أم حمادة
04-12-2022 - 10:56 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
أخواتي الفراشات أنقل لكن هذه القصة التي قرأتها من كتاب (( قصص مؤثرة للشباب )) لأحمد بن سالم بادويلان ، دار طويق للنشر والتوزيع والتي هي بعنوان
(أيها الدعاة هل من معتبر)
في إحدى المدن بالمملكة كانت هناك امرأة تسكن مع زوجها و أولادها وبناتها في أحد الأحياء وكان المسجد
ملاصقا لبيتها تماما إلا أن الله ابتلاها بزوج سكير ، لا يمر يوم أو يومان إلا ويضربها هي وبناتها وأولادها
ويخرجهم إلى الشارع كان أغلب من في الحي يشفقون عليها وعلى أبنائها وبناتها إذا مروا بها ويدخلون المسجد
لأداء الصلاة ثم ينصرفون على بيوتهم ولا يساعدونها بشيء ولو بكلمة عزاء وكم كانوا يشاهدون تلك المرأة
المسكينة وبناتها وأولادها الصغار بجوار باب بيتها تنتظر زوجها المخمور أن يفتح لها الباب ويدخلها بعد أن
طردها هي وأولادها ولكن لا حياة لمن ينادي فإذا تأكدت من انه نام جعلت احد أبنائها يقفز إلى الداخل ويفتح
لها وتدخل بيتها وتقفل باب الغرفة على زوجها المخمور على أن يستيقظ من سكره وتبدأ بالصلاة والبكاء بين يدي
الله عز وجل تدعو لزوجها بالهداية والمغفرة لم يستطع احد من جماعة المسجد بما فيهم إمام المسجد والمؤذن أن
يتحدث مع هذا الزوج السكير وينصحه ولو من اجل تلك المرأة المعذبة وأبنائها لمعرفتهم انه رجل سكير لا يخاف
الله باطش له مشاكل كثيرة مع جيرانه في الحي فض غليظ القلب لا ينك منكرا ولا يعرف معروفا وكما نقول
بالعامية ( خريج سجون ) فلا يكاد يخرج من السجن إلا ويعود إليه 0 الزوجة المسكينة كانت تدعو الله عز وجل في
الثلث الأخير من الليل وتتضرع إلى الله بأسمائه العلى وبأحب أعمالها لديه أن يهدي قلب زوجها إلى الإيمان
وأكثر أيامها كانت تدعو له بينما هي وأبناؤها تعاني الأمرين فلا احد يرحمها من هذا العناء غير الله فلا أخوة
ولا أب ولا أم تعطف عليها الكل قد تخلى عنها والكل لا يحس بها وبمعاناتها فقد أصبحت منبوذة من الجيران
والأهل بسبب تصرفات زوجها وفي إحدى المرات وبينما هي تزور إحدى صديقاتها في حي آخر مجاور لهم
تكلمت وفتحت صدرها لصديقتها وشرحت لها معاناتها وما يفعله بها وببناتها وأبنائها إذا غاب تحت مفعول
المسكر ، تعاطفت معها قلبا وقالبا وقالت لها : اطمئني ، سوف اكلم زوجي لكي يزوره وينصحه ، وكان زوجها
شابا صالحا حكيما ويحب الخير للناس ويحفظ كتاب الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فوافقت بشرط أن لا
يقول له بأنها هي التي طلبت هذا حتى لا يغضب زوجها السكير ويضربها ويطردها من البيت إلى الشارع مرة
أخرى لو علم بذلك فوافقت على ان يكون هذا الأمر سرا بينهما فقط 0 ذهب زوج صديقتها إلى زوجها بعد صلاة
العشاء مباشرة لزيارة زوج تلك المرأة وطرق الباب فخرج له يترنح من السكر ففتح له الباب فوجده إنسانا جميل
المنظر له لحية سوداء طويلة ووجه يشع من النور والجمال ولم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره والزوج السكير
كان في الأربعين من عمره على وجهه علامات الغضب والبعد عن الله عز وجل فنظر إليه وقال له : من أنت وماذا
