- في وسط هذه الأجواء أنجبت ابنتي الأولى خديجه ثم ابني عبد الله..
- ففوجئت بهم بعد زيارتي لهم يديرون لي ظهورهم وينعتونني بأقبح الصفات
- وأسفلها..
- ولن أحيا بعده أبدا..
سلام
اول شي اعذروني اني نزلت القصه هنا بس مالقيت المكان المناسب لها بالموقع
اخليكم مع القصه
وقفت أمامها ارتعش من هول الصدمة.. كورقة تذروها الرياح.. وكل جزء من جسمي يرتجف بشدة.. خرج صوتي مبحوحاً.. غريباً وكأنني أسمعة لأول مرة:
نكست رأسها بأسى ثم همست بصوت حزين:-
- لا تيأسي من رحمة الله.. كل شئ مقدر ومكتوب.. والله رحيم بعباده..
لم تزدني كلماتها إلا يأساً وضياعاً.. وكأنني نقطة في صحراء الحياة.. كأنني حشرة.. موتي أو حياتي سيان.. لن يهتم أحداً بأمري..سأموت كما عشت سابقاً كما مهملاً كأنقاض بيت مهجور..
جاءني صوتها الحزين يخترق غيبوبة أحلامي:-
- هل أنت متزوجة.. أقصد هل هناك من يهمه أمرك؟
أختالني السؤال.. فنظرت بلا شعور إلى يدي اليسرى.. إلى إصبعي الخالي أتحسس أثار الماضي..أطلال الدبلة الذهبية التي باعتني قبل أن أبيعها..
طفا وجهه على سطح ذاكرتي كما تطفو الأشياء الفاسدة على السطح..
وأحتل كل مساحات الحجرة أمامي.. فلم أعد أرى غيره.. لم أعد أرى غير هذا الوجه البغيض الذي تمنيت مراراً أن أمتلك القوة الكافية لأسحقه من الوجود..
ترى هل أحببته؟ ربما.. ولكنني منذ رأيته في المرة الأولى طغى علي شعور غريب لم أحسه قبلاً..أسرعت إلى أمي هاتفة:-
- أمي.. إن عريسي هذا إنسان غريب.. أقصد بأنني لم أستطع أن أحدد مشاعري تجاهه فلا أدري هل أنا أحبه أم أكرهه... ؟؟؟ !!!
ابتسمت أمي في وجهي وهي تجيبني:
- لا زلتي صغيرة يا حبيبتي على هذا الإحساس..فعندما تتزوجينه ستحبينه كثيراً كما أحب أنا أبوك..
علت حمرة الخجل خديّ وملأني إحساس عامر بالزهو..والفخر..والسعادة..وأسرعت بسنواتي الستة عشر أضم صورته إلى صدري..جاهلة ما تدخره لي الأيام من تعاسه محضه.
زففت إليه بعد شهور قليلة من خطوبتنا..لم يمهلوني أهلي لأعرفه معرفة كافية فتزوجته تسبقني إليه أحلامي.. وآمالي..وطموحاتي.. وانتقلت إلى بلدته بعيداً عن أهلي..وقريتي الصغيرة..ورفيقات طفولتي..أحببني بجنون..لا أنكر هذا.. فأغدق علي الكثير من حبه..ومن حنانه..ومن هداياه..
بادلته حبه لأطوي في داخلي هذا الإحساس الغريب الذي ينفرني منه..وانتزعته كشوكة تدمي قلبي وتعذبني بوجودها..ومرت أيامي بسعادة منقطعة النظير...............
حتى حضرت أخت زوجي من القرية لتدرس في الجامعة وكان لابد أن تقيم معنا بحكم أننا الأقرب..وقتها فقط بدأت المشاكل تطرق أبوابنا بعنف..كانت شقيقته تتدخل في كل شئ بدءاً من الأكل وحتى طريقة لبسي..كانت تمتدح صديقاتها أمام زوجي وتثبت له مراراً بأنني لا شئ وأنها هي كل شئ..ثرت على الصمت..فبدأت أرد عليها.. وأكيل لها الصاع صاعين..وأرد لها أللطمه بأقوى منها.. وحتى تحول بيننا بقدرة قادر إلى ساحة معارك..وحلبة صراع..ومشاكل لا تنتهي أبدا..تحولت الجنة الصغيرة إلى شعلة النيران الحارقة..
