الفراشة أصبح فتيات Ftayat.com : يتم تحديث الموقع الآن ولذلك تم غلق النشر والمشاركات لحين الانتهاء من اتمام التحديث
ترقبوا التحديث الجديد مزايا عديدة وخيارات تفاعلية سهلة وسريعه.
فتيات اكبر موقع وتطبيق نسائي في الخليج والوطن العربي يغطي كافة المجالات و المواضيع النسائية مثل الازياء وصفات الطبخ و الديكور و انظمة الحمية و الدايت و المكياج و العناية بالشعر والبشرة وكل ما يتعلق بصحة المرأة.
شوفي قلبي بحثت لك مقالات نقديه ،، وهذي النتيجه واتمنى تكون هي اللي في بالك
بنات الرياض / بنات النسق
مقال نقدي ل : د.عبدالله الغذامي
وصفت رواية (بنات الرياض) في الحلقة الماضية بأنها رواية الحارة الحديثة، ونتذكر هنا روايات نجيب محفوظ التي هي نصوص الحارة التقليدية، وجملتها الثقافية الكاشفة كانت شخصية (سي السيد) وهي مخترع سردي يحاكي الواقعة الاجتماعية بكامل نسقيتها، ولقد سرى مثال سي السيد في ثلاثية محفوظ ليكون شاهدا ثقافيا يعبر عن نسق عريق، وصارت التسمية علامة على هذا النسق ونموذجا نقديا له، وهو نسق فحولي - تسلطي - قمعي - يتحكم بالآخرين في حين انه يعيش حياتين متناقضتين، حياة نهارية معلنة، وأخرى ليلية مضمرة، وتمنح الشخصية نفسها كامل الحقوق في الأمر والنهي، ولايقف بإزائها أحد.
وتلك هي شخصية الفحل النسقي الذي يطبع الحارة التقليدية بنموذجه المطلق، وكل ما يجري في حارة نجيب محفوظ هو خلاصة ثقافية لهذا المكان الثقافي العريق، ولقد بلغ محفوظ العالمية الأدبية نتيجة لمقدرته البالغة في بناء هذه الحارة سرديا وتشخصيها روائيا.
ثم نأتي الآن إلى المتغير الثقافي الكبير الذي ترتب عليه نشوء حارة جديدة، ذات شكل بنائي مختلف، وذات تجاور سكاني غير متجانس، ولقد جاءت رجاء الصانع لتصور هذا التجاور غير المتجانس عبر بناء روايتها على ثلاثة خطابات لاتتدامج ولكنها تتجاور بما انها صيغة تمثيلية للحارة الحديثة.
ولكن هذه الحارة الحديثة تحمل في الواقع حداثة شكلية، ومن تحت هذه الحداثة يأتي النسق ليكون هو سيد السلوك. وكما كانت شخصية (سي السيد) هي تمثيل لنموذج نسقي فإننا سنرى في رواية بنات الرياض شخصيات نسقية، وأبرزهن في الرواية هي شخصية قمرة، وهي شخصية ستقابل ثقافيا بالميزان المعكوس شخصية سي السيد، من حيث إنه سيحضر في النص عبر صيغ متعددة ليقرر مصير قمرة.
وقمرة هي إحدى دعائم الرواية، وتبلغ الدراما معها مبلغا يفوق سائر الشخصيات، وتتكامل هي وسديم في صناعة الرواية وبناء قوتها وتأثيريتها، في حين تأتي شخصية مشاعل (ميشيل) ولميس على درجات أقل، وسأشير إلى هذه التركيبة في الحلقة القادمة، ولكن أشير هنا إلى نموذج الحارة الحديثة ذات التجاور غير المندمج من جهة، وذات البعد النسقي من جهة ثانية. ونموذجها قمرة.
