الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث
ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
جندية مجهولة
فعلى البسيطة من هذا الكون ثَمَّ مخلوقة ضعيفة، تغلب عليها العاطفة الحانية، والرقة الهاتنة، لها من الجهود والفضائل ما قد يتجاهله ذوو الترف، ممن لهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، ولهم قلوب لا يفقهون بها، هي جندية حيث لا جند، وهي حارسة حيث لا حرس، لها من قوة الجذب ومَلَكة الاستعطاف ما تأخذ به لبَّ الصبي والشرخِ كلَّه، وتملك نياط العاطفة دقّها وجلِّها، وتحل منه محل العضو من الجسد، بطنها له وعاء، وثديها له سِقاء، وحجرها له حِواء، إنه ليملك فيها حق الرحمة والحنان، لكمالها ونضجها، وهي أضعف خلق الله إنساناً، إنها مخلوقة تسمى الأم، وما أدراكم ما الأم؟!
أم الإنسان – عباد الله – هي أصله وعماده الذي يتكئ عليه، ويرد إليه وَاللهُ جَعَلَ لَكُم من أنفسكم أَزوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم من أَزواجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً
. وكون الشيء أصلاً وعماداً دليل بارز بجلائه على المكانة وعلو الشأن وقوة المرجعية، ألا ترون أن أم البشر حواء، وأم القوم رئيسُهم، وأم الكتاب الفاتحة، وأم القرى مكة، وفي ثنايا العلوم كتاب الأم للشافعي رحمه الله؟!
لماذا الحديث عن الأم؟
من خلال هذه المقدمة الوجيزة عن الأم، ربما يدور بخلد سائل ما سؤال مفاده: أيوجد ثمَّ مشكلة تستدعي الحديث عن مخلوقة ليست هي بدعاً من البشر؟ أم أن الحديث عنها نوع تسلية وقتل للأوقات؟ أم أن الأمر ليس هذا ولا ذاك؟.
والجواب الذي لا مراء فيه: أن الأمر ليس هذا ولا ذاك، بل إن الأمر أبعد من هذا وأجلّ، إننا حينما نتحدث عن الأم فإننا نتحدث عنها على أنها قرينةُ الأب، لها شأن في المجتمع المكوَّن من البيوتات، والبيوتات المكونة من الأسر، والأسر المكونة منها ومن بَعْلِها وأولادها، هي نصف البشرية، ويخرج من بين ترائبها نصف آخر، فكأنها بذلك أمةٌ بتمامها، بل هي تلد الأمة الكاملة، إضافة إلى ما أولاه الإسلام من رعاية لحق الأم، ووضع مكانتها موضع الاعتبار، فلها مقام في الحضانة، ولها مقام في الرضاع، وقولوا مثل ذلك في النفقة والبرِّ وكذا الإرث.
فالحديث عن الأم إذاً يحتل حيزاً كبيراً من تفكير الناس، فكان لزاماً على كل من يهيئ نفسه لخوض مثل هذا الطرح أن يكون فكره مشغولاً بها، يفرح لاستقامة أمرها، ويأسى لعوجه، ويتضرس جاهداً في الأطروحات المتسللة لواذاً؛ ليميز الخبيث من الطيب، فلا هو يسمع للمتشائمين القانطين، ولا هو في الوقت نفسه يلهث وراء المتهورين.
والمرتكز الجامع في هذه القضية، والذي سيكون ضحية التضارب والمآرب، هي أمي وأمك وأم خالد وزيد، وحينئذ يجني الأولاد على أمهاتهم، ويقطعون أصلاً وأُسًّا قرره رسول الله لرجل حين جاء يسأله: { من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك }
. وسلام الله على نبيه عيسى حين قال: وَبَراً بِوَالِدَتِي وَلَم يَجعَلني جَباراً شَقِياً
.
ماذا يحدث لو غاب دور الأم؟!
