الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث
ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
والله عن السحر ما عندي
عندي ندوات بس مو عن السحر
هذي وحده
.................................
بسم الله
إصلاح التعليم وأزمة اللغة العربية في العالم الإسلامي
مقدمة:
لا شك أن قضية النهوض الحضاري هي مشروع شمولي كلي؛ فبناء الأمة إنما يكون ببناء كل أركانها، كما أن انهيار ركن من الأركان مؤدٍّ بالضرورة إلى انهيار كل الأركان، كما هو مقرر في قواعد الأصوليين.
إن البناء إذا ما انهد جانبه لم يأمن الناس أن ينهد باقيه!
من هنا إذن كانت قضية اللغة العربية باعتبارها جزءاً جوهرياً لا يتجزأ من مفهوم (إقامة الدين) قضيةً من أهم قضايا مشروع التجديد والإصلاح، بمعناه الإسلامي الشامل. لا يمكن أن تحصل نهضة حقيقية لهذه الأمة بغير نهضة لغوية، متزامنة مع المشروع الكلي، وخادمة له، سواء من ذلك ما تعلق بتأصيل الفهم والتلقي للخطاب اللغوي من الوحي خصوصاً، والتراث العلمي الإسلامي عموماً، أو ما تعلق بالبلاغ والتواصل التعبيري المرتبط بالمفاهيم المكوِّنة لهوية الأمة على الإجمال. وما بين هذا وذاك تنتصب مشكلة إصلاح اللغة من ضروب المراجعة والتدقيق في هوية ما نروِّجه بوعي، أو بغير وعي من عبارات صنعها لنا (الآخر) على عينه، وتحت نظر مجهره؛ لتكون لنا حزناً وخراباً عقَدِيّاً، وإرباكاً لمشروع إعادة البناء والإعمار للحضارة والإنسان!
لم تكن اللغة يوماً نافلة في مجال التدافع الحضاري، وساحة الصراع الأيديولوجي إلا عند من لا يفقه سنن المغالبة بين الأمم والشعوب؛ بل كانت ولا تزال من أهم مواقع الصراع الفكري، ومن أخطر أسلحة الاحتواء الاستراتيجي لثقافات الشعوب وتمييعها؛ لإخراجها عن طبيعتها وصبغتها؛ ولولا ذلك لما كانت الفرنكوفونية اليوم تجري في تنافس محموم مع الأنجلوسكسونية؛ لاحتلال مواقع التأثير الثقافي في العالم.
ومن هنا تعيش اللغة العربية اليوم أزمة شديدة على وِزَانِ الأزمة العامة للأمة؛ بما هي مغلوبة على أمرها، تستهلك أكثر مما تنتج في كل المجالات تقريباً، من عالم الأفكار إلى عالم الصناعات، إلى عالم العادات وأشكال (الموضة)، حتى تسريحة شعر الرأس، ولحن الخطاب في التحية أو إلقاء الخبر.
أزمة اللغة العربية اليوم واقعة بما هي مبرمجة للاغتيال، ضمن مشروع استعماري تدميري كلي لهوية الأمة، في إطار الاستعمار العولمي الجديد للعالم. وليس بعيداً عن هذا فرض الاستكبار الأمريكي على الدول الإسلامية من خلال (مراجعات) شتى، و (إصلاحات) شتى لمناهج التربية والتعليم وبرامجهما برؤى خبيثة، لم تنس طبعاً في برمجتها الاستئصالية تناول جذور اللغة العربية بالقرض والتنقيص الممنهج، سعياً نحو أمية لغوية عامة في العالم الإسلامي تعزل المجتمع عن كتاب ربه وسنة نبيه، وتفصله عن تراثه الإسلامي الأصيل.
ولذلك كان لا بد من تسليط الضوء على هذه القضية الحساسة في مشاريع إصلاح التعليم المتتالية على العالم العربي والإسلامي، أعني قضية اللغة العربية؛ فكانت هذه الندوة التي اخترنا لها عنوان: (أزمة اللغة العربية في برامج إصلاح التعليم). وقد شارك فيها أساتذة باحثون مختصون في المجال، ومن أهل الخبرة والتجربة الميدانية:
أولاً: الأستاذ الدكتور قاسم عزيز الوزاني أستاذ التعليم العالي (متقاعد)، خبير لدى منظمة الإسيسكو في التربية والتعليم، تخصص اللغة العربية، ومبعوث معتمد لديها إلى البلاد الإسلامية. شارك في وضع الكتاب المدرسي للغة العربية بالمغرب ولدى بعض الدول الإسلامية، شارك في توجيه برامج التعليم المعتمدة لدى وزارة التربية الوطنية بالمغرب وفي بعض الدول الإسلامية. شغل عدة مهام إدارية لدى وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي بالمغرب. شارك في الإشراف على برنامج التعريب لتدريس العلوم بالتعليم الأساسي والثانوي، وهو الآن عضو بالمجلس العلمي للإرشاد الديني.
ثانياً: الأستاذ الدكتور عبد النبي الدكير أستاذ التعليم العالي بجامعة السلطان المولى إسماعيل بالمغرب، تخصص النحو العربي، اشتهر لدى طلابه بنظريته في النحو العربي الموسومة ب (نحو العلامة). عضو المركز الجامعي لتعليم اللغة العربية وحضارتها لغير الناطقين بها. عضو معهد الدراسات المصطلحية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله بفاس. له مشاركات متميزة في الندوات الجامعية، والأنشطة الثقافية المتعلقة باللغة العربية والدراسات القرآنية.
ثالثاً: الأستاذ الدكتور أبو القاسم اليوبي أستاذ التعليم العالي متخصص في اللسانيات الحاسوبية، قسم اللغة العربية. جامعة السلطان المولى إسماعيل، وجامعة الأخوين. أستاذ زائر في الجامعات الأمريكية. عضو معهد الدراسات المصطلحية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله بفاس، عضو المركز الجامعي لتعليم اللغة العربية وحضارتها لغير الناطقين بها. رئيس وحدة الدراسات العليا في اللسانيات. مسؤول نشيط في هيئة (النقابة الوطنية للتعليم العالي) بالمغرب.
ولنبدأ بسؤال تمهيدي لقضايا هذا الموضوع، وهو كما يلي:
البيان: (اللغةُ فِكْر): مقولة مشهورة في الفكر المعاصر؛ فإلى أي حد ترون أنها صحيحة؟ وبأي معنى تتصورونها؟
د. الدكير: الأزمة أزمة إنسان لا أزمة لسان؛ فما الكلام إلا فعل من الأفعال التي تترجم عن الإنسان ويختبئ دونها، وهي تحمل سيماه سِيما يعرفها الناظر، ويلمسها البصير بالكلام واحدة واحدة. إن القرآن الكريم مثلاً مطبوع بطابع الربوبية، والحديث الشريف مختوم بخاتم النبوة، وكل منها يمتاز بعلامات يلحظها كل من ألقى سمعه، ومدّ بصره وهو شهيد، وكل كلام دونهما يحمل أيضاً بصمات قائله؛ إذ المرء بأصغريْه، والرجل هو الأسلوب؛ على أن اللغة فكر. ويمتاز اللسان العربي بأن من امتلكه يتلقى عن الله مباشرة؛ إذ يشرب من معين القرآن إذا قرأه، وإنما جاءنا القرآن بلسان عربي مبين.
د. اليوبي: تماماً الأمر كما بيَّنَ فضيلة الأستاذ الدكير؛ فمقولة (اللغة فكر): بمعنى أن اللغة هي وعاء الفكر، وهي مقولة مشهورة، نجد لها أصلاً في التراث العربي. وقد جاء في تعاريفهم أن اللغة: كل لفظ وضع لمعنى، وأنها عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني، وأنها لسان القوم الذي يتعارفون ويتواصلون عبره؛ فهي إذن كلام مصطلح عليه بين كل قوم، وهي طريق الدلالة على ضبط كلمة لها وجوه متعددة في الاستعمال. ومن هنا قول ابن الحاجب في مختصره: (حد اللغة: كل لفظ وضع لمعنى)، وجاء في شرح منهاج الأصول للأسنوي: (اللغات عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني). ويعرِّفها ابن جني بقوله: (باب القول على حد اللغة: أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم)(1)؛ ويعرفها ابن خلدون بقوله: (اللغة في المتعارف هي: عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل اللسان، ناشئة عن القصد في إقامة الكلام. فلا بد أن تكون ملكة مقررة في العضو العامل لها وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم).
كما تعرف بكونها أداة تواصلية واصفة. وإذا كان ثمة شيء ينوب عنها تحليلاً وتفسيراً، كالأرقام والرموز فمع ذلك لا بد منها؛ لكي يستدل بها على المعاني المتوخاة من هذه الأرقام، والدلالات المطلوبة من هذه الرموز؛ فهي إذن على حد تعبير تمام حسان: (منظمة عرفية للرمز إلى نشاط المجتمع، تشتمل على عدد من الأنظمة، يتألف كل واحد منها من مجموعة من المعاني، تقف إزاءها مجموعة من المباني المعبرة عن هذه المعاني، ثم من طائفة من العلاقات التي تربط فيما بينها)(1)؛ فاللغة باعتبارها نصوصاً واصفة؛ تقوم بدور (تشكيل وعي الجماعة وسلوك أفرادها، أي علاقة اللغة بالثقافة كأداة؛ لتوحيد الجماعات في مجتمع خاص بهم)(2).
فاللغة تبعاً لهذه التعاريف وعاء للأمة تجعل فيه أفكارها، وثقافتها، ومعارفها، وتاريخها، وبها تصاغ مقومات وخصائص وجودها، ومن ثم فإن التضييق على اللغة العربية ومحاولة القضاء عليها، أو استئصالها فعل ينضاف إلى المحاولات الاستعمارية الساعية إلى محو أهم خاصيات الأمة، بل محق وجودها. ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن من يبتعد عن لغته إنما يفقد ذاته. وفقدان الذات يحمل معه فقدان الثقافة، وتشتت اللغة يعني انفصام الرباط الذي يجمع بين متكلميها، والنتيجة الحتمية هي اندثار الثقافة التي يمثلونها. وإن العامل اللغوي كان ولا زال أهم العوامل في توحيد الشعوب والجماعات البشرية، والتقريب بين أفرادها.
د. الوزاني: نعم! ونتيجة ذلك كله فإن اللغة: هويةٌ وانتماءٌ روحي، وارتباط معنوي، وعامل جوهري قوي لغرس محبة الأمة والتعلق بماضيها وحاضرها وحضارتها.
البيان: يُجمِع كثير من الملاحظين من المثقفين عموماً، ومن المهتمين بالتربية والتعليم في العالم العربي على ظاهرة الضعف اللغوي، والتدني الهائل لمستوى التعبير باللغة العربية لدى الأجيال الجديدة؛ كتابةً وخطابةً وتحدثاً؛ إلى درجة أن هذه الظاهرة صارت تصحب كثيراً من المتعلمين من الابتدائي حتى مرحلة التخرج، والحصول على أعلى الشهادات! ولم نعد نرى بروز العبقريات اللغوية والتعبيرية التي سادت في مرحلة ما اصطلح عليه (بجيل النهضة)، بل ساد عَيٌّ لغوي فادح! حتى في المعاهد والجامعات التي اشتهرت بتخريج اللغويين والأدباء! فما بالك بعامة المثقفين والمتعلمين! كيف تفسرون ذلك في نظركم؟ ما الأسباب؟ وما العوامل التي أدت إلى ذلك؟
د. الوزاني: تدني مستوى التعليم عموماً وتعليم اللغة العربية خصوصاً كان لأسباب عديدة منها:
برامج التعليم العقيمة التي تتغير باستمرار تغيراً معاكساً لما يمكن أن يرفع من قدرها؛ إذ يقوم بهذا التغيير رجال بيروقراطيون بعيدون عن المهنة، وممن يتلقون إملاءات من منظمات أجنبية، وهيآت داخلية متحيزة عوض أن تأتي الإصلاحات من الذين يمارسون عملهم في ميدان التعليم، والذين يلمسون الخلل مباشرة.
إحلال لغة المستعمِر محل اللغة الوطنية أو معها؛ لتزاحمها، وتُبعد الأنظار عنها عن طريق الإغراء بمساعدات وحسن العلاقات، أو عن طريق الترهيب بمنع الإعانات، وحتى بتهديد النظام.
ازدواجية التعليم في سن مبكرة.
انتشار اللهجات وتشجيعها، واستعمالها من قِبَل السلطات الرسمية؛ خذ مثلاً «ما تقيش بلادي!» بمعنى: (لا تُؤذِ بلادي!) ذلك الشعار المكتوب في الإعلانات العريضة الموجهة إلى الشعب في كل مكان.
د. الدكير: أحسب أن التدني في التعبير بالعربية فرع عن تدني روح التدين لدى العرب والأعراب والمستعربين؛ فالقلة القليلة سَمَتْ، والكثرة الكاثرة تخلت عن المقولات على تفاوت بما كسبت الأيدي في أزمنة التردي؛ حتى صار التباهي بالتحلي بِلُغَيَّاتِ العجم ظناً بغير علم أنها عنوان المدنية ومفتاح الحضارة، وأنها السبيل لاستلام المناصب العالية في الدولة، وكذلك دولياً.
د. اليوبي: إضافة إلى ذلك فالتدني اللغوي إشكالية ثقافية؛ ذلك أن تفعيل الثقافة رهين بتطور اللغة، ونمو اللغة يعكس القيم الثقافية للمجتمع الذي يتكلمها، وهما مقياس لإمكاناته وقدراته. اللغة مرتكز اجتماعي أساسي، مرتكز يرتبط بمرتكزين آخرين هما: الدين، والوحدة. ولا ننظر إلى اللغة باعتبارها ألفاظاً، ولكن باعتبارها نسقاً عاماً مشتركاً، يشكل رؤى مجتمعية منسجمة، ويسعف في إقامة التواصل والتفاهم بين أفراد المجتمع، داخل ثقافة تستجيب لحاجاتهم الفكرية والنفسية والاجتماعية. واللغة العربية شأنها شأن باقي اللغات؛ ليست هامدة ولا جامدة، بل هي متطورة متحركة، على الرغم مما يظهر أنها تعيش في أزمة، وأنها تسير بخطى بطيئة. فإذا كانت تعبر عن ثقافة وقيم متكلميها، وتصف سلوكهم وفكرهم فإن الأزمة في الحقيقة ليست فيها، وإنما هي فيهم، والبطء ليس صفة لها وإنما صفة لهم.
ومن هنا فإن من جملة أساليب تطوير اللغة، وتفعيل الثقافة: الاستعمال والتداول. وسبيل ذلك القراءة والكتابة، ومن هنا كان قول الله جل جلاله : {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
، وقوله تعالى ::{ن» وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}
.