وقمرة واحدة من أربع فتيات هن تشكيل الرواية، وقد قطعت دراستها لأن ولي أمرها (سي السيد رقم واحد) قد أتاها بابن الحلال، وأي ابن حلال ذاك، لقد كان ابن أحد أصدقاء العائلة، واسمه راشد، وكان طالبا في أمريكا وأحب زميلة له آسيوية تعيش معه هناك، وحدث أن رغب في الزواج منها ولكن أهله خافوا من هذه الزيجة ورفضوها، وزاد خوفهم على ولدهم ورأوا أن يحصنوه بتزويجه من بنات بلده، وهذا وحده ما سيجعل الوالدين يشعران بالاطمئنان على حياة ولدهما في أمريكا وتم الأمر بقرار من سي السيد، وتم تزويج راشد على قمرة التي راحت تحلم بالوعد الكبير في الحياة والسفر والرومانسية وغبطتها زميلاتها الثلاث على هذا الحظ السريع، ولم تكن قمرة ولاصديقاتها يعلمن عن الصفقة التي تمت لكي تباع قمرة بوصفها حبة اسبرين تعالج صداعات راشد من حبه الآسيوي الأمريكي، وكحال أي دواء فان فاعليته التخديرية تتقاصر مع الزمن فإن قمرة بدأت تفقد مفعوليتها كدواء إلى أن تمت عودة المدمن إلى مخدره القديم، وعاد راشد إلى حبيبته الآسيوية وصار يعيش حياتين، مع قمرة نهارا، ومع الأجنبية ليلا، كحال النسق، وسي السيد التقليدي.
وحينما واجهت قمرة زوجها وكاشفته عادت شخصية سي السيد إلى الشاب السعودي المهذب المبتعث إلى أمريكا والدارس في الغرب والقاطن هناك، عادت شخصية النسق لتكون بضعة كفوف على وجه قمرة الحامل ثم لتأتي كلمة الطلاق والطرد.
طردت حبة الاسبرين التي صنعتها العائلتان، وأنتجها النسق، وماكان الأمر سوى حدث اجتماعي في عرف الناس، ولكن قمرة دخلت في تاريخ من الألم والشقاء سيظل معها حتى نهاية الرواية، ويعزز هذا الشقاء ظهور زوج شقيقة قمرة الذي صار يغار على نفسه (على نسقه)، من بنت مطلقة في العائلة وكأنما هي فيروس هارب من المختبر ويهدد البشر بموت زعاف، ويعدي من حوله بمرض نسقي خطير، فكل حركة للمطلقة وكل إطلالة من خارج البيت وكل مهاتفة هي مخاطر ثقافية، لأن الفاعلة مطلقة ملعونة نسقيا وثقافيا، كما في عرف سي السيد (زوج الشقيقة) حتى ان سلوتها الوحيدة بوجود جهاز حاسوب تستخدمه للدخول إلى الإنترنت جرى منعها منه، ومنعت شهرزاد من الكلام المباح، والمانع هو سي السيد ابن النسق.
في شخصية راشد التي أتقنت الرواية في كشفه تتلخص سيرة الثقافة في رؤيتها لعلاقتها مع نفسها، وكان هدف الجميع حينما زوجوا قمرة من راشد هو معالجة راشد، وحمايته ثقافيا، لأنه لو تزوج من آسيوية تعيش في أمريكا فإنه سيفرط من بين يديهم ويضيع عليهم إلى الأبد، ولابد من حبسه داخل قيد ثقافي صار اسمه هذه المرة قمرة وكان من الممكن أن يكون أي اسم آخر لأية امرأة يأمر عليها سي سيدها. وقد كان أن لعبت الصداقة بين أولياء الأمور دورها الكامل التقليدي في الجمع بين رأسين كرامة وحبا وتقبيل رؤوس، وهذا زواج نمطي يتم بناء على عواطف الطرفين، ليجري تسليم قمرة وإخفاء الحقيقة عنها، وجاء راشد هنا سلبيا فهو لم يرفض رغبة والديه ودخل في زوجته وهو غير راغب بها، وتعامل معها بسلبية غير زواجية ولم تشعر معه بما تتوقعه الزوجة من زوج شاب دارس في الغرب، ولما تيقنت من بروده معها لجأت إلى نصائح أمها التي صارت تدربها على أساليب تعينها على كسب رضا السيد وأخذه إلى جانبها، وكانت نصيحة إيقاعه بالحمل هي آخر النصائح، ونجحت قمرة في ذلك وحملت بطفلها الذي سيفقد أباه لحظة علم راشد بهذا الحمل الذي رآه لعبة لإيقاعه بشرك الحياة معها دوما، وهو الذي يضمر التخلي عنها ويتحين الوقت لذلك.
وهنا تأتي مسيرة الأحداث من الزواج العلاجي- القسري، إلى الطلاق التعسفي، مرورا بالتلاعب بالفتاة المسكينة قمرة بوصفها حبة دواء لعلاج صداعات العائلات، من صداع والد راشد إلى صداع زوج شقيقتها، وبقاء قمرة حياتها كلها محرومة من تعليم جامعي انقطعت عنه من أجل راشد، ومحرومة من حرية التحرك والتكلم من أجل راحة بال صهرها، ووصية على ولد ذكر لم تفلح في كسب قلب أبيه حتى مع تسميتها للولد باسم صالح على إثر والد راشد، وتلك كانت لفتة عاطفية لم تحرك الساكن النسقي عند راشد الذي انتهت الرواية وهو لم يأت لرؤية ولده. وظل هناك في أمريكا بعيدا ليعيش حياته دون تهديد لسكونه العاطفي.