تريد ؟ فقال له : أنا فلان بن فلان وأحبك في الله وجئتك زائرا ولم يكد يكمل حديثه حتى بصق السكير في وجهه
وسبه وشتمه وقال له بلهجة عامية شديدة الوقاحة : لعنة الله عليك يا كلب هذا وقت يجيء في الناس للزيارة انقلع
عسى الله لا يحفظك أنت وأخوتك اللي تقول عليه ، كانت تفوح من الزوج السكير رائحة الخمر حتى يخيل له أن
الحي كله تفوح منه هذه الرائحة الكريهة ، فمسح الشاب الصالح ما لصق بوجهه من بصاق وقال له : جزاك الله
خيرا قد أكون أخطأت وجئتك في وقت غير مناسب ولكن سوف أعود لزيارتك في وقت آخر إن شاء الله فرد عليه
الزوج السكير : أنا لا أريد رؤية وجهك مرة أخرى وان عدت كسرت راسك وأغلق الباب في وجه الشاب الصالح
وعاد إلى بيته وهو يقول الحمد لله الذي جعلني أجد في سبيل الله وفي سبيل ديني هذا البصاق وهذا الشتم وهذه
الإهانة ، وكن في داخله إصرار على أن ينقذ هذه المرأة وأبنائها وبناتها من معاناتها أحس بان الدنيا كلها
سوف تفتح أبوابها له إذا أنقذ تلك الأسرة من الضياع فاخذ يدعو الله لهذا السكير في مواطن الاستجابة و يطلب من
الله أن يعينه على إنقاذ تلك الأسرة من معاناتها إلى الأبد ,كان الحزن يعتصر قلبه و كان شغله الشاغل أن يرى
السكير من المهتدين . فحاول زيارته عدة مرات و في أوقات مختلفة فلم يجد إلا ما وجد سابقا حتى انه قرر في
إحدى المرات أن لا يبرح من أمام بيته إلا و يتكلم معه فطرق عليه الباب في يوم من الأيام فخرج إليه سكران يترنح
كعادته و قال له : الم أطردك من هنا عدة مرات لماذا تصر على الحضور وقد طردتك ؟ فقال له : هذا صحيح ولكني
احبك في الله وأريد الجلوس معك لبضع دقائق والله عز وجل يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : (( من عاد
أخا له في الله ناداه مناد من السماء ان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا )) فخجل السكير من نفسه أمام
إلحاح الشاب المستمر رغم ما يلقاه منه وقال له ولكن أنا الآن اشرب المسكر وأنت يبدو في وجهك الصلاح
والتقوى ولا يمكنني أن اسمح لكي ترى مافي مجلسي من خمور احتراما لك فقال له : أدخلني في مكانك الذي
تشرب فيه الخمر ودعنا نتحدث وأنت تشرب الخمر فانا لم آت إليك لكي أمنعك من الشرب بل جئت لزيارتك فقط
فقال السكير: إذا كان الأمر كذلك فتفضل بالدخول فدخل لأول مرة بينه بعد أن وجد الأمرين في عدم استقباله
وطرده وأيقن أن الله يريد شيئا بهذا الرجل ادخله إلى غرفته التي يتناول فيها المسكر وتكلم معه عن عظمة الله
وعما اعد الله للمؤمنين في الجنة وما اعد للكافرين في النار وفي الآخر وفي التوبة وان الله يحب العبد التائب إذا
سأله الهداية ثم تكلم في اجر الزيارة وما إلى ذلك وان الله يفرح بتوبة العبد التائب فإذا سأله العبد الصالح قال الله
له لبيك عبدي ( مرة واحدة ) وإذا سأله العبد المذنب العاصي لربه قال الله له لبيك لبيك لبيك عبدي ثلاث مرات وكان
يرى أسارير الرجل السكير تتهلل بالبشر و هو ينصت إليه بجوارحه كلها و لم يحدثه عن الخمر فأذن له بالخروج
على أن يسمح له بين الحين و الحين بزيارته فوافق و انصرف . بعد ذلك بأيام عاد إليه فوجده في سكره و بمجرد