فبدأ زوجي يهرب من البيت ليلوذ بأصدقائه..فلم أعد أراه إلىّ لماماً..في وقت الغداء فقط..حيث يأتي متسللاً إلى الحجرة بعد منتصف الليل..
في وسط هذه الأجواء أنجبت ابنتي الأولى خديجه ثم ابني عبد الله..
وكرهت هذه الحياة..كرهتها من أعماق قلبي..ودعوت ربي بأن يخلصني منها ولو بموتي أنا..وكأن ربي استجاب لدعائي..فقد تخرجت أخته من الجامعة.. تخرجت بعد ست سنوات من الرسوب المستمر..والعذاب المقيت..وعادت إلى أهلها..وما أن انزاحت الغمة من حياتي التفت فلم أجد زوجي جانبي..فقد سرقه الليل والأصدقاء والسهر..
لقد تعود على الهروب من البيت واستمر هذا الوضع رغم خلو البيت من المنغصات..
لم أيأس..حاولت أن أعيده إلى بيته..إلى جنته الصغيرة..إلى عشه المهجور..ولكن الطير هرب من القفص ولن يعود ثانية..لن يعود..لن يعود..
رضيت بواقعي المر..وأهملت كل محاولتي لإعادته وبدأت ألتفت لصغاري
وأهتم بهم ففيهم السلوى وفي أعينهم الصغيرة كل العزاء..
ولكن القدر لم يرحمني..والحرب الطويلة مع أهل زوجي لم تنتهي بعد..
ففوجئت بهم بعد زيارتي لهم يديرون لي ظهورهم وينعتونني بأقبح الصفات
وأسفلها..
حاولت أن أكسب وداد أم زوجي بالحب..وبالهدايا وبكل شئ استطعت أن أصل إليه..ولكنها كانت تقابل كل محاولاتي هازئة ساخرة..وكأنها تتحداني..خفت أكثر وأنا أظم صغاري ولكن..جاءتني الطعنة في الصميم..وجه لي القدر لطمه أفقدتني توازني وحطمتني في ثوان..
فقد طلقني زوجي..نعم..طلقني وكأنه ملّ ثوبه فخلعه..هكذا بكل بساطه..وبدون أدنى إحساس..حملت فاجعتي داخلي وضممت أطفالي إلى صدري وعدت إلى منزل أهلي مطلقة.. ومنبوذة ومكروه من كل فئات المجتمع..وكأنني أرتكب جريمة مروعه..وكأنني جرثومة..أو مرض معد..فقد بدأ الجميع يتجنبوني ويبتعدون عني..أظلمت الدنيا في عيني ولكنني لم أفقد إيماني بالله..فقد وجدت فيه ملاذي
بعد أن تخلى عني الجميع وبعد أن سدت الأبواب في وجهي..صممت على العمل لأعول نفسي وأطفالي..وافق والدي بعد تردد..ثم أيدني بشده بعد أن التحقت بالعمل المناسب..وكان القدر يعاندني..فلقد فوجئت بزوجي السابق يطلب حضانة أولادي بعد أن تزوج ..نظرت إلى واقعي برعب وأصوات يائسة تصفعني بقسوة:
كيف..كيف يجرؤ أن ينتزع مني روحي..كيف يجرؤ أن يقتلني في الصميم بعد أن تزوج هو وأنجب..لا..لن أتخلى عن صغاري ولو فديتهم بحياتي..
بدموع ساخنة أبلغت أبي برفضي القاطع لعرضه..لمست تردده..رأيت نظراته الحيرى..قبلت يده..وقدميه..ورأسه..ودموعي تبلل كفيه..دمعت عيناه وهو يقول لي :
- نوال يا ابنتي..نحن لا نريد مشاكل أنت تعرفين مركز زوجك المرموق..لن نعانده وسترين أطفالك متى أردت لا تخافي يا ابنتي وضعي أملك في الله..أحسست وكأن يداً قوية تقبض قلبي لتعتصره بشدة..لا بد من التسليم..إنها إرادة الله..ودعت صغاري وقلبي يتمزق..ودموعي تكاد تحرق خدي..بكى الصغار..تعلق بي عبدا لله وهو يصرخ:
- لن أذهب وأريد ماما..أريد ما ما..
