الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
worood123
11-11-2022 - 12:05 pm
  1. وضع والدي في جيبي ثلاثين ريالا وكذلك في جيب أخيه ..

  2. أظن هذا اكبر مبلغ حصلت عليه في حياتي منذ ولدت حتى ذلك التاريخ!!!


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل لكم يا أخواتي مذكرات الشيخ مازن الغامدي وهو من طلاب الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته
لقد بدأ بهذه المذكرات ولكنه لم يكملها حيث وافاه الأجل رحمه الله في شهر ذي الحجة من هذه السنة 1426وهو في بداية العقد الثالث من عمره.
وهي مذكرات رائعة جدا وفيها من الفوائد والعبر الكثير فأردت أن تستفيدوا منها كما أستفدت
فقد كشف لنا الشيخ رحمه الله عن شخصية العالم ابن عثيمين الرائعة والسمحة وكيف هي حياة العالم والعلماء في مذكرات تبلغ في حدود الستين حلقة ولكن شاء الله لها أن لا تكتمل ، والتي أسماها ( رحلتي إلى النور ) كما ألحق بها قصة (في وداع والدي أبي محمد رحمه الله )
وللعلم فهو من كتاب موقع الساحات وكان يكتب بإسم (مالك الرحبي)
أعلم أني أكثرت من الكلام ولكن أنصحكم جميعا بقراءتها ولو جزءا واحدا فهي جد رائعة ولأنني على يقين بأنكم لن تستطيعوا الإنقطاع عنها وإليكم القصة بالأجزاء
رحلتي إلى النور
وبآخره ملحق قصة ( في وداع والدي أبي محمد رحمه الله )
مالك الرحبي
( مازن بن أحمد المنسي الغامدي يرحمه الله )
توفي في الساعة الثانية ظهر يوم ( الجمعة 13/12/1426)
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه فصول قصة حقيقية ...
أسردها سردا كما هي ...
قد مر على فصولها أكثر من خمسة عشر عاما..
ومع ذلك فمشاهدها وحكاياتها ما زالت راسخة في الفؤاد..
قد نقشت فيه كما ينقش في الصخر لا يزول إلا بأمر الله..
أطلب من القارئ الكريم أن يتمهل ولا يستعجل..في الحكم على القصة..
حتى تستكمل فصولها وينتهي رقمها ..
فهي في النهاية تحكي مواقف عن رجل فذ قد طوته اللحود..
هذا الرجل هو شامة في جبين التاريخ في عصرنا..
وأنا في موقفي هذا معه ما أنا إلا حاك وناقل لموقف واحد فقط من مواقفه ..
وحسنة واحدة من حسناته ..
أحكي لكم عن هذا الرجل وأقسم على كل حرف فيه ..
أرويه كما حصل بلا زيادة ونقصان..
وأما حصر أفعال هذا الرجل ، ورصد جمائله على الناس والأمة
فهذا مما تعجز عنه طاقة الناس ...
فمنذا يقدر حصر أفعاله ليجمع أفعال غيره!!
فأمره إلى الله ..
هو حسيبه تعالى ورقيبه لا يخفى عليه من أمره شيء..
سيجد القارئ الكريم في أول القصة مواقف تعنيني أنا بشخصي..
وهي في النهاية عن شخص مغمور ..
ولكنها في الخاتمة تكشف نبلا عزيزا لإمام جليل .. قد آن الأوان أن تعرف قصته..
وقد حكيت بعضا من تلك القصة على أحبابي وأترابي..
فكلهم أقسم علي إلا أن أكتبها وأنشرها .. فهي واجبة من الواجبات..
وحق لهذا الإمام علي كأقل جميل له علي أرده..
خاصة وأنني مقبل على أمر جلل.. لا أدري ما خاتمته..
فلتكن إذا صدقة من الصدقات وذخرا لي عند الباري سبحانه وتعالى ..
لعل الله أن يعفو عن الزلات ويتجاوز عني في الصالحين..
اللهم اغفر لي ولشيخنا وأستاذنا ولوالدي واجعلني معهم في فردوسك الأعلى يا أرحم
الراحمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
الحلقة الأولى
في عام 1409 للهجرة ..
كنت أدرس في الصف الثاني المتوسط بمدرسة حطين في مدينة الطائف..
وكنت حينها فتى كأترابي ...
لاهم لي في الحياة سوى مدرستي واللعب مع أصحابي بعد انتهاء الدراسة..
لم يكن لدي أي ميول نحو التدين والاستقامة والالتزام بشعائر الدين ..
بل كنت حينها لا اعرف معنى للدين .. فقد ربينا للأسف من الصغر..
على الاهتمام بدروسنا ومدرستنا ولم يكن لجانب الدين أي شيء يذكر من الأهمية..
ويقتصر ذلك في الغالب على صلاة الجمعة .. أو الأعياد..
كان أول شخص متدين ومستقيم أتأثر به وأحبه هو أستاذي
في مادة التربية الدينية في تلك السنة واسمه عمير القرشي..
إن ابتسامة وطيبة الأستاذ عمير ونصائحه وتوجيهاته..
كل ذلك ما زال في الذاكرة محتبسا .. وكلماته ...
ما زالت ترن في أذني حتى هذه الساعة وأنا أكتب هذه المذكرات..
لقد كان مربيا فذا ورجلا ساحرا بعباراته الصادقة ..
كان حينما يفسر آيات القرءان الكريم ويصف مشاهد يوم القيامة والحشر والجنة والنار
كانت كلماته وعباراته تلج القلوب كالسهام..
كان يسير في الصف وبين الطاولات فكنت أطارده بنظري أينما توجه ..
أريد أن ألتهم ما يقوله التهاما ..
كانت العبارات تخرج من فمه كأنها مدافع تدوي تدك كل حظوظ الشيطان في القلوب..
أحسبه رجلا مخلصا والله حسيبه..
كنا أحيانا ونحن في تلك السنون ما زلنا في حكم الطفولة..!!!
كنا والله يبلغ بنا التأثر بحديثه حتى نبكي..!!
ولكن للأسف فجأة وبلا مقدمات حرمنا من هذا الأستاذ الجليل..
لينقل في التوجيه في إدارة التعليم في المنطقة..!!!
لقد كان خطئا فادحا أن يحرم الطلاب من هذا المعلم ذو الطراز النادر لينقل لعمل إداري
ولكن الله تعالى خلف علينا خيرا في أستاذ آخر ..
كان له فضل علي بشكل خاص..
لا أنساه له أبدا .. إنه الأستاذ طلال المشعبي..
قال لنا الأستاذ طلال : أنا تلميذ للأستاذ عمير القرشي ..
فهو أستاذي وشيخي وأستاذكم لذا سنحاول أن نكمل المسيرة على نفس المنوال..
لن أطيل الحديث في مواقف الأستاذ طلال بارك الله فيه..
ولكن سأذكر موقفا له غير مجرى حياتي للخير إن شاء الله تعالى..
أبدى الأستاذ طلال بي اهتماما خاصا .. ولقد كنت بحمد الله في فصلي من النابهين..
أحببته حبا يتجاوز حدود الاحترام للطالب مع أستاذه ...
لتصبح العلاقة علاقة شبيهة بود الابن مع والده ..
سجلت في برامج التوعية في وقت الفسحة..
وكنت استمع مع الآخرين لتوجيهات الأستاذ طلال..
وذات مرة كنت ألعب أمام منزلنا القريب من الجامع فلاحظت سيارة شبيهة بسيارة
الأستاذ طلال .. انتظرت ولم أصل !!! حتى يخرج صاحبها بعد الصلاة..
وفعلا خرج الأستاذ طلال ..
كان للمعلم حينها مهابة هائلة في قلوب الطلاب خلاف ما أسمعه اليوم!!
توجهت إليه وسلمت عليه... فسألني بصرامة : هل صليت؟؟
مسحت قفاي وأرخيت رأسي وقلت لا !!
قال ليش؟؟
استحييت ولم أجب فهل سأقول أنا لا أصلي أصلا!!!
فهم الحال ، ولم أنتظر أن يعاتبني توجهت لدورات المياه وتوضأت للصلاة..
ثم دخلت المسجد فركعت أربع ركعات للعشاء..
خرجت من المسجد فلم أرى أحدا ..
بعد عدة أيام رأيت سيارة الأستاذ طلال مرة أخرى أمام المسجد ..
وهذه المرة سابقت الريح لأصلي مع الجماعة..
وبعد الصلاة تعمدت أن أظهر للأستاذ خروجي من المسجد..
ابتسم أستاذي وناداني ..
اقتربت منه وقال لي أين منزلكم..
أشرت له لمنزلنا المستأجر حيث قد باع الوالد بيتنا القديم وهو يبني بيتا جديدا في مخطط السحيلي شرق الطائف ..
دعوته لزيارتنا فقال الآن لا يصلح ولا أستطيع ولكن ممكن أزوركم غدا !!!
رحبت به وواعدته غدا بعد صلاة المغرب..!!
ذهبت لوالدي وبلغته بالحال.. استغرب الوالد من الزيارة ..
فليس من العادة أن يزور معلم تلميذا في بيته ..
وليس أيضا من العادة أن يدعوا فتى صغير رجلا كبيرا بغير إذن أهله..
رضخ الوالد للأمر الواقع وقال أهلا به ..
في اليوم التالي زارنا الأستاذ طلال في بيتنا وتعرف على الوالد ..
وكان والدي حينها مديرا لإحدى مدارس الطائف..
كان اللقاء رسميا .. ووالدي من طبعه رحمه الله التكلف مع الضيف..
فيشعر ذلك الضيف بالحرج فتنقلب المسألة مجاملات في مجاملات..
والسؤال لماذا الزيارة؟ وما هدفها؟ وهل كان الأستاذ طلال متعمدا لكل ما سبق ؟؟
ذكر الأستاذ طلال للوالد أن هناك مخيما للشباب في فترة الإجازة النصف سنوية..
ومدة المخيم أسبوع وتنظمه إدارة التعليم في الطائف.. وقد حث والدي على أن أشارك
في هذا المخيم!!!
قال الوالد لا بأس بذلك !!
فرحت بذلك وسررت بالفكرة فقد كان ذلك بمثابة حلم لي أن أشارك في عمل كهذا ..
انتهت أيام الامتحانات ..
وفي صباح يوم من أيام الربيع الجميلة حملني والدي برفقة أخيه الصغير ( عمي)
في سيارته إلى موقع تجمع المشاركين في المخيم...
وذلك خلف فناء إدارة التعليم في الطائف..

وضع والدي في جيبي ثلاثين ريالا وكذلك في جيب أخيه ..

أظن هذا اكبر مبلغ حصلت عليه في حياتي منذ ولدت حتى ذلك التاريخ!!!

حينما وصلنا لمنطقة التجمع هالني الجمع الغفير من الفتيان ممن هم في سني أو قريبا مني .. أذكر أن الساحة امتلأت بالحقائب وأكياس النايلون الكبيرة المحشوة بالملابس وبعضهم أحضر معه وسائد وطرا ريح والحفة مطوية بحبال !!!
أما أنا فجئت بثوبي الذي علي وكيس صغير فيه ملابس قليلة للتبديل..!!
غادر الوالد بعد أن تأكد من المشرفين عن أن كل شيء على ما يرام..
طلعت الشمس وما زالت الجموع تزيد حتى غصت بهم الساحة ..
في حوالي الساعة الثامنة نادى مشرفوا المخيم على أسماء الطلاب المسجلين في المخيم..
وركبت في الباص المحدد لمجموعتي ..
كانت وجهتنا لمنطقة الشرائع قريبا من مكة المكرمة شرفها الله..
في الباص وقف شخص عليه لحية حمراء وثيابه نظيفة .. وساعته في اليمين..!!!
كان على وجهه نور الطاعة ..
وقف ليذكرنا بدعاء السفر وسأل:
من يعرف دعاء السفر؟؟
أول مرة في حياتي أسمع بدعاء السفر والله..!!