إن الارتفاع بشأن الأم في أوساط الناس وفق الحدود والمعالم التي حددها الشارع الحكيم لهو من دواعي رفعة البيت المسلم، كما أن المحاولات الخبيثة في خلخلة وظيفتها التي فطرها الله عليها من حيث تشعر هي أو لا تشعر، سببٌ ولا شك في فساد الاجتماع، وضياع الأجناس، وانثلام العروة، فأزاحت الأم عن نفسها مسئولية النسل ورعايته، فأصبحت لنفسها لا لرعيتها، ومن ثم قد تُسائل هي نفسها عن السبب، وما السبب إلا ما بيَّناه آنفاً، ولعمرُ الله كم قد تحقر الأم نفسها، أو يغيب عن وعيها مكانتها وسلطانها، ولو رفعت ببصرها قليلاً في ديوان من دواوين سنة المصطفى لوجدت قول النبي : { والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده }
، ومعلوم أن الرعاية لا توكل إلا لذي قدرة وسلطان على رعيته، ومن هنا عُلم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
لقد أصبح دور الأم ضعيفاً في تربية الأبناء وتوجيههم الوجهة الصحيحة؛ بسبب جهلها، أو غلبة المفاهيم الدخيلة عليها، فانحرفت مع التيارات المناوئة لما فُطِرت عليه، فخرج كثير من الأمهات من بيوتهن، وقلَّ تدينُهن وقربُهن من الله، فحصل الإهمال وضاع العيال، ولربما سلّمت فلذات كبدها إلى أيدي خادمة غير مسلمة !! وإن كان ثم مسلمة فجهلها أضعاف جهل الأم، فكانت كالمستجير من الرَّمْضاء بالنار، والمعلوم المقرر أنه ليس لبشر أمان.
أماه … لا تنخدعي !
لقد انقاد كثير من الأمهات وراء صيحات أهل الكفر، فأُعجبت ببريق ما عندهم، وظهر النَّهم عندهن، حتى إنك لتحسه من إحداهن، فتراها كلما تقدمت في السن والإنجاب ازدادت في التشبب، ولا تزال تبتدئ من حيث انتهى أهل الكفر أنفسهم. إذاً الأم هناك تعيش تعيسة مُهَانة، لا أمل لها في ولد ولا بنت، ولربما لم تشعر بقيمة الأمومة والبنوة إلا بكلب تقتنيه، أو سِنَّور يحل في قلبها محل ابن آدم، وذلك كله ليس بمانع هذا الحيوان من أن يكون يوماً ما وريثها الوحيد دون أولادها، وأولادها في غفلة سادرين، ينتظرون خبر وفاتها بفارغ الصبر، لينعموا بما تخلفه من تركة أو عقار، وإن كانت الأم فقيرة الحال ففي دور العجزة والرعاية بالمسنين متسع لها ولمثيلاتها.
إن الذين يزدرون وظيفة ربة البيت التي هي الأم،هم جُهَّال بخطورة هذا المنصب وآثاره العميقة في حاضر الأمم ومستقبلها المشرق، بل إن أعباء هذا المنصب لا تقل مشقة ومكانة عن أحمال الرجال خارج بيوتهم، وإن القدرات الخاصة التي توجد لدى بعض الأمهات لا تبرِّر لهن إلغاء هذا المنصب، الذي لا يليق إلا لهن، ولا يلِقْن إلا له. فطرة اللهِ التِي فَطَرَ الناسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلقِ اللهِ
.
أكمل الأمهات !!
ليس أكمل الأمهات تلك الأم التي امتلأت في عقلها بصنوف من العلوم والمعارف النظرية أو التجريبية،في حين أن القلب خواء مما ينفع بيتها أو يفيده، إن مثل هذه الأم تحل بما تعلمت مشاكل وتخلق مشاكل أخرى، لا ليس نضح الأم كمثل هذا، إنما الأم هي تلك المصونة العفيفة، التي أضاءت قلبها بنور الإيمان والطاعة، والاتباع للكتاب والسنة، والتي هي لبعلها وولدها كالإلهام والقوة في إدخال السرور، والنقص من الآلام، ولم تكن الأم قط أعظم من الأب إلا بشيء واحد هو خلقها ودينها، الذي تجعل به زوجها وولدها خيراً وأعظم منها، وقديماً قيل: وراء كل رجل عظيم امرأة. فالمرأة – أيها الناس – إما زوجة حانية، أو أم مربية، أو هي في طريقها إلى هذا المصير النبيل بعد أن تشبّ عن الطوق.
دورك يا أمَّاه !!
إن تصور الأم قاعدةً في البيت لا شغل لها جهلٌ مُركَّب بمعنى الأسرة الحية، كما أن تصورها محلاً لإجادة الطهي والخدمة فحسب ضربٌ من السلوك المعوج الذي عرفته الأم الكافرة إبَّان إفلاسها الأخلاقي والأسرى، والذي أثبت من خلاله أن الأم العاطلة خير من الأم الفاسدة الخرَّاجة الولاَّجة، وأن الأمهات المحتبسات في المخادع والبيوت أشرف من اللواتي يتكشَّفن لكل عين، ولا يرددْن يد لامس أو نظرة لاحظ.
