- دعوتها لتجلس: كيف حالك،………..؟ ياه بعد كل تلك السنوات، …….
- فنظرت للبعيد، فرأيت طفلتين تلعبان، وطفل صغير تحمله الخادمة،
- ماشاء الله، ربي يخليهم، ......
- فاسرعت لأسألها باهتمام: كيف حالك هل أنت سعيدة......؟؟
نسمات العصر المنعشة، وضوء شمس العصرية الجميل، ورقرقات الماء في حوض السباحة للأطفال أمامي، كان كل ما أبحث عنه ذاك المساء، فبعد أسبوع طويل من العمل الجاد احتجت للهدوء والاسترخاء، بصحبة صغاري، وبينما كنت مسترخية إذ بأنامل ابنتي على كتفي تنبهني، : ماما، شوفي هناك، المرأة اللي في البوفيه، تطالعك من ساعة يمكن، اتعرفينها،...؟؟
نظرت حيث أشارت ابنتي لأرى إمرأة تجلس هناك ، وتحدق بي بابتسامة، امرأة اظن اني اعرفها، حاولت أن أتذكرها، ترى من هذه وجهها ليس غريبا، يكاد يكون مألوفا، لكني لم اجد لها معرفا بعد...!!!، …….. فقلت قد تكون عميلة قديمة، نسيت وجهها، أو متدربة، في إحدى دوراتي، ….. وعندما أردت أن أرفع عيني عنها، وجدتها تلوح لي بيديها، ثم قامت من كرسيها، وخرجت من البوفيه، متجهة نحوي، وبينما كانت تقترب،
كانت صفحات الذكرى تتقلب سريعا في فكري، صفحات انبثقت من خزانة الذكريات الجميلة، والأيام الحالمة، تلك هي ، تلك هي صديقتي القديمة....!!!!
كانت برود حديث الجامعة قبل سنوات طويلة عندما كنا زميلتين ندرس في ذات الكلية، اكتسبت ألقابا عديدة ولأسباب متعددة، كانت تسمى بذات الوشاح المخملي، لفرط أناقتها، وعلو ذوقها، وسميت بالقطة السيامية، لروعة هيئتها، ورقة سلوكياتها، وجاذبية طلتها،
وكنت شخصيا أسميها العاصفة، لأنها لا توجد في مكان إلا وتثير عواصف الإعجاب ، ...!!! أهلا يا برود قلت في نفسي قبل أن تدنوا مني... وشعرت بشيء من الحنين إلى الماضي اللطيف، ...
كانت برود إحدى صديقاتي المقربات، ألتقيتها في الجامعة تعرفت عليها في مساق جمعنا، فوجدت فيها انسانة تستحق التقدير، والثقة، وكانت مجتهدة ومتفوقة، وكنت أحب التعامل مع هذا النوع من الطالبات، فهن يشعن في النفس المزيد من الحماس للدراسة والعمل، اليس الصديق قبل الطريق،
الحياة في الجامعة لم تكن لتمضي بلا صديقة صدوقة، ورغم وجود الكثير من الصديقات حولي، بقيت هي أكثرهن قربا مني، والغريب، أنه رغم تلك العلاقة الوطيدة والصادقة التي جمعتني بها، إلا أننا افترقنا بعد التخرج، فراقا مفاجئا، ولست أذكر كيف، ولا أذكر من منا توقفت فجأة عن الإتصال بالأخرى،
شريط الذكريات مر أمام عيني سريعا كومضات لحظية خاطفة، وأنا أنظر إليها تقترب نحوي، وابتسامتها الدامعة تسبقها، وذراعيها يهمان بالإحتضان، …………: بَرود..!!! قلت بصوت مخنوق: لا أصدق ……
دعوتها لتجلس: كيف حالك،………..؟ ياه بعد كل تلك السنوات، …….
- كنت أراقبك منذ زمن، وترددت في الحضور للسلام عليك، ثم ما إن رأيتني حتى شعرت بقدمي تسبقاني إليك ….
- ولم ترددت..... لا تعلمين كم من السنوات وأنا أبحث عنك، لم أجد لك رقما، حتى هاتف بيتكم تغير ....