رددناه جميعا خلفه .. حتى حفظته عن ظهر قلب منذ ذلك الوقت..
طوال الرحلة كان يتبادل المذكور مع زميل له..
قراءة مسابقات ورواية قصص وطرائف ونحو ذلك مما يفيد ويمتع..
كانت أول رحلة مفيدة وأول مرة أدرك كيف يمكن استغلال الوقت ..
في مثل هذه الرحلات المليئة بالفائدة والإرشاد..
وصلنا لمنطقة المخيم.. وهي على يمين الداخل إلى مكة قبل أن تصل لنقطة التفتيش..
كانت أكوام الخيام ملقاة على أرض المخيم..
وطلبوا من كل مجموعة أن تتولى تركيب خيامها..
استمتعنا بذلك أيما استمتاع فهذا أول عمل جاد ومتقن أقوم به بشكل جماعي..!!
وفي وقت صلاة الظهر اجتمعنا تحت خيمة واحدة ضخمة للصلاة..
ودخل علينا رجل في عمر الأربعينات عليه سيما الصلاح ووجه مليء بالجدية والصرامة..!!!
وهو الشيخ محمد بن زاهر الشهري بارك الله في عمره ولم أكن اعرفه حينها..
امتلأ قلبي والله حينها من مهابته..
حينما وقف في وسط الخيمة وتكلم في الجموع بتوجيهات عامة وأمر كل شخص منا بالانضباط ..
واستغلال هذه الأيام بالنافع المفيد
كان الترتيب والنظام والضبط هو السيما البارزة على هذا العمل..
أذكر أن أصحابي أيقظوني للصلاة قبل الفجر ..
وحينما ذهبت للوضوء أعطونا كاسات بلاستيكية ..
بحيث يتوضأ الشخص بكأس واحدة فقط!!!
رأيت المسجد مضاء والنعال تملاء أطرافه..!!!
وحينما وصلت إليه شاهدت الناس كأنهم خلية نحل من صوت القرءان..
أمسكت بشخص مر بجواري وسألته : هل أذن الصبح؟؟
قال بقي نصف ساعة على الأذان !!!
صلى بنا الفجر شخص رقيق وصوته جميل ..
وسمعت أشخاصا تأثروا بالآيات فبكوا !!
وبعد الصلاة وقف شخص ليتكلم لمدة عشر دقائق .. بخاطرة ونصيحة..
كان مطلوبا من كل مجموعة أن تختار شخصا يمثلها في الكلمات بعد الصلاة ..
ومن ثم يقوم أحد المشرفين بالتعليق على كلمته...
وفي الساعة الثامنة يستيقظ كل المخيم لوجبة الإفطار ..
ويلزم كل شخص ترتيب مكان نومه.. ولا يتركه مبعثرا..
وهناك مجموعات تفتش الخيام وتعاقب كل من يهمل بالضغط عشر مرات أو الزحف على بطنه.. كانت مشاهد المعاقبين تثير الضحك والسرور بين المشاركين ..
كانت البرامج متنوعة وحافلة بالفوائد والنشاط والبهجة..
فهناك البرامج الترفيهية والمسرحيات والمسابقات والبرامج الرياضية..
ومن المناشط تنظيم المحاضرات ..
أول مرة احضر محاضرة كانت في ذلك المخيم وكان ضيفنا هو الشيخ عبد الله الجلالي.
الداعية المشهور .. وممن زارنا في المخيم لإلقاء المحاضرات.. الشيخ عائض القرني والشيخ سفر الحوالي والشيخ ستر الجعيد والشيخ محمد بن سعيد القحطاني.. وغيرهم..
لن أغرقك أخي القارئ بالتفاصيل عن هذا المخيم ..
ولكن يعلم الله تعالى كم كان لتلك المواقف والكلمات والدروس من صدى وتوجيه أحمد الله تعالى عليه أن هيئ لهذه الأمة كهؤلاء الرجال الذين يشرفون على تلك البرامج النافعة المباركة..
كان مشرفوا المجموعات يوقظونا في ساعة متأخرة من الليل..
ويأمرونا بالخروج خارج الخيمة ومن ثم نصف في خط طويل ونخرج برفقة احدهم خارج المخيم.. ومن ثم يقوم المشرف بتذكيرنا ووعظنا بكلمات تناسب الحدث..
كانت تلك الخرجات متعبة في لحظتها ولكن ما يترتب عليها من تأثير على النفس والعقل والفكر شيء يفوق الخيال وصفه..
إن الإخوة القائمين على تلك البرامج حينما يفعلون ما يفعلون إنما قصدهم بذلك هو غرس النظام واستغلال الأوقات وتنمية الخشية والخوف من الله تعالى في قلوبنا..
انتهت أيام المخيم ..
وبنهايته يبدأ مشواري الجديد في هذه الحياة...
..
..
..
يتبع ........


التعليقات (7)
بريق الألماسة
بريق الألماسة
كملي عزيزتي ومشكوره على النقل المفيد
واختيار هذه الشخصية الرائعه
غفر الله له ولجميع المسلمين

worood123
worood123
تسلمين أختي وجزاك الله خير
ومع إن عشرة دخلوا الموضوع وواحدة بس اللي ردت وعبرتني بس راح أكمل وأمري إلى الله
الحلقة الثانية
كان لذلك المخيم أبلغ الأثر على حياتي وسلوكي..
ولا عجب إن لاحظتم معاشر القراء الكرام ..
تلك الحرب الضروس على تلك البرامج النافعة..
من أذناب الغرب والمدسوسين بيننا .. ممن ينعق صبح ومساء بما لا يعقل ..
فكل باب للخير والفضيلة ونشرها سعوا في درسه والقضاء عليه..
فلا شك أن لوطأتها عليهم شأنا لا يستهان به..
فهي تمد الأمة بروافد من العقول المخلصة لهذا الدين والأمة..
سلكت طريق الهداية واستمر هؤلاء الرجال ممن ذكرت وغيرهم..
في غرس الفضائل والمعاني السامية في، وفي آلاف الشباب..
الذين منهم الآن الطبيب والمهندس والمعلم والقاضي والصحفي والداعية والتاجر
التزمت بالمشاركة في برامج بالمكتبة في جامع ابن عمار بحي القمرية..
وكان يشرف علينا شخص اسمه خالد بن مسلط البقمي..
كان غاية في النبل والأدب والشهامة ..
ولكنه للأسف تغير كثيرا بعد أن انصرف للعمل في التجارة..
وآخر عهدي به إنسان عادي جدا لا تكاد الدعوة والعمل لها يأخذان من اهتمامه شيئا..
من المواقف التي لا تنسى مع أبي سليمان وهذه كنيته التي يحب أن نناديه بها حيث نظم لنا رحلة لمجموعة من طلاب المكتبة..
وكانت الرحلة لأحد الوديان الجميلة في منطقة الشفا جنوب الطائف..
كلفنا الأخ خالد بذبح الخروف وشويه في برميل ..
على الطريقة المعروفة في صنع المندي
ولكن لتأخر نضج الطبيخ بسبب قلة خبرة الطباخين..
لم يستوي اللحم سوى بعد أذان العصر..
صلينا العصر .. وبطوننا ترتل وتقرقر جوعا وتثيرها رائحة الشواء حولنا..
فالمنطقة مليئة بالمصطافين حينها..
استخرجنا اللحم وعزمنا على أكله حتى ولو لم ينضج جيدا فالجوع أبصر كما يقولون..
حينما وضعنا السفر واستوى اللحم على الرز المعصفر..
هطلت علينا كميات هائلة من الأمطار..!!
كأن حبات المطر تصب علينا صبا ..!!
لقد استغرق اجتماع السحب وتراكمها دقائق معدودة والله..
لم نشعر بذلك .. واستمررنا في التهام الطعام المبلول..!!
وفجأة صرخ الصريخ..
وتردد صداه في كل الوادي : السيل، السيل..!!
هجم علينا سيل من فم الوادي ..
حينما أبصرنا التيار يهدر نحونا ..
ولى الجميع ولم نلوي على شيء..
جرف التيار السيارات والأوادم.. ولكن الله سلم فقد تدارك الناس بعضهم..
أما السيارات فقد امتلأت بالوحل والطين حتى سقوفها ..
وأما نحن فقد كنا نراقب تلك المشاهد ونحن نرجف تحت الأشجار نرجف من البرد والجوع!!
هذا موقف أذكره جيدا من تلك الرحلات الممتعة..!!
تعرفت على شخص بعد ذلك اشتهر بكنيته وهي أبو أسامة..
واسمه عبد الله الغامدي ... وهو صاحب الإنشاد لقصائد الشريط المشهور هادم اللذات.... لمن يعرفه منكم..
وكان جارا لنا ، وهو رجل ذو همة عالية في الدعوة على الله ..
وما زال يعمل في الخطابة حتى كتابة هذه السطور..
لازمت هذا الرجل عدة سنوات كظله حتى ظن بعض الناس انه والدي!!
وكنت من شغفي به وعلاقتي القوية أحب تقليد صوته ومشيته وحركاته..
وأذكر مرة أن أحد المشائخ لحقني في السوق ظانا أن من يلحقه هو أبو أسامه!!
وكنت مقفيا وأسير بخطى سريعة فصار الرجل يناديني بغير اسمي فلا أرد عليه..!!
وحينما التفت إليه صدم برؤية شخص آخر غير من يبحث عنه..!!!
كنت حينها أبلغ الرابعة عشر من عمري تقريبا...
شاركت في البرامج الدورية للمكتبة يوم الأربعاء والخميس.. من كل أسبوع..
حتى ذلك الوقت كانت علاقتي بالوالد على مايرام..
فمستواي الدراسي في المدرسة فوق الجيد جدا ..
وللأسف فإن بعض الآباء جعلوا المقياس في نجاح أولادهم..
بمدى تفوقهم في دراستهم دون النظر في تميزهم في الجوانب الأخرى..
حينما التحقت بمدرسة هوازن الثانوية..
وكان النظام فيها النظام الشامل أو ما يسمى المطور.. الذي الغي لاحقا لفشله الذر يع..
كان هذا النظام يعطي حرية في الخيارات للطالب ..
في اختيار الجدول المناسب له كيفما يشاء..
وكذلك في اختيار المعلم الذي يرغبه..
لا شك أن هذا النظام والحرية الممنوحة لي كطالب ..
ساهم بشكل أو بآخر في تدني مستواي الدراسي..
فبسبب ارتخاء القبضة كما في النظام العادي ، وتدني الرقابة.. بسبب النظام صرت أغيب عن الدروس والمحاضرات في الفصل بمزاعم واهية..
في البداية ظن الوالد أن القضية هي مرحلة صعبة سأتجاوزها..
ولم يقدر الموقف حق قدره .. وليته فعل ..
لم يسبق لي أن رسبت في أي سنة ..
ولكن حصل أن حرمت في بعض المواد لا بسبب تدني المستوى بل للغياب..
حينما علم الوالد بذلك ظن أن السبب هو الرفقة لانشغالي معهم في برامج جانبية..
غير مهمة .. فالدراسة والمستقبل هي الأساس..
وبذلك صار الوالد يضغط علي للتقليل من روحاتي وخرجاتي..
كنت حينها مراهقا .. فاستمرأت أن يمنعني الوالد عما كنت أمارسه لسنوات..!!
فلم أطعه فيما يأمرني به..
الذي حصل أن الوالد بمشورة من قريب لي سامحه الله ..
قرر حرماني حرمانا مطلقا من أصحابي..
لقد كان ذلك بالنسبة لي أشبه بمنعي من شرب الماء أو تنفس الهواء..
لقد أعطى ذلك الحضر مفعولا عكسيا فقد تدهورت كثيرا في دراستي ولم اعد أذاكر دروسي ولو فعلت فإن ذلك يكون بالإكراه..!!
أذكر أن الوالد خوفا من أن ألتقي بأحد من رفقائي منعني مرة من صلاة الجماعة ..