ونحن - معاشر المسلمين - لا نريد في حياتنا من خلال الواقع المرير أن نوازن بين شرين، لنختار أحدهما أو أخفهما، كلا بل إننا نريد أن نحقق ما طالبنا الإسلام به، من إقامة أسرة مستقيمة يشترك الجنسان معاً في بنائها، وحمل تبعاتها على ما يرضي الله ورسوله، ليتحقق فينا قول الباري جل وعلا: وَالذِينَ ءامَنُوا وَاتبَعَتهُم ذُريتُهُم بِإِيمانٍ أَلحَقنَا بِهِم ذُريتَهُم وَمَا أَلَتنَاهُم من عَمَلِهِم من شيء كُل امرئ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ
.
يقول وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان المحدِّث لولدها سفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلتتبعني. هذه هي أم أمير المؤمنين في الحديث.
وقبل ذلك حذيفة بن اليمان تسأله أمه: يا بني، ما عهدُك بالنبي ؟ قال: من ثلاثة أيام، فنالت منه وأنَّبته قائلة: كيف تصبر يا حذيفة عن رؤية نبيك ثلاثة أيام؟.
وذكر ابن سعد في طبقاته الكبرى عن إسحاق بن عبد الله، عن جدته أم سليم رضي الله عنها أنها آمنت برسول الله ؛ قالت: فجاء أبوأنس – وكان غائباً – فقال: أَصَبَوتِ؟ قالت: ما صبوت، ولكن آمنت بهذا الرجل. قالت: فجعلت تلقِّن أنساً وتشير إليه: قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل، قال: فيقول لها أبوه: لا تفسدي عليَّ ابني، فتقول: لا أفسده، فلما كبر أتت به النبي وقالت له: هذا أنس غلامك، فقبَّله النبي .
لقد قامت الأم بدورها الريادي في التربية والتوجيه، متمثلاً في شخصيات وسلف هذه الأمة لا تعد حصراً، إيمان بالله، وحسنُ تربية، ولا تفسدُ على زوجها إصلاحَ بيتها، تطلعه على كل ما من شأنه إصلاح البيت المسلم، بيتها دار الحضانة الأسمى، لا دور الحضانة المنتشرة في آفاق المسلمين، والتي ينبغي ألاَّ تُقبل إلا في الضرورات الملجئة.
في الخنساء عبرة وعظة
أيتها الأم المسلمة.. أيها الأب المسلم:
في سير الأسلاف عظةٌ، وفي مواقفهم خير وعبرة، والخنساء رضي الله عنها عُرفت بالبكاء والنواح، وإنشاء المراثي الشهيرة في أخيها المتوفَّى إبان جاهليتها، وما أن لامس الإيمان قلبها، وعرفت مقام الأمومة ودور الأم في التضحية والجهاد في إعلاء البيت المسلم ورفعة مقامه عند الله، وعظت أبناءها الأربعة عندما حضرت معركة القادسية تقول لهم: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لابْنُ أبٍ واحد وأم واحدة، ما خبث آباؤكم، ولا فُضحت أخوالكم. فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قُتلوا، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
هذه هي الخنساء فأين جملة من رائدات نهضة الأمومة منها؟ هذه هي الخنساء فأين المتنصِّلاتُ عن واجب الأمومة منها؟ إن جملة منهن – ولاشك – أقصر باعاً وأنزل رتبةً من أن يفقهن مثل هذا المثل، ربما كرهت إحداهن أن تكون أُمًّا لأربعة، ولو تورطت بهم يوماً ما لما أحسنت حضانتهم وتربيتهم، فلم تدرك ما ترجو، ولم تنفع نفسها ولا أمتها بشيء طائل، وكفى بالأم إثماً أن تضيِّع من تعول. وفي مثل الخنساء تتجلى صورة الأمومة على وجهها الصحيح، وما ذاك إلا للتباين الذي عاشته في جاهليتها وإسلامها، ومن هنا يظهر عظم المرأة، ويظهر تفوقها على رجال كثير مع أنوثتها وقصورها عن الرجل، ولو كانت الأمهات كأم سليم، وعائشة، وأم سلمة، والخنساء، لَفضُلتْ النساء على كثير من الرجال في عصرنا الحاضر. فالصالِحاتُ قانِتاتٌ حَافِظَاتٌ للغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ
.
فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أن للأم مكانة غفل عنها جُلّ الناس بسبب ضعف الوازع الديني المنجي من الوقوع في الإثم والمغبَّة، وعلينا جميعاً أن نعلم أن الأم خير حانية، لطيفة المعشر، تحتمل الجفوة وخشونة القول، تعفو وتصفح قبل أن يُطلب منها العفو أو الصفح، حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر، يزيدها بنموه ضعفاً، ويحمِّلها فوق ما تطيق عناء، وهي ضعيفة الجسم، واهنة القوى، تقاسي مرارة القيء والوحام، يتقاذفها تمازج من السرور والفرح لا يحسّ به إلا الأمهات، يتبعها آثار نفسية وجسمية، تعمل كل شيء اعتادته قبل حملها بصعوبة بالغة وشدة،تحمله وهناً على وهن، تفرح بحركته، وتقلق بسكونه، ثم تأتي ساعة خروجه فتعاني ما تعاني من مخاضها، حتى تكاد تيأس من حياتها، وكأن لسان حالها يقول: يا لَيتَني مِت قَبلَ هَذَا وَكُنتُ نَسياً منسِياً
. ثم لا يكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين غلاً قسراً وإرغاماً، فيمزق اللحم، أو تبقر البطن، فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها، وكأن شيئاً لم يكن إذا انقضى، ثم تعلِّق آمالها عليه، فترى فيه بهجة الحياة وسرورها، والذي تفقهه من قوله تعالى: المَالُ وَالبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدنيَا
، ثم تنصرف إلى خدمته في ليلها ونهارها، تغذِّيه بصحتها، وتنميه بهزالها، تخاف عليه رقة النسيم وطنين الذباب، وتؤْثِره على نفسها بالغذاء والنوم والراحة، تقاسي في إرضاعه وفطامه وتربيته ما ينسيها آلام حملها ومخاضها.
تقول عائشة رضي الله عنها: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقَّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله فقال: { إن الله قد أوجب لها الجنة – أو أعتقها من النار }
. الله أكبر.. ما أعظم الأم الصادقة المسلمة !!.
لا للعقوق
ألا فليتق الأولاد الله، وليقدِّروا للأم حقَّها وبرَّها، ولينتهين أقوام عن عقوق أمهاتهم قبل أن تحل بهم عقوبة الله وقارعته، ففي الصحيحين يقول النبي : { إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات }، وعند أحمد وابن ماجة أن النبي صلى الله عيله وسلم قال: { إن الله يوصيكم في أمهاتكم } قالها ثلاثاً، وعند الترمذي في جامعه عن النبي قال: { إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء… وذكر منها: وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه }.
ولا بطلقة واحدة
ألا لا يعجبنَّ أحدٌ ببره بأمه، أو يتعاظم ما يسديه لها، فبرُّها طريق إلى الجنة.
جاء عند البيهقي في شعب الإيمان، والبخاري في الأدب المفرد: "أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري حدّث: أنه شهد ابن عمر رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلَّل *** إن أُذعرت ركابها لم أُذعر
الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملتها أكثر مما حملتني، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟ قال ابن عمر: لا، ولا بزفرة واحدة!".
ليس هكذا تُكرم الأم!!
ألا فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أنه ينبغي التنبيه إلى مكانة الأم. وواجب الأولاد والمجتمع تجاهها لا يعني خرق حدود الشريعة أو تجاوزها، إذ تلك حدود الله فلا تعتدوها، فالأم لا تُطاع في معصية الله، ولا يُقدَّم قولها على قول الله ورسوله، ولا ينبغي أن يُتشبَّه بأهل الكفر في طقوسهم ومراسيمهم مع الأم، والتي هي ليست من نهج الإسلام في شيء،حيث يعملون لها يوماً في السنة هو يوم البر بها، يقدمون لها فيه شيئاً من الزهور أو الطيب ونحو ذلك، يسمونه عيد الأم، وهذا من البدع المنكرة التي يكتنفها آفتان:
أولاهما: تقليد أهل الكفر: ورسول الله نهانا عن التشبه بهم، وأمرنا بمخالفتهم، ومن أبى فقد قال عنه : { ومن تشبه بقوم فهو منهم }، حتى لقد قال اليهود عنه: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه
.
