- وهي فئة وإن علا صوتها أحيانا الا أنها قليلة وستزول بإذن الله.
قبل أن يتحفز بعض الرجال في استنباط أدلة على وفاء الرجل ومحبته لزوجته اذا ما كتب الله بينهما عشرة طيبة أحب أن أؤكد أن السؤال المطروح ليس للقدح في وفاء الرجل حتى وإن وجد البعض ممن يفتقر لهذه الصفة وانما هو استدراج لبحث اجابة عن سؤال آخر تم البت فيه في مجتمعات عدة ولكنه لا يزال معضلة تشوبها الكثير من المفاهيم الخاطئة في المجتمع السعودي. هذا السؤال القديم الحديث ،هل المرأة السعودية بحاجة للعمل؟
سؤال بسيط أخذ منا سنوات طويلة من الطرح والنقاش كنا نسير فيها على خطين متوازيين من طولهما نكاد نيأس من احتمال وجود منعطف يسمح بالتقائهما لأننا كنا ولا نزال نخلط بين مفهوم العمل كضرورة ملحة مترتبة عن احتياج وبين مفهومه كأداة للرقي واشباع احتياجات الذات للاستقرار النفسي والمعنوي والاجتماعي.
وبالرغم من أنه لا يزال بيننا من مجتمعنا من بلغ به الجهل والانكار وضيق الأفق الى رفض المفهومين لعمل المرأة لتشبعهم واعتناقهم لمفهوم شاذ آخر يقوم على أن انسانية المرأة لا ترتقي للرجل فيصنفها تلقائيا على أنها انسان من درجة أقل لاتتجاوز حقوقه سوى المأكل والمشرب والانجاب حتى وان تنافى ذلك مع مفهوم الدين الاسلامي الذي يعتنقه. هذه الفئة لا يتسع لها مقالي لأنها فئة جاهلة مهما قرأت وتعلمت فإن علمها لا يمكن أن يغير من وعيها واستيعابها شيئا يمكن أن يؤمل معه أي تحول في مواقفها أو رؤاها.
وهي فئة وإن علا صوتها أحيانا الا أنها قليلة وستزول بإذن الله.
أما المفهومان الآخران فيجران معهما مواقف عدة لفئات مختلفة لها قناعاتها ورؤاها المفهومة السبب والجذور، حتى وان كان وراء هذه المواقف والقناعات خلفية مهملة وتاريخ مغفل لواقع جداتهم اللواتي كن يعملن في البساتين والحقول ويطرقن أسباب العيش بالبيع ورعي الأغنام والغزل والخياطة والطبابة والخدمة في البيوت اما لاتقاء الحاجة وذل السؤال او للمساهمة في المنظومة الاجتماعية الصغيرة التي لا تتجاوز محيط الأسرة أو القرية.
الا أن هذه الفئات المختلفة قد وجدت لها مخارج أخرى تنفذ فيها من المأزق التاريخي الذي يفند كثيرا من حججها بما تعول عليه من رؤى أخرى مستنبطة من الواقع الحالي الذي تعيشه. حتى مع اقرارها وتسليمها بأن عمل المرأة كمبدأ وأساس لا يتنافى مع تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة.
فهنالك من يخشى من تأثير عمل المرأة على أدائها في أسرتها وقيامها بمهامها الواجبة عليها كما يجب تجاه زوجها وأبنائها.
وهنالك من يخشى من عمل المرأة لما يترتب عليه من استقلالية مالية قد يكون لها أثرها السلبي في تغيير موازين القوى في الأسرة فيتقبله كواقع اجتماعي ويرفضه أو لايحبذه في محيطه الأسري.
وهنالك من لا يرى ضرورة لذلك اما قياسا على واقعه واكتفائه الذاتي واما لاقتناعه بأن فتح المجالات لعمل المرأة يقلص من الفرص المتاحة لعمل الرجل!
وهذه الرؤى الذكورية والقناعات ليست قاصرة ولا خاصة بالمجتمع السعودي وحسب بل انها تكاد أن تكون قناعات ورؤى عالمية في مجتمعات مختلفة يطلقها الرجال في أحاديث مجالسهم العامة والخاصة وفي نكاتهم وحتى في عظاتهم الدينية.
الفرق الذي يجدر بنا بحثه هو الضمانات والحقوق المكفولة للمرأة السعودية والتي شرعها الدين الاسلامي والتي تؤثر بشكل مباشرعلى مطلب المرأة للعمل، والتي أضاعتها آلية الأنظمة الحقوقية الحالية بما فيها من قصور واضح يعيق من فاعليتها. وبين ما يجب أن يكون عليه الواقع اذا ما فعّلت هذه الأنظمة واعيدت هيكلتها ومقارنتها بواقع مجتمعات أخرى مشابهة لنا في البيئة الاجتماعية والخلفية الثقافية مثل المجتمعات الخليجية.
واقع المطلقات الحاضنات على سبيل المثال في المجتمعات الخليجية أو حتى مجتمعات أخرى غير اسلامية والآلية القانونية التي يتم التعامل بها لضمان حقوقهن في النفقة والاعالة يكاد يتفوق على الآلية التي يتم بها التحايل هنا على هذه الحقوق بما يتمتع به الرجل السعودي من تفوق في الادراك الحقوقي على حساب المرأة التي تربّت في معظم الأحيان على تبعية عمياء تمنعها من استيعاب حقوقها التي فرضها الاسلام لها والطرق التي تمكنها من المحافظة عليها، ولأن الآلية المعمول بها حاليا في تطبيق وتمكين المرأة مما شرعه الله لها من نفقة وحقوق لا تزال عاجزة عن ضمان هذا الحق.
من الظلم أن يطالب الرجال نساءهم أن يركنّ لوفائهم الأبدي خصوصا مع تشبع المجتمع السعودي بمبدأ التجديد وبمباركة من الفتاوى التي تبيح وتشجع ما استجد من أفكار تحوّر مفهوم الزواج الحقيقي الذي شرع له، وتجرد الرجال فيه من مسؤولياتهم.
فلا يبقى للمرأة السعودية من ضمان لكريم العيش واتقاء الاحتياج بعد الله الا عملها. ومعه تكون الإجابة عن السؤال الذي يرأس هذا المقال معلقة الى ان يكون ل(متى) تاريخ يحدد بما يمكن أن تحمله الأيام (التي نتوق لوصولها) من قرارات فاعلة تنصف المرأة داخل أروقة المحاكم القضائية وخارجها.
نقلا عن د.شروق الفوزان
ويعطيك ألف عافيه
مع خالص تحياتي
بينسال