ولم يستمر ذلك بطبيعة الحال ..
ولكن كانت تمر علي وجبات دسمة من الحظر كل فترة!!!
كنت محبا للعلم وطلبه ... وخاصة العلوم الشرعية..
التزمت بحلقة الشيخ أحمد بن موسى السهلي.. في جامع الأمير أحمد في درس عمدة الحكام .. وكذلك دروس الشيخ صالح الزهراني بجامع الشطبه ..
في كتاب زاد المعاد..
لكن المشكلة بالنسبة لي هي وسيلة المواصلات للوصول لهذا الأماكن..
ويعلم الله كم كنت أعاني لحضور تلك الدروس..
فكم مرة مشيت عشرات الكيلوات لأصل للدرس..
وكم مرة توسلت لجار أو صاحب ليوصلني..
لم يكن هناك رفيق لي لديه سيارة وملتزم بالحضور..
لقد كنت شغوفا بالعلم وأحرص أن أكون في أول الصفوف أمام المشائخ..
أذكر مرة أنني مشيت من بيتنا في حي السحيلي وحتى جامع الشطبه..
لكي أصلي الجمعة مع شيخنا!!!..
أما حضور محاضرات المشائخ المشهورين فهذا مالا أصبر عليه..
منعت من ذلك كله دفعة واحدة ...
حينها قررت أن أهرب من البيت لألتحق بطلب العلم لدى أحد العلماء..
الحلقة الثالثة..
لم تكن فكرة الهروب من المنزل ومن الواقع الجديد الذي أجبرت عليه..
لم تكن فكرة جاءت على البال فعزمت عليها هكذا!!
بل كانت الفكرة تطبخ في رأسي عدة أسابيع حتى هممت بها ..
لم أجرؤ في استشارة أحد في الموضوع.. سوى شخص واحد..
إنها زوجة والدي الجديدة..
الخالة كما تسمى في بعض المجتمعات أما نحن فنناديها بالعمة..
هذه المرأة الطيبة تزوجها الوالد قبل عدة سنوات من ذلك الموقف..
وهي امرأة عقيم لم ترزق بالذرية ...
وكنت في تلك الفترة قريبا منها جدا وتثق بي وأثق بها..
وكانت تتلطف معي حتى كسبت ودي وتعاطفي معها..
وهي امرأة طيبة ومحبة للخير وتشجعني عليه..
أوغر ذلك صدر الوالدة علي في البداية..
ولكن العمة بفطنتها ونباهتها كسبت رضى أمي.. فسلكت الأمور على خير..
كانت العمة متعاطفة معي في محنتي .. وكنت أطلعها على كل أموري الشخصية تقريبا..
وحينما فاتحتها بالموضوع وأنني عازم على أن أخرج من البيت ..
لألتحق بحلقة عالم من علماء الأمة ..
وسوف أسحب ملفي الدراسي وأكملها..الخ الكلام..
لقد صورت المسألة لها بنرجسية عجيبة ..
هكذا بكل بساطة .. سأنجح وستكون الأمور على ما يرام..
وكانت أمرأه هينة لينة سهلة الإقناع.. فوافقتني..!!
بل قامت مشكورة وأعطتني من ذهبها فبعته وصرفت نقوده في سفري وترحلي..!!
لم يكن المبلغ كافيا فاستلفت من أحد كبار السن ممن يعرفني في المسجد مبلغا وافرا ..
والحمد لله أنه لم يسألني عن مقصدي من هذا المال!!
كانت الفترة حينها فترة إجازة صيفية ولكن الوالد سامحه الله أجبرني وبغير رضاي على التسجيل في فصل صيفي ..
وهو ما يسمح به النظام المطور..
رجوته وتوسلت إليه أن يعفيني من ذلك
ولكن بلا جدوى فقد أراد من ذلك معاقبتي على تقصيري في الفصل الدراسي السابق!!
والدي رحمه الله معروف في العائلة بأن لديه حاسة سادسة..
شك من تصرفاتي وهدوئي المريب والذي عرف بفطرته أنه سيسبق عاصفة ما..!!
فقد اعتاد أن يراني مهموما غارقا في التفكير في الأسابيع المنصرمة..!!
فشك في هدوئي واطمئناني المفاجئ!!!
ولذلك أمر الوالدة بالتحفظ علي ومنعي من الخروج خارج المنزل حتى للصلاة..
وأخذ بطاقة الأحوال الشخصية التي لي وصار يحملها في جيبه أينما حل..
حددت يوما معينا للهروب وكان يوم خميس.. ولا أذكر تاريخه بالتحديد..
ولا ادري لما اخترت هذا اليوم لسفري...!!!
جهزت حقيبة كبيرة ذات لون أحمر!!!
ولملمت فيها بعض ثيابي وملابسي واخترت مجموعة من الكتب..
وأخفيتها عن عيون أهلي لكي لا يكتشفوا الخطة..
كنت أتربص بالوالد حتى آخذ بطاقة أحوالي من جيبه..
ولكن مهابته العظيمة في قلبي جعلتني أتردد في فرص كانت مواتية..!!
طلبت من العمة أن تساعدني في ذلك فخافت من العواقب واعتذرت!!
صادف أن سافر الوالد مع إخوتي لجدة .. يوم الأربعاء الذي يسبق يوم السفر
.. فاغتممت من ذلك ..
وخفت من انكشاف أمري وما أنا عازم عليه..
فأنا لا أستطيع السفر بدون بطاقة أحوالي الشخصية..
لذا كان علي الانتظار حتى يقدم أبي من سفره..
سهرت طوال تلك الليلة أنتظر قدوم الوالد..
ووصل للبيت قريبا من الفجر...
وصعد مباشرة لبيت العمة .. ونام نوما عميقا..
حينما تأكدت من نومه ..
استخرجت حقيبة سفري .. ووضعتها أمام باب المنزل داخل الفناء..
ثم صعدت لبيت العمة..
العائلة كلها كانت تغط في نوم عميق ..
كانت الساعة حينها السابعة صباحا تقريبا..
وبهدوء وترقب...
دخلت لصالة المنزل فرأيت ثوب الوالد معلقا على الباب..!!
وكنت أعلم أن والدي توقظه أدنى حركة في المنزل ..
اقتربت من الثوب فسحبته بهدوء ثم فتشته..
فوقعت عيني على بطاقتي..
هممت أن آخذ شيئا من نقوده ولكنني خفت، وخيرا فعلت!!
نزلت من درج المنزل.. و حملت حقيبتي على ظهري..
كانت ثقيلة جدا والمسافة التي سأقطعها للشارع العام حوالي الكيلو متر..
كنت أسير وأتعثر لثقل الحقيبة وأنظر خلفي خوفا من الوالد..
لو رآني أحد الجيران وبتلك الحال فلا شك أنه سيرتاب ..
وعندها سيحدث مالا تحمد عقباه...
وصلت للطريق العام وأنا ألهث من التعب..
أشرت لسيارة أجرة وهي من نوع السوزوكي ونسميه في المنطقة ( الدباب)
سألني السائق عن وجهتي فقلت له خذني إلى موقف التكاسي المسمى موقف الجنوب..
وهو الموقف الذي يركب منه المسافرون لجنوب المملكة..
بحثت في الموقف عن الأجرة المتوجهة لمدينة أبها!!
كانت أبها حينها تعج بالدعاة والمشائخ المعروفين .. ومنهم الشيخ عائض القرني.. الشيخ عوض القرني.. الشيخ الطحان الشيخ سعيد بن مسفر وغيرهم وغيرهم من الدعاة وطلبة العلم..
لقد توقعت وبغير سؤال ودراية بأن هؤلاء المشائخ يستقبلون طلبة العلم القادمين للطلب .. فجئت مهاجرا إليهم أطلب العلم..!!!
لم يستغرق البحث عن سيارة أجرة متجهة لأبها سوى عشر دقائق..
وكنت في عجلة من أمري فما يدريني لعل الوالد تهديه حنكته فيتلني بتلابيبي!!!
كان السائق رجلا كبيرا في السن عمره يتجاوز الخمسين سنة..
ووجهة يدل على طيبته وضعف شخصيته..
كانت سيارته من نوع البيجو تحمل ثمانية ركاب..
كانت رفقتي مجموعة من الشباب ..
وهم من البادية وعلى ملامحهم الطيش والشر ..
وعرفت من احدهم أنهم ذاهبون للالتحاق بعملهم الجديد في الجيش في خميس مشيط
وحينما رأيت هؤلاء الشباب وتصرفاتهم الرعناء..
تذكرت ما حدثني به أخي الذي يعمل في نفس القطاع..
عن اللواء (وذكر رقمه ) في خميس مشيط..
وهو لواء سيء الذكر قد انتشرت بين شبابه المخدرات والتصرفات المشينة..!!
وحينما انطلقنا في مسيرنا الطويل لأبها..
ارتحت كثيرا وتنفست الصعداء..
غير أن سروري لم يدم طويلا فهؤلاء الشباب لن يسلم هذا المطوع الصغير من شرهم..
كانت النظرات من عيونهم تقذف الشرر علي..
فهذا المطوع الصغير لا بد أن يكون سببا للمشاكل في الطريق..!!
حاولت أن أكون لطيفا معهم وبعيدا عن الاحتكاك بهم ولكن هيهات!!
انشغلت بالحديث مع السائق وكنت محشورا بجواره...
وبعد مرور نصف ساعة من الرحلة تقدم أحد الشباب وأشار بشريط كاسيت أغاني وأمر السائق بإدارته!!
علمت أن سكوتي ضعف أمام المنكر ..
فقلت للسائق وبحماس ظاهر.. لا تشغله لا يجوز..
كان هذا التصرف مني إعلانا للحرب بالنسبة لهؤلاء السفهاء..!!
والظاهر أن الحركة كانت متعمدة لإثارتي وقد فعلوا!!
كانوا سبعة وأنا واحد والسائق كان يمكنه التصرف ولكنه رجل ضعيف الشخصية
قال لي هل لديك شريط قرءان أو محاضرة ..؟؟
قلت لا .. قال إذا خلهم يسمعوا ما يريدوا ..
قلت له هذا لا يجوز وحرام..
قال إذا ارجع للخلف ولا تستمع للغناء ..
رضخت لهم فقد كان هو وأنا أيضا نخاف من هؤلاء الفتية!!
تخطيت القوم ورجعت للمقعد الأخير برفقة أحدهم!!
وبدأت مزامير الشر والطرب تصم الآذان..
وكان الشباب يتمايلون ويرقصون طربا وضحكا ..
أما استنشاق دخان السجائر فحدث ولا حرج ..
لم يشغلني هذا الحال عن التفكير مما سأقدم عليه من أهوال
يتبع ...........................
عاد هالمرة أبي ردود مشجعة

بريق الألماسة
بريق الألماسة
غفر الله له وجمعنا به في جنات النعيم وجزاك الله خيرا

فواحة المسك
فواحة المسك
اختيار موفق بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا

worood123
worood123
بعد مافي أي تعليق على الموضوع
بصراحة شيء يزعل بس يلا تكرمون يالغالين وهذا أنا أتابع وياكم بقية الحلقات
الحلقة الثامنة عشر
من خلال جلوسي الدائم أمام الشيخ وبجوار قدماء الطلبة
لا بد أن يؤدي ذلك برغبة أو بغير رغبة إلى نشوء علاقة ما!!
لن أتوسع في هذا الأمر وهو غير مهم أبدا لكم غير أن هناك حالة لا بد من ذكرها..
في حلقة مضت ذكرت ذلك الشاب الذي خرج من غرفة مجاورة لموقع الدرس..
كان ذلك الشاب من كبار طلبة الشيخ وأفقههم بل ومن أقرب الناس لشيخنا..
لا ينافسه على ذلك أحد ، ولم يكن يخفى علي ولا على سواي ذلك ..
بل أن للقرابة العائلية بينه وبين الشيخ زادت الأمر رسوخا وبيانا..