وثاني الأمرين: هو إحداث عيد واحتفال لا يُعرف في أعياد المسلمين: وما للمسلمين إلا عيدان: عيد فطر، وعيد أضحى، وما عدا ذلك من أعياد للأم واحتفالات، أو أعياد للميلاد أو للبلوغ أو للكهولة أو للشيخوخة، كل ذلك مما أُحدث في الدين، وحرّمه علماء الملة. فكل احتفال أو عيد لم يدل الشرع عليه فهو بدعة محدثة، ورضي الله عن ابن عباس حين قال: { ما أتى على الناس حتى أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن }.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
للأم دور بالغ الأهمية في تربية الأطفال خلال السنوات الأولى من أعمارهم لأنها أكثر التصاقاً بالبيت والطفل ولأن عاطفتها أقوى من عاطفة الأب نحو الطفل فهي أقرب إلى قلوب الأطفال منه . ولقد زود الله الأم بعاطفة الحنان - الأمومة - ولم يزود بها الأب . وهذا الدافع العضوي أقوى الدوافع العضوية جميعاً ، ولذلك فإن الأم مهيأة لرعاية الطفل والتضحية من أجله براحتها ونومها وهي راضية .
وهذا الحنان يمكن الأم من السهر على راحة الطفل وخاصة في السنتين الأوليين ولهاتين السنتين أثر كبير في شخصية الفرد ومن هذه الأمور أن الرضيع يتعرف على أمه من رائحتها . ثم يتعرف على صوتها بعد ذلك . كما أن لغة الأم هي أول لغة يقلدها الطفل وتكون معظم انفعالاته في السنة الأولى مرتبطة ومركزة في الأم أو من يحل محلها وإذا عرفنا أن الرضيع يبدأ منذ الشهر السادس من عمره في تكوين الأطفال ، وعلينا ألا نغفل دور الأم في حمل الأمانة . والقيام بواجب المسؤولية وتوجيههم ، ولقد بيّن الله في محكم تنزيله ، ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبثُ لا يخرج إلا نكداً ، كذلك نصرف الآيات لقومٍ يشكرون ) ( الأعراف : 58) .
كما قال الشاعر :
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيبَ الأعراق
فالأم في تحمل المسؤولية كالأب سواء بسواء ، بل مسؤوليتها أهم وأخطر باعتبار أنها ملازمة لولدها منذ الولادة إلى أن يشب ويترعرع ويبلغ السن التي تؤهله ليكون إنسان الواجب ، ورجل الحياة ، والرسول صلوات الله وسلامه عليه قد أفرد الأم بتحمل المسؤولية حين قال : "والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" .
وما ذاك إلا لإشعارها بالتعاون مع الأب في إعداد الجيل وترتبية الأبناء وإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغالها مع معارفها وصديقاتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها إلى الأسواق والعمل لغير ضرورة وتركت الأولاد إلى المربية وأهملت الاهتمام بما يحدث لهم من عناية ورعاية ، فلا شك أن الأبناء سينشأون نشأة اليتامى ، ويعيشون عيشة المشردين بل سيكونون سبب فساد وأداة إجرام للأمة بأسرها فماذا ننتظر من أولادٍ أمهاتهم على هذه الحال من الإهمال والتقصير .
فحتماً لا ننتظر منهم إلا الانحراف ولا نتوقع إلا الإجرام لانشغال الأم عن رعاية الولد وتربيته .
ويزداد الأمر سوءاً عندما يقضي الأبوان جل وقتهما في حياة الإثم والغواية ويتقلبان في أتون الشهوات والملذات . ويتخبطان في طريق الانحلال والإباحية .
فلا شك أن انحراف الولد يكون أبلغ وأخطر ويكون تدرجه في الإجرام أكبر وأعظم ، فلننظر بعين فاحصة وعقول نيرة تبحث عن الحق والصدق في أمانة التربيةبين أم الأمس واليوم . ونتتبع نتائج هذه النظرة .
إن الأم في الأمس كانت هي كل شيء في بيتها ، كانت المربية والمدبرة لجميع شؤون المنزل . فقد كانت تعمل وتعلم لأن العلم بدون عمل لا يرسخ في العقل ولا يقبله . وكانت على بساطة تعليمها وبساطة فقهها في دينها إلا إنها كانت تجتهد في تربيتهم التربية الإسلامية المرضية ، لقد كانت تعلمهم المسؤولية من خلال قيامها بمسؤولياتها في بيتها وطاعةزوجها وتربية أبنائها وتعلمهم الواجب عليهم من حيث إعطائهم حقوقهم من العناية والرعاية . فلقد كانت تحملهم في صدرها وترضعهم من ثديها وكانت تسهر على راحتهم إذا مرضوا وتقوم بخدمتهم .
فلهذا العمل جزيل الأثر على نفس الأبناء فتربي فيهم البر والإحسان والطاعة والاحترام فيستمعون إليها إذا وجهت ويطيعونها إذا أمرت ويعينونها إذا عجرت .