البيان: لكن المطالعة أو القراءة ظاهرة كادت تموت لدى الأجيال المعاصرة، مع أنها تعتبر من أهم روافد التكوين اللغوي، كيف تفسرون ظاهرة العزوف عنها؟ وما العلاج في نظركم؟
د. الدكير: لا شك أن انصراف القوم إلى التوافه والمبالغة فيها بقوة صرفهم عن المطالعة والقراءة؛ فاستخفت الهمم؛ فرضيت بالذي هو أدنى، ورغبت عن حفظ النصوص الأدبية الرفيعة، أياً كانت: قرآنية أم حديثية، شعرية أم نثرية، خطباً أم أمثالاً؛ فإن قلباً لم يمتلئ بالنصوص القوية يهوي بلسان صاحبه إلى هاوية العَيِّ والعجمة والرطانة؛ لأن اللغة مَلَكة بالفطرة، ويصار إليها أيضاً بكثرة الممارسة والمزاولة. وقديماً نصح العلماء الأمراء بأخذ اللغة من أهلها، وحفظها من أفواههم بالرحلة إليهم، والإقامة معهم في بواديهم، أو استقدامهم وملازمتهم.
إن العزوف عن المطالعة من أسبابه عدم قَدْرِهَا حقَّ قدرها، وتوهم أن الوسائل السمعية البصرية تغني كل الغَناء؛ وذلك غلط وخطأ يجب التراجع عنه؛ ببيان أن هذه الأجهزة العصرية تجعل وسائل التعقل عند الإنسان جهازاً واحداً، اختزلت فأضلت وأجحفت. فإن حق السمع والبصر التكامل والتداخل، لا الغلبة والطغيان. وكأني بهذه الأجهزة تلبي حاجة واحدة تشفي، لكن لا تجدي؛ لأنها تقصي سائر الملكات العقلية والقلبية؛ علماً أن من بني آدم من جعلت قوته في سمعه، ومنهم من رزقها في بصره، ومنهم من كانت وديعة في عقله وقلبه.
ويغلب على الظن أن الوسطية علاج؛ فالتوازن أساس كل سير قويم، فلا ينبغي أن تطغى حاسة على أخرى، فلا إفراط ولا تفريط؛ إذ كانت الحواس تسعى وتتكامل لحفظ سلامة الجسم والعقل، وكل تعمل على شاكلتها. والاختصار اقتصار مخل، يجعل الإنسان قليل التبين والبيان قلما يميز بين الحقائق والألوان.
ولقد امتاز الإنسان بالبيان، وأعلى درجاته اللسان؛ ذلك أن العبارة فاقت الإشارة، وإن كانت الإشارة من الفروع البيانية، فإنما يُلتجَأ إليها عند الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، حسب ظرف الزمان والمكان وطبيعة الإنسان.
البيان: إضافة إلى ما ذُكِر من مشكلة العزوف عن القراءة والمطالعة هل من سبيل أو وسائل مفيدة لعلاج الجيل من هذه الآفة؟ وكيف يمكن اكتساب هذه المهارة وإكسابها؟
د. اليوبي: حقيقة أن القراءة تعتبر من أهم روافد التكوين اللغوي، ومطلبها ضروري إلى جانب المهارات اللغوية الأخرى: السماع، والكلام، والكتابة. فالقراءة وسيلة الإنسان في الحصول على المعلومات والمعرفة. وكلمة (اقرأ) في كتاب الله منذ نزولها أذنت بحلول عصر العلم ومحو الأمية. والقراءة تعني الكتابة أيضاً، أي: (القلم) وبها بدأ التاريخ الإنساني المدوَّن، وبها فتح سجل الحضارة الإنسانية، وغدت حاجةً حقيقية، ولم تعد ترفاً أو تمريراً (للوقت الثالث). (إن الشعب الذي لا يقرأ لا يستطيع أن يعرف نفسه، ولا أن يعرفه غيره. والقراءة هي التي تقول لنا: هنا وقف السلف من قبلكم، هنا وصل العالم من حولكم، ومن هنا يجب أن تبدؤوا؛ لكي لا تكرروا الجهود التي سبق أن بذلها الآخرون، ولا تعيدوا التجارب التي مروا بها، ولا ترتكبوا الأخطاء التي ارتكبوها)(1).
فإذن يجب على المؤسسات التعليمية والتربوية أن تعير لهذه المهارة كثيراً من الاهتمام؛ بحيث:
تعمل ضمن برامجها على تنمية الاستعداد للقراءة، وخلق الرغبة في النشء للمداومة عليها.
توسيع دائرة تجاربهم، وتشجيع المتعلمين على القراءة بشتى الوسائل.
تجتهد في إكساب الناشئة مهارة القراءة، وترشد المهتمين إلى أنها عادة يجب أن تُطوَّر (الاستمتاع بالقراءة والتلذذ بها).
تنتقي الأجود والمفيد من الكتب والمجلات، وتجنب القراء ثقافة الشعوذة والخرافة، أو ما يعبر عنه بثقافة السوق.
تشجع على الإبداع والمبادرة الإيجابية في القراءة والكتابة.
إن ظاهرة العزوف عن القراءة مردها أساساً إلى التنشئة الاجتماعية؛ فالناس ليسوا مولعين بالقراءة، وربما ساهمت الظروف المادية أيضاً في هذه الظاهرة. يجب أن نشعر أولاً بالحاجة إلى القراءة، وأن نخلق في النشء الولع بالقراءة، ثم نعمل على تعميم وسائل القراءة، وجعلها متاحة وفي متناول الجميع.
البيان: لا شك أن التربية والتعليم عملية معقدة جداً، ولا شك أيضاً أنها بجميع مكوناتها، ووسائلها المادية والمعنوية تمر في نهاية المطاف عبر القناة اللغوية؛ فكيف تقوِّمون دور اللغة في التكوين العلمي والعملية التربوية سلباً وإيجاباً؟
د. قاسم الوزاني: إن مرور جميع مكونات التربية والتعليم عبر قناة اللغة العربية يقوي المعارف، ويوسع الفكر من جهة، ويرسخ القيم الروحية والتمسك بالمبادئ الخلقية من جهة أخرى، إذا أخلص المربون، وكانوا قدوة صالحة للمتعلم، ومحايدين لا ينتمون إلى أي تيار معادٍ، أو بلد محتل، أو أي توجيه مستورد؛ وإلا كانت التربية وبالاً، وجاءت بعكس ما ينتظر منها.
د. اليوبي: تعتبر اللغة من أهم مقومات وأسس المجتمع؛ إذ لا يمكن الحديث عن مجتمع بدون لغة، وهي أهم وسيلة يستخدمها الإنسان إلى حد الساعة للتعبير عن الثقافة، وبلورتها وتحليلها وتفسيرها؛ فبين اللغة والثقافة علاقة ترابط قوية، أولاً لكون الأولى تعبر عن الثانية وتسجلها، ولكون الثانية مادة الأولى وإنتاجها. وما من أحد يشك في العلاقة الجدلية القائمة بين اللغة والنشاط الإنساني داخل مجتمع معين. وبتعبير آخر: فإن الثقافة هي عالم الشخص، وحدودها هي حدود عالمه، وهي التي تشكل رؤيته وتفسر سلوكه. واللغة تبعاً لذلك ليست فقط وعاء لفكره، أو وسيلة لتواصله داخل وسطه الاجتماعي؛ بل علاوة على ذلك هي أداة تسجل ثقافة هذا الشخص وحضارته، وبها يتم الأداء الاجتماعي العام. إنها ذاكرة الحياة ومرآة تجارب الإنسان فيها.
وأما إقامة التواصل فهو ما يقتضي تفاعلاً بين أفراد المجتمع، وبينهم وبين المؤسسات الدستورية والقانونية. وإذا كان التواصل يجري عبر أشكال متعددة فإن اللغة الطبيعية هي أشيع الوسائط، وبها ندرك المجتمع والعالم. وبناء على ما تقدم فإن التواصل بين الناس من الثوابت في المجتمع الإسلامي العربي، وهو قائم على أشيع الوسائط المختارة لديه، وهي اللغة العربية؛ لكونها الأكثر تداولاً وتأثيراً، والأقوى فاعلية؛ خاصة عندما نربطها بثوابت الوحدة والدين والدستور والقانون؛ إذ يقوم التواصل بين الناس في هذه الثوابت كلها عبر وسيط اللغة العربية.
البيان: التعليم باللغات الأجنبية الوافدة مع الاستعمار للعالم الإسلامي واقع يكاد يشمل كل المؤسسات التعليمية في العالم العربي، وخاصة ما يتعلق من ذلك بعلوم الطبيعة والطب والهندسة ونحوها. تلك قضية أثارت معارك بين المثقفين بمختلف توجهاتهم، كما أنها كانت من أهم القضايا التي رفع لواءَها كثيرٌ من زعماء التحرير في القرن الماضي رغبةً في تعريب التعليم في العالم العربي، لكن كان الإخفاق مع الأسف نصيب أكثر المحاولات! حتى التجارب التي حصلت في مجال التعريب إذا استثنينا بعض الجهات كانت مشوهة؛ بحيث حافظت على الصيغ الأجنبية لأغلب التعابير الاصطلاحية للعلوم المعرَّبة، واقتصرت العملية على تعريب أدوات الربط اللغوي فقط؛ بينما لم يستطع أغلب الطموحين إلى التعريب الشامل الوصول إلى شيء يذكر؛ فإلى أي شيء تُرجعون ذلك؟ وكيف تفسرون هذا الإشكال؟
د. الدكير: صحيح أن التعريب أمر مفيد، إلا أن الإشكال هو أنه قرار ما عرف له من قرار لدى أولي الأمر، وأحسب أنهم ما آمنوا به، ولا نشطت له عقولهم، وإنما هو لديهم أمانٍ. هذا هو الإشكال؛ ولو أنهم أخلصوا له لخلص، ولو اتخذوا لذلك أقوياء أمناء لانجلت لهم كل العوائق والموانع؛ فمن جَدَّ وجد، ومن زرع حصد، والسماء لا تمطر ذهباً؛ فاتخاذ الأسباب واجب، ومن جملتها هاهنا أن يعرِّب المسؤولون خطابهم؛ فلا يتحدثون إلا بالعربية، وإلا لزمتهم أولاً كفارات تقدر.
د. الوزاني: لكن الأمر ليس على إطلاقه كما تفضلتم من إخفاق تجربة التعريب؛ بل إن تجربة تعريب العلوم الطبيعية أعطت ثماراً طيبة على العموم، رغم القصور الحاصل فيها، وأما الاحتفاظ بالصيغ أو المصطلحات الأجنبية فيعد قصوراً في التفكير؛ لأن معاجم المعاني المتعددة: ككتاب المخصص لابن سيده، وغيره من الكتب حافل بكل ما يتوقف عليه عالم الطبيعة؛ فالنقص إذن فينا نحن، والتقاعس عن البحث والتنقيب منا نحن، وخدمة اللغة العربية دَيْنٌ مترتب علينا.
البيان: لكن كيف تفسرون رواج المقولة المشهورة اليوم بين بعض أهل الشأن التربوي التي تزعم أن (تعليم العلوم الإسلامية والتراثية يكون أجدى أداءً باللغة العربية؛ بينما تعليم العلوم الطبيعية والطبية والهندسية إنما يكون أجدى باللغات الأجنبية)؟
د. الوزاني: هذا ادعاء باطل، ووجهة نظر خاطئة، وتحايل لالتقاط حجة ضعيفة تظهر عجز اللغة العربية، وتوجيه مغرض لحصرها في العبادات؛ حتى ينضب معينها، وتتقلص مهمتها، وتصبح مثلها مثل اللغة اللاتينية التي لا يكاد يعرفها إلا خواص الخواص؛ حيث تحولت اللهجات المنبثقة عنها إلى لغات متعددة.
بل إن تعليم العلوم الطبيعية وغيرها من العلوم البحتة باللغة العربية يعطي نتائج أحسن وفوائد أكثر، كما جربناه وعايَنَّاه، ويشهد بذلك الخبراء من منظمة «اليونسكو»؛ ذلك لأن المتعلم لا يواجه إلا قضية واحدة هي قضية فهم المادة فقط. ولنا في تجربة سوريا خير مثال؛ فالحاصلون على الشهادات العليا فيها قد برهنوا على تفوقهم على غيرهم في مناسبات شتى، وميادين علمية مختلفة، وكذلك اليابان تلك الدولة المتفوقة تكنولوجياً التي تعد في صفوف العالم الأول الآن؛ رغم أن لغتها تعد من أصعب لغات العالم. ولنا أيضاً خير مثال في تجربة تقديم هذه العلوم باللغة العربية في التعليم الأساسي والثانوي لما انطلقت تجربة التعريب المحدودة بالمغرب على مستوى التعليم الأساسي والثانوي وقد كنت شخصياً آنئذ من بين المشرفين على هذا التغيير؛ حيث ان
ندوة بجمعية الإعجاز العلمي: تحديد جنس الجنين لا يتعارض مع علم الله
13-03-2005
متابعة :مروة غانم
. أمين منتصر في ندوة بجمعية الإعجاز العلمي:
تحديد الطب لجنس الجنين لا يتعارض مع علم الله بما في الأرحام
التفسير العلمي الضيق للقضية وربطه بالقرآن يسيء للإسلام
أكد الدكتور أمين منتصر الأستاذ بجامعة الأزهر أن ما توصل إليه العلم في الكشف عن جنس الجنين وهو مازال في رحم أمه. توصل لا يمس مصداقية القرآن الكريم بل أن النتائج الايجابية التي حققها العلم الحديث في هذا المجال لا علاقة لها بغيبية علم الله بما في الأرحام. جاء ذلك خلال الندوة التي نظمتها جمعية الاعجاز العلمي للقرآن والسنة بمسجد محمود.
في البداية قال الدكتور منتصر: إن هذا التفسير الخاطيء لقوله تعالي "ويعلم ما في الأرحام" "لقمان 34" يتمثل في جانبين أولهما انصراف التفسير إلي أن علم الغيب يقصد به معرفة ما إذا كان الجنين بالرحم ذكرا أم أنثي وثانيهما هو ذهاب التفسير إلي أن أحدا غير الله لا يمكنه معرفة نوع الجنين في الرحم ولعل من أسباب التفسير الخاطيء لمعني علم الله بما في الأرحام هو حب الإنسان الغريزي للبنين مما أدي إلي انصراف الأذهان إلي تفسير الآية علي أن المراد بهذا العلم هو تحديد جنس الجنين..لكن الإسلام يرفض تفضيل البنين علي البنات ويحث علي التفقه في الدين ويدحض الفكر البراجماتي.
وترجع حكمة الله تعالي في اخفاء علمه بما في الأرحام إلي ضمان استمرار حركة الحياة ليتصرف الإنسان طبيعيا مع نفسه وأبنائه ومجتمعه علي نحو صحيح. وكذلك تقتضي رحمة الله بعباده ألا يكشف لهم عما في المستقبل لدعم مبدأ الأخذ بالأسباب.