تعرفت على الرجل وكانت علاقتنا لا بأس بها ..
كنت أتصافح معه قبل الدروس ويزداد التعارف بيننا يوما فيوما!!
ذكرت في الحلقة الماضية أن الشيخ أعجب ببحثي الذي كتبته..
ورأى أن ذلك علامة نبوغ مني على صغر سني ولكنه حتى ذلك الحين لم يبد الشيخ
نحوي شيئا..
وذات مرة تغيبت في سفرة لمدينة حائل لزيارة الأخ سعود وغبت ثلاثة أيام..
لم يفتقدني أحد كما كنت أظن ولم أكن أعلم قوانين السكن حينها وضرورة أخذ الأذن
من المشرف...
ولقد اشتقت لرؤية سعود بعد أن انقطعت عنه حوالي الشهر وزيادة فرغبت بلقائه..
زرته في حائل ومنها نزلت للرياض بالطائرة ثم للشرقية ثم عدت منها للقصيم..
كانت رحلة استجمام وترويح بعد عناء وانشغال بالطلب ..
حينما عدت لعنيزة كانت الأمور على مايرام فيما أظن !!
أذكر أنني بعد صلاة عشاء ذلك اليوم وقد وصلت للجامع قبل الصلاة بقليل..
رافقت الحشد الذي يسير مع الشيخ لبيته ..
ولم يكن ذلك الحشد كبيرا ..
بعد انتهاء الناس تقدمت للشيخ فقبلت رأسه ..
قال لي: أين كنت ؟؟ لا حظت أنك تغيبت عن الدروس عدة أيام!!
لقد كانت لفتة أبوية وحانية افتقدها والله في تلك الأيام..
ما أجمل أن يشعرك أحد بالاهتمام بك والاطمئنان عليك خاصة لو كنت في ضائقة وكربه..
أما أن تأتي تلك اللفتة من شيخنا فوا لله إن ذلك لشرف لي وأي شرف ..
قلت له: لقد سافرت لحائل لزيارة أقربائي ..!!
قال لي: ووالديك ؟
شدهت وارتفع حاجباي وعجزت عن الإجابة ولكن تداركت الأمر سريعا وقلت:
طبعا والداي نعم!!
دار بيننا الحوار التالي:
أين يعمل والدك ؟
قلت له :والدي رجل أعمال!!
ثم استأنفت كلامي .. بدون حساب للعواقب ..
ولكن والدي بيني وبينه خلاف !!
قال : كيف؟
قلت : لا يحب والدي أن اطلب العلم بل يريدني أن اهتم بدراستي النظامية فقط..!!
وأخذت في فبركة كلام على الوالد مما لا يصلح الحديث عنه هنا والله يعفو عني فيما
قلت!!
قال لي : وأين يقيم والدك ؟
قلت له : في الطائف !!
قال : الم تقل انك ذهبت لرؤية والديك في حائل؟؟
سكت ولم اجبه فعرف الشيخ أن في الأمر شيئا ولكنه لم يبال حينها!!
ختم حواره بهذه الجملة : لا أسمح لك مرة أخرى بالسفر حتى تأخذ أذنا مني فأنا في مقام والدك !!
ما أجمل وقع تلك الكلمات على نفسي هي والله في نفسي ذلك اليوم ..
كماء بارد شربته بعد عطش شديد في صحراء قاحلة وساخنة..
لقد بثت تلك الكلمات في نفسي روحا جديدة وهمة لا يقاومها أي كساد أو تلف ..
رحمة الله عليه واسكنه فسيح جناته وجعل ذلك في ميزان حسناته..
رجعت لغرفتي فحكيت لبندر ما حصل بيني وبين الشيخ من حوار..
لم يصدق بندر أن يكون هذا التصرف من الشيخ بهذا الشكل !!
فمن أنت حتى تحصل على هذه الميزة وهذا الاهتمام؟؟
.. ولكن والله هذا ما حصل..
أخذت قلمي وفتحت دفتري وأردت أن اعبر عن سعادتي بخاطرة أو شعر أو أي شيء!!
كتبت رسالة للشيخ .. قلت له فيها ..
أشكرك من أعماق قلبي فوا لله لقد كانت عبارتك تلك كالماء الذي يروي نبتة أوشكت على الذبول والفناء..
كانت عباراتها ركيكة ومعانيها عميقة سطرتها بعبارات امتزجت بالشقاء والعذاب والخوف والضياع واليأس ..وسلمتها للشيخ بعد صلاة الفجر ..
لقد وقعت تلك الكلمات في نفس شيخنا موقعا عظيما فدعاني بعد درس المساء للسير معه..
قال لي : لقد تأثرت بكلامك وأرجو منك أن تثق في وتجعلني في مقام أبيك ..
وأريد منك أن تستمر في الطلب والتحصيل وأرجو من الله تعالى أن ينفع بك الإسلام والمسلمين...
أكدت له مرة أخرى عن مشاكلي مع والدي وأنه لا يريدني أن اطلب العلم ..
كنت أريد أن افتح موضوعي كله مع الشيخ وليتني فعلت!!
ولكنني جبنت واستحييت أن احكي للشيخ كل شيء.. خوفا من عواقب كلامي!!
لقد كانت فرصة سانحة ولكن الله تعالى كان يريد لي شيئا آخر ..!!
ذات ليلة دعا مشرف السكن الأخ محمد زين العابدين الطلاب للاجتماع مع الشيخ بعد صلاة العشاء في سطوح السكن ...
أجتمع طلاب السكن وجاء الشيخ وجلس على مقعد قديم لا يكاد يستوي عليه لتهالكه!!
استمع الشيخ لمشاكل الطلاب وما يعانونه من صعوبات مادية نحو غلاء الكتب..
وأشرطة التسجيل ، وتحدثوا مع الشيخ حول ترميم السكن ورفع قيمة المكافآت وتوسيع المكتبة وزيادة المراجع ونحو ذلك غير انه حصل في تلك الجلسة موقف أحرجني للغاية!!
كتبت سؤالا للشيخ باسمي وبلقبي المزيف !!
قال الشيخ: أنت مرة تقول انك كذا ومرة تقول إنك شمري وش الصحيح؟؟
وقعت في حرج شديد ولم استطع التعليق ولكن شيخنا تجاوز ذلك وغير الموضوع!!
كيف عرف الشيخ بلقبي الحقيقي؟؟
من نظام السكن لا بد أن يكون لك ملف لدى المشرف ومن متطلبات فتح الملف ..
إحضار صورة الهوية !!
وضعت صورة الهوية في ملفي وسلمتها مع السيرة الذاتية للمشرف..
نظر في وجهي المشرف وقال لي: مكتوب هنا أنت من القبيلة الفلانية؟؟
وأنت شمري ؟؟
كنت قد زورت في نفسي كلاما لأبرر هذا الحال فقلته فقبله في الظاهر غير انه نقله
للشيخ بالتأكيد!!
لقد كنت بليدا فلو أنني قلت الحقيقة وشرحتها لكان خيرا من الخزي الذي كنت فيه..
ولنجوت من الفضيحة التي سأقدم عليها!!
كان الشيخ في ذلك اللقاء يرسخ في أذهان طلبته انه فعلا والد للجميع ..
فكل الطلبة بلا استثناء هم فقراء ومعوزون وفيهم السعودي وغير السعودي..
ولكنهم في نظر شيخنا سواء جزاه الله عنا خير الجزاء..
في ذلك اللقاء سأل أحد الطلبة الشيخ عن حضور دروس الشيخ سلمان العودة في بريدة!!
قال الشيخ : سلمان هو احد العلماء لكنني أنصحكم بالتقيد بحضور دروس عالم واحد
فإذا شعرتم أنكم اكتفيتم مما لديه فلا بأس بالانتقال لعالم آخر ..
رجعت برفقة الشيخ لبيته وحينما اقتربنا من البيت بقيت معه أنا والأخ محمد زين العابدين ..
أطال الأخ محمد الحديث مع الشيخ حتى تعب !!
ثم ابتعد قليلا واقتربت أنا من الشيخ فجلس على درج ملحق بيته وبقيت واقفا!!
فأردت أن أجلس مقابله على الأرض لأكمل أسئلتي .. فقال لي الشيخ..
أجلس بجواري ؟؟
جلست بجواره فأكملت أسئلتي ثم انصرفت ...
الحلقة التاسعة عشر
أنا أكتب هذه الروايات والقصص في الحضر والسفر..
فمرة تجدني مع حاسوبي المحمول جالسا على طاولة طعام وأمامي كوب الشاي البارد!!
والناس حولي ينظرون ولعل أحدهم يقول : إيه ...!!!
هذا لا بد أنه يعد خطة لعملية إرهابية؟؟؟
أو تجدني على مكتبي حولي معاملات ومستندات تحتاج لتدقيق ومراجعة فأترك كل
ذلك.. وانكب على جهازي أسطر لكم المفيد والغث!!!
أو تجدني في ساعة سحر والناس حولي يشخرون وأنا منهمك في إضافة عبارة أو مراجعة
قاموس أو سرقة نص!!
مالذي يكتبه مطوع في هذا الزمان ؟؟
تساؤلات هل هي مشروعة؟؟
هذه للأسف صورة سيئة كادت أن ترسخ في رؤوس الجهال من العوام على كل من سيماه
الخير والاستقامة... قاتل الله الإعلام الفاسد والسياسة الملعونة!!!
دعونا نرجع لروايتنا ..
لقد كان لاحتكاكي بل ومحاولة الاستفادة القصوى من علم الشيخ سبب ذلك شيئا من
المودة والقرب منه!!
العالم إخوتي الكرام يحب المجد ومن يحسن الإصغاء والاستماع إليه ..
لم أكن أسعى لذلك أو أريده فلذلك ضريبة ليست بالهينة .. !! لمن يفهم ما أعنيه!!
ولكن العلاقة زادت وتطورت من مجرد طالب مجتهد إلى طالب مميز ومحبوب نوعا
ما!!
ويعلم الله سبحانه وتعالى أنني كنت ساذجا بحيث أنني لم اشعر بذلك ولم أميز ..
أول موقف أذكر ه في مخيلتي الآن أنني في ذات ليلة وبعد درس المساء ..
كنت برفقة الشيخ كالعادة حتى وصل البيت .. وكان الأخ محمد زين العابدين
مشرف السكن يتعمد أن يلحق الشيخ بسيارته حتى المنزل ليعرض عليه ما لديه
ما استجد من نواقص أو معاملات أو طلب مال للسكن أو نحو ذلك ..
كان من عادة الشيخ أن يرجع الطلاب حينما يصل لبيته أو قريبا منه ..
أما أنا فبقيت أتناقش معه في بعض المسائل العلمية حتى وصل لباب البيت..
فتح الشيخ باب منزله وكان مظلما من الخارج ولا تسمع فيه حركة أو لجة ..
قال الشيخ لمحمد وكان قريبا مني : تعش معي أنت وفلان( يقصدني أنا)..!!
العائلة ليست موجودة وأنا لوحدي في البيت!!
تبادلت أنا ومحمد النظرات استغرابا من هذا العرض المغري!!
قبلت أنا ومحمد تلك الدعوة بكل سرور وبلا تردد!!
قال لنا : انتظرا حتى افتح لكم باب الملحق..
وهو عبارة عن غرفة مستقلة بطرف المنزل في شماله الغربي..
فتح الشيخ باب الملحق فدلفنا للبيت ..
نزع الشيخ عباءته وعلقها على يده ثم قال : سأتسنن وأحضر لكما العشاء !!
ثم خرج من الباب الفاصل بين الملحق والبيت والذي يدخل مباشرة للفناء ..
في ذلك الملحق كعادة البيوت في نجد ، حيث يمزج بين الطراز القديم و ثوب
الحداثة..!!
تحتوي الغرفة في صدرها على مشب للنار خلفه مخزن مكشوف للحطب ..
وعلى يساره بنيت رفوف رصت عليها دلال القهوة العربية وأباريق الشاي..