أن طرق الباب عليه رحب به و ادخله إلى المكان الذي يسكر فيه كالعادة فتحدث ذلك الشاب عن الجنة و ما عندا لله
من اجر للتائبين النادمين و لاحظ بان السكير بدا يتوقف عن الشرب بينما هو يتكلم فأحس انه أصبح قريبا منه و
انه بدا يكسر أصنام الكؤوس في قلبه شيئا فشيئا ، وان عدم مواصلته للشرب دليل على انه بدا يستوعب ما يقال له
فاخرج من جيبه زجاجة من الطيب الفاخر غالية الثمن فأهداها له وخرج مسرعا وكان سعيدا بما تحقق له من هذه
الزيارة من تقدم ملحوظ 0 فعاد بعد أيام لهذا الرجل فوجده في حالة أخرى تماما وان كان في حالة سكر شديدة
ولكن هذه المرة بعد أن تكلم الشاب عن الجنة وما فيها من نعيم اخذ يبكي السكير كالطفل الصغير ويقول لن يغفر
الله لي أبدا لن يغفر الله لي أبدا وأنا اكره المشايخ وأهل الدين والاستقامة واكره نفسي وأنني حيوان سكير لن
يقبلني الله ولن يقبل توبتي حتى وان تبت فلو كان الله يحبني ما جعلني أتعاطى المسكرات ولا جعلني بهذه الحالة
وهذا الفسق والفجور الذي أعيش فيه من سنوات مضت فقال له الشاب الصالح وهو يحضنه أن الله يقبل توبتك وان
التائب من الذنب كمن لا ذنب له وان باب التوبة مفتوح ولن يحول بينك وبين الله احد وان السعادة كلها في هذا الدين
وان القادم سوف يكون أجمل لو سالت الله مخلصا في طلب الهداية والله عز وجل يقبلك وان قيمتك عند الله عظيمة
وأشار إليه بأنه على سفر الآن مع مجموعة من أصدقائه المشايخ إلى مكة المكرمة وعرض عليه أن يرافقهم فقال
له السكير وهو منكسر القلب ولكن أنا سكران وأصدقاؤك المشايخ لن يقبلوا بمرافقتي فقال له : لا عليك هم
يحبونك مثلي ولا مانع لديهم أن ترافقهم بحالتك الراهنة فكل ما في الأمر هو أن نذهب إلى مكة المكرمة فإذا
انتهينا عدنا إلى مدينتنا مرة أخرى وخلال رحلتنا سوف نسعد بوجودك بيننا فقال السكير :وهل تسمحون لي أن
اخذ زجاجتي معي فانا لا استغني عنها لحظة واحدة فقال له الشاب الصالح : بكل سرور خذها معك إن كان لا بد
من أخذها ، كانت نظرة هذا الشاب الصالح بعيدة جدا جدا رغم خطورة أن يحمل معه شخصا سكيرا وسكران في
الوقت نفسه فالطريق إلى مكة ممتلىء بدوريات الشرطة ولكنه قرر المجازفة من أجل هذه المرأة وأبنائها فمن
يسعى لتحقيق هدف عظيم تهون عنده الصغائر ، فقال له : قم الآن واغتسل وتوضأ والبس إحرامك فخرج إلى
سيارته وأعطاه ملابس الإحرام الخاصة به على أن يشتري هو غيرها فيما بعد فأخذها ودخل إلى داخل البيت
وهو يترنح وقال لزوجته : أنا سوف اذهب لمكة للعمرة مع المشائخ فتهللت أسارير زوجته فرحا بهذا الخبر
واعدت حقيبته ودخل إلى الحمام يغتسل وخرج ملتفا بإحرامه وهو مازال في حالة سكره ، وكان الرجل الشاب
الصالح البطل المغامر يستعجله حتى لا يعود في كلامه فلا يرافقهم ولم يصدق أن تأتي هذه الفرصة العظيمة لكي
ينفرد به عدة أيام ويبعده عن السكر وأصدقاء السوء فلو أفاق فربما يذهب معهم أو يدخل الشيطان له من عدة
أبواب فيمنعه من مرافقته فعندما خرج إليه أخذه ووضعه في سيارته وذهب مسرعا به بعد أن اتصل على أصدقائه
من الأخوة الملتزمين الذين تظهر عليهم سمات الدين والصلاح والتقوى لكي يمر عليهم في منازلهم ويصطحبهم في
