- لا تتسرعى بالحكم على الناس !!!
لا تتسرعى بالحكم على الناس !!!
تأخرت الطائرة عن موعد اقلاعها فى مطار باريس فكان على السيدة قضاء ساعة فى المطار لم تكن فى الحسبان و بشىء من اللامبالاة والملل راحت تجوب فى ارجاء صالة المطار الواسعة تتطلع الى واجهات محلات السوق الحرة وتتأمل أصناف السلع والبضائع المتفرقة و قد صفت على الأرفف بعناية وأحيطت بديكورات تنم عن حسن ذوق ودراية . لم تكن لديها ادنى رغبة فى الشراء , مجرد التطلع هنا وهناك , وقتل الوقت حتى يحين موعد اقلاع طائرتها من جديد و لو انها ارادت شراء شىء ما فاتها لم تكن لتدرى اصلا كيف تستفسر عن البضاعة او كيف تحاور الباعة وهى التى لا تفقه كلمة واحدة باللغة الفرنسية .
ولفت نظرها ان فى احدى المكتبات مجلة عربية تطل بخجل من وراء مجلات اخرى بلغات مختلفة فتقدمت الى البائعة بتردد وأشارت الى المجلة ثم الى كيس من المكسرات كان موضوعا قرب الصندوق ومدت يدها فى جيبها وأخرت كمية من الفئات من اليوروات وعرضتها للبائعة , ففهمت البائعة مرادها على الفور وناولتها المجلة وكيس المكسرات وأخذت حاجتها من النقود الممدودة وبتحريك الفم فقط مع امالة خفيفة للعنق وابتسامة عريضة كشفت فيها عن أسنانها بشكل مبالغ فيه و شكرت البائعة السيدة بكلمة شكر بالفرنسية "" ميرسى "" طويلة ممدودة بدون صوت ظنا منها ان السيدة صماء بكماء !!
تأبطت السيدة المجلة وكأنها كنز نادر حصلت عليه ثم جلست فى ركن هادىء من صالة الانتظار واخذت فى تصفح المجلة باهتمام ملحوظ ووضعت كيس المكسرات بجانبها تتناول منه حبة بين الفنية والفنية . وبينما هى غارقة فى القراءة لاحظت بطرف عينها رجلا يتخذ مكانه بجانبها ثم يمد يده الى كيس المكسرات ويأخذ حبة منه . التفتت اليه السيدة وعلى وجهها نظرة استغراب فابتسم لها الرجل وفكاه يقضمان الحبة التى وجدت طريقها اليهما . احمر وجه السيدة وشعرت بشىء من الارتباك رغم انها لم تتمالك من اخفاء شبه ابتسامه لتلك المداعبة غير المألوفة لديها ... أن يلجأ احدهم بدون سلام ولا كلام او اشارات او مقدمات الى تذوق ما عندها من مكسرات ... وعادت للقراءة من جديد , ومدت يدها لكيس المكسرات تناولت منه حبه اخرى فمد الرجل يده الى الكيس كذلك ... ما هذا؟ لا ! سمحنا له مرة فاذا به يتمادى بعد المرة هل هذة مداعبات بريئة ام انها نوع من التحرش؟ ما كان عليها ابدا ان تبتسم له فى المرة الاولى وما كان عليها ان تبتسم وتتجامل ... يقولون ان السكوت علامة الرضا والابتسامة علامة الدعوة ... فهل فهمها الرجل كذلك؟؟ كان عليها ان لا تبتسم اطلاقا وكيف تتصرف الان ازاء هذا الموقف العجيب وهى فى بلد غريب لا تعرف لغته وتشعر فيه انها قصيرة التعبير عسيرة التدبير؟ ... حسنا ستتجاهله ربما الرجل لا يقصد شيئا والموضوع لا يتعدى كونه مزحة سخيفة !!! وعادت تركز اهتمامها على قراءة المقال الذى بدأت فيه وتناولت حبة مكسرات اخرى من الكيس فما كان من الرجل ألا ان مد يده الى الكيس كذلك وتناول واحدة هو الاخر ... ياالله... من أين أتانا هذا؟ وكيف تتخلص منه ؟
استمرت فى تجاهله واستمر فى مداعبته كل ما مدت يدها الى الكيس مد يده هو كذلك دون ان يتكلم نصف كلمة ... اخيرا طفح الكيل!! ما هذا التصرف؟ وما هذة الوقاحة ؟ كيف يجرؤ هذا الغليظ على التحرش بها بهذا الشكل الفاضح؟ لم تدر ما تقوله له او كيف توبخه فما كان عليها الا ان اعطته نظره حادة ممتعضه يكسوها الغضب وتوهج وجهها احمرارا على الرغم منها فبادلها الرجل بنظره تنم عن التعجب والاستفسار , فدارت بوجهها عنه وايقنت انه كتله من البلاده وقلة الحياء فايقنت انه يجب عليها الا تنظر له وفقط تستكمل قراءة مجلتها لكنها شعرت انها لم تعد قادرة على التركيز فى القراءة فحركات هذا الرجل السمج باتت مصدر قلق ومثيرة للاعصاب !! ربما من الافضل لها ان تقوم وتبحث لها عن مقعد اخر بعيدا كل البعد عنه ولكن .. ماذا لو قام وراءها وعاكسها؟ سيزداد الامر سوءا لا محاله وقد يتطور الامر الى مالا يحمد عقباه وفى المقابل ماذا لو بقيت فى مكانها واستمر قليل الادب هذا فى التحرش بها بنحو اسلوبه البايخ؟ وبعصبية شديدة وحزم سحبت كيس المكسرات من جانبها ووضعته فى حجرها وعادت للقراءة من جديد ثم مدت يدها بحركة عفوية الى داخل الكيس ...فاذا به قد اصبح فارغا تماما , فالتفتت اليه وقد كست وجهها ملامح الاحتجاج فبادلها بابتسامة ورفع يده وكان فيها اخر حبة مكسرات من الكاجو قطعها الى نصفيت متساويين قدم لها قطعة ووضع القطعة الاخرى فى فمه وأغمض عينه وهو يتلذذ بطعمها !.... يا للغلاظة !!.... يالمنتهى السماجة وقلة الادب !!!!
فى تلك اللحظة نادى مكبر الصوت بحلول موعد اقلاع الطائرة فتنفست الصعداء وضمت مجلتها تحت ابطها ورمت كيس المكسرات الفارغ على المقعد بقرف مقصود وانطلقت نحو باب الخروج وهى لا تكاد تصدق انها تخلصت اخيرا من ذلك النسناس اكل الكاجو .
دخلت الطائرة مع باقى المسافرين وجلست فى المقعد المخصص لها وراحت تنظم حاجياتها المختلفة استعدادا للاقلاع وضعت مجلتها فى جيب المقعد الذى امامها وربطت حزام النجاة ثم مدت يدها الى حقيبتها تبحث عن منديل تمسح به جبينها وقد كساه العرق الذى كان يتصبب منها لا من جراء حرارة الجو انما من جراء الموقف المحرج الذى وجدت نفسها فيه داخل صالة الانتظار , فوقعت يدها على ملمس كيس ورقى داخل حقيبتها .أخرجته ونظرت اليه فاذا به كيس المكسرات الذى أشترته فى المطار مليئا ... لم ينقص منه الا حبة او حبتان !!!!!!!!
اتمنى ان تكون القصة لطيفة وتكون حازت على اعجابكن ....
بصراحه رائعه جداا يا غاليتي بنت النيل
عجبني الاسلوب و الفكرة جميله و جذابه
في انتظار ابدعاتك القصصيه ان شاء الله
اختك lena