وتحته توجد مغسلة لغسل الفناجيل وإعداد القهوة والشاي للضيوف..
الغرفة مفروشة بفرش جميل لونه ازرق ..
سألت الأخ محمد .. لقد كنت أظن قبل حضوري لعنيزة أن الشيخ يقيم في بيت طيني؟؟
قال : لقد انتقل الشيخ لهذا المنزل عام 1409 ولم يكن راغبا ترك بيته الطيني!!
ولكن أبناءه أصروا عليه أن يبني بيتا حديثا ففعل..
قلت : وأين يقع ذلك البيت .. ؟؟
قال :سأريك إياه بعد أن ننتهي من العشاء ..
بعد قليل .. فتح الباب الفاصل .. فبرزت صينية كبيرة قد أحاط الشيخ عليها بذراعيه
وتوشك أن تقع .. فقمت فحملتها من يده .. وقلت له : هل ترغب أن أساعدك؟
قال لي : تعال ...!!
لحقته حافيا فدخل من باب كبير فانتظرته ظنا أنه سيقدم هو الطعام فأحمله للملحق ..
فخرج علي الشيخ وقال : لا يوجد أحد تعال ادخل..
دخلت البيت وكان نور الصالة خافتا .. حتى وصلنا المطبخ على يمين الداخل .. انشغلت
بالنظر والفضول ..
فأشار الشيخ لي أن تعال واحمل الطعام!!
حملت الحافظات والصواني الصغيرة فوضعتها على سفرة الطعام..
كانت تلك أول مرة آكل فيها من طعام بيت الشيخ ..
كان الطعام خفيفا وسهل الهضم ولو شئت لذكرته!!
بعدها ساعدت الشيخ في حمل المواعين والسفرة ..
سألت الشيخ ونحن بمفردنا في المطبخ : أين تقع مكتبتكم؟
أمسك بيدي وقادني للجهة الشرقية من المنزل ومررنا بسيب ضيق
ويقع عن يمينه علاقات وضع عليها عباءات الشيخ وعن اليسار درج يقود للقبو.
أخرج الشيخ من جيبه الذي على صدره شبكا علقت عليه مفاتيح كثيرة..
ثم أدخل أحد المفاتيح في الباب المغلق الذي أمامنا ..
فدلف للغرفة وأضاء المصباح ..
أي حظ هذا وأي شرف لي أن أدخل بيت شيخنا بل وأدخل مكتبته ..
لقد مر على قدومي لعنيزة منذ ذلك التاريخ وحتى تلك الليلة حوالي الشهرين وزيادة..
سأصف مكتبة الشيخ من الداخل في الحلقة القادمة إن شاء الله ..
الحلقة العشرون..
مكتبة الشيخ عامرة وأغلبها نسخ قديمة الطبع...
مساحتها حوالي ستة أمتار في أربعة ..
والرفوف ملصقة بجميع جدران الغرفة ...
يجلس الشيخ بجوار نافذة قريبة من الأرض ..
ويستقبل النافذة في الواجهة الجنوبية من الغرفة وأمامه تلفونان ..
أحدهما للفتاوى الشرعية والآخر تلفون البيت الخاص..
وليست هناك مقاعد للجلوس أو طاولة للكتابة.. بل يجلس الشيخ على الأرض فوق
سجادة صلاة .. ويكتب على لوح تعلق عليه الأوراق ..
يراجع الشيخ في مكتبته الكتب أو يجيب على الفتاوى .. أو ينظم المعاملات أ ويقرأ
الرسائل..
بخصوص الرسائل في تلك الليلة التي دخلت فيها للمكتبة ..
شاهدت بوسط الغرفة كومة ضخمة من الرسائل والأوراق المبعثرة ..!!
قال الشيخ وهو يشير لها بأسى: هذه رسائل الأسبوعين الأخيرة ولم أستطع قراءتها ؟؟
تأتي للشيخ رسائل من كل بلاد الدنيا ..
أذكر مرة طلب الشيخ محمد مني ومن الشيخ فهد السليمان جامع فتاويه ..
أن نجرد رسائل الناس ونرتبها ونبوبها ففتحنا الظروف ..
فوجدنا رسائل من البلاد العربية ومن أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا ومن كل بلاد الدنيا ..
ورسائل فيها شيكات تبرعات ورسائل فيها طلب مؤلفات واستفتاءات..
ورسائل من مراكز إسلامية ..
سمعت الشيخ يقول مرة : أكثر الرسائل التي تأتيني هي من الجزائر ..!!
ولذلك لا عجب إذا رأيت كثيرا من الطلبة الجزائريين في حلقة الشيخ..
رأيت رسائل من علماء مشهورين يستشيرون الشيخ في بعض المسائل والنوازل .
ومنهم وبكثرة الشيخ العلامة بكر أبو زيد .. وممن رأيته كثيرا يحرص على الاستفادة
من علم الشيخ سواء بالاستفتاء أو بسماع دروسه على أشرطة الكاسيت سماحة الشيخ
عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الحالي..
وليست مكتبة الشيخ هي ما رأيته تلك الليلة فقط ..
بل إن لديه في القبو مكتبة أخرى تحتوي على المراجع التي تقل مراجعتها ..
و يوجد بها عدد من المخطوطات ..
ومنها مخطوطة تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي العالم المشهور ..
المسمى بتفسير الكريم المنان ...
وهذا التفسير قد كتبه الشيخ بخط لا يكاد يقرأ على دفتر الأستاذ
والذي يسمى دفتر حسابات (مسك الدفاتر)!!
يجلس الشيخ في اغلب أوقاته بالمكتبة وغالبا لا يقيل إلا فيها ..
وله في زاويتاها الشمالية فراش صغير وبطانية قديمة يتوسدها ويقيل هناك حتى أذان
العصر..
في تلك الليلة عدت أنا والأخ محمد وفي الطريق مررنا بمنزل الشيخ القديم..
وسأتكلم إن شاء الله عن هذا المنزل لاحقا حينما أحكي عن زيارة الأمير
ممدوح بن عبد العزيز لعنيزة..
أرجو أن لا يكون الملل قد دخلكم بتفاصيل قد لا يريدها البعض..
ولكن أرجو أن يأتي زمان يأتي فيه من يحتاج لمثل هذه المعلومات..
نرجع لجاري في درس الشيخ ..
كان ذلك الطالب المجد يظهر لي الاحترام والتقدير ..
كنت أرى ذلك (عن حسن نية ) نبلا منه وطيبة ..
فكسبني ذلك الشخص وصرت أخرج معه أحيانا بعد الدرس لبيته أو
للمكتبة ونحو ذلك ..
أذكر مرة أن الشيخ قال لي : انتبه يافلان من الناس لا تحدثهم بأمورك الخاصة ..
ترى الطلبة يحسدون بعض !! ونقل لي أثرا عن ابن عباس أنه قال : يتحاسد طلبة
العلم في آخر الزمان كما تتحاسد التيوس في زروبها!!.. ونحو ذلك الكلام..
والظاهر أن صاحبنا بسبب قربه من الشيخ ..
شعر أنني سأضايقه في قربي وكثرة لقاءاتي مع الشيخ ..
حينها لم أكن أعرف الحسد ولم أمارسه والله في حياتي ..
كنت أتحدث مع ذلك الشاب في بعض أموري الخاصة وفي اليوم التالي يستفسر مني
الشيخ..
حول ما قيل عن كذا وكذا !!
كأنه يلمح لما قلته لذلك الشاب..؟؟؟
غير أنني حينما أقارن ما أشاهده منه من سماحة نفس معي وحسن معشر..
أستبعد أن يكون هو من نقل هذا الكلام للشيخ ويا لغبائي!!
كتبت مرة رسالة للشيخ قلت له فيها بما معناه..
أنني أرغب في أن أستفيد من علمكم في حلكم في عنيزة وفي سفركم خارجها!!
حيث يشرفني أن أكون خادما لكم كما كان أنس وابن مسعود يخدمان رسول الله
صلى الله عليه وسلم ..
حينما قرأ الرسالة الشيخ فرح بها وسر خاصة انه رأى مني الحرص على ذلك..
حدثت ذلك الشاب بهذه الرسالة ..
فما كان منه إلا أن حذرني من ذلك وقال : لا أنصحك وهذا سوف يغير عليك
قلوب الطلبة الآخرين وسوف يقولون : هذا الولد له عند الشيخ ثلاثة شهور ..
والآن يريد أن يكون رفيقه في سفره..؟؟ لا ، انتبه وأنا أخوك لا تفعل ...
أخذ صاحبنا يهول لي الأمور حتى عزمت على ترك ذلك العمل المتهور!!!
وجاء يوم سمعت الشيخ يذكر أنه سيسافر للرياض ..
فوقع في نفسي أن أطلب منه أن أرافقه ولكن ما حذرني منه صاحبي جعلني أتردد !!
الحلقة الواحدة والعشرون
كنت يوما أسير مع الشيخ بعد صلاة العصر ..
فجاءه رجل ذو هيئة ومعه مرافق له ..
عرف نفسه للشيخ بأنه الأمير فلان ....
دعاه الشيخ للتفضل في بيته للقهوة والتعارف .. فرحب بذلك الرجل والظاهر أن هذا هو
غايته من الزيارة ...
قال لي الشيخ: تفضل معنا ...
فدخلت مع الضيف من باب الملحق ..
بعد دقائق أحضر الشيخ القهوة والتمر وإبريق الشاي معه...
فحملتها من يديه فكنت خادم القوم في تلك الجلسة ..
ويعلم الله قدر شعوري بالفخر والشرف أن أخدم شيخنا وضيوفه..
بعد انتهاء الجلسة وانصراف الضيوف ..
عرضت على الشيخ أن أرافقه لسفرته في الرياض ..
فقال : وما غرضك من ذلك ؟؟
فكررت له ما قلت له في الرسالة ....
فقال : أهلا بك وسهلا ولكن سفري ذلك جزء منه زيارة عائلية وسوف أرى..
ثم فاتحني الشيخ بموضوع آخر ...
هو موضوع الدراسة النظامية .. قال لي:
لما لا تكمل دراستك؟
فقلت له لا مانع عندي ولكن كيف؟؟
ملفي الدراسي ليس لدي !!
كنت أتهرب من الموضوع حتى لا تكتشف هويتي الحقيقية!!
قال الشيخ: دع الأمر لي وسوف أسجلك في المعهد العلمي...
قبلت وأظهرت الفرح والاغتباط وأنا في داخلي أغلي كالمرجل من الخوف!!
قلت له ياشيخنا ...
هل أنا في حلم ؟؟ أم في علم ؟؟
أن أكون الآن معك في بيتك مع الشيخ ابن عثيمين؟؟
ابتسم ودعا لي وقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ...
التقيت بصاحبي .. وجاري .. بعد ذلك فحدثته بما كان ...
وكان السفر بعد يومين ...
كان ذلك بمثابة حراب أغرسها في قلبه دون أن أشعر أو أقصد ذلك والله..
دهشت وربي من حرصه على تثبيطي وتذكيري بالعواقب ..
ولكن حتى تلك الساعة لم ينكشف لي ما يدبره ...
شجعني بندر على الذهاب ...وقال لا تتردد ..
ذات يوم بعد صلاة العصر ألتفت إلي شاب أعرفه جيدا وهو من أصحاب جاري ذاك!!
وسألني أسئلة مباشرة فيها وقاحة وصلف ...
قال : ايش اسمك؟؟
قلت فلان ..
قال : قلي اسمك كاملا .. ؟؟
قلت : فلان بن فلان .. ذكرت اسم الأب فقط..!!
قال: وما لقب العائلة؟؟
عرفت خلالها أنه مرسل لتخويفي من شيء ما!!
ولم أحب هذا الشخص مطلقا ، فهو رجل سيء الخلق حقود ..
بعد يومين استعديت للسفر وحزمت حقيبتي ..