هذه الرحلة التاريخية انطلقت السيارة باتجاه مكة المكرمة و كان الشاب الصالح على مقودها و بجواره السكير و
في المقعدة الخلفية اثنان من أصدقائه الذين مر عليهم و أخذهم معه , فقرروا طول الطريق قصار السورو بعض
الأحاديث النبوية من صحيح البخاري و كلها في التوبة و في الترغيب و الترهيب بما عند الله من خير جزيل و في
فضائل الأعمال , كان السكير لا يعرف قراءة الفاتحة و (يلخبط ) بها و كسر فيها كيفما شاء , و عندما يأتي الدور
عليه يقرؤونها قبله ثلاث مرات حتى يصححوا له ما أخطأ فيها بدون أن يقولوا له أنت أخطأت و انه لا يعقل أن
يخطا احد في الفاتحة , و هكذا حتى انتهوا من قراءة قصار السور عدة مرات , و قرؤوا الأحاديث المختلفة في
فضائل الأعمال و هو يسمع و لا يبدي حراكا قبل الوصول إلى مكة إلا و قد أفاق تماما صاحبهم من السكر
فقرروا المبيت في إحدى الاستراحات على الطريق بحجة أنهم تعبوا و يريدون النوم إلى الصباح و من ثم يواصلون
مسيرهم وكان يلح عليهم بأنه بإمكانه قيادة السيارة على أن يناموا هم أثناء قيادته السيارة فهو لم يأتيه النوم
أبدا فقالوا له جزاك الله خيرا وبارك الله فيك نحن نريد أن نستمتع برحلتنا هذه بصحبتك وأن نقضي أكبر وقت
ممكن مع بعضنا البعض فوافق على مضض ودخلوا و دخلوا إحدى الاستراحات المنتشرة على الطريق وأعدوا
فراش صاحبهم السكير وجعلوه بينهم حتى يرى ما سوف يفعلونه فقاموا يتذكرون آداب النوم وكيف ينامون على
السنة كما كان المصطفى عليه الصلاة والسلام ينام وكان ينظر إليهم ويقلدهم وما هي إلا بضع دقائق حتى راح
ذلك السكير في نوم عميق , استيقظ الثلاثة قبل الفجر وأخذوا يصلون في جوف الليل الأخير ويدعون لصاحبهم الذي
يغط في نومه من مفعول الكحول وكانوا يسجدون ويبكون بين يدي الله عز وجل أن يهديه ويرده لدينه ردا جميلا
وبينما هو نائم إذ استيقظ ورآهم يصلون قبل الفجر ويبكون ويشهقون بين يدي الله عز وجل فدخل في نفسه شيء
من الخوف وبدا يستفيق من سكره قليلا قليلا ، وكان يراقب ما يفعله أولئك الشباب في الليل من تحت الغطاء الذي
كان يخفي به جسده الواهي وهمومه الثقيلة وخجله الشديد منهم ومن الله عز وجل فاخذ يسال نفسه كيف اذهب مع
أناس صالحين يقومون الليل ويبكون من خشية الله وينامون ويأكلون على سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم وأنا
بحالة سكر ، وتشابكت الأسئلة في رأسه حتى بدا غير قادر على النوم مرة أخرى بعد فترة من الزمن أذن المؤذن
للفجر فعادوا الى فرشهم وكأنهم ناموا الليل كله مثل صاحبهم وما هي إلا برهة حتى أيقظوه لصلاة الفجر ولم
يعلموا بأنه كان يراقبهم من تحت الغطاء فقام وتوضأ ودخل المسجد معهم وصلى الفجر وقد كان متزنا من ذي قبل
حيث بدأت علامات السكر تنجلي تماما من رأسه فصلى الفجر معهم وعاد إلى الاستراحة بصحبة أصدقائه الذين
أحبهم لصفاتهم الجميلة وتمسكهم بالدين وإكرامهم له والتعامل معه بإنسانية راقية لم يرها من قبل بعدها احضروا
طعام الإفطار وكانوا يقومون بخدمته وكأنه أمير وهم خدم لديه فشعر بالسعادة بينهم واخذ يقارن بينهم وبين
جيرانه الذي يقول بأنه يكرههم انفجرت أسارير الرجل بعد وضع الفطور فتذاكروا مع بعضهم البعض آداب تناول
