روان الحلوه
19-11-2022 - 02:02 am
متى يزهر الصبر ؟
تقلبت في فراشها .. تطلعت إلى الساعة, ما زال الوقت طويلاً وزمن الفجر بعيد ..
نظرت إلى طفلتها النائمة بجوارها .. لعينيك ياحلوتي أحتمل ما أحتمل, ولكن .. هل سيزهر الصبر يوماً ما ؟
أمسكت بالكف الناعمة تمسح بها وجنتها, تخفف ألمها, تجد في بردها ما يطفئ حريق الصفعات التي كوتها, وتدافعت الدموع إلى عينيها فلم تملك لها رداً, وتركتها تسقي الوسادة التي لم تشبع يوماً منها.
علت شهقاتها وهي تستعيد صورة كفه القاسية تهوي وتهوي.. وكلماته البذيئة تصك سمعها وتنال من طهارتها وعفتها, فتذبحها من الوريد إلى الوريد ولا نزيف, وهتفت من أعماقها : يارب .. أنت وحدك المغيث, أغثني مما أنا فيه .
قبل سنوات ثلاث زُفت إليه, فظنت أنها ملكت الدنيا بأسرها.. شاب – كما قيل – جمال وعلم ودين و..أخلاق, فماذا تريد أكثر من ذلك ؟ وعاشت أيامها الأولى معه في سعادة ما بعدها سعادة, كان فرحاً مزهواً بها, تستيقظ صباحاً على نظراته تتأملها, وكأنه لا يصدق أنه حظي بهذا الجمال والبراءة والطهر كله ..
ثم .. ومع توالي الأيام بدأت تتكشف طباعه, أنانية مقيتة وغيرة شديدة وسوء ظن, مما أحال حياتها عذاباً وقوّض أحلامها ببيت تحفّه السكينة ويملؤه الحب ويسوده التفاهم..
ما زالت تذكر كيف لاحظت أمها يوماً كآبتها, على ندرة زيارتها لبيت الأهل !! فهو لا يطيق خروجها من البيت, رغم أن عمله يشغل أغلب ساعات النهار, فالمرأة – كما يقول- جنتها بيتها ولن تجد السعادة إلا فيه- يومها لم تدر ما تجيب به الأم, وتعللت بتعبها من سهرة الأمس معه, حتى إذا حاصرتها أمها بالأسئلة أفضت إليها بالقليل, فكان الرد: غداً حين يصبح أباً سيتغير..
ولما جاءت الصغيرة وضاءة مشرقة, اغتم وعلت أمارات الضيق وجهه وتغافل عن تهنئتها بسلامة القيام, وتجاهلت ذلك فما أرادت لحظتها أن ينقص شيء من فرحتها بالصغيرة الحبيبة.
ومع توالي الأيام عرفت الكثير مما كان يخبئ في أعماقه, عرفته منه في ساعات الغضب والانفعال التي لا تتوقف إلا نادراً .. فهو يحتقر المرأة إذ يعتبرها سبب إغواء وفتنة الرجل, ويعاني من الشك المدمر بالنساء كافة نتيجة علاقات له سابقة في ديار الغربة, ولذلك ضاق ذرعاً بالصغيرة لما ولدت ..
وعبثاً حاولت أن تغير نظرته وتزرع الطمأنينة في نفسه القلقة, فكانت كلما ازدادت خضوعاً ورقة وحباً ..ازداد تجبراً وغلظة وجفاء, حتى انتهى به الأمر أمس إلى ضربها .
ارتفع صوت الأذان أخيراً.. فتحاملت على نفسها وانسلت برفق من جوار صغيرتها تحاذر أن توقظها, ووقفت بين يدي الله تدعوه وتلح في الدعاء أن يفرج همها وكربها ويرزقها السكينة والصبر..
وتمنت لو استطاعت أن تدعو له – كدأبها دائماً- بالهداية والصلاح, لكن لسانها لم يطاوعها, وانهمرت دموعها مجدداً في السجود وهي تسأل الله مخرجاً .
صباحاً أحست به يغادر البيت دون أن يفتح باب الحجرة عليها, وأدركت أنه كعادته لن يعترف بخطئه, وسينتظر أن تأتيه راجية رضاه !! ولن يملّ الانتظار.. فثارت في أعماقها ثورة صامتة على ضعفها وذلها, وتمنت لو ملكت القوة لتندفع وراءه وتواجهه بحقيقته وليكن بعدها ما يكون ..ومضت تستعيد الذكريات المؤلمة تؤجج غضبها وتمنحها العزم والإصرار على المواجهة ووضع حد لتلك الحياة المهينة الذليلة.. لكن بكاء الصغيرة أعادها إلى واقعها, فانكفأت عليها ترضعها وتفكر .. ترى أي هول سيحيق بها لو تركتها بين يديه ؟ وانهمرت الدموع مجدداً فاحتضنت الصغيرة تهمس لها : قد أتخلى عن أحلامي .. عن روحي .. لكنني أبداً لن أتخلى عنك يا حبيبة .
في المساء أعدت له الطعام الذي يحب, وتزينت وارتدت ثوباً جديداً, وفي ذهنها تتردد الآية الكريمة
, ولما دخل علت البسمة وجهه, لكنها أحستها بسمة الشامت المنتصر .. ومع ذلك بادرته بالترحيب, تأملها لحظة ثم هتف ساخراً : ما هذا ؟!! هيا .. امسحي ألوان المهرج هذه عن وجهك. وتجاوزها نحو غرفة النوم, غير عابئ بكلماته التي اخترقت قلبها وتركته أشلاء لا نبض فيه ولا حياة...
وهرعت إلى الغرفة وراءه, فتحت الباب وواجهته قائلة : أرجوك .. أوصلني إلى أهلي..رفع إليها بصره يتأملها ولم يجب, هتفت بحزم وهي تضغط على الحروف تدفع بها الدموع : قلت .. خذني إليهم فأجاب بسخرية : وأنا قلت اذهبي .. ولن أمنعك..
أسرعت تغادر الغرفة - قبل أن تفضحها دموعها- لتتصل بأهلها وتهيئ نفسها للهرب بعيداً بعيداً عنه, فلقد أيقنت أخيراً أن لا فائدة.
واخيرا هل سيزهر الصبر ؟؟؟؟
مشكوره اختي الغالية روان
على القصه المؤثره
يعطيج العافية وننتظر جديدج