وطلبت من جاري ذاك أن يوصلني هو إلى بيت الشيخ ...؟؟؟
بل واقترضت منه مبلغا من المال لمصاريفي!!
كنت كمن يطلب الماء من بياع الزيت!!
ولقد جاء فعلا في اليوم التالي ،لا ليوصلني بل ليعطيني رسالة واضحة مفادها ..
لقد حذرتك وأنذرتك ولكنك لا تسمع كلامي وسوف تندم..!!
لقد كانت نظراته والتي أتخيلها الآن أمام عيني تقذف بالشرر المستطير !!
ثم انطلق بسيارته مغضبا بعد أن رد باب سيارته في وجهي !!
لم اقدر الموقف حق قدره ..ولم أكن أحسب الأمور بمثل حساباته ولم تكن لي معرفة بطبائع البشر الحيوانية نعوذ بالله من ذلك..
أطلقت جرس باب منزل الشيخ فخرج أحد أبناء الشيخ ..
وهو يحمل حقيبتين ووضعها في مؤخرة السيارة..
وكانت تظهر على وجهه علامات الغضب وعدم الترحيب بي !!
ولم يسلم علي أو يخبرني أين الشيخ أو ماذا سنفعل !!
أي حال أنا فيه !!
انتظرت في الخارج حوالي النصف ساعة حتى خرج الشيخ فقال :
أين كنت ؟؟
أنا أنتظرك؟؟؟
لم أخبره بما حصل .. بل سكت وصافحت أبناءه الآخرين ..
يقولون العيون شواهد تكشف ما في القلوب ..
منذ أول مرة رأيت فيه أبناء الشيخ عرفت أنني لديهم غير مرضي عني بل أنا مغضوب علي..
وإنني أقسم وأجزم أن ذلك كله من فعل صاحبي الذي ظننته صديقا لي!!
فهو أحد أقربائهم والرجل منذ سنوات عديدة قريب منهم ومن الشيخ .. وقد كسب ثقتهم فلا شك أنه ذو مصداقية في خبره عني !!
ولقد حاولت مرارا وتكرارا أن اثبت لهم أنني شخص مختلف عما صوره الرجل عني ولكن بدون فائدة .. فالناس للأسف حكمهم في الغالب يترسخ ويتجذر منذ الصدمة الأولى!!
خاصة أن الوقائع التي حصلت قد زادت الأمر تعقيدا .. والحمد لله..
ولكن الله سبحانه وتعالى عوضني كثيرا بشيخنا وليغضب كل الناس عني!!
إذا كان حبك لي صادق فكل الذي فوق التراب تراب..
توجهنا للمطار برفقة سائق الشيخ..
وهي سيارة كابر يس موديل تسعة وسبعين!!
لونها بني مخطط بلون البيج !!
يقول السائق لي : أنا أسوق الشيخ منذ خمسة عشر عاما بهذه السيارة..
ولقد باءت كل محاولاتي ومحاولات إدارة جامعة الإمام لتغيير السيارة ..
حيث أن الشيخ يراها سيارة ممتازة ولا يهم شكلها أو موديلها المهم أن توصله
الحلقة الثانية والعشرون
على ذكر سيارة الشيخ ...
التابعة لجامعة الإمام ... أذكر مرة أنني رافقت الشيخ من الجامعة وحتى بيته..
وحين وصلنا للمنزل أمرني الشيخ بالنزول من السيارة ..!!
فقلت له : خل فلان يوصلني للسكن لو سمحت بذلك ؟؟
فقال : لا؟؟
أنزل هنا وامش على قدميك!!
خرجت من السيارة فلما رأى أثر كلامه علي قال لي:
هذه السيارة يابني أعطيت لي لاستعمالها في عملي وشغلي...
ولا يجوز لي شرعا أن أسمح لأحد آخر باستعمالها سوى بإذن من الجامعة!!!
ولا حتى لأبنائي وأهلي !!
أذكر من ورع الشيخ الشيء الكثير ولقد ذكر لي احد كبار طلبة سماحة الشيخ العلامة
عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه حينما ذكر له بعض مواقف الشيخ ابن عثيمين
في الورع تعجب من ذلك وقال : من يقدر على هذا؟؟؟
وهو من هو في ورعه وزهده رحمهما الله وعفا عنهما فهما والله نادران في زمانهما
نحسبهم كذلك والله عز وجل حسيبنا وحسيبهم..
وصلنا ذلك اليوم لمطار القصيم الإقليمي ..
حملت الحقائب ودخلنا سويا لصالة المسافرين ..
لمح الشباب العامل في المطار من موظفين وعسكر الشيخ فجاء بعضهم للسلام على الشيخ
وهم مبتهجون بذلك !!
أما أنا فقد كنت في شبه السكرة من الفرح ..
يا الله أين كنت وأين أنا الآن ...؟؟
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ..
لم يكن هناك أي تأخير فقد وصلنا وقت نداء ركوب المسافرين للطائرة ..
بعد تجاوزنا لمعاملات السفر جاء مدير المطار للسلام على الشيخ ..
وأدخله في مكتب الضابط المناوب ..
وقدموا لنا الشاي ..
وحينما استكمل ركوب المسافرين توجهنا للطائرة أنا وشيخنا..
كان مقعد الشيخ على الدرجة الأولى وذلك على حساب جامعة الإمام التي
ستستضيف الشيخ لمحاضرة للمبتعثين من طلابها خارج المملكة

worood123
worood123
الحلقة الخامسة والعشرون
حضرت الدرس تلك الليلة وجلست في مكاني المعتاد ..
صافحت جاري العزيز !!
فبادلني السلام والكلام غير أن القلوب شواهد!!
في اليوم التالي توجهت صباحا لبيت الشيخ لكي آخذ حقيبتي ..
وكنت واعدت جاري المذكور بناء على طلبه هو !!
أن يوصلني لمنزل الشيخ..
حيث قال لي : أريدك في موضوع...!!
في اليوم التالي ضحى وفي الطريق لمنزل الشيخ بدأ يسألني أسئلة كثيرة تدور عن أصلي
وفصلي وأين كنت أعيش ..؟؟
وأين يقيم والداي ...؟؟
ونحو هذه الأسئلة الكثيرة التي ارتبت فيها!!
وارتبت في توقيتها بالذات ؟؟
أوقف سيارته أمام المنزل وتركها مدارة وبقي يسألني بوقاحة وبقصد الإيقاع بي في
مصيدة..!!
حتى ضجرت وارتفعت أصواتنا بالجدال والنقاش المرير ...
جدال بين اثنين ..
أحدهما رجل عاقل رشيد عمره فوق الثلاثين قد حصل من العلم والخير والاستقرار
والحظ مالله به عليم..
والآخر ضائع مشتت في مقتبل العمر قليل الخبرة والعلم لا أهل له ولا بيت ولا مال سوى الله سبحانه
وتعالى ورحمته وفضله ..
قلت له : يافلان ... ؟
مالذي تريده من وراء ذلك ؟ عندها كشف أوراقه
وقال : أنت كذبت في كل ما قلته !!
ولقد عرفت حقيقتك كلها!!
أنت رجل خطير ..
أنت اسم قبيلتك الحقيقية كذا ووالدك هو كذا وكذا ..
ثم أخذ يسرد حقائق ووقائع تدل على أنه قد تقصى عني حتى عرف عني كل شيء!!
ثم ختم كلامه بقوله: أنا اتصلت بوالدك بالأمس وتحدثت معه وأخبرني بأنك فار من المنزل وأنك قد أوقعته بحرج شديد بفعلك وتركك لدراستك ... الخ الكلام ..
ثم حينها : انقلبت تعابير وجهه فاسود وتساقط الشرر من عينيه .. وقال:
أقسم بالله إن لم تغادر عنيزة وتترك الشيخ سأفعل بك وأفعل ...!!
وهددني بكلام لا ينطق به عاقل فكيف بطالب علم !!
لم يكن يهمني كلامه بقدر أن أهمني أن يعلم شيخنا بذلك ...
فرق كبير أن أخبر الشيخ أنا بالحقيقة من قبل أو أن يخبره ذلك الرجل بما يريده..!!
هناك فرق شاسع لمن يعلم طبائع الناس بينهما...
ولا شك أن الحقيقة الناصعة هي سلبية مهما كان الناقل .. أنا أم هو
غير أن الأمر يختلف كثيرا حينما يفسر ولو لم يكن له تبرير منطقي!!
ثم طردني من سيارته وذهب ..
بقيت أمام باب الشيخ منتظرا لأكثر من نصف ساعة وأنا متردد ماذا سأفعل؟؟
إن رجعت للسكن وسكت فالعواقب غير معلومة..
وإن تحدثت مع الشيخ الآن فلا ادري هل سيقبل مني أم لا ؟؟
احترت حيرة لا يعلم مداها إلا الله تعالى...
لقد مرت علي في الشهور الماضية التي قضيتها في عنيزة مرت علي أيام جميلة..
ولحظات لا تنسى من الجد والاجتهاد .. هل يذهب كل ذلك سدى؟؟
هل سيضيع كل ذلك بجرة قلم أو كيد حاسد؟؟
أنا مخطئ لا شك فيما فعلته .. ولكن هل قصدت ارتكاب ذلك الخطأ؟؟
لم أكن مجرما والله أو مرتكبا لعظيمة والحمد لله ..
هي أخطاء ولو كانت في نظر البض جسيمة بنيت على السفه وعدم تقدير الأمور حق قدرها..
بنيت على عدم الناصح والمرشد الصدوق قبل ذلك ..
بنيت على الحرمان والضياع والخوف ...
هل سأحرم من ذلك العلم الجليل بسبب ذلك الخطأ ؟؟
هل سينتهي كل شيء الآن ...؟؟؟
الحلقة السادسة والعشرون
أخيرا قررت أن أطرق الباب على بيت الشيخ ..
وليست غايتي هي حقيبتي أو أي شيء آخر !!
كنت أريد التأكد فقط هل علم الشيخ بكلام صاحبنا ؟؟
طرقت الباب .. فرد ت علي امرأة من سماعة الباب ...
فسألت عن الشيخ ... فقالت من يريده ؟؟
فقلت : فلان.....
فلم تجبني وأغلقت الخط في وجهي ...!!
وبعد دقيقة أو دقيقتين .. خرج الشيخ وبيده الحقيبة ..
ركزت النظر في عينيه ووجهه..
كنت أتوسم في تعابير وجهه ،فرأيت منه ابتسامته المعتادة !!
غير أنها هذه المرة متكلفة ومصطنعة !!!
بل ومعها احمرار شديد في بشرة الوجه !!!
سلمني الحقيبة ببرود متوقع وقال : انتظر الابن عبد الله و سوف يوصلك الآن للسكن..
ثم دخل وقد بدا لي أنه يستعجل الذهاب !!
يبدو أن عبد الله قد وصل برا لعنيزة في الليلة الماضية ..
ولا شك أن هناك أمرا جللا عجله أو شيئا آخر!!!
خرج عبد الله ووضعت الحقبة خلف السيارة ثم جلسنا في المرتبة الأمامية..
الأخ عبد الله رجل جريء وصادق ولا يعرف اللف والدوران ولذلك دخل في الموضوع
مباشرة!!
وقال: من أنت ؟
ومن بعثك؟
أنت رجل ثبت لنا أنك مخادع وكذاب ..
وكذبت على الوالد في أمور كثيرة .....
وانطلق يتكلم بكلام كثير لا أستجمعه ... بقيت صامتا طوال المسافة القصيرة للسكن ..
والتي مرت علي كأنها دهر !!
لم أناقشه ، ولم أحاول الرد على كلامه .. فواضح جدا أنه قد ملئ قلبه علي والله شاهد
لم أصدق وصولنا للسكن .. بقيت متسمرا مكاني وخفت أن يختم بكلامه بلطمة على
وجهي .. وليته فعل ولم يتكلم بكلامه الذي تفوه به...!!
ثم قال لي : انزل وخذ حقيبتك ...