وأشار إلي أن علم الله بما في الأرحام يشتمل علي علم كل ما في الأرحام مثل العلم بالامكانيات الحالية والمستقبلية للأرحام علي الانجاب ومن ذلك العلم بما إذا كان الرحم سينجب أم لا بصرف النظر عن امكانياته الحالية علي الانجاب مثل ما حدث مع زوجة نبي الله إبراهيم وامرأة سيدنا زكريا عليهما السلام. فكل منهما حملت ووضعت علي الرغم من أنهما كانتا عقيمتين.. لكن الله بدل حالهما فيما بعد وانجبتا. كما يشتمل هذا العلم علي العلم بأسرار تخليق الجنين. فجنين الإنسان لا يمكن تمييزه عن جنين السمكة أو جنين الأرنب قبل ثلاثين يوما من الاخصاب.. لكن الله تعالي وضع في كل جنين أسبابا وأسرارا تجعله يكون علي نحو معين فيما بعد.. كذلك يشتمل علم الله بما في الأرحام علي العلم بما في أرحام جميع المخلوقات وليس الأرحام البشرية فقط وليس هذا فحسب كان هذا العلم يشتمل علي العلم بجميع أحوال الأجنة بالأرحام في جميع أزمانها قبل وجودها بالأرحام وأثناء وجودها بالأرحام وبعد ولادتها وخروجها للحياة الدنيا وأحوالها بالآخرة.
العلم لا يتعارض مع الدين
وأكد أن معرفة جنس الجنين بالرحم علي الاطلاق كشف لعلم الله لأن معرفة جنس الجنين بالرحم غير ممكنة منذ بداية خلقه بالرحم علي الرغم من أن علم الله بذلك منذ الأزل. كما أن محاولات الكشف عن نوع الجنين غير دقيقة وغير ممكنة فهناك حالات الخنثي الحقيقية وغير الحقيقية والتي لا يمكن التعرف علي أوضاعها. كذلك قد تمس محاولات الكشف عن نوع الجنين سلامته وأوضاعه مستقبلا ولا يفيد في ذلك ما قد يقوله بعض علماء الأجنة من أن ذلك لا يؤثر علي سلامته فالأمر يحتاج إلي عشرات السنين حتي تكبر الأطفال وتصير أفرادا بالغة..
كذلك فإن نتائج محاولات الكشف عن جنس الجنين ليس لها مردود إيجابي غالبا والدليل علي ذلك قيام الكثير من النساء الصينيات اللاتي تحملن أجنة لإناث بالإجهاض وذلك لأن الرجل الصيني لا يريد سوي ذكر وكانت نتيجة ذلك وجود 200 مليون شاب صيني لا يجدون فتيات للزواج منهن.. لذلك يمكن القول بأن معرفة جنس الجنين بالرحم لا يقدم شيئا عن ماهية الإنسان.
دليل قاطع
وقدم الدكتور أمين منتصر دليلا قاطعا من القرآن الكريم يحسم الجدل نهائيا في هذه القضية قائلا: لتفسير ما جاء في سورة لقمان بالآية رقم 34 عن علم الله بما في الأرحام يمكن تفسيره علي نحو دقيق علي ضوء ما جاء بسورة آل عمران حول ميلاد مريم ابنة عمران رضي الله عنهما فقد كانت امرأة عمران عاقرا فرأت يوما طائرا يسير وراء أبيه فحنت إلي أن يكون لها ولد ودعت ربها أن يهبها ولدا فاستجاب لها ربها وحملت من زوجها عمران الذي توفي بعد ذلك قبل أن تضع.. فلما شعرت بحملها فرحت وتمنت أن يكون ما في بطنها ذكرا أولعلها ظنت ذلك. فنذرته لله أن يكون محررا وعتيقا خالصا من أمور الدنيا متفرغا لعبادة الله وخدمة بيته المقدس وذلك كما جاء في القران الكريم "إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني انك أنت السميع العليم" آل عمران آية 35 فلما وضعت وجدتها أنثي فحزنت لذلك لأنها لن تستطيع بهذا الوفاء بنذرها فخاطبت الله كما جاء في قوله تعالي "فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي وإني سميتها مريم" آل عمران آية ..36 هذا ما كان من امرأة عمران أما ما كان لمريم بعد ذلك فقد كان شيئا آخر.. فقد تقبل الله عز وجل الوليدة من أمها كنذيرة بصرف النظر عن كونها أنثي وليست ذكرا وليس هذا فحسب فقبول الله لهذه النذيرة لم يكن قبولا عاديا. بل كان قبولا حسنا وهذا واضح في قوله تعالي "فتقبلها ربها بقبول حسن" سورة آل عمران آية 37. واختارها الله عز وجل وفضلها علي نساء العالمين لقوله تعالي "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين" آل عمران آية 42. ..43 كما خصها بأمر لم يخص بمثله أنثي قبلها ولا بعدها حيث خلق بها ولدا من غير أب وهو المسيح عيسي بن مريم عليه السلام وواضح مما سبق أن علم امرأة عمران بجنس وليدتها ليس علما بماهيتها فهي لم تكن تعلم شيئا عن هذه الوليدة وسيرتها في الدنيا ومالها في الآخرة وهذا واضح في قول الله "فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي"
ويتضح من هذا النص الكريم وجود جملة اعتراضية وهي "والله أعلم بما وضعت" "آل عمران 36" توضح أن الله وحده هو عالم الغيب بما لديه من علم شامل بكل شيء في ملكوته وهو لم يرض عن حزن امرأة عمران لوضعها أنثي وظنها أنها غير مؤهلة للوفاء بالنذر..
ولقد قسمت الجملة الاعتراضية السابقة كلام امرأة عمران إلي قسمين الأول يوضح جنس المولود والاعتذار لعدم الوفاء بالنذر والثاني يأس امرأة عمران من عدم وفائها بنذرها وكون هذه العبارة جملة اعتراضية في هذا الموقع بالذات يؤكد أن الله سبحانه وتعالي لايريد أن يدع أي مجال للشك بكون المولودة أنثي لا يمثل أي شيء عن ماهية الوليدة أو وضعها في المستقبل..
وعلي أساس ذلك يمكننا القول أن العلم بجنس الجنين أو حتي العلم بجنس المولود بعد ولادته لا يمثل أي شيء بالنسبة لعلم الله العليم عن خلقه سواء كانوا بالأرحام أو حتي بعد خروجهم من بطون أمهاتهم.. كان هذا كشفا هام بالقرآن الكريم الذي يفسر بعضه والذي يطلق عليه "التفسير بالمأثور".
"عقيدتي"
واقع المرأة في الغرب
مقدمة
المرأة الغربية هي الأنموذج والمثل الذي يُحتذى من قِبَلِ أدعياء التحرر والتغريب؛ فهي بزعمهم قد وصلت إلى قمة السعادة، وحصلت على كافة حقوقها الإنسانية، ولكن هل هذا الزعم صحيح حقاً؟! أم أنه مجرد وهْم كبير يريدون أن يوقعونا في شراكه؟
هذا ما سوف نراه في هذه الندوة التي شاركنا فيها مجموعة من الأخوات الغربيات المسلمات، كلهن من أصول إنجليزية وويلزية، عشن في الغرب، وتربين في أحضانه، ثم عرفن حقيقته بعد أن شرح الله صدورهن للإسلام.
الأخوات المشاركات:
1 - فاطمة أم إسماعيل، واسمها قبل الإسلام: فيكتوريا كيب وول.
2 - عائشة أم سعدية، واسمها قبل الإسلام: راشيل بريتشرد.
3 - خديجة أم عارف، واسمها قبل الإسلام: ويندي بووث.
4 - أم يوسف، واسمها قبل الإسلام: آشلي داينتي.
5 - خديجة أم محمد، واسمها قبل الإسلام: جوان توماس.
6 - نبيلة أم إسماعيل، واسمها قبل الإسلام: روبين رييد.
البيان: مفهوم الأخلاق مرَّ بتغيرات جذرية متعددة: فكرية واجتماعية، حتى وصل إلى مرحلته الحالية، فما مفهوم الأخلاق في الغرب؟
الأخت: خديجة أم عارف:
تختلف الأخلاق في الغرب من شخص إلى شخص ومن بيت إلى بيت، وهناك تصور عام أن كل التصرفات الشخصية مصونة مهما كانت هذه التصرفات إذا لم تؤثر على شخص آخر. ومن هذه التصرفات المقبولة عند الغرب مثلاً: أن ينتحل الرجل شخصية المرأة بزيها وعلاقاتها وأن يُظْهِرَ ذلك أمام أطفاله، ومثال آخر: هو الكَمُّ الهائل من المواد والعروض الإباحية في شتى وسائل الإعلام والتي أصبحت متقبلة. وبالرغم من أن هناك فئة من الناس تشعر بالخجل من هذه التصرفات إلا أنها لا تستطيع الانتقاد العلني خوفاً من أن توصف بالتحجر والتخلف. وتحت ضغط الإعلام أصبح الكثير من هؤلاء ومنهم أرباب الكنيسة يقبلون بالقيم الجديدة، ومثاله: السماح بزواج الشواذ داخل الكنيسة. نعم! الأخلاق في انحدار عجيب؛ وهناك ذلك المفهوم السائد بأن تفعل ما يحلو لك ما دمت تشعر بالسعادة وما دام مقبولاً عندك، هذا المفهوم الذي بدأ ينتشر من الستينيات حتى الآن.
الأخت: فاطمة أم إسماعيل:
أنا لا أعتقد أن هناك قيماً باقية في الغرب؛ فالنساء أصبحن كالرجال، والرجال كالنساء، حتى الكنيسة التي كانت أساس القيم الغربية غيَّرت كلام الله لتكثر حضور الناس، فصاروا يجعلون الحرام حلالاً.. فالقيم الغربية قد انهدمت!
الأخت: خديجة أم محمد:
لقد فُقِدَت فكرة القيم في الغرب؛ والأحوال تقزز النفس أكثر وأكثر، فالأفعال التي تحصل هنا من هذه الأنواع كثيرة، والناس المسؤولون عنها لا يوجد لديهم قيم، فهم لا يعتنون بتصحيح الأخلاق للناس والأطفال هذه الأيام، المسلمون الملتزمون هم فقط الذين لهم قيم هنا في الغرب.
الأخت: نبيلة عبد الله:
لم تعد فكرة القيم موجودة في الغرب، فالغرب يؤمن بأن حرية الاعتقاد الشخصي أهم من مسألة الالتزام بقيم معينة. وبهذا فإن الغرب سمح للمجتمع أن ينقلب ضد نفسه؛ حيث إن كل فرد يعتقد بأن ما يؤمن به هو الصحيح، كما أن من المسلك الحسن عندهم أن يترك الأمر لكل فرد يدعو لما يعتقد به بغض النظر عما قد يحمله من أفكار ومعتقدات شاذة. لقد مضى عهد طويل منذ أن كان الغرب يهتم بالقيم؛ حيث إن الاهتمام بالماديات أصبح بمثابة الإله المعبود.
البيان^: دعوات تحرير المرأة في الغرب قديمة جداً، فهل استطاعت تلك الدعوات أن تستنقذ المرأة الغربية وتنصفها وتكرمها؟ وهل استطاعت أن تسعدها حقاً؟
الأخت:عائشة أم سعدية:
أنا شخصياً لا أعتقد أن المرأة المسماة «محررة» بأنها سعيدة، فالشيء الذي حصلت عليه هو الغرور بأن تعتبر مساوية للرجل فقط؛ إذ ليس لها وقت أو إحساس لتحيا حقيقة أنها زوجة أو أم، وهذا مما يُحزِن؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق المرأة زوجة للرجل وأمّاً لأولاده لتراعي بيت الأسرة والأطفال وحاجات زوجها، ولمَّا لم يتحقق ذلك للمرأة المتحررة فقد ضاع عليها أهم شيء في الحياة؛ ويوماً مَّا سوف تشعر بهذا، ولكن بعد فوات الأوان! كيف يوجد للمرأة ذرة من الكرامة وهي تريد أن تكون كالرجل؟
الأخت: خديجة أم محمد:
لا.. تحرر المرأة في الغرب لم يستطع أن ينقذ المرأة أو يكرمها، فقط استطاع أن يضغط على النساء ليخرجن من البيوت من غير رقيب ولا حسيب، يكون لهن هواياتهن وحياتهن الخاصة، لا يردن العمل فقط بل دفعن بأنفسهن للوصول إلى أعلى مرتبة في العمل، والوصول إلى هذه (القمة) ليس بالسهل للنساء، ولهذا هن دائماً تحت ضغوطات محاولاتهن للتنافس مع الرجال، وفي النهاية إذا وصلن إلى أعمال ووظائف فعادةً لا يرقين إلى ما يحققه الرجال؛ فبعد كل هذا العمل، والوقت، والجهد والضغط ما زالت النساء هنا مثلاً لا يحصلن على المرتبات نفسها لنظائرهن من الرجال، وهذا يؤدي إلى نتيجة سلبية!
بعض الشركات لا تقبل النساء للعمل عندهم إذا كن حوامل ولا يوظفون النساء اللاتي لديهن أطفال، وهذا يزيد التعقيدات للنساء اللائي يسعين للتساوي التام مع الرجال، وهذا التعقيد هن اللواتي جلبنه؛ فبدلاً من أن يرفعن مكانتهن جعلن حياتهن مضطربة وتحت ضغوط جمة هذا لا بد أن يؤدي إلى الحزن والأسى.
الأخت: نبيلة عبد الله:
أنا أرى أن النساء في الغرب عشن مراحل (التحرر) واستُعبدن من قِبَلِ أفكار المجتمع الداعية لتحرير المرأة. ولقد ناضل النساء لنيل ما يسمى: (حقوق المساواة في أماكن العمل) وطالبن بالمعاملة بالمثل مساواة بالرجل. ولكن هؤلاء النساء أنفسهن سمعناهن فيما بعد يصرخن مطالبات بحقوق تختلف عن الرجال العاملين، مثل مطالبتهن بإجازات وضع الحمل، وتفريغهن للبقاء في رعاية أطفالهن الرضع، وفي هذا تناقض مع دعوات المساواة، حيث إن الرجال ليس لهم مثل تلك الحقوق، وهناك أمور أخرى مثل ترقيات العمل، فالمرأة عادة لا تمنح مثل تلك الترقيات ما لم تكن مستعدة لتقبل التحرشات المخدشة للعرض من قِبَلِ رؤسائها في العمل. ثم إذا ما نظرنا إلى واقع المرأة العاملة فسنجد مثلاً أن عليها التضحية في مسائل مثل تربية أطفالها والتي تلجئها ظروف العمل في كثير من الأحيان إلى إيكال تلك المهمة إلى مربيات؛ وقد أثبتت تجربة استخدام المربيات أنها قد تسيء إلى الأطفال؛ حيث تم ضبط كثير من الحالات التي يعنف فيها الأطفال ويُضربون، بل وكان منها حالات أدت إلى قتل الأطفال!
