- مفهوم الزمن عند الإنسان
- أم العلوم
- الزمن والنوم
- الزمن والإبداع
- نصفا الكرة المخية
مفهوم الزمن عند الإنسان
لا مفر لأي عالم يريد أن يقدم شيئا متميزا في الفيزياء من أن يصطدم بجدار يجده في طريقه مكتوب عليه سؤال 'ما هو الزمن '، ولعل الذين ارسوا دعائم الفيزياء التقليدية غاليلي أولا ثم لايبنز ونيوتن قد اجابوا عن هذا السؤال بأن اكتفوا في تطبيقاتهم العملية بالتعامل مع الزمن الميقاتي المعهود الذي عهده عامة القوم، غير أن نيوتن وجد ما توصل إليه بياجيه في حقل الرياضيات وعلم النفس بأن السرعة هي الأساس وما الزمن إلا كائن مشتق من السرعة، فقد توصل بياجيه إلى أن العقل الإنساني في طور النمو وفي مرحلة الطفولة المبكرة يدرك التعاقب ويدرك بالتالي السرعة أكثر من إدراكه للزمن بشكل مستقل، أما آينشتاين فقد اعتبر أن سرعة الضوء هي المقياس الذي يمكن اعتماده لقوانين الفيزياء النووية، والحقيقة أن الفيزياء ما بعد الكوانتية وأعني بها الفيزياء التي تتبنى نظرية الوتر قد اقتربت لفهم الظواهر الفيزيائية ما دون الذرية من الفلسفة المحضة أو الفلسفة المجردة.
أم العلوم
صرح علماء الفيزياء الحديثة أنهم في بحوثهم حول الظواهر ما دون الذرية قد ولجوا باب الفلسفة، وأنهم أصبحوا مضطرين إلى التعامل مع الظواهر المادية - الطاقية على أنها ظواهر لا يمكن لهم أن يقرأوها إلا بمساعدة طريقة التفكير الفلسفية، والحال أن الفلسفة منذ كانت في المهد قررت انه لا مناص لفهم الظواهر الفيزيائية والميتافيزيائية إلا من خلال الخروج من الزمن الأرضي ومقتضياته والولوج إلى باب المعنى، لذلك كانت مفرداتهم الأساسية هي الوجود والماهية والسببية.
وفي هذا الفلك ما يلاحظه الملاحظون أن الفلسفة قد ارتفعت منذ نعومة أظفارها فوق ذلك الجدار الذي استهللنا المقالة به، حتى انهم لم يلحظوا ذلك المكتوب وتركته للأرضيين من الناس!
الزمن والنوم
لعل أن أكبر مثال يمكن أن يوضح لنا معنى الزمن هو ان اقتران الزمن بالوعي هو حالة النوم، فعندما ينام الإنسان يغفو معه الوعي ومهام الوعي، ولا يبقى غير العقل الباطن ذلك العقل الذي خرج من أحشائه العقل الواعي عبر تطور الجنس البشري، وعبر تطور الإنسان الفرد من الطفولة إلى الرشد، والأمر أننا في حالة النوم يختفي لدينا الزمن لينعدم أو ليتحول إلى امتداد مطلق، وما الأحلام التي تتبدى لنا في النوم إلا تدليل صارخ على ذوبان وتلاشي الزمن الميقاتي، فترانا نحلم بحلم أوله ينتمي إلى المستقبل ووسطه إلى الطفولة ونهايته في زمان ومكان لا نعرفهما أبدا. إن حالة انعدام الزمن لحظة النوم مشابهة إلى حد بعيد لحظة انعدام الزمن في كل من الطفل مرحلة الرحم والطفولة المبكرة من جهة ومن جهة أخرى لحظة انعدام الزمن في الطفولة الإنسانية في الأزمنة الأسطورية، والحال، لو استطاع الطفل أن ينطق بما يشاهده ويصفه لنا لوجدنا ان ما يتلفظ به يشابه كل الشبه الأساطير القديمة بما تحتويه من قصص خيالية، ولشابه من جهة أخرى الأحلام المتشابكة التي تختلط فيها الأزمنة والأمكنة بشكل كبير.
الزمن والإبداع
من طرائف الزمن وعلاقته بالإبداع ما حصل لأديسون ليلة زفافه، الأمر أن الحضور ليلة الزفاف بدءوا ينظرون إلى ساعاتهم ويلتفتون ذات اليمين وذات الشمال متسائلين ترى أين العريس المرتقب، أين أديسون، حتى ان العروس التي تلبس إكليل العرس قد ضاقت ذرعا بالعيون المترقبة والحائرة، مع أنها كانت تتوقع أين يمكن أن يكون العريس، فما كان منها إلا أن خرجت من الصالة وذهبت إلى مختبر أديسون لتجده منكبا على أدواته، غارقا في تأمله. وما إن دخلت حتى نظر إليها نظرة المندهش فبادرته: نعم أعرف لقد نسيت نفسك ولم تحس بالوقت، تعال معي في الحال فالحضور ينتظرونك.
ليست مستغربة هذه الحال بالنسبة للكثير من الحيوانات المعرفية، فهم قد ألفوها ويفاجئهم دوما أن يقول لهم الناس من حولهم انهم تأخروا جدا عن البيت أو انهم منذ عدة ساعات وهم منكبون على عمل ما، وهم في هذه الحال لا يشعرون أنهم استغرقوا إلا دقائق معدودة . فكما بينا في ما يخص الزمن والفلسفة فإن التأمل والتفكير في عالم المعنى والماهية والسببية تخرج المتأمل من الزمن الواقعي الميقاتي وتدخله إلى عالم اللازمن، عالم المعنى وترابط الأفكار التي تشتق من بعضها البعض وتتوالد من بعضها البعض.
نصفا الكرة المخية
كما هو الحال دائما. فما هو صحيح في عالم التجريد والعالم النظري فلا بد أن يكون كذلك في العالم الواقعي، عالم المادة، 'ما هو صحيح في الأعلى هو صحيح في الأدنى'. قد تكلم فرويد في ما مضى أن الإنسان يحتوي على الطبيعة الأنثوية والطبيعة الذكرية معا، سواء أكان هذا الإنسان ذكرا أم أنثى، وقد كانت فرضيته هذه مستقاة من تحليلاته النفسية، وقد أتى العلم المخبري الحديث ليؤكد هذه الحقيقة من خلال كل من هرموني 'البرجسترون 'والتستستورون' الذي ينشط الأول الصفات الأنثوية في الإنسان وينشط الثاني الصفات الذكورية لديه. كما أن ارسطو في اربعمائة قبل الميلاد وجد من خلال بحوثه النظرية أن جنس الطفل يتحدد من قبل الأب وهذا ما توصل إليه 'ماندل' في العصر الحديث من خلال التجارب المخبرية.
وما سقناه عن موضوع الزمن وجد له ما يؤكده في علم تشريح الدماغ، فقد وجد أن النصف الأيمن من الدماغ لا يمكن له أن يفهم الأمور المرتبطة مع الزمن وهو يتعامل مع المعطيات الحسية والذاكرة باستقلال عن الزمن، أما النصف الأيسر من الدماغ 'العقل الواعي' فهو يتعامل مع كل المعطيات الداخلة إليه والخارجة منه كمعطيات مرتبطة بالزمن.والحقيقة أن ما يؤمن التواصل والتناغم بين هذين الجزءين هو الجسم 'الثفني' الذي يربط بين هذين النصفين.
دمتن بخير