نزلت ثم لحقني وقال : والله ما أضمنك تحط لي شيء في السيارة؟؟
ثم حملت متاعي وصعدت لغرفة السكن والحمد لله أنني لم أجد فيها أحدا!!
سقطت على فراشي وبقيت أبكي بكاء الثكلى ..
كان موقفا هائلا وكلاما شديدا يصعب على من هو في سني تحمله ..
لقد وصفت بأقذع الأوصاف، ورميت بتهم عظيمة لا استحقها والله ؟؟
لكن هل ألومهم ؟؟
أنا لا ألوم عبد الله ابن الشيخ ولا عبد الرحمن أخ الشيخ ولا عائلة الشيخ
لا ألومهم ولا أحمل الضغينة عليهم والله الآن ..
لقد مرت على تلك القصة سنون عديدة ..
فهي الآن فقط ذكريات بقيت في الخيال ..
هم بشر وقد نقل لهم عني ما يسئ ..
وثبت لهم بعض ما نقل عني فكانت تهمة متلبسة بجميع تفاصيلها!!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ربما يكن أحدكم ألحن بحجته فأحكم له فيقتطع قطعة من النار .. إنما أنا بشر !!!) إذا كان هذا من رسول الله فما بالك بمن سواه..
اللوم كثير منه يقع على ذلك الناقل اللذي امتلاء قلبه حقدا وغلا علي لا لشيء سوى ظنه الغبي أنني جئت لأجل منافسته على المكانة التي حصل عليها من شيخنا..
هل كل من كان أكثر علما هو خير الناس ؟؟
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ما فائدة العلم الذي تعلمناه إذا كان سيوصلنا لهذه الحال...؟؟؟
اللوم أيضا يقع علي أنا في عدم إخبار الشيخ بالوقائع فور قدومي لعنيزة ..
ولا اشك ثانية واحدة أن شيخنا لن يتردد في حلها بصرف النظر عن علاقتي به..
فهو رجل علم وإصلاح ورأيت من المواقف ما هو أصعب من مواقفي سعى شيخنا بحلها والإصلاح فيها ...
كدت أجن من الحزن والهم والضيق لم أكن أعلم مالذي سأفعله ...
أذن الظهر فلم أطق الاستعداد للصلاة ...
انتظرت قدوم الشيخ للمسجد.. حيث يمكنني مشاهدته حينما يقدم ماشيا ..من نافذة غرفتي ... وحينما رأيته قادما زادت حسرتي وألمي عليه وعلى تلك الساعات التي قضيتها معه ولو أنها قليلة ولكنها باهظة الثمن!!
قلت في نفسي: ما ذنب شيخنا من هذا كله ؟؟
أنا الملوم وأنا من يستحق اللوم ؟؟
أنا الذي أسأت إليه ويجب علي بصرف النظر عن كبر الخطأ وصغره يجب علي أن اعتذر منه.. وأشرح له ما حصل ..
استجمعت قواي ونزلت للمسجد وصليت مع الجماعة ..
وبعد الصلاة رافقت الشيخ لبيته ...
لم يكن يلتفت إلي مع أنني كنت أسير بجواره فعلمت أن الشيخ غاضب مني ..
والله المستعان وعليه التكلان .......
الحلقة السابعة والعشرون
حينما رأيت الشيخ معرضا عني سبب لي ذلك صدمة عنيفة..
صحيح أنني نعمت بظل أبوته لفترة وجيزة من الزمن ..
غير أنها لا يمكن أن تعوض!!
خنقتني العبرة وكدت أبكي بمشهد الناس ..
لاحظ الشيخ ذلك بالتفاتة سريعة منه نحوي ...
فأشار للجميع بالرجوع وبقيت أنا وهو نمشي دون أن نتكلم بكلمة..
واضح أن الأمر محرج للشيخ وأنه شعر في نفسه بخيبة الأمل ..
فقد كان يطمح مني شيئا غير ما فعلت فيه ..
لقد كان اهتمامه بي نابعا من سماحة نفس ورغبة في تنشئتي تنشئة صالحة
وهو فضل منه بعد فضل الله ولو شئت لحدثتكم بكلمات وعبارات من شيخنا
فيها من الرحمة والعذوبة واللطافة أملاء بها صفحات وصفحات ..
غير أن القصد من هذه القصة هو تسليط الضوء على جزء من حياة شيخنا
قصة هو بطلها وهو مخرجها وهو كاتب حروفها غير أني راصد وأحكي لكم ما صار .
والله على ما أقول شهيد...
وصل لبيته ، فقلت له ياشيخنا : اسمح لي بالحديث معك في داخل البيت ..
فقال : لا بأس ...
دخل للمنزل ورد الباب ثم فتح باب الملحق الخارجي ..
وأنا انتظر الشيخ ليفتح باب الملحق مر صاحبنا الذي نفخ بوق هذه الفتنة بجوار المنزل..
فلما لمحني وحيدا وأهم بالدخول للمنزل غاب بسيارته خلف البيوت المجاورة..
أصبحت كالطريدة بالنسبة إليه وخيل إلي أنه كحيوان مفترس يريد النيل مني !!
دخلت للبيت وتوجه الشيخ للقبلة لصلاة السنة الراتبة للظهر...
جلست بجوار مكان جلوسه المعتاد في صدر المجلس ..
صلى ثم سلم ثم دنا من مكانه فقال : هات ما عندك!!
بدأت بحمد الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام ..
قلت يا شيخنا: لقد كنت شابا حبب الله لي العلم وطلبه..
.. فمنذ التزامي واستقامتي
وأنا منصرف له بكل ما أوتيت من طاقة وجهد ..
ثم رويت للشيخ تفاصيل أموري مما سردت بعضه عليكم في الحلقات الماضية ..
وحدثته عن مشكلتي مع الوالد .. وكذلك عن سفري للرياض..
ثم تعرفي على سعود المعاشي ..
وقصة الانتساب لقبيلة شمر ... حتى وصلت للقصيم ..
كنت أتحدث معه والعبرة تخنقني ..
وأحاول جاهدا أن لا أفقد أعصابي ..
لم يكن الشيخ يقاطعني بل كان يستمع لي بكل إنصات ..
مع أن ملامح وجهه لم يظهر منها علامات القبول لكل ما كنت أقوله ..
وله الحق في ذلك فالتهمة قد ضخمت حتى وصلت لحد أطلعكم عليه لاحقا..
حيث لم أعرف كل شيء آنذاك...
شيخنا رجل أريب ولماح وشديد الذكاء ..
فهو يميز الغث من السمين ويزن الأمور بموازين دقيقة ..
هذه الموازين والمقاييس أو المعايير ليست مبنية على الهوى والظن والتشكك والبناء على
ذلك.. بل هي مبنية على سبر الأغوار ودراسة المسألة من جميع وجوهها مع خشية الله
تعالى وتأله ومراقبة وابتغاء مرضاته لا تأخذه في الحق لومة لائم .. وهكذا العلماء هم
قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)...
بقيت أتكلم أكثر من ساعة كاملة ..
فلما ختمت حديثي قال لي: ما فعلته خطأ وتصرف أهوج ..
ولو أنك أطلعتني من أول الأمر على ما حصل .. لأمكننا التصرف .. ولكن
قدر الله وما شاء فعل...
أذهب الآن للسكن ، وسوف أرى ماذا يمكننا عمله..
قبلت رأس الشيخ وخرجت وأنا خائر القوى لا أكاد أستطيع السير..
الحلقة الثامنة والعشرون
رجعت للسكن وانتقلت لغرفة الأخ محمد زين العابدين بأمر من الشيخ!!
هل هو تحفظ علي ؟؟ لكي يراقبني؟؟ أم كان ذلك بسبب آخر أجهله ؟؟
كان الأخ محمد هو غالبا الوسيط بيني وبين الشيخ وقد لمحت مرارا
الأخ محمد يلتقي بصاحب الفتنة!!
لا أقصد من ذلك أبدا أن أتهم الأخ محمد ، فراية محمد والله عندي بيضاء ولكنه رجل
حصيف يسعى للإصلاح والتقارب بكل الوجوه الممكنة .
لقد كانت ردة فعله طوال المشكلة أنه لم يظهر الانفعال والغضب بل كظم غيضه
وانتظر ما تصير عليه الأمور بيني وبين الشيخ...
تغيرت الوجوه علي وتنكرت النفوس وضاقت علي الأرض بما رحبت ..
أصبح السكن بالنسبة لي ككابوس مخيف ونفق مظلم لا نهاية له
لم يؤذني أحد بكلام أو فعل الحمد لله ،
ولكن كانت مجرد النظرات والصمت الرهيب حولي
يولدان الكآبة والحزن والأسى في نفسي ..
لم يكن الطعام في السكن مع الطلبة لي مستساغا بل أصبح غصة في الحلق ..
ولذلك لم أحرص على مخالطة الطلبة ولا أن أتحدث معهم ..
كنت أطلب من علاء الدين أن يعطيني الطعام فأذهب به لغرفتي
أو أن أنتظر خروج الطلبة فآتي فآكل من الطعام البارد وحدي..
كنت أجلس في الغرفة اقرأ القرءان ..
حينما يمر المرء بأوقات عصيبة فإنه يحتاج لمن يؤنسه ..
لقد كان أنيسي في تلك الليالي القرءان وأنعم به من أنيس..
لقد كنت أقرأ السور بتأن وتدبر وأشغل فكري بمعانيها العظيمة مما أفهمه وأدركه ..
فيكون في ذلك من الأنس والتطمين والترويح ما جعلني أغتبط بما أنا فيه!!
من السور العظيمة التي قرأتها مرارا وتكرارا سورة يوسف ..
حيث كنت كلما وصلت لمقطع انكشاف شخصية يوسف لإخوته وقد صار سيد مصر
تصيبني نوبة بكاء ثم يتبعه أمل واستبشار قريب بفرج الله تعالى..
من السور التي تأثرت بها كثيرا في تلك الأيام سورة فاطر!!
إن في هذه السورة من المعاني والعبر والتوجيهات والإشارات العظيمة
مالو تأمله المرء لخرج بآلاف مؤلفة من العبر والفوائد..
من السور التي تأثرت أيضا بها سورة القصص وقصة موسى عليه السلام وإلقاء
أمه له في التابوت وخوفها عليه ثم عيشه وترعرعه في بيت عدوه
وما وجده في حياته من العنت والمطاردة والخوف حتى بعثه الله سبحانه وتعالى
لفرعون وقومه وبني إسرائيل ...
القرءان يا إخوتي الكرام يا أخواتي هو خير صديق ومؤنس في الشدائد
وصدق الله تعالى حينما قال ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
في ذاكرتي عن تلك الأيام تشويش رهيب فكلما طرقت باب الذاكرة
لكي تفتح لي نافذة أو كوة أو خرقا صغيرا نحوه ترفض ذلك رفضا قاطعا ..!!
كأنها تقول لي : مالك ومال تلك الأيام ...!!
ألم يكف ما تجرعته فيها من آلام هائلة!!
دع تلك المآسي في جوفي ، ولا تفتح الباب فتفسد على نفسك ما بقي من عمرك!!
فيكفيك ما أنت فيه الآن من متاعب أنت في غنى عن المزيد منها ..!!
وخوفي أن يأتيك ما كنت تظنه عبرة وعظة للآخرين فيكون في مجرد ذكره
تعجيل حتفك !!!
فهل تريد الآن أن تنبش الأوجاع وتعيد الذكريات الحزينة!!
قلت لها : دعينا يا ذاكرتي الحزينة دعينا نروي للناس ما حصل حتى يعتبروا من حالي ..
وليعلموا كيف أن رحمة الله سبقت سخطه وعقابه ..
حينما هبت جنود أبليس وأعوانه لنجدة أشرار الناس في النيل من علم الأمة
دعيني أحكي لهم كيف طردني الناس ورموني بالأحجار حتى فررت منهم على قارب
صغير غرقت به في منتصف البحر .. فبقيت أسبح وأسبح حتى وصلت للشاطئ المقابل!!
ولم أكد أصل !!
ثم زحفت على بطني على الرمال حتى ارتفعت على تلة في الشاطئ.. تشرف
على غابة أمامي ...
فتجولت بناظري حولي فرأيت من خلف الأشجار المظلمة ..
عيونا لا تختلف نظراتها عن تلك النظرات التي فررت منها ..
والتي تطورت حالها من مجرد العتاب أو الحقد ليتبعها الإيذاء والمطاردة!!
حينها سقطت مغشيا علي ...
دعيني أروي لهم كيف أن شيخنا لمحني من بعيد ملقيا على شاطئ الأحزان..
فجاء ذلك الشيخ الجليل يسير من داخل تلك الغابة ووقف على رأسي ...
فرآني لا يكاد يسترني ثوب من العري..
قد تشققت أشداقي من العطش ..
وقد ضمر بطني من الجوع
وقد تتابعت أنفاسي الضعيفة من الجهد فكدت اتلف وأموت ...
حينها انحنى الشيخ نحوي ..
ووضع يده الباردة على وجهي ومسح بها دمعتي وقال:
لا تحزن يابني إن الله جاعل لك فرجا قريبا !!
الحلقة التاسعة والعشرون
لقد ولد الصمت الرهيب حولي بعد تلك الجعجعة التي مرت في الرياض ولد ذلك
في نفسي فراغا وخواء ورغبة في الموت أو الانتحار!!
ليس هو الانتحار بمعنى إزهاق الروح بل بالعودة من حيث أتيت !!
لم أترك فكرة تدور في خلد أي إنسان إلا وفكرت فيها ..
بقيت معلقا بين السماء والأرض أيهما يجذبني ..
حين ذلك وأنا في معمعة الفكر استدعيت من الشيخ ..من طرف الأخ محمد زين العابدين
قال لي شيخنا: استمر في حضور الدرس مثلك مثل الآخرين ولا تقصر في الطلب ..
وسوف أتحدث مع والدك في الموضوع أو أنه قال : لقد تحدثت مع والدك في الموضوع ؟؟
نسيت والله ..!!
والنتيجة : إن خطأك وجسارتك على والدك وهروبك من المنزل وتركك لدراستك وتغيير
نسبك كل ذلك لا يجوز أن يمنعك من طلب العلم..
كان الشيخ كمثل الطبيب يشخص المرض ويضع يده على موضع الألم ثم يقرر الدواء ..
هل سيكون بالبتر أو بالترياق أم بالحمية؟؟؟
قلت له: جزاك الله خيرا إن كلامك هذا يعطيني بصيص أمل ..
لم أطل معه الحديث ...
عدت بعدها للسكن ..
أتعرفون مالذي فعله صاحبنا ذاك؟؟
لقد صار يصحب شيخنا مشيا على قدميه بعد كل صلاة لظنه أنني لن أجرؤ على
السير مع الشيخ بحضوره!!
ظن ذلك المسكين أنني بمجرد ذهابي مع الشيخ بعد الدرس فقد كسبت وده ..!!
إذا فما حال عشرات الطلاب الآخرين ؟؟
هذا من فضل الله تعالى علي والحمد لله ..
في البداية هبته وخشيت شره وبطشه خاصة بعد الذي فعله في من إساءة وتشويه سمعه..
ولكنني عدت لسابق عهدي فحينها مل وتراجع !!
ولكنه لم يعدم حيلة لمنعي من الخير ..
كلف شخصا اعرفه جيدا بمراقبتي فكان ذلك المعتوه يسير خلفنا بسيارته السوداء
وينتظرني بعد
كل صلاة فيسير بالسيارة حتى يصل الشيخ لبيته حينها أسلم على الشيخ وارجع!!
شعر الشيخ بعد أيام بما يفعله الرجل فاستدعاه وسأله مالذي يفعله ومن كلفه بذلك ؟؟
فتعذر بأعذار يعيب علي ذكرها هنا !!
حينما عزمت على حضور الدروس بعد الحديث مع شيخنا ..
وجدت أن مكاني قد سيطر عليه شخص آخر جاء من طرف جاري القديم!!
ولكنني لم استسلم لهذا التعامل الرخيص البليد...
صرت احضر مبكرا وأنازع على المكان الذي حافظت عليه شهورا حتى دان الجميع لي
بذلك..
كنت اجلس بجوار ذلك الحقود ولكن بيني وبين قلبه كما بين المشرق والمغرب!!
والحمد لله يشهد علي جميع من عرفني أنني لم أتفوه نحوه ولا في ظهره بعبارة واحدة
تسيء له.. بل كنت أقر بفضله وعلمه وسبقه مع بغضي لفعله معي والله حسيبي وحسيبه
بعد عدة أيام استدعيت من الشيخ مرة أخرى وهذه المرة مع محمد زين العابدين..
أذكر تلك اللحظة جيدا كانت بعد صلاة عشاء ..
سرنا ثلاثتنا إلى بيت الشيخ دون مرافق آخر ..
كان الشيخ يتكلم ونحن منصتون، يقول لي:..
فلان قد حمل عليك ويريد منك أن تترك عنيزة وهذا لا حق له فيه ولا أوافقه عليه ..
ولكن أنت يجب عليك أن تحاول كسبه والتودد إليه ..!
أو ابتعد عنه ولينصرف كل واحد منكما لطلب العلم ...
ثم عاتبني الشيخ في تحدثي مع الرجل ذاته سابقا في أمور تخص الشيخ وكيف أن الناس سيستغلون ذلك ضدي!!
وأنه زعم أنني جاسوس مدسوس ضد الشيخ !!
وكلفت بالتقرب منه لكي أكسب ثقته ومن ثم أطلع على أسراره وخصوصياته ..
فابعثها لمن اتبعه!!
فقلت له ياشيخ : هل تصدق هذا الكلام ؟؟
صمت الشيخ ولم يرد أن يسمع الأخ محمد جوابه !!
خوفا من أن يصل الكلام لصاحبنا فيفهم أن الشيخ في صفي وخيرا فعل !!
وعدت شيخنا خيرا وأن استمر في العلم وفي دراستي النظامية إرضاء لوالدي ..
فقال : سوف أتصل على والدك حتى يأتي هنا لكي أتفاهم معه!!
فقلت له : افعل ياشيخنا ما تراه الأصلح وأنا أرضى به ..
ثم طلب الشيخ مني التأخر قليلا ليتكلم مع محمد على انفراد ..
فتكلما قليلا وهما يسران .. ثم دعاني الشيخ..
فكرر علي كلامه السابق كأنه يتوثق مني ثم قال ..
سوف أسافر بعد أسبوعين لمكة لأداء العمرة وسوف اطلب من والدك الحضور لمقابلتي
هناك!!
ولم يذكر لي هل سأرافقه أم لا؟؟
الحلقة الثلاثون
لقد كانت تلك القضية على طوال عدة أيام وقد تتجاوز الأسبوع مثار قلق لشيخنا فأشغلت باله وتفكيره ..
خاصة وان صاحبنا لم يترك طريقة أو وسيلة للنيل مني إلا وفعلها..
ولولا خوفي من غضب بعض الإخوة ممن يعرف الرجل لحدثتكم بأشياء فعلها وقالها لا تكاد تصدق ..!!
لقد سعى صاحبنا في البداية للنيل من شخصي ووجد مبتغاه في بعض الأمور..
ولكنه حينما رأى الوضع توجه للهدوء،أراد إثارة زوبعة أخرى ولكن هذه المرة من داخل بيت الشيخ !!
لا أريد سرد تفاصيل ما حدث مما قد يفهم منه النيل من أبناء الشيخ وزوجه وولده وأقاربه..
فهم والله كرام أبناء كرام ولهم في قلبي كل المعزة والاحترام ويزيد حقهم علي بصلتهم بشيخنا رحمه الله
ومهما بدر منهم فلا ألومهم واللوم كله أو جله يقع على ذلك الرجل وعلي أنا في جزء منه كما سبق بيانه..
لقد سعى صاحبنا ذلك فأفسد قلوبهم علي فرأيت منهم من الجفاء والكره والتأفف
ما حطم فؤادي وشق صدري من الأسى ..
غير أنه لم يكتف بذلك بل إنه أفسد قلب بعض أقارب الشيخ على الشيخ نفسه ..
ولو شئت لذكرت ذلك بالأسماء والمواقع وما قاله، ولكن حفظا لسر شيخنا وعدم الفائدة من ذلك ثانيا أمتنع عن فتح الباب ...
ولقد آذى ذلك شيخنا وضيق صدره حتى حنق على الرجل كما سيأتي ذكره لاحقا إن شاء الله..
مرت الأيام وأوشكت الأمور أن تعود كسابق عهدها ...
تأثر بعض الطلبة بتلك الواقعة حيث هجرني عدد منهم استهجانا لفعلتي ..
انتقل الأخ محمد من السكن وعين الأخ دخيل الشمراني مشرفا على السكن لفترة وجيزة
لم تطل..
استدعاني مرة وكان يحمل في يده ملفي الذي كان في أدراج ملفات طلبة السكن فقال لي:
أنت لست من قبيلة شمر ؟ أنت من قبيلة كذا؟؟
فقلت له : هذا الموضوع لا يعنيك ثم انصرفت وتركته!!
كفاني ما أنا فيه من مشاكل حتى أفتح على نفسي جبهة جديدة!!
أذكر أنني في تلك الأيام التي سبقت سفري أن أموري مع الشيخ كانت على ما يرام..
وفي إحدى الليالي بعد صلاة العشاء طلبت من شيخنا أن يوفر لي جهاز تسجيل صغير..
لكي أقوم بتسجيل فتاويه التي يلقيها في طريقة للبيت مما يصلح للنشر..
أعجب الشيخ بالفكرة ولا أدري هل سبقني عليها أحد؟؟
أشترى لي جهازا ممتازا وباهظ الثمن ولكنه ثقيل الوزن وينفع للضرب!!
لا تستعجلوا علي سأحكي القصة لا حقا!!
طلب مني الشيخ أن أستعد للسفر برفقته لجده ...
حيث أنه رتب مع والدي اللقاء هناك.. بعد أداء العمرة...
لم أجرؤ على أن استفسر من الشيخ ما دار بينه وبين والدي !!
وكنت في نفسي أقول ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوؤكم)!
اشتريت التذكرة بالدرجة السياحية ... على ذات الرحلة مع الشيخ...
ظن صاحبنا أن الموضوع انتهى وأنني لن أعود لعنيزة فقد كان على اتصال بوالدي طوال
الأسبوعين المنصرمة كما سيأتي ذكره ..
ولذلك لا حظته مبسوطا مستبشرا مع الطلبة
بخلاف الأيام الخالية فهو لا يكاد يرفع رأسه من الغيظ والغضب..!!
سألت الشيخ هل ستعتمر ؟
قال نعم..
فقلت : هل أشتري لي إحراما ؟
فقال : إن شئت...
في يوم السفر توجهت لمنزل الشيخ فطرقت الباب ..
ففتح لي باب الملحق...
لقد فتح لي الباب شاب في سني تقريبا وفيه شبه كبير بوجه شيخنا ..
هذا هو عبد العزيز ابن الشيخ ..
تعرفت عليه ، وفهمت من كلامه أنه سيكون برفقتنا!!

المسلمة1
المسلمة1
أختي الغالية جزاك الله ألف خير على هذا النقل المفيد وجعله في ميزان حسناتك , ان مذكرات أي شخص اذا كتبها بصدق وأمانة عارضا أخطاءه والمواقف التي حصلت معه لابد أن نستفيد منها على الأقل بتجنب ماوقع فيه من أخطاء والتعلم من ما مر فيه , فكيف اذا كانت المذكرات لشيخ جليل رحمه الله وجعل مثواه الجنة باذن الله , فشكرا لك مرة أخرى وننتظر منك دائما مثل هذه المشاركات الجميلة.

لعنة الحب ديم الوفا
قصة سالم المبكية