أما عن وضع أزواج النساء العاملات فهي الأخرى لا تخلو من خلل؛ فكثير من هؤلاء الأزواج قد يعاني من إهمال وتقصير زوجته تجاهه خصوصاً من الناحية العاطفية مما قد يؤدي به إلى العزوف عنها والبحث عن امرأة أخرى، فينتهي الأمر إلى الطلاق وتفسخ العائلة؛ ولذا فالمحصلة الكلية لمثل تلك الدعوات التحررية وبشكل عام لم تؤدِّ إلى السعادة.
البيان: خرجت المرأة الغربية للعمل في شتى الميادين مع الرجل جنباً إلى جنب؛ فهل تجربة العمل هذه ناجحة؟ وما أثرها على الأسرة والأبناء؟
الأخت: فاطمة أم إسماعيل: لا أصدق أن من النجاح أن يعمل الرجال والنساء جنباً إلى جنب؛ فمن فطرة الرجل أن يكون القائم والأقوى، ومن الطبيعي أن يرفض منافسة المرأة في مكان العمل، وعليه فسيصعب عليها العمل في مثل هذه الأجواء، وسيؤثر هذا بدوره على حياتها الأسرية، وذلك عندما تنقل تأثرها بمشاكل العمل إلى البيت وتؤثر بذلك على الأسرة.
وهناك أيضاً: الدعوة للوقوع في العلاقات المحرمة في العمل، إذا كانت الأحوال في البيت تمر في ظروف صعبة.
الأخت: عائشة أم سعدية:
كثير من النساء خرجن للعمل مع الرجال، ولكن تسمية ذلك نجاحاً شيء يحزن؛ والتنافس مع الرجال خطأ بالكلية، ولعل المرأة العاملة تعتقد أنها ناجحة بالتمكن من نفس مكانة الرجل أو أعلى منه، ولكنها في الحقيقة هي الخاسرة؛ فمن مشاكل الاختلاط مع الرجال أنها تخاطر بنفسها في الوقوع بعلاقات محرمة معهم، وطبيعي أن يؤدي هذا إلى الطلاق فتخسر زوجها وأطفالها.. ونحو ذلك. أيضاً عدم وجودها مع زوجها قد يقلل من اكتراثها به، ويمكن أن يجعله هو الآخر يدخل في علاقات جنسية غير مشروعة، حينئذ الأطفال حتماً سيعانون؛ لأن الأم ليست موجودة لتعلمهم ولترعاهم. وعادة ما يؤدي هذا إلى أن يخرج الأطفال إلى الشوارع، فيزيد احتمال وقوعهم في مشاكل عويصة، ومن تلك المشاكل الحمل المبكر غير الشرعي للبنات. وللمعلومية فيوجد في المجتمعات الغربية أكثر عدد من حالات الطلاق في العالم، وكذلك حالات حمل المراهقات من علاقات جنسية غير مشروعة.
الأخت: خديجة أم عارف:
في مجتمع العمل المختلط ينظر إلى العلاقات التي تنشأ بين الرجال والنساء على أنها علاقات من قبيل المتعة غير الضارة، ولكن ينسى هؤلاء أن هذه العلاقات قادت إلى الزنا وإلى تفكك الأسرة والقضاء على الكثير من الزيجات. هذا الاختلاط خلق كثيراً من الشك بين الأزواج حول العلاقات غير المشروعة التي يقيمها كلا الطرفين من خلال العمل، كما أنه ورَّث كثيراً من المضايقات والتحرشات الجنسية في العمل من قِبَل الرجال للمرأة، تلك المرأة التي تبدي نصف جسدها أثناء العمل. إن دور المرأة أمّاً ومربية للأطفال لم يعد له قيمة في الغرب، بل إن المرأة تُلقي بأطفالها في الحضانة أو إلى شخص آخر ربما يكون غريباً، وتنطلق للعمل وبأجر أقل من أجر الرجل. أعتقد أنه ليست هناك وظيفة أكثر ربحاً وأجراً من وظيفة الأم التي تربي أطفالها في بيئة متزنة حانية. كل طفل يحتاج أن يشعر بالحنان والطمأنينة، وهل يستطيع أحد أن يعطيه هذا الشعور مثل الأم؟! على الرجال في الغرب أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه أسرهم وأن يقوموا على الأسرة معيلين لها، وأن يشعروا بأخطائهم عندما يدفعون نساءهم للعمل خارج البيت.
الأخت: أم يوسف: عمل النساء بجانب الرجال خطر جداً وهو ليس بناجح حتماً، والخاسرون منه هم الأسرة عموماً والأطفال بالذات؛ فعندما تعمل المرأة فإنها تهمل البيت الذي هو مسؤوليتها، ولعل إحدى آثار عمل المرأة أن الأكل الجاهز أصبح الوجبة الأساسية للأطفال، مما يدعو إلى تدهور صحة الأطفال بمرور السنين، وهناك أثر ثانٍ وهو أن الأمهات يصبحن غير متفرغات لأطفالهن مائة في المائة، والأطفال يشعرون بذلك؛ وبهذا يظهر النقص في الاتزان والتصرف وتنشأ مشكلات سلوكية.
أما الأثر الثالث فهو أن المرأة تبدأ في لبس زي معين لكي تجذب الرجال داخل العمل، كما يؤدي اختلاطها بالرجال إلى عدم الرضا عن زوجها. ولعل وجود المرأة في محيط عمل الرجال من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة الطلاق.
البيان: التعليم المختلط وخاصة في سنوات المراهقة من خصائص التعليم في البلاد الغربية؛ فما تقويم هذه التجربة؟
الأخت: عائشة أم سعدية:
التعليم المختلط يشجع على العلاقات بين الأولاد والبنات، وإذا أُحصي عدد المراهقات الحوامل من مدارس مختلطة ومن مدارس بدون اختلاط (خصوصاً المدارس الإسلامية) لوجدنا في الغالب أن النسبة في المدارس المختلطة ستكون 57% على الأقل مقارنة بالمدارس التي تطبق الفصل بين الجنسين بنسبة لعلها تقرب من 5% (في حين ستجد أن النسبة في المدارس الإسلامية هي الصفر)، كما أنني أعتقد أن اختلاط الجنسين يؤدي إلى عدم تركيزهم من الناحية الدراسية؛ لأن اهتمامهم سيكون موجهاً للجنس الآخر.
الأخت: خديجة أم محمد:
لتقويم التربية المختلطة في المدارس الغربية أقول: إن اختلاط الأولاد والبنات مثلاً في هذه المدارس شيء في غاية التهديم؛ فعندما يكبر الأطفال وينمون سوف يبدؤون يفهمون أمور النساء في المدرسة، وهم ليسوا تحت رعاية دائمة، والآن غدت مواضيع الحياة يُتحدَّث فيها علانية، وعند ذلك فإن الأطفال سوف يُشجَّعون على الفعل القبيح من زناً وما شابه ذلك، والذي يجري في الصفوف العُليا (الفصول المتقدمة) في هذه المدارس أن ترتب النشاطات للبنين والبنات معاً ويتركوا للاختلاط بحريَّة، والنتيجة التي لا مفر منها أن البنات والبنين يبدؤون بعلاقات الحب والغرام، وهذا يؤدي إلى الزنا وحالات حمل البنات الصغار، وبعد ذلك تُترك البنت لتربية الأطفال وحدها، وهذا هو سبيل تفكك المجتمع!
الأخت: نبيلة عبد الله: التعليم المختلط خطر يهدد المجتمع؛ فالمربون (المعلمون والمعلمات هنا) يؤمنون بمشروعية إقامة العلاقات بين الجنسين من الطلبة المراهقين، متناسين الأبعاد الخلقية والصحية والجنسية لهذا الأمر، وهم أنفسهم (الهيئة التعليمية) قد يكونون متورطين في أعمال غير خلقية، مثل تعاطي المخدرات والعلاقات غير الخلقية بل وحتى الزنا. الشغل الشاغل للمراهقين في مثل هذه الحال هو معايشة هذه الأجواء وبذلك يصبحون معرضين لمختلف الأخطاء التي تحيق بهم في مجتمع تحطمت فيه القيم الخلقية، والمجتمع نفسه هو الخاسر في نهاية الأمر.
البيان:تعاني الفتاة الغربية المراهقة من مشكلات اجتماعية ونفسية متعددة نتيجة انتشار الشذوذ والزنا والاغتصاب ونكاح المحارم.. ونحو ذلك؛ فهل هذه المشكلات موجودة حقاً؟ وما حجمها؟ وهل يدرك الغربيون خطورة ذلك؟
| الأخت: خديجة أم عارف:
لا أعتقد أن نكاح المحارم منتشر، ولكن الزنا منتشر؛ فالأولاد يُعَلَّمون في المدارس أن العلاقات الجنسية مسموح بها بشرط أن يُستخدَم الواقي، أو ما يسمى بالجنس الآمن؛ ولكنهم لا يعلمون القيم الأخلاقية أو أهمية الزواج. وهذه الأشياء لم تؤدِّ إلى أعداد كثيرة من الحمل المبكر غير المرغوب فيه، وإلى أعداد من الأمهات بدون أزواج فحسب؛ بل أدت إلى مجتمع يفتقر إلى الاتزان الأخلاقي والذي هو من الضرورات لتربية الأطفال في أي مجتمع. كثير من الفتيات أصبن بصدمة نفسية نتيجة الحمل المبكر (بطريق الزنا) وأدى ذلك إلى الإجهاض، ولا تسأل عن آباء صغار السن والذين يتنكرون للمسؤولية عادة. إن الصدمة النفسية والمعاناة المترتبة على هذه المشاكل خيالية. الإعلام يدفع الفتاة إلى التجمُّل والخروج بشكل سافر وهو ما يؤدي غالباً إلى الاعتداء الجنسي والقتل أحياناً. كل ذلك له تأثير سيئ على المجتمع؛ فالفرد الذي اعتاد الخلاعة والإباحية يصعب عليه أن يقيم علاقة متزنة من خلال أسرة وأن يربي أطفالاً. المجتمع والمربون والآباء لا يقدمون إلا القليل في مواجهة هذه المشاكل.
الأخت: نبيلة عبد الله:
أنَّى للمربين أن يُقدِّروا خطر هذه الانحرافات وهم أنفسهم من ضحاياها؟! لقد انضم كثير من ذوي الانحرافات وبمختلف أصنافها إلى فئة المربين، وهذا يشجع المراهقين على ممارسة ما يسمى بالطرق المأمونة لتعاطي المخدرات وممارسة العلاقات الجنسية وهم في عمر يافع لا يعون معه المخاطر التي تحيق بهم!
الأخت: أم يوسف:
هذه المشاكل موجودة وأعتقد أن حجمها أكبر من أن يتخيله أحد. أنا أعتقد أن المربين واعون لأخطار هذه الانحرافات السلوكية ولكن لا يعرفون كيف يوقفونها.
| الأخت: خديجة أم محمد:
نعم! هذه المشاكل موجودة، ومدى هذه المشاكل يؤدي إلى خلخلة أسرية؛ فعندما يكبر الأطفال يغدون مختلين وينقلون مشاكلهم وخللهم الاجتماعي إلى مراهقين آخرين أو حتى أطفالهم؛ وهذا ينتج قلة الاحترام في المجتمع، ولهذا فإن هناك تفككاً كبيراً في الحياة الأسرية وفي القدرة على التعامل الاجتماعي الجيد.
الأخت: فاطمة أم إسماعيل:
نعم هذه المشاكل موجودة، ولكن أنا أشعر أن الموضوع في غاية البشاعة، ولا أريد أن أعلق أكثر.
البيان: للإعلام دور بارز في صناعة الأخلاق والقيم؛ فكيف يصور الإعلام الغربي المرأة الغربية؟ وهل لهذه الصورة دور في إفساد المجتمع وتفككه؟
الأخت: فاطمة أم إسماعيل: الإعلام يستخدم النساء معظم الوقت أدوات للنظر إليهن، والبنات الصغيرات يشاهدن هؤلاء النساء ويرغبن في الظهور مثلهن، ولذلك فإن المشكلات كثيرة منها تخلي المرأة عن عملها البيتي كالطبخ وغيره من الخدمات وانشغالها بجسمها.
الأخت: خديجة أم عارف:
الإعلام يركز على منظر المرأة ومظهرها؛ فالمرأة الجميلة ذات الجسم الرشيق تغطي صورتها الصفحات، وتعرض جسمها بطريقة مقززة، والمرأة تفاخر بجمالها وتعتبره سلعة ناجحة. وتعتقد بعض النساء أن الحرية للمرأة هي في التعليم وفي تحقيق المنصب والشهرة، ولا يخفى أن هذه الحرية هي التي أنتجت صناعة الجنس والتي تعتبر من أكثر الصناعات نمواً في الغرب. نعم! لقد امتُهِنَت المرأة في الغرب وهي التي سمحت للعابثين بذلك. غسيل الدماغ مستمر في الإعلام من خلال طرح نماذج على أنها مثال أعلى؛ إذ تقدم حياتهم الجنسية على أنها المثال، مثل نجوم الموسيقى والغناء مع عدم تقديمهم أمثلة إيجابية يمكن الاقتداء بها.
الأخت: خديجة أم محمد:
الإعلام الغربي يصور المرأة الغربية على أنها قوية، مستقلة، جميلة ومثالية؛ لأن النساء يرغبن بذلك كما يقول الإعلام، وإذا لم يكن عندها أي من تلك الصفات فستفعل أي شيء للحصول على ما يتوقعه الناس من هذه المظاهر مثل لون الشعر ولون البشرة، وإذا لم تستطع أن تحقق ذلك فسوف تكون في غاية من الضيق؛ لأنها لم تبلغ (المثالية) التي يصوِّرها الإعلام! وهذا يؤدي بها إلى الكآبة الشديدة والإحباط بل وأحياناً إلى قتل النفس.
صورة الإعلام هذه شر ماحق يمكن أن يدفع المرأة إلى أن تحطم عزتها بنفسها، وإذا فقدت عزة النفس فلن تُكرَم أو تراعي أي أحد، أو أي شيء آخر، وهذا يمكن أن يؤدي إلى الإجرام واللامبالاة بين أفراد المجتمع.
الأخت: نبيلة عبد الله:
إن الإعلام في تصويره للمرأة في الغرب يهمل دورها في المجتمع زوجةً وأمّاً، ويركز على مسائل مظهرها وهيئتها ودوافعها إلى كسب المال. الغالب هنا أن البنات الناشئات لم يعد لهن قدوة حسنة في أمهاتهن اللائي أصبحن يعلمنهن أن قيمة المرأة تكمن في اهتمامها بالملبس وقابليتها على جذب وإبهار الرجال. ومن المفاهيم المنحرفة التي أصبحت مترسخة عند كثير من النساء أن الاهتمام برشاقة الجسم مثلاً مقدم على الإنجاب والاعتناء ببيتها. كذلك فإن نظرة المرأة الغربية للرجل أصبحت تتسم بقلة الاكتراث لدوره في المجتمع، حيث إنها ما عادت في حاجة ملحة للارتباط بزوج؛ فالحرية الجنسية تصور لها أن الزواج أضحى من عادات الماضي وتقاليده وأن الزواج يؤدي إلى استعبادها من قِبَل رجل واحد!
الأخت: عائشة أم سعدية:
الإعلام بارع في إبراز قضية تحرر المرأة الغربية.. الحرية في الذهاب إلى العمل، السياحة، السوق.. ونحوها. النساء في خطر كبير وهو: الاقتناع بأن كل شيء في الحياة رائع ويُشْرَع لها نيله؛ فلماذا تتزوج وفي استطاعتها نيل المتعة من غير زواج؟! ولماذا تجلس في البيت وفي استطاعتها أن تعمل وتختلط بحرية مع الرجال، وتحصل على أي عدد من الأخلاء كما تريد؟! المرأة في الغرب اليوم لا يوجد عندها قيم لنفسها، وليس لها كرامة البتة، وسوف تهلك نفسها بنفسها.
البيان: التفكك الأسري والتمزق الاجتماعي يعده بعض الناس أحد سمات المجتمع الغربي، فهل هذا صحيح؟ وهل له أثر على تربية الأبناء؟
الأخت: خديجة أم عارف: من أهم أسباب تفكك الأسرة في الغرب كثرة الطلاق وارتفاع نسبته وقلة الزواج؛ فالكثير لا يتزوج. ومن آثار هذا التفكك الآثار السلبية على الأطفال الذين يقعون ضحية للطلاق. ومن مظاهر التفكك كثرة الأمهات العزاب التي يكون لديهن أطفال من غير زواج، ولكن من علاقات غير مشروعة، وعدد هؤلاء في ارتفاع مع ما يواجهن من صعوبات في تربية الأطفال وفقدان للعطف والرعاية من الآباء. وهذا يفسر انحراف كثير من الأطفال في هذا المجتمع. إن تعاليم الإسلام تحفظ للمرأة كرامتها وأي حدود توضع لها هي لحفظها وصيانتها؛ ولكن للأسف فإن هناك جهلاً بحقوق المرأة في الإسلام؛ فمثلاً واجب الإنفاق من قِبَلِ الزوج على المرأة والأطفال والبيت هو حق لهم مقرر في الإسلام؛ فعلى الزوج أن ينفق ومع ذلك يحق للمرأة أن تحتفظ بما تمتلك لنفسها إلا إذا أرادت المساعدة في حال العسر مثلاً. المرأة في الإسلام ليست تحت ضغط يدفعها للخروج من المنزل للعمل، بل لها الحرية في البقاء في البيت لتربية أطفالها دون الشعور بالذنب الذي تشعره الكثيرات من النساء غير المسلمات في الغرب. وللمرأة حق التعلُّم وخاصة في أمور دينها وأن تسد الحاجة في مجال الطب والتدريس حتى تقوم بخدمة أخواتها المسلمات في بيئة تعمل فيها بعيداً عن الاختلاط وتحكم بأحكام الإسلام.
إن نظرة الذين لم يذوقوا حلاوة الإسلام والإيمان بأننا لسنا سعداء بطريقتنا الإسلامية في الحياة هذه النظرة غير صحيحة ولا واقعية؛ فأنا مثلاً أشعر بسعادة غامرة عندما التقي بأخواتي المسلمات بعيداً عن الرجال في مجتمع نسائي منفصل؛ حيث لا تحاسُد ولا تباغُض كما يحدث في المجتمعات المختلطة؛ حيث الغيرة والتباغض. كما أن الإسلام يحث المرأة على الاهتمام بالمنزل والأسرة؛ فإنه يفتح المجال لتعارف النساء وفتح باب التعلم لهن وخاصة العلم الشرعي. النساء غير المسلمات اللائي يحضرن أحياناً م
العلمانية والفن د. إبراهيم الخولي أستاذ البلاغة والأدب المتفرغ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر . د. عبد العظيم إبراهيم المطعني أستاذ البلاغة والأدب المتفرغ بكلية اللغة العربية فرع إيتاي البارود جامعة الأزهر. د. حلمي محمد القاعود أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة طنطا. الأستاذ: محمود خليل الإعلامي المعروف وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية. ________________________________________ البيان: موضوع هذه الندوة غاية في الوضوح غاية في التعقيد يلمس أثره المؤمن بإيمانه، ويكشف أبعاده المدقق بإمعانه. والقضية تحتاج في ابتدائها إلى تحديد مفهومي العلمانية والفن باتخاذهما مدخلاً لمعالجتها. ماهية العلمانية د. إبراهيم الخولي: قضية العلمانية هي قضية المجتمع الإسلامي المعاصر ليس اليوم فقط وإنما منذ فترة طويلة؛ فالعلمانية في العالم الإسلامي هي راسب من رواسب الاستعمار، وإذا كانت تبدو اليوم عالية الصوت فليس لكونها استفادت قوة؛ وإنما لأن مواجهتها في العالم الإسلامي هي التي منيت بالضعف، وهي تأخذ مفهومين متطورين: في البداية أخذت مفهوم فصل الدين عن الدولة، وانتهت إلى نبذ الدين جملة ومحاربته حرباً لا هوادة فيها. وكلنا يعرف مقولة ماركس الشهيرة: «الدين أفيون الشعوب»، ولذلك رأى الماركسيون ومن لف لفهم من العلمانيين أن الدين هو المسؤول الأول عن طغيان الرأسمالية والطبقية، وعن المظالم الاجتماعية، وعن جرائم مؤسسات البنية العليا، وأن الدين هو المسؤول عن تخدير الشعوب واستكانتها لجلاديها ومن ثم لا صلاح للمجتمع الإنساني إلا بإقصاء الدين جملة. والعلمانية وافد غريب على مجتمعاتنا لا مكان لها فيها؛ لأنها نشأت حلاً لمعضلة واجهها المجتمع الغربي النصراني ولم يكن أمامه من حل سوى اللجوء إليها؛ حيث بدأ العقل الغربي يتمرد على الكنيسة بعد أن قطع في الحركة العلمية في المجال التجريبي شوطاً، وبعد أن صادرت الكنيسة العقل، وصادرت العلم، وصادرت حق الحياة. وبعد صراع مرير إلى جانب صراع آخر على السلطة بين الأمراء والكنيسة انعتق من استبداد الكنيسة وبدأت مرحلة جديدة من المهادنة بين «الكنيسة» السلطة الدينية و «الحركة العلمية» من جهة، وبين السلطة الزمنية «الحكام» من جهة أخرى، وهنا بدأت العلمانية بمعناها المبكر فصل الدين عن الدولة بتقاسم السلطة: للكنيسة سلطتها على ضمائر الناس وعلى قلوبهم، وللسلطة الزمنية السيطرة على كل ما يتصل بشؤون الحياة والتوجيه والتشريع، وتصبح العلاقة بين الكنيسة والدولة الناشئة التي بدأت فكرة السيادة على مفاهيمها العلاقة: (لا مساس). وفي تقديري أن هذا كان لوناً من المكيافيلية ريثما تستحكم قوة الدولة المدنية لتحميهم ثم تنتقل إلى المرحلة الثانية التي تجاوزت العلمانية فيها الاكتفاء بمجرد الفصل إلى إقصاء الدين جملة عن توجه الحياة، ثم تمادى هذا التيار وانتهى إلى ما نسميه ب (الإلحاد العلمي) الذي ساد أوروبا شرقاً وغرباً، وانتهت المسألة بأن أصبحت العلمانية أخيراً تساوي الإلحاد وتعني إقصاء الدين جملة وتفصيلاً عن المجتمع وعن توجيه الحياة فيه. ولم تجد الكنيسة بداً من أن تستسلم لهذا؛ وأظن أن التلاعبات التي حدثت بعد هذا تسري آثارها اليوم بشكل أشد حدة. د. حلمي القاعود: العلمانية نتاج المجتمعات الأوروبية في العصر الحديث، وقد تأكدت في القرنين الأخيرين بسبب الخواء الروحي والعقدي الذي يعيشه الأوروبيون من ناحية، وهيمنة الكنيسة الكاثوليكية من ناحية أخرى، ولعل ثورة كالفن ولوثر التي عرفت فيما بعد باسم الاحتجاج على الكنيسة الكاثوليكية (البروتستانتية) كانت مقدمة لكسر الهيمنة الكنسية، وفصم عرى العلاقة الوثيقة بين الكنيسة والدولة، أو بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية. وإجمالاً، فإن العلمانية كانت إجراء يهدف إلى إزاحة سيطرة الكنيسة على الحكومة في أوروبا، خاصة بعد أن تنوعت مظالم القساوسة ورجال الدين ضد المجتمع، ووقوفها ضد العلم، وإحراق بعض الفلاسفة والعلماء بسبب آرائهم أو كشوفاتهم، ومن أشهر الأمثلة على ذلك «سبينوزا» صاحب مدرسة النقد التاريخي الذي كان مصيره الحرق، و «كوبرنيكس» الذي حرَّمت الكنيسة كتابه: «حركات الأجرام السماوية» الذي نشر عام 1543م، و «جردانو» الذي صنع تلسكوباً فعذب عذاباً شديداً وعمره آنئذٍ سبعون عاماً، وتوفي 1642م. والعلمانية تعني (غير الدينية) أو (الدنيوية) ومفهومها بالمصطلح الإنجليزي secularism لا علاقة له بالعلمscience أو المذهب العلميscientism ، ولأن العلمانية بعيدة عن الدين؛ فقد اهتمت بما يسمى تحرير العقل، وإضفاء صفات الألوهية على الطبيعة، وتطبيق المنهج التجريبي، مما أدى إلى إنكار أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان، وإقامة الحياة على أساس مادي صرف، وهو ما تبلور في شيوع الإباحية والقبول بالفوضى الخلقية وهدم كيان الأسرة. وكان نصيب العرب والمسلمين من العلمانية غير قليل؛ حيث تسللت إليهم عبر جيوش الاستعمار منذ حملة نابليون على مصر والشام ثم حملات الإنجليز والفرنسيين والأسبان على بلاد العرب، فأدخلوا القوانين الأوروبية (خاصة القانون الفرنسي) وغيروا نظم التعليم، ووجهوا المتعلمين إلى الثقافة الأجنبية وإهمال الثقافة الإسلامية التي تمثل ثقافة البلاد وكان إعلاء شأن الثقافة الأجنبية واحتضان المهتمين بها من أبناء المسلمين عاملاً مؤثرًا في إهمال شأن الثقافة الإسلامية؛ بل ازدرائها وتحقيرها. ماهية الفن د. عبد العظيم المطعني: الفن في الأصل يمكن تعريفه ببراءة ينبغي أن تكون فيه بأنه «القول الجميل»، ثم اتسع مفهومه من القول ليشمل العمل، فتولد عنه المسرح منذ القديم، ثم زاحمته السينما والشاشة الصغيرة كما يقولون الآن. وهو نتاج فكري خاص يتميز عن أنواع التفكير الأخرى. والذي يقابل الفن مع شيء من التسامح العلم. والعلم أيضاً نتاج عقلي؛ لكن رسالة العقل في حيز العلم نستطيع أن نشبهها بالمرآة تعكس ملامح الصورة التي تقف أمامها، ومعنى هذا أن يكون نتاج العقل في حيز العلم خبراً مطابقاً للواقع، أما نتاج العقل في مجال الفن فيتلون حسب الرؤية الخاصة بمن يعمل في مجال الفن؛ فالعقل ليس مقيداً في مجال الفن بحدود الواقع ولكن له حرية القفز فوق هذا الواقع، وله حق تصويره حسبما يراه الفنان على ما هو عليه في الواقع؛ ولذلك قالوا: إن العلم موضوعي والفن ذاتي، وتعني موضوعية العلم أنه حقائق يدركها جميع العقلاء كالمعادلات الرياضية وما أشبهها. أما الفنون فنتاج ذاتي يتلون بتلون صاحب النموذج؛ فلو أتينا بعالمين طبيبين مثلاً ليتحدثا عن الشيب في رأس الإنسان فسوف يتحدثان عن الأسباب والمظاهر البيولوجية المصاحبة للشيب سواء كان في سن مبكرة أو متأخرة. لكن إذا عرضنا هذه الظاهرة على أديبين فسوف يختلفان، وقد حدث هذا بالفعل؛ إذ رآه أحدهما سيفاً مسلطاً على رقاب العباد وأنه نذير للنهاية، بينما رآه آخر لمعة بيضاء تنم عن كمال التجربة وخبرة الأيام عند الإنسان؛ ومن هنا فإن الفنان يتمتع بحرية شرط أن يكون صادق الإحساس مع نفسه غير متكلف. والفن بعد هذا يعتمد على عناصر أربعة، يشترك العلم معه اشتراكاً أساسياً في عنصر منها وهو المعنى؛ لأن كلا النموذجين لا بد أن يحمل فكرة أو معنى، ثم يختلف الفن بعد ذلك بأنه يغلف بالخيال، و أن تشيع في روحه العاطفة، وأن تكون اللغة رومانسية وليست كلاسيكية . تقوم على التفخيم والتهويم والتجسيم.. سواء كان هذا الفن شعراً وهو أرقى أنواع الفنون، أو نثراً كالقصة والأقصوصة أو كان غير ذلك. ومن هنا نحن نتحدث عن الفن في مرحلة قراءته بأنه الفن الجميل برؤية خاصة تكون وراءها تجربة للفنان أو الأديب، وسعة خيال يتشكل به النموذج؛ هذا هو الفن، ومجاله أوسع بكثير من مجال العلم باعتبار الحرية التي يتمتع بها الفنان. وقد حكي عن بعض الصحابة وهو النابغة الجعدي أنه قال بيتاً من الشعر أمام النبي -صلى الله عليه وسلم-: بلغنا السماء مجدنا وجدودنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا وهنا يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- من زاوية نقدية مُوجِّهَة فقال له: «أين المظهر بعد ذلك يا أبا ليلى؟» فأوقعه في حرج، ثم تدارك أبو ليلى قائلاً: إلى الجنة. فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أجل! إن شاء الله»(1).. هذا النموذج النبوي الكريم فيه رد مفحم على دعوى تتفجر هذه الأيام بعد أن اصطبغ الفن بالصبغة العلمانية: بأن الأدب لا سلطان لأحد عليه لا من ناحية الدين أو التقاليد والعادات، ولا من ناحية السياسة، وإنما الذي يحكم على الأديب المبدع حسبما يدَّعون هو الأديب المبدع، وفيما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا رد على هذا الادعاء؛ إذ كف عليه الصلاة والسلام مبالغة شاعر بريئة، ونبهه إلى أنه جنح في خياله؛ ولكن الله ألهم الشاعر فرد بما أرضى النبي -صلى الله عليه وسلم-. ومن هنا فإن الفن أداة لتطوير المجتمع وإمتاعه وإقناعه وخدمته، والفن في تاريخ الأمة سبق تحولات خطيرة في التاريخ: نبَّه على عيوب فتلافتها الأمة، بصَّر