انتزعه أبي من بين أحضاني وكأنه ينتزع روحي ..ورحل..فأصبحت جثه هامدة..بدون شعور..بدون إحساس..أنظر إلى الأشياء بعين جديدة..وارى الكون بإحساس جديد..يا لله..لم أكن أتصور بأن أطفالي هم كل حياتي.. وأنني بدونهم مجرد قشره في مهب الريح..أو كشجرة جرداء في عمق الصحراء.., صرت انتظر الإجازة بفارغ الصبر ليزورني أطفالي..وكأن حياتي قد توقفت على هذه الإجازة..وكأن الزمن كله قد تجمد..حتى أراهم..فتسري الدماء في عروقي من جديد وتزخر أيامي بالسعادة..رفضت كل عروض الزواج..وبقيت أرقب نمو أطفالي بفرح متزايد أتمت خذيجة عامها السادس عشر..وعبد لله في الرابعة عشر من عمرة..وفي يوم أسود عدت من عملي لأرى حركه غير عاديه في منزل أهلي..فالأقارب كلهم متواجدون النساء متشحات بالأسود..والجميع ينظرون لي بإشفاق مرير..ذهلت..ماذا حدث؟..واقترب مني والدي..وبعد مقدمة طويلة عن الموت والحياة..همس بصوت باك:
- عظم الله أجرك..لقد مات ابنك عبد الله في حادث سيارة..
هاجمت أبي واتهمته بالكذب والجنون..أبيت أن أصدق..كيف..كيف يموت قرة عيني وأنا لم أراه..كيف يموت عزائي الوحيد في الدنيا وأنا لم أودعه..كيف يموت روحي وحياتي؟لا..لن يموت..صرختها بأعلى صوتي..ثم غبت عن الوعي..لأفيق على دنيا حالكة السواد..دنيا كئيبة لا أجد نفسي فيها..
فبعد أن رحل أعز إنسان في الوجود..ماتت رغبتي في الحياة..وكرهت حتى نفسي..أنام على المهدئات لأصحو أخر الليل على الحقيقة المرعبة بأنه قد مات..فتختنق أنفاسي وتضيق بي الدنيا على رحبها..لأقذف الدم من فمي كرهاً وحقداً على الدنيا ومن فيها..
دعوت الله من قلبي بأن يأخذني إلى حبيبي الراحل..فقد كرهت كل شئ بعده..لم أعد أرى سوى السواد يجلل كل شئ حتى وجوه أحبتي..يأتيني صوت ابنتي كسهم مضى يبدد الظلام:-
- أمي..أفيقي بالله عليك..أفيقي من أجلي..صوتها يعذبني..ودموعها تبلل يدي..ولكن لا.. أن نور حياتي انطفأ برحيل عبد الله..
ولن أحيا بعده أبدا..
أحسست بالآم رهيبة تفتتك بجسدي..لم أهتم بها فكل شي تساوى في نظري بعد رحيل حبيب العمر..
ولكن الالآم تشدد ضراوة..وجسدي الضعيف يتمزق عذاباً..فكان لا بد أن أنقل للمستشفى..حملني أبي رغماً عني للطبيبة وأنا أتمنى الموت في قرارة نفسي..ولكن..ماذا حدث لي الآن؟..ولماذا أجزع حين صارحتني الطبيبة بحقيقة مرضي الخبيث..أليس هذا ما ارجوه..أليس هذا ما دعوت ربي مراراً أن يحقق لي..أليس هذه هي أمنيتي الوحيدة في هذه الدنيا الفانية..ولكن..ابنتي!!!
أفقت على صوت الطبيبة بصوتها الحزين تسألني:
- لم تخبريني..خل هناك أحد يهمه أمرك؟
امتلأت عيناي بالدموع وأنا أجيبها بحرارة: