- البطل
- وفي انتظار التعرف على اذواقكم
- نص المقامة البغدادية لبديع الزمان
- 1- الأزاد: نوع من التمر الجيد
- 2- على نقد: أي والحال أني مُعدم لا مال عندي
- 12- السماق: حب صغير أحمر حامض يعتبر من المُشهِّيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
فن المقامات
يعد فن المقاما فرع من فروع الادب العربي و هي تتميز بتركيب نثري و لا مانع من تخلل شعري احيانا اذا اقتضى الامر.
في المجمل المقاما عبارة عن قصة قصيرة يحيكها الكاتب اما من خلال واقع او من وحي الخيال و لها في الاغلب مضمون و مغزى و عبرة .
احيانا تظهر في شكل فكاهي بغرض التندر او ذات فحو ديني تأديبي او نقد لسلوك مجتمعي معين كالبخل و خلافه او حتى لطرح هموم مبكية .
في المجمل تظل تحمل في طياتها عبرة للقارئ و لا يخلو تكوينها من الامثال و الحكم العربية المسجوعة .
طالما ضم فن المقاما بين حناياه درر الادب العربي من مفردات و عبارات رنانة .
قيل ان هدف المقاما بادئ ذي بدء كان تعليم النشء اللغة العربية وما لبث ان بات فن بذاته مستقل.
نسب اسم المقاما الى المجالس لأنها كانت تدور في مجالس الناس.
تنسب المقاما في اسمها الى كاتبها مثلا مقاما حلوانية او همذانية نسبة الى الحلواني و الهمذاني .
يكتمل بناء المقاما بثلاث عناصر هم
الراوي و البطل و النكتة
الراوي
هو من يأتي به الكاتب ليقع على عاتقه سرد الاحداث على لسانه و تنبيه القارئ الى العبرة في النهاية مرورا بالتقديم لظهور البطل و تتبعه .
لكل كاتب من كتاب المقاما راوي يتمسك به و يصاحبه في معظم مقاماته مثل عيسى ابن هشام في مقامات بديع الزمان الهمذاني .
البطل
هو الشخصية المحورية في المقامة و هو الذي تدور حوله احداث القصة و هو المنفذ , وجرى الامر على ان كل كاتب يظل بطله معه بأكثر من مقاما و بالطبع يصبغ عليه من شخصيته و تتراوح شخصيات البطل بين المكر والخداع او الفقر او حتى الزهد او الفسق و هكذا اوصاف متداولة.
النكتة
هي صلب المقاما و غرضها و مجراها الذي يتنوع مضمونه ان كان طرفة او تبني سلوك اجتماعي من حيث نبذه او الحث عليه و احيانا تكون ذات مضمون فقهي او لغوي او حماسي تشجيعي او مضمون ماجن للخروج منه بعبرة و عظة .
تقوم المقاما في تراكيبها على السجع و شتى المحسنات البلاغية من جناس و طباق و استعارة و كناية الى اخر المحسنات البديعية.
تأخذ المقاما اسمها من اسم بلد الحدث التي انعقد فيه المجلس مثلا مقاما كوفية او دمشقية او صنعانيا او بغداديا و ما الى ذلك .
بعض نقاد الادب العربي اشار الى ان فن المقاما ترك اثر كبير في الادب الغربي بدليل المقارنات الادبية في اوربا التي ضمت فن المقاما العربي .
من اهم كتاب فن المقاما بديع الزمان الهمذاني و ابن صقيل الجزري و ابو محمد القاسم الحريري و ناصف اليازجي ......
تلك كانت لمحة سريعة عن فن من امتع واجمل فنون الادب العربي
و هو فن المقامات
اتمنى ان يستمتع الجميع بهذا الفن خارج موضوعي
وهنا اسوق اختياري و ذوقي اتمنى ينول رضى القارئ
وفي انتظار التعرف على اذواقكم
نص المقامة البغدادية لبديع الزمان
حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ ؟ أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي؟ فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلي الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجِمُعْهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً ، وَتَتَسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخّى الشَّواءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكَحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقْا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهْوَ أَجْرَى فِي الحُلْوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلَّي العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبَو َزيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا َزيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ؟ فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ؟ زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهْوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ:
أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلهْ *** لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَالَهْ
وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِيَمةٍ *** فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ
معاني الكلمات:
1- الأزاد: نوع من التمر الجيد
2- على نقد: أي والحال أني مُعدم لا مال عندي
3- المحالُّ: جمع محلة، والمراد بها الأماكن التي يوجد بها الأزاذ، وانتهز: المراد منه أتلمس وأقصد، ولكنه جعلها كالغنيمة التي يسارع لانتهازها اللَّبقُ، والكرخ: محل ببغداد، والضمير في "أحلني" راجع إلى الأزاذ، من باب إسناد الفعل للسبب.