- تجاملينني، أم حاولت فعلا،
- بل حاولت، ...... وقد سألت عنك بعض الصديقات، ولكنهن جميعا لا يعلمن عنك شيئا،
نظرت بعد سماعها هذه العبارة باتجاه الحوض، وقالت: طيب، .... كيف حالك أنت.....؟ هؤلاء أولادك......؟
- نعم، وأنت أليس لديك أولاد....؟؟
- بلى.... هناك،
فنظرت للبعيد، فرأيت طفلتين تلعبان، وطفل صغير تحمله الخادمة،
ماشاء الله، ربي يخليهم، ......
ثم نظرت إلي من جديد، تلك النظرة التي لم تتغير، عندما تكون زعلانة، وحزينة، وتريد أن تقول شيئا، وعندما بادلتها النظرة، ابتسمت : أشعر أننا لم نفترق يوما، كأني كنت البارحة معك، نتسلى بمنطقة الأشياء، فضحكت وقلت لها: إذا لا زلت تذكرين،
- طبعا أذكر، وهل هناك شيء آخر يستحق الذكرى أكثر من تلك الأيام، أجمل أيام حياتي، ....
- أتذكرين ..........
وصرنا نستعيد الذكريات الجميلة ونضحك عليها، ....... كانت منسجمة معي، وكأن الدنيا هاهنا، وكأن العالم من حولها لم يعد يعنيها، لا اعرف لما شعرت بأن برود التي تجلس أمامي شخصية مختلفة، لديها نزعة غريبة نحو الضحك والاستخفاف بكل شيء، كذلك فثمة حزن عميق يغتصب ضحكاتها،
كنت اراقبها عن كثب، كنت اتفرس في وجهها، بلا تخطيط مني، جرني شعوري إلى ذلك...
بَرود تلك الفتاة التي أثارت جنون الفتيات، وأشعلت غيرتهن في كل المناسبات، تجلس أمامي اليوم، بوجه ذابل، متعب، حزين متألم، لا مساحيق، وثوب تقليدي عادي، ....... لغتها الجسدية، تخبرني كم يؤلمها الجرح، ويداها الساقطتان على حجرها، تنمان عن عمق المأساة، وشفتاها الباردتان، تكتمان صرخة الكرامة، وأنين الهجر، عيناها اللتين كانتا تشعان بالحياة والشقاوة، أصبحتا راقدتين ساكنتين سكون القلق، والإحباط معا،
وجهها يحتج على الألم، والألم يحتج على التعبير، والسعادة التي تبديها بلقائي، كفرحة طفل يتيم بطيف والدته في المنام، لعلي في هذه اللحظة بالنسبة لها لست أكثر من رائحة الذكريات الجميلة، ولست أجمل من أسطورة مضت ولا سبيل لعودتها اسمها السعادة .........
انتبهت أني أراقبها، وهي تتحدث فصمتت، ثم ابتسمت: كدت أنسى أنك تتفرسين الوجوه، ......!!
ثم نظرت باعتراض مفتعل: لا أسمح لك ......... ، فابتسمت وقلت بترقب: ومتى كنت تسمحين، ...... !!!!
قالت من جديد: أنا جادة لن أسمح لك بتحليلي ليس من جديد ......!!!
فاسرعت لأسألها باهتمام: كيف حالك هل أنت سعيدة......؟؟
أجابت بتردد، نعم إلى حد ما، تعلمين للسعادة معاني كثيرة، فعن أي سعادة تسألين...
- اقصد السعادة، التي لا تحتمل التأويل، فهل أنت سعيدة يا برود، ...
- ما رأيك أنت..... هل ابدوا لك سعيدة....؟؟
- ما يبدوا لي يا برود لا يغني عن الحقيقة بشيء، فلعلك متعبة، ..
- تقصدين هذا الوجه المتعب، .. نعم صدقت أنا متعبة.. ولست سعيدة أيضا، .. والآن كفي عن تفرس وجهي، ... بالله عليك لم تتغيري، لازلت تقرئين الوجوه حتى اليوم.... (( ثم صمتت، فيما ألقيت نظرة على اطفالي لأطمأن عليهم ... فقالت من جديد: إذا فقد فعلتها وحققت حلمك، وأضحيت استشارية، وانبريت في حل المشاكل، سمعتك الطيبة وصلتنا، وسمعت عنك كل خير...
- وكيف سمعت، ...؟؟؟
- قد لا تصدقين، لكن إحدى عميلاتك هي أمي، ......جاءتك إمرأة من فترة تشكو ابنها، تلك أمي، .....