بحقائق يجب أن يدان لها ويعمل من أجلها؛ وصدق الشاعر: ولولا خلال سنها الشعر ما درى بناة العلا من أين تؤتى المكارم د. حلمي القاعود: يمثل الفن جزءاً من ثقافة أي أمة من الأمم، وقد عرفت الثقافة الإسلامية فنوناً قولية وشعبية انتشرت في البلاد العربية والإسلامية وخاصة فنون الشعر الغنائي والنثر الفني والسير الشعبية والقصص الخيالية والتاريخية، فضلاً عن فنون الهندسة المعمارية والرسم والخط والزخرفة سواء على الورق أو الجدران أو المحاريب أو مداخل القصور والمساجد.. وغير ذلك. بيد أن الاحتكاك مع حركات الاستعمار الأوروبي وطلائع التنصير والثقافة الغربية مهّدت لازدهار فنون جديدة كانت معرفة المسلمين بها محدودة أو غير واضحة مثل المسرح والسينما والأوبرا، ومؤخرًا دراما التليفزيون، وكلها تقوم على العنصر الدرامي: (الحكاية والصراع في داخلها، أو الحوار بين شخوصها)، ومهمة هذه الفنون نقل الأفكار والتبشير بالتصورات غير المألوفة، وبذلك دخل المسلمون عن طريق الدراما إلى عالم جديد من القيم العلمانية التي تتصادم في الغالب مع القيم الإسلامية، حيث بشّرت الفنون الدرامية بقيم الاختلاط المطلق، والعري، والعلاقات الإباحية، والإلحاد، والانتهازية، والبقاء للأقوى وليس للأصلح، وتسويغ العنف والشر والرذيلة، والتبشير بالرجل الغربي بوصفه «السوبر مان» أو الرجل الأعلى القادر على فعل كل شيء، والتغلب على كل الصعاب التي تعترضه، فضلاً عن تأثيرها السلبي حين تُقدِّم صورة الرجل المسلم عموماً في إطار كئيب ورديء بوصفه ميّالاً للدعة والكسل، والكذب والقذارة والخيانة والنفاق، أو تجعله صنوًا للجهل والتحجر والجمود والتنطع والجهامة والقسوة، أو محلاً للسخرية والاستهزاء.. وفي إطار ذلك كله كان التركيز على عزل الإسلام بعيداً عن واقع الحياة والمجتمع في الأعمال الدرامية؛ بحيث بدا «ديناً كنسياً» يرتبط في الأذهان بالمسجد أو المقبرة فحسب! هناك مقولة قرأتها للرئيس البوسني «علي عزت بيچوفيتش» فحواها أن الفن هو الوجه الآخر للدين، وقد ذكر الناقد الأنجلو أميركي «ت. س. إليوت» هذا المعنى بعبارة أخرى في كتابه حول معنى الثقافة. قرابة الفن للدين قائمة، ولكن أي فن؟ هذا هو السؤال الذي يتردد في أذهان الكثيرين، وخاصة في زمن الالتباس الذي نعيشه؛ حيث تختلط المفاهيم، وتتداخل المصطلحات، وتراوغ التعريفات. كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعجب بشعر أمية بن أبي الصلت ويستنشده، وكان يعجب بشعراء آخرين، وخلع على كعب بن زهير بن أبي سلمى بردته حين أنشده قصيدته اللامية المشهورة(1): بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يُفد مكبول وما ذلك إلا لأن القصيدة كانت فناً جميلاً صاغ معاني عظيمة تصب في خانة ترقية الإنسان والتبشير بقيم عليا، وهذه آية الفن الجيد الذي يعد بمفهوم علي عزت بيچوفيتش الوجه الآخر للدين. وإذا نظرنا إلى نشأة المسرح في الزمن القديم عند الإغريق والرومان فسنجدها قد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالدين؛ ففي الأعياد المقدسة التي كانوا يقيمونها في المعابد كانوا يقومون بأداء التمثيليات أو المسرحيات أو الملاحم التي تعبر عن علاقتهم بآلهتهم أو رغبتهم في تقديم الشكر لها وخاصة بعد الحصاد، والعديد من أصحاب الشرائع السماوية والأديان الوضعية يقومون في معابدهم حتى اليوم بتقديم ألوان من الفنون الدرامية والموسيقية تعبيراً عن عقائدهم أو قصص أنبيائهم أو علاقتهم بمن يعبدون ويقدسون. وقد سجل المصريون القدماء على حوائط مقابرهم ومعابدهم بالرسم والكتابة لوناً من هذه الفنون التي تكشف عن طاعتهم لمعبودهم أو مصائرهم بعد الحياة الدنيا. إذن الفن مرتبط بطريقة ما بالروح الإنسانية؛ وقد اتخذته بعض الفلسفات الوضعية بل والدينية وسيلة للتطهير والارتقاء أو التكفير والغفران، شريطة أن يكون بعيداً عن الغواية والانحراف. أ . محمود خليل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. الفن كما قال الدكتور المطعني: «كسب من كسوبات الإنسان يعبر به عن ذاته»، وهو تعبير أساسي عن مواجيد نفسه كأحد نتاجات الذات الإنسانية؛ فإن توافقت مع فطرة النفس وناموس الكون وتقيدت بالشرع كان الفن إسلامياً؛ إذن العيب لا يأتي من الفن وإنما من إساءة استخدامه. ولما كان الفن هو المعادل الظاهر المرئي لمكون أساسي من مكونات النفس البشرية كان لا بد له من أن يحمل رسالة تعبر عما تفتعل به النفس، والله تعالى أمرنا أن نعتبر بالشاكلة لا بالشكل فقال: {قٍلً كٍلَِ يّعًمّلٍ عّلّى" شّاكٌلّتٌهٌ} ؛ كان علينا أن نفرق بين الشاكلة المسلمة وما سواها، وإذا كان حديثنا عن العلمانية وتوظيفها للفن واصطباغ هذا الفن بصبغتها في ظل غياب الفاعل الإسلامي الذي يتعامل مع النفس السوية في ظل هذا الغياب كان همُّ العلمانية أن تشغل المساحة الفارغة في المجتمعات المسلمة التي لم تمتلئ بالحق فاتخذت من الفن معبراً. والفن كان الضالة المنشودة والقنطرة التي عبرت عليه كل الأيديولوجيات والنظريات الفلسفية التي خرجت عن الإطار الإنساني الصحيح، ومن ثم كان الفن هو التعبير المهاجم للأديان سواء في زي الماركسية، أو في ظل الوجودية وما بعد الوجودية والحداثة وما بعد الحداثة التي تنقض على الأديان وتنزل المقدس منزلة المدنس. ولئن وقع الخلط طويلاً بين الفن باعتباره وسيلة، والفن من قبيل المضمون مما جعلنا نغفل دوره في تعميق المفاهيم الشرعية في المجتمع، إلا أن تلك المذاهب قد استغلته منذ زمن بعيد، فلم يكن عجيباً أن يقول ماركس من أول يوم: «لأُنسين الناس بالمسرح» عام 1907م، ثم يأتي لينين من بعده فيقول: «لئن غابت عنا السينما إلى الآن فليعلم الماركسيون في العالم أن السينما بالنسبة لنا أهم الفنون»، ويأتي بعد ذلك ليون تروتسكي الثائر الماركسي ويقول عام 1923م: «لئن تركنا السينما دون أن نعبئها تعبئة ماركسية هادفة إلى الآن فلا أقول نحن مقصِّرون، بل أقول نحن متخلفون أغبياء». إذن واضع الفلسفة الشيوعية ماركس، ومطبقها لينين، والمنظر والثائر الراديكالي في داخل الفلسفة تروتسكي يعلمون جيداً قيمة الفن من حيث إنه وسيلة؛ فهذا قال المسرح، والآخر قال السينما، والثالث وجد التطوير التطبيقي للسينما. والسينما عندما ظهرت في أوروبا عام 1895م جاءت إلى مصر بعدها بعامين لم يكن هذا لسبقنا، ولكنها مثلت وعاء فارغاً شغله غيرنا في غيبة منا؛ وبهذا كان الفن مطية ذلولاً بالنسبة لهم على قدر ما كانت سلعة مشتهاة بالنسبة لنا، فشغلوا النفوس بالباطل في غيبة من الحق. ولأن الفن قد نشأ حين نشأ في أحضان الوثنية اليونانية القديمة فهو لا يعرف للدين منهاجاً وإذا عرف الدين فيعرفه في الآلهة وأنصاف الآلهة: آلهة الريح وآلهة المطر وغير ذلك، ولهذا فهو يحمل ظلالاً مشوهة وانقضاضاً على الأديان منذ أن كان فناً يونانياً قديماً في ظلال المسرح، ومنذ أن أصبح فناً سينمائياً في أحضان الماركسية. والماركسية هي الصيحة الثائرة للصهيونية، كما أن أهم ركائز الفن وهو التمويل كان أيضاً صهيونياً، والفن السينمائي المعاصر نَبَتَ من أحضان ماير روتشيلد وإخوته فمولوه تمويلاً مسموماً صهيونياً منذ نشأته إلى أن انتهى إلى هوليود التي أصبحت تُدخل إلى ساحتها من شاءت. كما أننا لو نظرنا إلى بذور الفن الأولى في مصر على وجه التحديد لوجدناهم إما يهوداً وإما متهودين سواء في التمويل أو في الإخراج. والفن بالمعنى المطلق لا يمكن الحكم عليه حتى يتحيز ويتشكل، ونحن نرى هنا أنهم حين صنعوه ووضعوا له أطراً أصبحت كمسلَّمات تقعيدية هُيِّئ للكثيرين أنه لا يصلح إلا بهذا النجس. البيان: إذن يمكننا التفريق بين مفهومين للفن: أحدهما لغوي وضعي مرتبط بالبراءة الأصلية هو كالمعنى المطلق، والآخر واقعي مرتبط بالممارسة القائمة التي قدمتها العلمانية ونظّرت لها وقعّدت، وهو أشبه بتحريف لهذا المطلق، والعلاقة بينهما علاقة ما بين الواقع والمثال. ونظراً لابتعاد الواقع عن المثال وطغيانه عليه في ظل الممارسة العلمانية نود أن نكشف طرفاً من التزييف العلماني باسم الفن، ونبين لماذا الفن بالذات؟ د. إبراهيم الخولي: الفن من حيث هو سلاح يتوقف أثره على هدف من يستعمله، وعلى القذيفة التي يطلقها من خلاله، والعلمانية حين تختار الفن وتوظفه فإنها تعرف غايتها وطريقها والوسيلة الصحيحة لتحقيق أهدافها، وحين قال ماركس: «الدين أفيون الشعوب» كان يدرك الأثر الحقيقي للدين في نفوس البشر.. أدرك هذا جيداً وحاول أن يقصي الدين لما له من تأثير على نفوس البشر.. لا يستطيع ماركس بهُرائه الذي زعمه فلسفة أن ينال من نفس مؤمنة مهتدية بدين الإسلام؛ فكانت المعركة ضد الإسلام لإزاحة العائق أولاً، فإذا ما انتهت من هذه الحصانة والمناعة التي يهبها الدين للنفس أمكن غزوها وأمكن وأمكن... الأثر النفسي للدين يقترب منه الأثر النفسي للفن دون تشبيه، والفن مخدر للنفس، وظيفته الأولى تخدير عقل المتلقي ليستقبل الرسالة التي يحملها الفن وهو مستسلم سلبي قابل دون أدنى مقاومة، وهنا نفهم لماذا هذه الحشود التي يصطنعها الفن من مؤثرات صوتية وبصرية، وحشد لعناصر قد لا يحتاج الأمر لشيء منها مثل عنصر المرأة.. الموسيقى.. الرقص.. كل هذا يحشر حشراً؛ مع أن النقاد والمتخصصين يرون أن هذا العنصر أو ذاك لم يكن له مكان في هذه الأعمال سواء كانت مسرحية أو دراما أو تراجيديا، ومع هذا يصر المخرج على إقحامه؛ لأن هذه العناصر هي التي ستزيل كل العوائق وتفتح كل المنافذ ليصل الفن برسالته المراد إيصالها إلى النفس وهي في موقف السلب. ولو أنا أخذنا المضمون نفسه في صورة كتاب يقدم أفكاراً عارية ومباشرة، أو في صورة رواية أو في صورة رؤية أو عرض فلسفي لما كان لها عشر معشار هذا التأثير، لكن لما استعان بالأساليب الفنية، وتلاعب بعقل الإنسان فخدَّره.. وبخياله فأطلقه.. وبعاطفته فاستثارها.. وبغرائزه فأيقظها، استطاع أن يسيطر عليه فأصبح كالمنوم مغناطيسياً يؤثر فيه ويوحي إليه بما شاء وهو قابل سلبي كأنما عدمت إرادته عدماً كاملاً. هناك إشكالية لا بد من الانتباه إليها من حيث مفهوم الفن، وهي أن كثيراً مما يندرج اليوم تحت مسمى الفن هو مندرج من جهة الشرع عندنا ضمن دائرة الحظر. بل للأسف الشديد أن أول ما يدخل في دائرة الحظر عندنا هو أول ما يتجه إليه غيرنا باسم الفن، وهذه مناقضة أساسية لا بد أن تكون في تقديرنا لهذا الأمر. د. حلمي القاعود: الإسلام لا يرفض الفن الذي يرقى بالإنسان ويهذب غرائزه ويحض على المثل العليا ويحبب إليه الدفاع عن عقيدته ونشرها بين الناس وتوضيح معالمها وآفاقها.. ولكنه يرفض بالطبع تلك الصورة الشائهة التي تقدمها بعض الجهات في الدول العربية والإسلامية تحت مسمى «الفن»؛ فهذه الأعمال الرخيصة لا تدخل ضمن الإطار الفني بقدر ما تدخل في الإطار التجاري الذي يسعى إلى الكسب الحرام.. وقد أصبح مألوفاً مثلاً لدى الجمهور العادي أن هذا المخرج أو ذاك يسعى لكسب المشاهدين عن طريق الإثارة، سواء كانت هذه الإثارة بوسيلة كلامية عن الجنس، أو عن طريق استخدام الأجساد العارية لراقصات أو ممثلات تجذب الشباب المراهق أو المنحرف، فضلاً عن العنف الذي يقدم في الفيلم أو المسرح أو التليفزيون من خلال مشاهد القتل أو السطو أو المعارك أو الصدام مع الشرطة أو غير ذلك. ولا شك أن هذه النوعية التجارية تمثل انحرافاً واضحاً برسالة الفن الدرامي الذي يخاطب شريحة ضخمة من المشاهدين من مختلف الأعمار والطبقات والفئات، وخاصة بعد ذلك الانتشار الهائل لأجهزة التليفزيون، وتوفر أجهزة الالتقاط للمحطات التليفزيونية من أنحاء العالم كافة. أ - محمود خليل: هناك إيضاح بسيط بخصوص كلام أستاذنا الدكتور الخولي حول كون الفن المعاصر ولا سيما المرئي يجعل المشاهد في حال غيبوبة، وهو إن جاز التعبير، فإن المغيب لا يفعل ولا يؤثر، لكن أنا أرى أنه يعيش حالة استلاب؛ لأنهم لا يريدون تغييبه فقط، ولكن الفن المعاصر يريد أن يحتله احتلالاً لحظياً ليصنع منه كائناً فاعلاً ولكن لخدمة أهداف بذاتها، ولذلك يقولون: إن أحدث وأصح وسائل الاتصال هي التي لا تتحدث إلى الآخرين وإنما تتحدث معهم، فهو يجعل منه دائرة اتصال فاعلة حية نابضة ينتظر منه فعلاً موجباً فيما بعد، وإلا لو كان تغييباً لانتهى عند هذا التخدير والمخدر لا يصنع ولا يتحرك. د. حلمي القاعود: يلاحظ أن الإسلام في فنونه يهتم بالتجريد، وغيره يهتم بالتجسيم، وهذا الفارق مهم جداً؛ لأن الفنان المسلم يهدف إلى قيمة بالدرجة الأولى، أما الفنان غير المسلم فيهدف في الغالب إلى من
عندي ندوات بس مو عن السحر
هذي وحده
.................................