4- السواد: ريف العراق وقُراه، والنسبة إليه سواديٌّ، والمراد رجل من أهل السَّواد، وهم – في أغلب الأحوال – أغرار لا يفطنون لدقيق الحيل.
5- أراد بالصيد ذلك الرجل، ثم أقبل عليه يحادثه ويكالمه، ويتدخل معه، ينال منه ما أراد.
6- أخذ يُدخلُ بحيلته في روع السَّوادي أنه أليف قديم وصاحبٌ من عهد بعيد، فلما أخطأ تكنيته، وخشى ألا تجوز حيلته، عمد إلى انتحال المعاذير، بطول أمد الفراق، وبعد عهد التلاق.
7- المراد بالدِّمنة القبر، والربيع هنا: النبات، وكنى بذلك عن موته منذ عهد ليس بالقصير.
8- البِدار: المبادرة والمسارعة، والصِّدار: ثوب يلبس مما يلي الجسد، والمعنى أنه حين سمع بموت أبيه بادرَ إلى ثوبه ليمزقه؛ إظهاراً للجزع، وتأكيداً للحيلة بأنه صديق أبيه.
9- جُمْع اليد، بضم الجيم: قَبضَتها، والمعنى أنه قبض بكل يده عليه ليمنعه من تمزيق صِدَاره.
10- استفزته: استهوته وحركته بشدة، والحمة في الأصل: إبرة العقرب التي تلسع بها، ثم حملت على الشدة مطلقاً، والقَرَم: الشهوة البالغة لأكل اللحم، واللقم: السرعة في الأكل، والمعنى أن شدة حبه للطعام وعظيم شوقه إليه أسْرعا به إلى موافقتي.
11- الجوذابة: رغيف يخبر وفوقه طائر أو قطعة لحم.
12- السماق: حب صغير أحمر حامض يعتبر من المُشهِّيات.
13- الساطور: سكين عظيمة، وبهذا الاسم تعرف عند العامة من أهل مصر إلى يومنا هذا.
14- اللوزينج: نوع من الحلوى يتخذ من الخبر، ويسقى بدهن اللوز، ويحشى بالنَّقْل، ومعنى كنوه ليليَّ العمر أنه صنع ليلا، ومعنى كونه نهاريَّ النَّشر أنه قد ظهر نهاراً، ليكون – بعد مضي هذا الوقت – قد شرب دهنه وعسله.
15- يشعشع: يخلط، ومن ثم قيل للخر: مشعشعة؛ لأنها تشرب مخلوطة بالماء كثيراً، قال عمرو بن كلثوم:
مُشَعشَعةً كَأنَّ الحُصَّ فِيها ******إذا ما الماء خَالَطَها سَخِينا
16- ويقمع: يقهر، والصارة: شدة الحر، ويفثأ: يكسر ويخفف، والمعنى إننا في حاجة إلى الماء المخلوط بالثلج، ليبرد عنا سطوات الحر، ويخفف من حدة هذا الأكل في أجوافنا.
17- اعتلق: تعلَّق أمسك، أي أن الشَّوَّا لم يتركه يخرج، بل أمسك به ليستوفي حقه منه.
18- أكلته ضيفاً: أي كنت مدعُواً لتناول هذا الطعام، فلا يحل لك أن تطالبني بثمنه؛ لأن الضيف لا يدفع ثمن ما يأكل.
19- هاك: اسم فعل بمعنى خُذ، والمعنى: تناول من الضرب واللكم ما أنت به خليق.
20- القِحَة: الوقاحة وسوء الأدب، ومعنى زن عشرين: أعْطِ وزن عشرين درهما.
21- المعنى: لا تكن خائر القوى فتقعد عن طلب الرزق وأنت تعلم أنه لا يأتيك حتى تعمل له، ولا يُقبِل عليك حتى تسير إليه، بل أجهد نفسك، وادأب في السعي إليه، ولا تدخر وسعاً في تحصيله.
22- أي أنه لا بد أن يأتي على المرء يوم يعجز فيه عن القيام بحاجته؛ فانتهز فرصة شبابك وقوتك، واغتنم من فتوتك، وحداثة سنك ما يساعدك على القيام بعظائم الأمور، وجلائلها.
ما شاء الله !
معلومات قيمة ورائعة والأجمل المثل المُساق عن فن المقامة ..
أشكرك عزيزتي على استرجاعنا معك المعلومات
وأشكر نشاطك ومجهودك الكبير
بارك الله بك .. وجزاك خيرا ..