- أمرأة تشكو ابنها ، صحيح، ...... لكنها جاءت منذ فترة طويلة،
- نعم، وقد أخبرتني عن نصائحك، ولم تكن تعلم أنك صديقة قديمة، عرفتك من اسمك، ووصفها لك، فقلت هذه أكيد ناعمة صديقتي، ....
- والدتك تبدو أصغر سنا منك،
- تلمحين، لا تلمحي، انا أعرفك، فلا تستخدمي معي هذه الخدعة، قولي لي مباشرة أني أضحيت بشعة وعجوزا، عادي، لن أزعل، فهذه حقيقة، كبرت، ......... تعرفين الأولاد يشيبون شعر الرأس،
- ابتسمت لها بلا تعليق، فقالت بتهكم: ماذا لا تصدقين .؟........ نعم إنهم الأطفال، وتضحك، فلولاهم، لطلبت الطلاق من والدهم الأناني ...... وتنهدت بعمق ٍ، ........... إنه سر تعاستي، ... اعتذر ان استخدمت كلمات تخدش سمعك، ...و أعتذر لأني اضحيت مختلفة، بت حاقدة....
تقول تلك الكلمات، وتلتفت نحو اطفالها لتطمأن عليهم، ... (( أنظري لهم، .... إنهم ابرياء لا يستحقون أن اغدر بهم، لأنجو بنفسي )) ثم تصرخ عاليا: ريتا خذي بالك الطفل سيسقط، ..... ثم تنظر لي مجددا، إنه نشيط جدا، أكثر من أخوته، أشعر به ينموا قبل أوانه، ...
فقلت موافقة: ما شاء الله، حفظه الله لك من كل شر.... ماذا تشربين يا برود، .....
- شاي، ....... كنت قد اشرت إلى النادلة في تلك اللحظات، ..... لتقترب بدورها وطلبت منها الشاي، .... ثم التفت إلى برود من جديد وقلت : لا أراك حاقدة يابرود، بل مجروحة ربما، ، رفعت عينيها نحوي بنظرة ذات مغزى، فابتسمت لها مطمأنة وتابعت الحديث (( لا زال وجهك صادقا كما كان، ولا زلت المس قيمك الجميلة في محياك، أنت لم تتغيري، إنما محبطة فقط، )) فردت بنظرة متسائلة تطلب المزيد، وكأنها تبحث فيني عن اثبات يعيد لها الثقة في نفسها، فتابعت قائلة (( أنت بخير، .... )) ثمة راحة كست وجهها، وروح علت وجنتيها فردت بهدوء وخجل (( كنت متأكدة أنك ستفهمين، وأني سأجد عندك اجابات لأسألتي، أردت زيارتك في مكتبك منذ زمن، لكني ترددت كثيرا، دائما كنت اتردد، كل مرة اضع لنفسي سببا لعدم زيارتك....... لا أعرف فلر بما خجلت من لقائك وأنا بهذا الشكل، انظري كيف أصبحت، كنت اتابع اخباركن من بعيد، وأعلم أن كل واحدة تزوجت واعتلت منصبا، وتتابع حياتها بنجاح، بينما أنا تعثرت حياتي كثيرا، .... لم أنجح عبر أي جهة فيها...... انجازي الوحيد في دنياي، أطفالي...
- كنت قوية جدا، كنت متفائلة دوما، .. أكثر ما جعلني أحترمك هو اصرارك الدائم على نيل الامتياز، مع ان من يراك لا يصدق ان لديك وقت للمذاكرة، فكنت رغم كل شيء د الأنيقة والجميلة، والمنظمة، ....
- كنت، نعم ذكريني بتلك الأيام الجميلة، تصدقين، على مدى سنوات زواجي المؤلمة، كانت ذكريات الجامعة كالمرطب، وكالتفريج عن همي، كانت اخر اجمل ايام حياتي حتى اليوم، ...
- ألهذه الدرجة، ترى ماذا حل بك، لا أعتقدك من النوع الذي ينهار بسهولة، .. هل ثمة امراة في حياته، .. هل هو عاشق...
أومأت برأسها، بحزن ويأس، ثم رفعت عيون انبأت بهطول الدمع، فوددت حقن الجرح، وقلت مسرعة: إذا متى سنضع خطة الهجوم، ....