بسم الله
إصلاح التعليم وأزمة اللغة العربية في العالم الإسلامي
مقدمة:
لا شك أن قضية النهوض الحضاري هي مشروع شمولي كلي؛ فبناء الأمة إنما يكون ببناء كل أركانها، كما أن انهيار ركن من الأركان مؤدٍّ بالضرورة إلى انهيار كل الأركان، كما هو مقرر في قواعد الأصوليين.
إن البناء إذا ما انهد جانبه لم يأمن الناس أن ينهد باقيه!
من هنا إذن كانت قضية اللغة العربية باعتبارها جزءاً جوهرياً لا يتجزأ من مفهوم (إقامة الدين) قضيةً من أهم قضايا مشروع التجديد والإصلاح، بمعناه الإسلامي الشامل. لا يمكن أن تحصل نهضة حقيقية لهذه الأمة بغير نهضة لغوية، متزامنة مع المشروع الكلي، وخادمة له، سواء من ذلك ما تعلق بتأصيل الفهم والتلقي للخطاب اللغوي من الوحي خصوصاً، والتراث العلمي الإسلامي عموماً، أو ما تعلق بالبلاغ والتواصل التعبيري المرتبط بالمفاهيم المكوِّنة لهوية الأمة على الإجمال. وما بين هذا وذاك تنتصب مشكلة إصلاح اللغة من ضروب المراجعة والتدقيق في هوية ما نروِّجه بوعي، أو بغير وعي من عبارات صنعها لنا (الآخر) على عينه، وتحت نظر مجهره؛ لتكون لنا حزناً وخراباً عقَدِيّاً، وإرباكاً لمشروع إعادة البناء والإعمار للحضارة والإنسان!
لم تكن اللغة يوماً نافلة في مجال التدافع الحضاري، وساحة الصراع الأيديولوجي إلا عند من لا يفقه سنن المغالبة بين الأمم والشعوب؛ بل كانت ولا تزال من أهم مواقع الصراع الفكري، ومن أخطر أسلحة الاحتواء الاستراتيجي لثقافات الشعوب وتمييعها؛ لإخراجها عن طبيعتها وصبغتها؛ ولولا ذلك لما كانت الفرنكوفونية اليوم تجري في تنافس محموم مع الأنجلوسكسونية؛ لاحتلال مواقع التأثير الثقافي في العالم.
ومن هنا تعيش اللغة العربية اليوم أزمة شديدة على وِزَانِ الأزمة العامة للأمة؛ بما هي مغلوبة على أمرها، تستهلك أكثر مما تنتج في كل المجالات تقريباً، من عالم الأفكار إلى عالم الصناعات، إلى عالم العادات وأشكال (الموضة)، حتى تسريحة شعر الرأس، ولحن الخطاب في التحية أو إلقاء الخبر.
أزمة اللغة العربية اليوم واقعة بما هي مبرمجة للاغتيال، ضمن مشروع استعماري تدميري كلي لهوية الأمة، في إطار الاستعمار العولمي الجديد للعالم. وليس بعيداً عن هذا فرض الاستكبار الأمريكي على الدول الإسلامية من خلال (مراجعات) شتى، و (إصلاحات) شتى لمناهج التربية والتعليم وبرامجهما برؤى خبيثة، لم تنس طبعاً في برمجتها الاستئصالية تناول جذور اللغة العربية بالقرض والتنقيص الممنهج، سعياً نحو أمية لغوية عامة في العالم الإسلامي تعزل المجتمع عن كتاب ربه وسنة نبيه، وتفصله عن تراثه الإسلامي الأصيل.
ولذلك كان لا بد من تسليط الضوء على هذه القضية الحساسة في مشاريع إصلاح التعليم المتتالية على العالم العربي والإسلامي، أعني قضية اللغة العربية؛ فكانت هذه الندوة التي اخترنا لها عنوان: (أزمة اللغة العربية في برامج إصلاح التعليم). وقد شارك فيها أساتذة باحثون مختصون في المجال، ومن أهل الخبرة والتجربة الميدانية:
أولاً: الأستاذ الدكتور قاسم عزيز الوزاني أستاذ التعليم العالي (متقاعد)، خبير لدى منظمة الإسيسكو في التربية والتعليم، تخصص اللغة العربية، ومبعوث معتمد لديها إلى البلاد الإسلامية. شارك في وضع الكتاب المدرسي للغة العربية بالمغرب ولدى بعض الدول الإسلامية، شارك في توجيه برامج التعليم المعتمدة لدى وزارة التربية الوطنية بالمغرب وفي بعض الدول الإسلامية. شغل عدة مهام إدارية لدى وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي بالمغرب. شارك في الإشراف على برنامج التعريب لتدريس العلوم بالتعليم الأساسي والثانوي، وهو الآن عضو بالمجلس العلمي للإرشاد الديني.
ثانياً: الأستاذ الدكتور عبد النبي الدكير أستاذ التعليم العالي بجامعة السلطان المولى إسماعيل بالمغرب، تخصص النحو العربي، اشتهر لدى طلابه بنظريته في النحو العربي الموسومة ب (نحو العلامة). عضو المركز الجامعي لتعليم اللغة العربية وحضارتها لغير الناطقين بها. عضو معهد الدراسات المصطلحية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله بفاس. له مشاركات متميزة في الندوات الجامعية، والأنشطة الثقافية المتعلقة باللغة العربية والدراسات القرآنية.
ثالثاً: الأستاذ الدكتور أبو القاسم اليوبي أستاذ التعليم العالي متخصص في اللسانيات الحاسوبية، قسم اللغة العربية. جامعة السلطان المولى إسماعيل، وجامعة الأخوين. أستاذ زائر في الجامعات الأمريكية. عضو معهد الدراسات المصطلحية بجامعة السلطان محمد بن عبد الله بفاس، عضو المركز الجامعي لتعليم اللغة العربية وحضارتها لغير الناطقين بها. رئيس وحدة الدراسات العليا في اللسانيات. مسؤول نشيط في هيئة (النقابة الوطنية للتعليم العالي) بالمغرب.
ولنبدأ بسؤال تمهيدي لقضايا هذا الموضوع، وهو كما يلي:
البيان: (اللغةُ فِكْر): مقولة مشهورة في الفكر المعاصر؛ فإلى أي حد ترون أنها صحيحة؟ وبأي معنى تتصورونها؟
د. الدكير: الأزمة أزمة إنسان لا أزمة لسان؛ فما الكلام إلا فعل من الأفعال التي تترجم عن الإنسان ويختبئ دونها، وهي تحمل سيماه سِيما يعرفها الناظر، ويلمسها البصير بالكلام واحدة واحدة. إن القرآن الكريم مثلاً مطبوع بطابع الربوبية، والحديث الشريف مختوم بخاتم النبوة، وكل منها يمتاز بعلامات يلحظها كل من ألقى سمعه، ومدّ بصره وهو شهيد، وكل كلام دونهما يحمل أيضاً بصمات قائله؛ إذ المرء بأصغريْه، والرجل هو الأسلوب؛ على أن اللغة فكر. ويمتاز اللسان العربي بأن من امتلكه يتلقى عن الله مباشرة؛ إذ يشرب من معين القرآن إذا قرأه، وإنما جاءنا القرآن بلسان عربي مبين.
د. اليوبي: تماماً الأمر كما بيَّنَ فضيلة الأستاذ الدكير؛ فمقولة (اللغة فكر): بمعنى أن اللغة هي وعاء الفكر، وهي مقولة مشهورة، نجد لها أصلاً في التراث العربي. وقد جاء في تعاريفهم أن اللغة: كل لفظ وضع لمعنى، وأنها عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني، وأنها لسان القوم الذي يتعارفون ويتواصلون عبره؛ فهي إذن كلام مصطلح عليه بين كل قوم، وهي طريق الدلالة على ضبط كلمة لها وجوه متعددة في الاستعمال. ومن هنا قول ابن الحاجب في مختصره: (حد اللغة: كل لفظ وضع لمعنى)، وجاء في شرح منهاج الأصول للأسنوي: (اللغات عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني). ويعرِّفها ابن جني بقوله: (باب القول على حد اللغة: أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم)(1)؛ ويعرفها ابن خلدون بقوله: (اللغة في المتعارف هي: عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل اللسان، ناشئة عن القصد في إقامة الكلام. فلا بد أن تكون ملكة مقررة في العضو العامل لها وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم).
كما تعرف بكونها أداة تواصلية واصفة. وإذا كان ثمة شيء ينوب عنها تحليلاً وتفسيراً، كالأرقام والرموز فمع ذلك لا بد منها؛ لكي يستدل بها على المعاني المتوخاة من هذه الأرقام، والدلالات المطلوبة من هذه الرموز؛ فهي إذن على حد تعبير تمام حسان: (منظمة عرفية للرمز إلى نشاط المجتمع، تشتمل على عدد من الأنظمة، يتألف كل واحد منها من مجموعة من المعاني، تقف إزاءها مجموعة من المباني المعبرة عن هذه المعاني، ثم من طائفة من العلاقات التي تربط فيما بينها)(1)؛ فاللغة باعتبارها نصوصاً واصفة؛ تقوم بدور (تشكيل وعي الجماعة وسلوك أفرادها، أي علاقة اللغة بالثقافة كأداة؛ لتوحيد الجماعات في مجتمع خاص بهم)(2).
فاللغة تبعاً لهذه التعاريف وعاء للأمة تجعل فيه أفكارها، وثقافتها، ومعارفها، وتاريخها، وبها تصاغ مقومات وخصائص وجودها، ومن ثم فإن التضييق على اللغة العربية ومحاولة القضاء عليها، أو استئصالها فعل ينضاف إلى المحاولات الاستعمارية الساعية إلى محو أهم خاصيات الأمة، بل محق وجودها. ولو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن من يبتعد عن لغته إنما يفقد ذاته. وفقدان الذات يحمل معه فقدان الثقافة، وتشتت اللغة يعني انفصام الرباط الذي يجمع بين متكلميها، والنتيجة الحتمية هي اندثار الثقافة التي يمثلونها. وإن العامل اللغوي كان ولا زال أهم العوامل في توحيد الشعوب والجماعات البشرية، والتقريب بين أفرادها.
د. الوزاني: نعم! ونتيجة ذلك كله فإن اللغة: هويةٌ وانتماءٌ روحي، وارتباط معنوي، وعامل جوهري قوي لغرس محبة الأمة والتعلق بماضيها وحاضرها وحضارتها.
البيان: يُجمِع كثير من الملاحظين من المثقفين عموماً، ومن المهتمين بالتربية والتعليم في العالم العربي على ظاهرة الضعف اللغوي، والتدني الهائل لمستوى التعبير باللغة العربية لدى الأجيال الجديدة؛ كتابةً وخطابةً وتحدثاً؛ إلى درجة أن هذه الظاهرة صارت تصحب كثيراً من المتعلمين من الابتدائي حتى مرحلة التخرج، والحصول على أعلى الشهادات! ولم نعد نرى بروز العبقريات اللغوية والتعبيرية التي سادت في مرحلة ما اصطلح عليه (بجيل النهضة)، بل ساد عَيٌّ لغوي فادح! حتى في المعاهد والجامعات التي اشتهرت بتخريج اللغويين والأدباء! فما بالك بعامة المثقفين والمتعلمين! كيف تفسرون ذلك في نظركم؟ ما الأسباب؟ وما العوامل التي أدت إلى ذلك؟
د. الوزاني: تدني مستوى التعليم عموماً وتعليم اللغة العربية خصوصاً كان لأسباب عديدة منها:
برامج التعليم العقيمة التي تتغير باستمرار تغيراً معاكساً لما يمكن أن يرفع من قدرها؛ إذ يقوم بهذا التغيير رجال بيروقراطيون بعيدون عن المهنة، وممن يتلقون إملاءات من منظمات أجنبية، وهيآت داخلية متحيزة عوض أن تأتي الإصلاحات من الذين يمارسون عملهم في ميدان التعليم، والذين يلمسون الخلل مباشرة.
إحلال لغة المستعمِر محل اللغة الوطنية أو معها؛ لتزاحمها، وتُبعد الأنظار عنها عن طريق الإغراء بمساعدات وحسن العلاقات، أو عن طريق الترهيب بمنع الإعانات، وحتى بتهديد النظام.
ازدواجية التعليم في سن مبكرة.
انتشار اللهجات وتشجيعها، واستعمالها من قِبَل السلطات الرسمية؛ خذ مثلاً «ما تقيش بلادي!» بمعنى: (لا تُؤذِ بلادي!) ذلك الشعار المكتوب في الإعلانات العريضة الموجهة إلى الشعب في كل مكان.