أما اليوم ولست أعني من تقوم بتربية أبنائها على الدين القويم والأخلاق والقيم ، ولكنني أعني الوجه الآخر ، فعمل البيت ليس من مسؤوليتها في شيء ومن ذلك تربية الأبناء ، فانها وكلتهم إلا للأم المستوردة ( المربية) التي تقوم مقام الأم الحقيقية في تدبير كل شؤون الأولاد من غسيل وملبس وأكل وشرب وهي أيضاً التي تقوم باللعب معهم وكذلك هي التي تقوم بالرضاعة من الألبان المجففة ولا يخفى على أحد أثر الرضاعةالصناعية على نمو الطفل الجسماني والنفسي وكذلك فإن المربية هي التي تتصنع لهم الحنان والعطف وتقوم بنفسها على تعليمهم أمور دينها وأخلاقها وقيمها التي نشأت عليها فإن كانت شرقية كانت أخلاق الأبناء شرقية وإن كانت غربية كانت أخلاقهم غربية ، ومن ذلك يتحول الولاء والبراء إلى ما كانت تربيتهم عليه ويتحول الاحترام والتقدير والعطف والطاعة إلى المربية .
هل المربية تستطيع أن تقوم مقام الأم فعلاً ؟
هل تستطيع أن تعلم أبناءنا دين التوحيد وإخلاف سلفنا الصالح ؟
وهل تستطيع السهر على راحة الأبناء مثل الأم الحقيقة .؟
وهل تستطيع الصبر والمحافظة عليهم مثل ما تحافظ الأم ؟
وهل حبها لهم مثل حب أمهما ؟
وهل الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم مثل الرضاعة الصناعية ؟
هذه الأسئلة تبحث عن الإجابة . فمتى أجبنا عليها بصدق فإننا سوف نعلم الفرق بين الأم الحقيقية والأم المستوردة .
والأم متى تخلت عن وظيفتها الأساسية وتساهلت فيها فإنها سوف تصل إلى نتائج لا يحمد عقباها من هذه النتائج :
هو أنها عندما تكبر سوف يكون مصيرها هو مستشفى العجزة . لأنها عجزت عن تربية أبنائها بنفسها فجازوها بأن جعلوا الدولة تتكفل برعايتها إذا عجزت وأقرب مثال على عقوق الوالدين ما هو موجود في مستشفى العجزة ومن أراد التأكد من صحة هذا الكلام عليه أن يزور هذا المستشفى ويتأكد ينفسه .
وقبل هذا فإن العقوق سيكون واضحاً لها في عدم طاعتها واحترامها والسماع إلى كلامها وهذا لأنها لم تعودهم من الصغر إلى سماع توجيهاتها ولم تعلمهم إحترامها وطاعتها
وكذلك من هذه النتائج الوخيمة عدم خدمتهم ومنفعتهم للوطن أو المجتمع الذي يعيشون فيه لأنهم لم يعلموا منذ صغرهم على احترام دينهم والدفاع عنه والذود عن أوطانهم وممتلكاتهم ، فالولد الذي يعق والديه يسهل عليه خيانة بلده وتحطيم مجتمعه . ومن هذا كله ينتج أيضاً انحراف الأبناء عن الدين والحق ، وذلك بارتكاب المعاصي الظاهرة والباطنة من إدمان الخمر والمخدرات وانتشار الجريمة والزنا وهذا كله نتيجة طبيعية لعدم المبالاة لتربية الأبناء .
فهل نعي ما يدور حولنا ، وهل تعي الأم دورها الحقيقي وهل تعلم أن اخلاصها في تربية أبنائها هو خدمة لها أولاً ولوطنها وهو عطاء لا يماثله عطاء .
فإذا أردنا أن نرى جيلاً صالحاً ونافعاً يخدم أمته ويوحد كيانه ويفرض احترامه على الخلق لا بد أن تعود الأم أم اليوم التي فرطت في دورها الأساسي إلى رشدها وإلى واجباتها الحقيقية وتكرس ما تعلمته في دراستها لخدمة وتربية أبنائها وبالتالي سيعود ذلك على انتاج أبنائها وخدمتهم لوطنهم وأمتهم جميعاً . ولكي نقوم وننهض من هذا السبات العميق كي نواكب ما فاتنا من تخلف حضاري وإقتصادي ولكي تعود الأمة الإسلامية إلى سابق عهدها
الله لايحرمنا منها