ابتسمت بأمل وحماس، ورفعت كتفيها للأعلى وهي تناظرني باقتناع: اليوم إن شئت، يمكنني أن أبدأ الآن في سرد حكايتي، يمكنني أيضا ان أريك صورته، لتقرئيها، كما يمكنني أن أسمعك مكالمة سجلتها له مع عشيقته، ولدي صور لها، كل ما تحتاجين إليه لتحللي شخصيته بحوزتي....
فقلت وقد علا وجهي الأستغراب - أوه، ما كل هذا، انت مستعدة إذا، ... نظرت لها مستنكرة وتابعت (( هل هناك من أخبرك بأني أقضي يوم إجازتي هنا، هل خططت لرؤيتي))... فأجابت بسرعة (( لا لا، أقسم لك أنها مصادفة، ومن سيخبرني، ...... لكني كنت أنوي زيارتك كما قلت، وأتردد، ولهذا في كل مرة أعد لزيارتك شيئا، هذا كل شيء)) .
فقلت بهدوء : طيب، أعدك ان نبدأ العمل قريبا، تعالي نتحدث على العشاء،
فردت صديقتي بسعادة: توكلنا على الله،
قالتها بشخصية برود التي عهدتها طوال سنوات الجامعة،
برود ليست مجرد أمرأة، إنها أجمل امرأة تعرفت إليها يوما، حكاية امرأة تشبه في جمالها الحلم، وفي نقائها الثلج، وفي عنادها الصقيع،
برود حكاية امرأة ستجتاح الاحاسيس، وستذيب الحواجز، وتحطم المستحيل، وتشرق كشمس الربيع اليانعة على بساتين الحياة،
برود حكاية امرأة ستغمر كل بيت بالتفاهم والمحبة، وكل زوجين بالحب والسعادة، وستغزو القلوب، وتثري العقول، بالنور والسرور، إنها برود التي أحبت مطر.
أدعوكم قرائي الكرام، إلى احداث حكايتها، التي ستغير حياتكم، وتجدد مشاعركم، وتلهم حواسكم، وتثري عقولكم،
حكاية، لكل زوجة تبحث عن الحب الدافئ المفعم، .... ولكل زوج يجتاحه الحنين، إلى الشغف،
أهديكم برود ومطر ....
رواية تشبهكم، منكم ولكم
حكاية امرأة
أحبت زوجا أحب سواها
فكيف السبيل إلى استعادته،
ستعيشون حتما حكايتها،
وتغرقون في تفاصيل معاناتها
وستفرحون حيث ستفرح
وستنجحون حيث ستنجح
وستنبهرون، وتذهلون، وتسعدون
إنها حكاية برود،
سأرويها لكم كقصيدة، بأسلوب يناسب قلبها الماسي
وبقلم يكتب على سطور حساسيتها
كلمات تشبهها، في رقتها
فأهلا بكن في روايتي الجديدة بَرود المطر .
امرأة تدرك نكهة الحياة، وتفسر طلاسم الأحداث، وإشارات الدرب المبهمة، بعينين جريحتين تتحدى المصير، سلاحها القلب، ودرعها اليقين،
تتوارى في صمت، خلف زوايا المسافات المظلمة لكن النور الذي يسكنها يغمر أرجاء الكون، ويلون المساحات بريشة أنثى، لا تعرف المستحيل،
كلماتها كانت تتساقط في قلبي كقطرات المطر الهادر، تتلو قصتها كخطيب الجمعة، تهدر كالبحر الغاضب، ........
ظلموني يا ناعمة، قيدوني بالسلاسل، ........... وعندما غرقت، رموني................ لآخر شحاذ طرق الباب،....... وسالت دمعاتها الثكلى، ........
