبعثروا على صدرك، بأطرافهم الشفافة وأجسادهم الهشة ورؤوسهم الدقيقة .. يكفي أن أحاول لمسهم حتى يتناثروا أشلاء بريئة بين أصابعي الدموية ومخالبي المرعبة .. وأردت أن تضمني مودعاً لكنني هربت .. هل كنت تريد أن نسحق صرخاتهم بين جسدينا ؟؟؟ .. أن نلطخ أكتافنا وأذرعنا بطفولتهم الشفافة الدقيقة ؟ أما يكفينا عذابنا ؟؟ ..
ومددت يدي أصافحك، وكان الصمت يهذي، وكانت أعيننا تنضح دموعها إلى الداخل .. إلى الأعماق .. وكانت ثورة شعري المبعثر تبكيك .. وكان عذابي ينشج بسكون ..
واختطفت معطفي وأنا أتحاشى النظر إلى فردة حذاء الطفل المنسية التي ظلت تبسم بوداعة دافئة حينما هبطت من العش الكسيح .. إلى الأبد ..
ولما ضمني برد غرفتي، رأيتك بين أشباح السقف تدخل دارك الدافئة .. أطفالك يتمسحون بثيابك وأنت تنحني إلى الأرض لتدخل في قدم ابنك فردة حذائه الضائعة بحنان دقيق .. وتُقبل زوجتك سمينة متدحرجة .. فتقبّل خديها اللذين تفوح منهما رائحة طعام شهي ..
ورأيتكم جميعا بوضوح .. وأدركت أنني لم أعد أستطيع انتزاعك من إطارك الحقيقي لأطير بك إلى مغاوري الفضية في جبال القمر .. لم أعد أستطيع .. ولكنك مازلت في أعماقي !
تتمطى وتحدثني وأنا أخرج من الجامعة كل ليلة .. يبتلعني بحر الظلام الكئيب وتحملني أمواجه إلى غرفتي الباردة . أدرس أحياناً، وأكتب الرسائل المطولة إلى أمي وأبي .. وأنت تنزلق بين الكلمات .. تستلقي على الحروف وتقفز فوق النقاط وتهمس بين السطور .. وأنت تتسلق الصفحات وتظل زرقة عينيك تبسم ..
مازلت في أعماقي .. تمسح الطين عن جسدي بأهدابك !
وأنا أسير وقد اختفت الجامعة تماماً .. البرق يلتمع ويضيء البقعة التي كنت تربض عندها بسيارتك منتظراً أن أصل إلى البوار ..
أسير بحذر وأشد كتبي إلى صدري والمطر يتسلل على جسدي .. وأنت مازلت في أعماقي تهمس " اقتربي يا رندة، في نفسي جوع إلى فجور النور " .. الدموع تتفجر في عيني وتضيع مع المطر المتدفق .. موضع عجلاتك الراحلة يهذي .. ينهش من قدمي وأنا أمر وأمزق الذكريات مع ضربات حذائي .. وتصرخ يدي .. تريد أن تمتد لتفتح الباب كما كانت تفعل .. وتصرخ قدماي .. تريدان الصعود على دفئك الملون .. ويصرخ جسدي حيث طحنتك ذرّات تسللت من مسامي إلى أعماقي وتتلوى نظراتي .. تحن إلى التمسح بالشلال الأزرق الهادر من العينين .. ويظل صوتك يهمس من أغوار سحيقة مرعبة : " غجريتي الهاربة من منبع النور، ألا ترين أن الصقيع أدماني ؟ " وأحسن أني ظمأى .. ظمأى لشفتيك تجمعان المطر عن أهدابي .. ظمأى لخيمة القمر وقدح القهوة الدافئ وضحكاتنا الغجرية في كبد الليالي .. أنا ظمأى إليك وأنت تتمطى في أعماقي ببساطة مرهقة !
غربان القدر تنهش عيني الناطور قرب خيمته الممزقة .. رياح الشتاء تذرو رماد نيرانه .. والأمطار تغسل الحمرة عن جمراته حيث تترسب ليالي العذاب سوداء فاحمة .. الرمال أفاع تزحف لتغطي كل شيء .. الكلب يعوي في الخواء منتحبا . وأنا هنا .. وقد عادت الأيادي الخفية تضغط على عنقي .. تسمّرني في الشارع عارية تحت أسياخ المطر .. تحملني من شعري بقسوة وتدلي بي في البرك الموحلة والآبار المتجمدة .. وأشد وشاحي إلى رأسي .. أشده .. وأظل أشعر أن الأيدي تجذبني من شعري .. وأمضي إلى غرفتي .. لا أحلم بأكثر من جدران لا تبخل على وحشتى بصدى ..
-----------------------------------------
- من المجموعة القصصية "عيناك قدري" .. الصفحات 122 - 131
خاص القصة السورية / موقع جسور

شقيقتان تعرفتا على شاب فى غرفة دردشة والنتيجة
مات وقت صلاة الجمعة