- بنات من مصر 3
- بقلم الأخت الحبيبة / الأستاذة إيمان القدوسى
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بنات من مصر 3
بقلم الأخت الحبيبة / الأستاذة إيمان القدوسى
لم تكن هذه هي المرة الأولي التي تودع فيها مضيفتها بعبارات الاعتذار والترحيب ( مع السلامة ، آنست وشرفت ، كان نسبكم يشرفنا ولكن كما قلت لحضرتك ، البنت ثانوية عامة وسوف تكمل تعليمها ، ابنكم ابننا والله يعلم ، ربنا يوفقه ، مع السلامة .
زفرت بارتياح وتهالكت على الكرسي وهي تنظر لهدى ( ماذا يعجبهم فيك ، حاجة عجيبة والله ) قالت جدتها بفخر ( هدى حبيبتي ست البنات يكفي أدبها وعقلها )
في الحقيقة كان هناك تغييرا حقيقيا يحدث في المجتمع المصري بدءا من منتصف السبعينات ووصل لذروته في نفس الخط الهادئ المطرد عند بداية الثمانينات ، وكان الشباب قد اتجهوا أيضا للمساجد وبدأت اللحي الغضة تكسو وجوههم الشابة الفتية ، وبالتإلى أصبح الدين والخلق مقياسا جديدا وحاسما في معادلة الزواج.
التحقت هدى بإحدي كليات القمة وكانت الجامعة بالنسبة لها مجالا جديدا أسهم في التغيير الذي بدأته منذ سنوات قلائل ، كان النشاط الديني في الجامعة في ذروته بلا حدود ولا قيود ، نهل منه الشباب المتعطش للعودة إلى أصوله الأولي ، انتشر الحجاب وازدادت شروطه وضوحا وصار متاحا للجميع ، وظهر النقاب أيضا ، وانتشرت الثقافة الإسلامية بشكل غير مسبوق وامتلأت الجامعة بمعارض الكتب وانطلق المد الإسلامي في موجة هائلة ، كان أغلبها مفيدا وإن شابتها أحيانا بعض الأخطاء التي لابد أن تصاحب التغييرات الاجتماعية الهامة.
بعد ذلك أين ذهبت هدى؟ ذابت كنقطة في بحر هائل من مثيلاتها ، لعلها تزوجت شابا من نفس التيار وأنجبت أبناء صاروا اليوم رجالا ،ولعلها عانت وكابدت الحياة وتخلت عن سذاجتها القديمة ، ولعلها أصبحت جدة ولم تعد تشبه تلك الفتاة الصغيرة التي كانت هي يوما ، لعلها تشبه اليوم جدتها رحمها الله ، عموما لا تعنينا الأسماء كثيرا ولا الأشخاص إلا في دلالتها ، فماذا تقول لنا تلك الصفحة من سيرة فتاة قدر لها أن تعاصر بداية عودة الحجاب في مصر؟
تقول إن الحجاب فطرة لدى كل فتاة مسلمة نقية حتى أنه اختيار يمكنها التوصل إليه بغير دعوة ودون مرشد أو دليل وهذا ما حدث بالفعل.
وأن الفتيات الأوائل تحديدا كان الحجاب اختيارهن الشخصي بل إنه مثل تمردا على السائد وخروجا على المألوف وعانين في سبيله في البيت والمدرسة والمجتمع حتى استقر الأمر وصار مقبولا ، وليس كما يروج الغرب ومن يواليهم أن الحجاب هو رمز للقهر والتسلط الذكوري وأن النساء المسلمات يرضخن لرغبة الآباء والأزواج ضد إرادتهن.
كذلك كانت الفتيات الأوائل كلهن فتيات متعلمات تعليما عاليا وأغلبهن في كليات القمة وينتمين غالبا للطبقة الوسطي والوسطي العليا المستورة والميسورة أيضا ، ويتمتعن بالشخصية السوية القوية المحبوبة ، وليس كما يحاول البعض أن يبرر لجوء النساء للحجاب بسبب الفقر والتخلف والاستبداد.
علينا أيضا ألا نغفل (تأثير الفراشة) تلك المقولة الشهيرة أن رفة الفراشة في الصين قد تؤدي عبر سلسلة من التداعيات إلى إعصار هائل في الهند مثلا ، فقد كانت حركة هدى ومثيلاتها من الفراشات الرقيقة ورفة أجنحتهن الشفافة البديعة مقدمة لسلسلة تداعيات جعلت الحجاب اليوم هو الأصل وهو السائد والمألوف ، وجعلت كل المفاهيم الإسلامية معلومة بالضرورة حتى لأبسط البسطاء ، باختصار أعيد ترتيب المجتمع من جديد وصار الدين هو الذي يعلو دائما ولا يعلى عليه.
ولكن كيف صار الوضع اليوم وكيف تبدو الصورة؟ مع الانتشار الهائل للحجاب لابد أن يكون هناك مظاهر ضعف ومثالب ، ومع تراكم السنوات وخفوت بريق الحركة الإسلامية لابد أن يتراكم الغبار وتعشش بعض العناكب هنا وهناك ، ومع تزايد المشكلات المجتمعية والاقتصادية والسياسية لابد أن يصيب الوهن كل الناس وينسحب على كل مظاهر الحياة ، يقول المختصين لابد دائما من إعادة صقل أدواتك لكي تعمل بنفس الكفاءة وهو ما يسميه العلماء (تجديد النية)
النية تحول العادة إلى عبادة ، فإذا نمت بنية قيام الليل فأنت في عبادة ولذلك فهي خسارة كبيرة أن نحول العبادة إلى عادة ، وهو ما يحدث إذا تحول الحجاب إلى زي منتشر اعتدنا عليه وكفى ، النية تدخل في كل باب والمقصود بها الإخلاص ، يمكن للمرأة بإخلاصها ونيتها أن تفعل الكثير فقط عليها أن تنفض الكسل وألا تغرق في تفاصيل يومية باهتة وأن تعيد تجسيد (تأثير الفراشة) .