وغامت عيناها، لكن نظرتها الحرة بقيت صامدة قاهرة للألم،
- بعد أن تخرجنا، وكل واحدة منا مضت في طريقها، عينت في وظيفة مرموقة، ....... وكما تعلمين كنت المميزة في الوظيفة، ........ وكان لي حظا وافرا من الخطاب، ..... دق بابنا القريب والبعيد، وإخوتي يا ناعمة لا يقبلون، فكل خاطب في نظرهم طامع، في ورثي من أبي، أو راتبي الكبير، وبقيت أنتظر الرجل الذي سيقتنعون به، انتظرت طويلا، حتى قلت فرصي، وصارت الناس تتحاشى طرق بابنا، ...... مرت الأيام، والسنوات، وبات حظي نزرا يسيرا، وبات أهلي يتذمرون...... وكأنني السبب في عنوستي، ..... صار همي يكبر مع زواج فتيات العائلة الأصغر مني سنا،
وأنا أنظر، ووالدتي تتحسر علي، ...... ولتساعدني صارت تلمح للنساء من أقاربنا ومعارفنا بأننا بتنا مستعدون لقبول أي عريس ولن نعجزهم كما فعلنا سابقا،
لكن أحدا لم يحرك ساكنا، لم يتجرأ رجل على خطبتي، بعد كل المسرحيات الهزلية التي خاضها إخوتي في تشنيع الخطاب، وبعد كل الحكايات الملفقة التي نسبوها لهم، ليشوهوا سمعتهم في نظري، .........
كان إخوتي مستفيدون من راتبي، ومسيطرون على ميراثي، أكلوني حية ولم يبقوا مني شيئا، وعندما أفلست، تذمروا من وجودي وسموني العانس، الحاقدة التي تجلب النحس، تخيلي.......
فعندما يشب شجار بين أحدهم وزوجته، يعني أني حسدتهم، لأني أغار منهم، كوني لم أتزوج، وإن طلبت رفقتهم في السفر فلا محرم لي غيرهم، فهذا يعني أني متطفلة وغراب البين، وإن حاولت تسلية نفسي برفقة أبنائهم فيعني رغبتي في سرقتهم من أمهاتهم،
أصبحت شماعة الأخطاء، وخشخيشة الأطفال، ومتجر الأعذار، .......... فكل مشكلة هي لي ومني،
وأمي، وحدها أمي، كانت ملاذي، والتي تشعر بي وبعذابي، والتي حاولت بكل طاقتها إنقاذي، بطريقتها التي قد لا تعجبك، لكنها لم تكن تعرف دربا آخر،
بدأت يا صديقتي تدلل بي على الأسر، وتخطب لي الرجال، ....... تصوري،............
لا تعاتبيني،
إن كنت لا زلت تذكرين، عندما قلت لك ذات مرة: بأن الزواج ليس كل شي، وأني لن أتزوج إلا شخصا أحبه، عندما تحدثنا كثيرا عن طموحاتنا في الرجل، عندما قلت لك أني لن أتزوج إلا من رجل يعرف قيمتي، ويتوجني ملكة على عرش قلبه، ......... وأني سأبقى دائما ذات التاج،
سرقوه، سرقوا التاج، ....... وجعلوني خادمة في بيت أبي، ...... قد لا تصدقين، لكن بَرود ذات الوشاح المخملي، مرت بالغابة، وفقدت حذاءها الأنيق، وتمزق ثوبها الغالي، أما وشاحها فلا تذكر عند أي منعطف سرقته الأشجار الشائكة، ....... لم تعد أحلامي مغرورة كما كانت، تنازلت مع الأيام، وأصبح الفارس الذي حلمت به ذات يوم في سيارته الفخمة، لا مانع عندي لو مر على بيتنا حافيا، المهم أن أتزوج، .........
لم أكن أعلم بأن الزواج مهم للمرأة هكذا ...... لو علمت لكنت فعلت المستحيل لأتزوج من أحد خطابي السابقين ولتنازلت عن كل ميراثي طواعية لإخوتي ليتركوني في حالي،
المرأة تحتاج لرجل، ......... ليشبع لديها هاجس الحب، ويملئ فراغ القلب،
نتزوج، لنصبح حبيبات رجل ما، في هذا الوجود، وما أن نتزوج حتى نكتشف أن الرجل الوحيد الذي يحق لنا أن نحبه، لن يحبنا أبدا.......
وبعد أن يئست كل محاولات والدتي في العثور على زوج لي، بدأت أبحث لنفسي، ..... وصرت أتصيد الرجال، ياه، بَرود تتصيد الرجال، أي ذل ذقته، ........
أصبحت أنتقل من تجربة عاطفية إلى أخرى بهدف الزواج، لكني لم أسمح لأي علاقة بأن تتمادى، فأنت تعرفينني جيدا، فقط كنت أسمح لهم بمحادثتي لمرة، وأخبرهم أني أبحث عن زوج، ...... لكن كل من يحادث لا يرغب في الزواج، ........