د. الدكير: أحسب أن التدني في التعبير بالعربية فرع عن تدني روح التدين لدى العرب والأعراب والمستعربين؛ فالقلة القليلة سَمَتْ، والكثرة الكاثرة تخلت عن المقولات على تفاوت بما كسبت الأيدي في أزمنة التردي؛ حتى صار التباهي بالتحلي بِلُغَيَّاتِ العجم ظناً بغير علم أنها عنوان المدنية ومفتاح الحضارة، وأنها السبيل لاستلام المناصب العالية في الدولة، وكذلك دولياً.
د. اليوبي: إضافة إلى ذلك فالتدني اللغوي إشكالية ثقافية؛ ذلك أن تفعيل الثقافة رهين بتطور اللغة، ونمو اللغة يعكس القيم الثقافية للمجتمع الذي يتكلمها، وهما مقياس لإمكاناته وقدراته. اللغة مرتكز اجتماعي أساسي، مرتكز يرتبط بمرتكزين آخرين هما: الدين، والوحدة. ولا ننظر إلى اللغة باعتبارها ألفاظاً، ولكن باعتبارها نسقاً عاماً مشتركاً، يشكل رؤى مجتمعية منسجمة، ويسعف في إقامة التواصل والتفاهم بين أفراد المجتمع، داخل ثقافة تستجيب لحاجاتهم الفكرية والنفسية والاجتماعية. واللغة العربية شأنها شأن باقي اللغات؛ ليست هامدة ولا جامدة، بل هي متطورة متحركة، على الرغم مما يظهر أنها تعيش في أزمة، وأنها تسير بخطى بطيئة. فإذا كانت تعبر عن ثقافة وقيم متكلميها، وتصف سلوكهم وفكرهم فإن الأزمة في الحقيقة ليست فيها، وإنما هي فيهم، والبطء ليس صفة لها وإنما صفة لهم.
ومن هنا فإن من جملة أساليب تطوير اللغة، وتفعيل الثقافة: الاستعمال والتداول. وسبيل ذلك القراءة والكتابة، ومن هنا كان قول الله جل جلاله : {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}
، وقوله تعالى ::{ن» وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}
.
البيان: لكن المطالعة أو القراءة ظاهرة كادت تموت لدى الأجيال المعاصرة، مع أنها تعتبر من أهم روافد التكوين اللغوي، كيف تفسرون ظاهرة العزوف عنها؟ وما العلاج في نظركم؟
د. الدكير: لا شك أن انصراف القوم إلى التوافه والمبالغة فيها بقوة صرفهم عن المطالعة والقراءة؛ فاستخفت الهمم؛ فرضيت بالذي هو أدنى، ورغبت عن حفظ النصوص الأدبية الرفيعة، أياً كانت: قرآنية أم حديثية، شعرية أم نثرية، خطباً أم أمثالاً؛ فإن قلباً لم يمتلئ بالنصوص القوية يهوي بلسان صاحبه إلى هاوية العَيِّ والعجمة والرطانة؛ لأن اللغة مَلَكة بالفطرة، ويصار إليها أيضاً بكثرة الممارسة والمزاولة. وقديماً نصح العلماء الأمراء بأخذ اللغة من أهلها، وحفظها من أفواههم بالرحلة إليهم، والإقامة معهم في بواديهم، أو استقدامهم وملازمتهم.
إن العزوف عن المطالعة من أسبابه عدم قَدْرِهَا حقَّ قدرها، وتوهم أن الوسائل السمعية البصرية تغني كل الغَناء؛ وذلك غلط وخطأ يجب التراجع عنه؛ ببيان أن هذه الأجهزة العصرية تجعل وسائل التعقل عند الإنسان جهازاً واحداً، اختزلت فأضلت وأجحفت. فإن حق السمع والبصر التكامل والتداخل، لا الغلبة والطغيان. وكأني بهذه الأجهزة تلبي حاجة واحدة تشفي، لكن لا تجدي؛ لأنها تقصي سائر الملكات العقلية والقلبية؛ علماً أن من بني آدم من جعلت قوته في سمعه، ومنهم من رزقها في بصره، ومنهم من كانت وديعة في عقله وقلبه.
ويغلب على الظن أن الوسطية علاج؛ فالتوازن أساس كل سير قويم، فلا ينبغي أن تطغى حاسة على أخرى، فلا إفراط ولا تفريط؛ إذ كانت الحواس تسعى وتتكامل لحفظ سلامة الجسم والعقل، وكل تعمل على شاكلتها. والاختصار اقتصار مخل، يجعل الإنسان قليل التبين والبيان قلما يميز بين الحقائق والألوان.
ولقد امتاز الإنسان بالبيان، وأعلى درجاته اللسان؛ ذلك أن العبارة فاقت الإشارة، وإن كانت الإشارة من الفروع البيانية، فإنما يُلتجَأ إليها عند الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، حسب ظرف الزمان والمكان وطبيعة الإنسان.
البيان: إضافة إلى ما ذُكِر من مشكلة العزوف عن القراءة والمطالعة هل من سبيل أو وسائل مفيدة لعلاج الجيل من هذه الآفة؟ وكيف يمكن اكتساب هذه المهارة وإكسابها؟
د. اليوبي: حقيقة أن القراءة تعتبر من أهم روافد التكوين اللغوي، ومطلبها ضروري إلى جانب المهارات اللغوية الأخرى: السماع، والكلام، والكتابة. فالقراءة وسيلة الإنسان في الحصول على المعلومات والمعرفة. وكلمة (اقرأ) في كتاب الله منذ نزولها أذنت بحلول عصر العلم ومحو الأمية. والقراءة تعني الكتابة أيضاً، أي: (القلم) وبها بدأ التاريخ الإنساني المدوَّن، وبها فتح سجل الحضارة الإنسانية، وغدت حاجةً حقيقية، ولم تعد ترفاً أو تمريراً (للوقت الثالث). (إن الشعب الذي لا يقرأ لا يستطيع أن يعرف نفسه، ولا أن يعرفه غيره. والقراءة هي التي تقول لنا: هنا وقف السلف من قبلكم، هنا وصل العالم من حولكم، ومن هنا يجب أن تبدؤوا؛ لكي لا تكرروا الجهود التي سبق أن بذلها الآخرون، ولا تعيدوا التجارب التي مروا بها، ولا ترتكبوا الأخطاء التي ارتكبوها)(1).
فإذن يجب على المؤسسات التعليمية والتربوية أن تعير لهذه المهارة كثيراً من الاهتمام؛ بحيث:
تعمل ضمن برامجها على تنمية الاستعداد للقراءة، وخلق الرغبة في النشء للمداومة عليها.
توسيع دائرة تجاربهم، وتشجيع المتعلمين على القراءة بشتى الوسائل.
تجتهد في إكساب الناشئة مهارة القراءة، وترشد المهتمين إلى أنها عادة يجب أن تُطوَّر (الاستمتاع بالقراءة والتلذذ بها).
تنتقي الأجود والمفيد من الكتب والمجلات، وتجنب القراء ثقافة الشعوذة والخرافة، أو ما يعبر عنه بثقافة السوق.
تشجع على الإبداع والمبادرة الإيجابية في القراءة والكتابة.
إن ظاهرة العزوف عن القراءة مردها أساساً إلى التنشئة الاجتماعية؛ فالناس ليسوا مولعين بالقراءة، وربما ساهمت الظروف المادية أيضاً في هذه الظاهرة. يجب أن نشعر أولاً بالحاجة إلى القراءة، وأن نخلق في النشء الولع بالقراءة، ثم نعمل على تعميم وسائل القراءة، وجعلها متاحة وفي متناول الجميع.
البيان: لا شك أن التربية والتعليم عملية معقدة جداً، ولا شك أيضاً أنها بجميع مكوناتها، ووسائلها المادية والمعنوية تمر في نهاية المطاف عبر القناة اللغوية؛ فكيف تقوِّمون دور اللغة في التكوين العلمي والعملية التربوية سلباً وإيجاباً؟
د. قاسم الوزاني: إن مرور جميع مكونات التربية والتعليم عبر قناة اللغة العربية يقوي المعارف، ويوسع الفكر من جهة، ويرسخ القيم الروحية والتمسك بالمبادئ الخلقية من جهة أخرى، إذا أخلص المربون، وكانوا قدوة صالحة للمتعلم، ومحايدين لا ينتمون إلى أي تيار معادٍ، أو بلد محتل، أو أي توجيه مستورد؛ وإلا كانت التربية وبالاً، وجاءت بعكس ما ينتظر منها.
د. اليوبي: تعتبر اللغة من أهم مقومات وأسس المجتمع؛ إذ لا يمكن الحديث عن مجتمع بدون لغة، وهي أهم وسيلة يستخدمها الإنسان إلى حد الساعة للتعبير عن الثقافة، وبلورتها وتحليلها وتفسيرها؛ فبين اللغة والثقافة علاقة ترابط قوية، أولاً لكون الأولى تعبر عن الثانية وتسجلها، ولكون الثانية مادة الأولى وإنتاجها. وما من أحد يشك في العلاقة الجدلية القائمة بين اللغة والنشاط الإنساني داخل مجتمع معين. وبتعبير آخر: فإن الثقافة هي عالم الشخص، وحدودها هي حدود عالمه، وهي التي تشكل رؤيته وتفسر سلوكه. واللغة تبعاً لذلك ليست فقط وعاء لفكره، أو وسيلة لتواصله داخل وسطه الاجتماعي؛ بل علاوة على ذلك هي أداة تسجل ثقافة هذا الشخص وحضارته، وبها يتم الأداء الاجتماعي العام. إنها ذاكرة الحياة ومرآة تجارب الإنسان فيها.
وأما إقامة التواصل فهو ما يقتضي تفاعلاً بين أفراد المجتمع، وبينهم وبين المؤسسات الدستورية والقانونية. وإذا كان التواصل يجري عبر أشكال متعددة فإن اللغة الطبيعية هي أشيع الوسائط، وبها ندرك المجتمع والعالم. وبناء على ما تقدم فإن التواصل بين الناس من الثوابت في المجتمع الإسلامي العربي، وهو قائم على أشيع الوسائط المختارة لديه، وهي اللغة العربية؛ لكونها الأكثر تداولاً وتأثيراً، والأقوى فاعلية؛ خاصة عندما نربطها بثوابت الوحدة والدين والدستور والقانون؛ إذ يقوم التواصل بين الناس في هذه الثوابت كلها عبر وسيط اللغة العربية.
البيان: التعليم باللغات الأجنبية الوافدة مع الاستعمار للعالم الإسلامي واقع يكاد يشمل كل المؤسسات التعليمية في العالم العربي، وخاصة ما يتعلق من ذلك بعلوم الطبيعة والطب والهندسة ونحوها. تلك قضية أثارت معارك بين المثقفين بمختلف توجهاتهم، كما أنها كانت من أهم القضايا التي رفع لواءَها كثيرٌ من زعماء التحرير في القرن الماضي رغبةً في تعريب التعليم في العالم العربي، لكن كان الإخفاق مع الأسف نصيب أكثر المحاولات! حتى التجارب التي حصلت في مجال التعريب إذا استثنينا بعض الجهات كانت مشوهة؛ بحيث حافظت على الصيغ الأجنبية لأغلب التعابير الاصطلاحية للعلوم المعرَّبة، واقتصرت العملية على تعريب أدوات الربط اللغوي فقط؛ بينما لم يستطع أغلب الطموحين إلى التعريب الشامل الوصول إلى شيء يذكر؛ فإلى أي شيء تُرجعون ذلك؟ وكيف تفسرون هذا الإشكال؟
د. الدكير: صحيح أن التعريب أمر مفيد، إلا أن الإشكال هو أنه قرار ما عرف له من قرار لدى أولي الأمر، وأحسب أنهم ما آمنوا به، ولا نشطت له عقولهم، وإنما هو لديهم أمانٍ. هذا هو الإشكال؛ ولو أنهم أخلصوا له لخلص، ولو اتخذوا لذلك أقوياء أمناء لانجلت لهم كل العوائق والموانع؛ فمن جَدَّ وجد، ومن زرع حصد، والسماء لا تمطر ذهباً؛ فاتخاذ الأسباب واجب، ومن جملتها هاهنا أن يعرِّب المسؤولون خطابهم؛ فلا يتحدثون إلا بالعربية، وإلا لزمتهم أولاً كفارات تقدر.
د. الوزاني: لكن الأمر ليس على إطلاقه كما تفضلتم من إخفاق تجربة التعريب؛ بل إن تجربة تعريب العلوم الطبيعية أعطت ثماراً طيبة على العموم، رغم القصور الحاصل فيها، وأما الاحتفاظ بالصيغ أو المصطلحات الأجنبية فيعد قصوراً في التفكير؛ لأن معاجم المعاني المتعددة: ككتاب المخصص لابن سيده، وغيره من الكتب حافل بكل ما يتوقف عليه عالم الطبيعة؛ فالنقص إذن فينا نحن، والتقاعس عن البحث والتنقيب منا نحن، وخدمة اللغة العربية دَيْنٌ مترتب علينا.
البيان: لكن كيف تفسرون رواج المقولة المشهورة اليوم بين بعض أهل الشأن التربوي التي تزعم أن (تعليم العلوم الإسلامية والتراثية يكون أجدى أداءً باللغة العربية؛ بينما تعليم العلوم الطبيعية والطبية والهندسية إنما يكون أجدى باللغات الأجنبية)؟
د. الوزاني: هذا ادعاء باطل، ووجهة نظر خاطئة، وتحايل لالتقاط حجة ضعيفة تظهر عجز اللغة العربية، وتوجيه مغرض لحصرها في العبادات؛ حتى ينضب معينها، وتتقلص مهمتها، وتصبح مثلها مثل اللغة اللاتينية التي لا يكاد يعرفها إلا خواص الخواص؛ حيث تحولت اللهجات المنبثقة عنها إلى لغات متعددة.
بل إن تعليم العلوم الطبيعية وغيرها من العلوم البحتة باللغة العربية يعطي نتائج أحسن وفوائد أكثر، كما جربناه وعايَنَّاه، ويشهد بذلك الخبراء من منظمة «اليونسكو»؛ ذلك لأن المتعلم لا يواجه إلا قضية واحدة هي قضية فهم المادة فقط. ولنا في تجربة سوريا خير مثال؛ فالحاصلون على الشهادات العليا فيها قد برهنوا على تفوقهم على غيرهم في مناسبات شتى، وميادين علمية مختلفة، وكذلك اليابان تلك الدولة المتفوقة تكنولوجياً التي تعد في صفوف العالم الأول الآن؛ رغم أن لغتها تعد من أصعب لغات العالم. ولنا أيضاً خير مثال في تجربة تقديم هذه العلوم باللغة العربية في التعليم الأساسي والثانوي لما انطلقت تجربة التعريب المحدودة بالمغرب على مستوى التعليم الأساسي والثانوي وقد كنت شخصياً آنئذ من بين المشرفين على هذا التغيير؛ حيث ان