الطعام والطعام موجود بين أيديهم وهو يسمع ما يقال فأكلوا طعامهم وجلسوا حتى ساعة الإشراق فقاموا وصلوا
ثم عادوا إلى النوم ثانية حتى الساعة العاشرة صباحا لكي يتأكدوا من أن صاحبهم أفاق تماما من سكره ورجع
لوضعه الطبيعي فانفرد بصاحبه قليلا وقال له كيف أخذتني وأنا سكران مع هؤلاء المشايخ الفضلاء سامحك الله
سامحك الله ، ثم إني وجدت زجاجتي في السيارة فمن احضرها ؟ فقال له الشاب الصالح : أنا أحضرتها بعد أن
رأيتك مصرا على أخذها وأنك لن تذهب معنا إلا بها فقال له : وهل شاهدها أصحابك ؟ فقال له: لا لم يشاهدوها
فهي داخل كيس أسود لا يظهر منها شيء ، فقال: الحمد لله أنهم لم يشاهدوها 0 تحركوا بعد ذلك إلى مكة
وصاحبهم معهم وقاموا بما قاموا به في بداية رحلتهم ، فبعد أن تحركوا قرؤوا قصار السور وبعض الأحاديث في
الترغيب والترهيب أثناء رحلتهم ولكن لاحظوا هذه المرة أنه بدأ يحاول قراءة قصار السور بشكل أفضل من
السابق وخلال الطريق تنوعت قراءتهم فوصلوا إلى مكة المكرمة ودخلوا إلى البيت الحرام وكانوا يكرمون صاحبهم
السكير كرما مبالغا فيه في بعض الأحيان أملا في هدايته فطافوا وسعوا وشربوا من ماء زمزم فاستأذنهم أن
يذهب إلى الملتزم فأذنوا له فذهب وامسك بالملتزم واخذ يبكي بصوت يخيل للشاب الصالح الذي كان يرافقه ويقف
بجواره أن أركان الكعبة تهتز من بكاء السكير فكان يسمع بكاءه فيبكي مثله ويسمع دعاءه فيؤمن خلفه وكان
يئن وصاحبه يئن مثله كان منظرا مروعا أن ترى منظرا بهذا الشكل كان يدعو الله أن يقبل توبته ويعاهد الله أن لا
يعود إلى الخمر مرة أخرى وان يعينه على ذلك ، إذن المؤذن لصلاة العصر فجلسوا للصلاة والسكير التائب ما زال
متعلقا بأستار الكعبة يبكي حتى أشفق عليه صديقه وأخذه إلى صفوف المصلين كي يصلي ويستريح من البكاء
أخذه معه وهو يحتضنه كأنه أمه أو كأنه أبوه فصلى ركعتين قبل صلاة العصر كانت كلها بكاء بصوت منخفض
يقطع القلب ويدخل القشعريرة في أجساد من حوله ، إن دعاء زوجته في الليل قد تقبله الله سبحانه وتعالى وإن
دعاء الشاب الصالح قد نفع وأثمر ، وإن دعاء أصدقائه الصالحين في الليل قد حقق المقصود من رحلتهم ، إن
الدعاء صنع إنسانا آخر بين ليلة وضحاها 0
أدوا العمرة .. وصل التائب إلى بيته ودخل على أهله بحال غير الحال التي ذهب بها من عندهم ، استقام على
الصلاة في المسجد المجاور له وبدأت علامات الصلاح تظهر عليه فأصبح ذا لحية ناصفة البياض وعلى وجهه
علامات السعادة والسرور وبعد مرور فترة طويلة على حاله الجديدة طلب من الإمام أن يساعد المؤذن في الأذان
للصلاة يوميا فوافق وأصبح بعد ذلك المؤذن الرسمي بعد أن انتقل المؤذن الرئيس إلى الرفيق الأعلى وبدأ يحضر
حلقات العلم و الدروس و المحاضرات بالمسجد ثم قرر أن يحفظ القرآن الكريم فبدأ بالحفظ ، فحفظه كاملا عن ظهر
قلب و خلال هذه الفترة كان صديقه الحليم يزوره باستمرار ويعرفه على أهل الخير والصلاح حتى أصبح من
الدعاة إلى الله واهتدى على يديه الكثير من أصدقائه الذين كانوا يشربون الخمر معه فيما مضى ، وأصبح إماما
للمسجد المجاور له ولا يزال ولله الحمد والمنة إلى يومنا هذا من الدعاة وإماما لمسجد الحي .