وجاءني بعد سنوات الجدب والعطش الطويلة، مطر، ....... زوجي الحالي، وأب أبنائي،
كان مطر ابن حارتنا، سافر منذ سنوات طويلة للخارج، ليدرس، لكن العالم الخارجي سلب لبه، فترك الدراسة وانصرف إلى اللهو، وبات يستدعي المال من أهله، حتى قضى على كل ما يملكون، وعندما عاد إليهم، عاد وبصحبته امرأة شقراء ادعى أنها زوجته، .......
فمرض والده مرضا شديدا، وأقسمت والدته بأن تتبرى من دمه إن لم يطلقها، ويتزوج إحدى نساء البلد، ....... فطلقها، كما قال للجميع، وهمت والدته بالبحث له عن عروس تليق بهم، واحدة منهم وفيهم، لكن أحدا لم يقبل به زوجا لابنته، بقيت تحاول كثيرا، حتى يئست، وكنت أنا خيارها الأخير، وجاءت تخطبني على مضض، فأنا أكبر من ابنها، والعانس بلا مال، ودينها البنكي يكاد يرافقها مدى العمر، .......
لكن قدومها أحدث فرحة كبيرة في كل أرجاء البيت، الجميع دونما استثناء استبشروا ورحبوا بها، وحملوها على أكف الراحة، أشعروها بالكرم الكبير الذي تكرمت به علينا بتلك الزيارة، وكادوا أن يقبلوا قدميها شكرا وعرفانا، وبلا مقدمات ولا شكليات، وافق الجميع، واقترحوا تعجيل الدخلة، .....
فالكل يرغب في الإحتفال..... حتى أنا يا صديقتي، كنت مستعجلة، لم أكن أفكر في أي شيء، سوى أن أصبح عروسا ليوم واحد، ثم فلتنهار الدنيا بأسرها فوق رأسي لا مشكلة، المهم أن أنجو من ذل العنوسة، ........... منطق غريب، لم تعتاديه مني، لكنه الواقع، ولهذا ابتعدت عنك وعن كل صديقاتي فحين تزوجتن جميعا الواحدة تلو الأخرى، ....... أحسست بالنقص .....
وشخصيتي الشامخة التي طالما تعودت عليها تقوضت، وتقهقرت مع الأيام، وصرت شحاتة، ......أتسول خيال رجل في ثوب أخي المعلق على الشماعة، ........
كنت سعيدة، وأتخيل كيف سأقضي أول يوم معه، وأنا لأول مرة سأكون بصحبة رجل غريب وحدنا، وأفكر ماذا سأقول له، وكيف سأتصرف، ......... وفي غمرة أحلامي وانفعالاتي، رن جرس الهاتف في البيت، وصدف أن أرد بنفسي،
-أ لو....
- ألو، السلام عليكم، ممكن أكلم بَرود
- أنا بَرود، من معي،
- مطر، كيف حالك،.....؟؟
- بخير، كيف حالك أنت ( وفرحت ورفرف قلبي من السعادة، تراه اتصل ليسمع صوتي، ويحدثني عن اجراءات الزواج، كم هذا ممتع)
- بخير، أريد أن أتحدث إليك بصراحة، أتمنى أن تتفهمي موقفي، أولا أشكر موافقتك على الإقتران بي، فهذا يسعدني، لكني وللأسف مرتبط عاطفيا بزوجتي السابقة، وقد أعدتها في السر، ولا أنوي الزواج من أخرى، ستقدمين لي خدمة كبيرة لو رفضتي الزواج بي، رجاء، فأنت تعلمين بأن والدتي عنيدة، ولا أستطيع رفض طلبها، أسعى لأن أجعلها يائسة، لتقبل أخيرا بزوجتي، حبيبة قلبي جوليا، هل تساعديني رجاء، أنا لا أحب سواها.
نزلت كلماته على رأسي كالصاعقة، حطمتني بعنف، وجعلتني كهشيم الخبز، ........ كبرادة الحديد، ...... كرمل الجبال الحالي، ...........
قتلتني كلماته، ودمرت آخر ما تبقى لي من كرامة، مزقتني ياصديقتي، بقيت صامتة لا أعرف ماذا أقول، لا يمكن أن يكون الظرف قاسيا هكذا، لايمكن أن أحتمل كل هذا العذاب في وقت واحد، يا ناعمة أذلتني الظروف حتى فقدت هويتي، ولم أعد أعرف من أنا.....
أغلقت سماعة الهاتف، بعد أن ودعت فرصة السعادة الوحيدة التي لا حت أمامي منذ سنوات، ومضيت نحو غرفة المعيشة حيث تجلس أمي مع زوجات إخوتي، يتحدثون عن ليلة الزفاف، ويعدون الإجراءات، اقتربت من أمي، وقلت لها أريد أن أتحدث إليك، ........
- خير فديتج تكلمي،
- على انفراد يا أمي .....
- إن شاء الله سيري حجرتج وياية وراج.......
دخلت والدتي الغرفة، وكانت لأول مرة تبدو بصحة جيدة، كنت أرمقها بانكسار، كيف سأشرح لها سبب رفضي، أظنها ستموت بين يدي،
حبيبتي، غاليتي أمي، قد أحتمل أن أبقى عانسا طوال العمر، وأعيش وأتأقلم، لكن كيف أجعلك لا تقلقين بشأني، قلت لها: هل أنت مرتاحة لهذا الخاطب،...؟؟؟
نظرت لي بهلع: (( عيوني فديت عمرج، لا تترددين أريد أطمن الغالية عليج، دخيلج دخيل روحج، تراني ما بتم لج دوم، أريد أطمن عليج، في بيت زوجك، لا تحرميني، الرياييل كلهم واحد، وأنت وشطارتج بتعدلينه، حبيبتي، اسم الله عليج، حسد وعين وصابتج، تعالي الغالية برقيج، ايلسي خلني اقرا عليج المعوذات........))
تتوقعين أني بالقسوة التي تدفعني لتحطيم حلمها...
تعتقدين أني أتجرأ على فطر فؤادها، لم أستطع،
وانسحبت نحو غرفتي متصنعة الفرح، ......... واختبأت هناك أنعي حظي، وتذكرت وجه والدي، وبكيت حتى الصباح،
وعندما بزغ ضوء الشمس، كنت قد تحولت، ........ من فراشة جميلة، إلى بزاقة مزارع لزجة، تتقن الإلتصاق، .....!!!!
وقررت أن أمتهن البلادة، وألبس ثوب الغبيات الثقيلات، ..........وعندما اتصل في مساء اليوم التالي:
هل أخبرتهم،......؟؟
- لم أتجرأ..... فظرفي أصعب من ظرفك، أمي قد تموت، فأنت كما ترى فرصة ...... لعانس مثلي.
- هل تتزوجين من شخص يقول لك بأنه يحب امرأة أخرى،
- لا خيار،
- أي النساء أنت، قلت لك أحب زوجتي السابقة، وسأعيدها حالما تحين الفرصة، وهذا الزواج لن يتم، وسأتركك في يوم الزفاف وحيدة على الكوشة،
-إ فعل ما شئت، .......... أنت الرجل حدث والدتك .......
- هل يعقل، لا أصدق ما أسمع، هل بلغ بك اليأس لتتزوجي من رجل يعلن لك رفضه لهذا الزواج، وحبه لامرأة أخرى، .........
- أمي يا مطر لن أقتلها.............
وتم الزواج وهو حاقد علي كل الحقد، ويتوعدني بالذل والهوان، ................... لماذا تحدقين في وجهي، هل بقي في وجهي ماء تتفرسين فيه، لقد سال كل الماء، وانسلخت من جلدي، وأضعت كرامتي في متاهات، ....... لا أعرف من أدخلني فيها، فأنت تعرفين أني لا أحب المتاهات، وحدك تدركين، كم كنت أتحاشى اللعب في متاهات الحدائق، تذكرين كيف كنت أمنطقها،
المتاهة حجرة نضيع فيها الأوقات، والأوقات أعجوبة، تتباطأ في المتاهات.
- ما الذي جرك لكل هذا اليأس، في أي سن تزوجت......؟؟
- في التاسعة والعشرين، .............. لم يكن السن هو السبب، بل الأجواء التعيسة التي أحاطت بي، هي التي دفعتني لكل ذلك اليأس، لي قرينات لم يتزوجن حتى الآن، لكنهن لازلن يحلمن بالزوج المثالي، أنا فقط عانيت ظروفا دفعتني لتسول الزوج.