في هذا تأزيم لفعل النسق وتوظيف جذري له في الحارة الحديثة، حيث يحضر سي السيد آتيا من حارته القديمة في السكرية إلى موطئ قدمه الأزلي بوصفه حارس النسق، وهو لايأتي بوجه واحد بل هو متعدد الصيغ بين أسماء وصفات وسلوكيات تنتهي كلها بأن قمرة بنت النسق، ومثلها الأخريات في لعبة ثقافية أزلية، وسنواصل الحديث في المقالة القادمة - إن شاء الله - للتعرف على بنية الشخصيات في الرواية وتمثلهن الثقافي والبنيوي.
"بنات الرياض" باكورة السعودية رجاء عبدالله الصانع:
مقال نقدي ل : عبده وازن
تعلن الفتاة المجهولة التي تولت فعل السرد في رواية «بنات الرياض» (دار الساقي) للكاتبة السعودية رجاء عبدالله الصانع انها قررت جمع الرسائل الإلكترونية (الإيميل) التي دأبت على إرسالها الى معظم مستخدمي الإنترنت في السعودية ضمن كتاب لا تجرؤ على تسميته ب «الرواية». فما كتبته من رسائل اسبوعية ليس سوى «مجرد تأريخ لجنون فتاة في بداية العشرينات من عمرها» ويصعب تالياً إدراج هذه الرسائل في سياق العمل الروائي. إلا ان هذه «الراوية» الشابة والمجهولة دوماً مقتنعة سراً ان ما انجزته هو رواية بحق وإن لم تتقصد كتابتها كرواية ناجزة او مفترضة مسبقاً. وكان اقترح عليها احد قراء رسائلها (الإيميل) ان تصنع من هذه الرسائل فصولاً لرواية مطبوعة. اعجبها الاقتراح وأخافها في الوقت نفسه، فهي على قناعة ان هذه الرواية ستمنع حتى وإن طبعت في لبنان.
تبدو «الراوية» المجهولة اشبه ب «شهرزاد» عصرية وحديثة، لكنها تروي «حكاياتها» مرة في الأسبوع وتحديداً نهار الجمعة بعد انتهاء الصلاة. وهي تروي لا لتنقذ نفسها من الموت بل لتنتقم لصديقاتها الأربع من ظلم الحياة والمجتمع. فلا شهريار هنا حتى وإن بدا معظم الرجال في «الحكايات» يحملون بعضاً من ملامح صورته. اما «الحكايات» التي تسردها فهي متداخلة ومتصلة من خلال خيوط عدة هي خيوط الشخصيات نفسها والأحداث وسواها. وهنا يبرز اثر ضئيل من بنية «ألف ليلة وليلة»، خصوصاً عندما تنقطع «الراوية» عن سرد حكاية ما، لتنصرف الى اخرى مرتبطة بها او بشخصياتها. فهي بينما تحكي عن لميس مثلاً تنصرف الى الحكي عن اختها التوأم (تماضر) لتعود من ثم الى لميس، وهكذا دواليك.
لا تبدو هذه الرواية من الأعمال الأولى التي غالباً ما تعاني الكثير من الهنات، لكنها حقاً رواية أولى لصاحبتها، كما يشير الروائي والشاعر غازي القصيبي في كلمة له على الغلاف الأخير. فالرواية طريفة جداً ومبتكرة، لا سيما في جعل الفصول رسائل إلكترونية تقدمها «الراوية» بأسطر عدة خارج اطار الأحداث، مستعينة بالكثير من الحكم والقصائد والأقوال المأثورة دعماً لما تريد ان تثبته في الحكايات. اما البنية الروائية فهي على متانة ورسوخ، وقد اعتمدت الكاتبة البناء «الحلزوني» الذي يتناسل السرد من خلاله ويتقطع ويتواصل في الحين عينه. وهذه اللعبة تتطلب الكثير من الدقة والفطنة كونها قائمة على الاسترجاع السردي. لكن المشكلة التي تعتري الرواية تتمثل في الأخطاء اللغوية، صرفاً ونحواً، ولم تستطع الكاتبة ان تبررها في قولها انها تريد «نشر الرسائل بلا تنقيح»، فالأخطاء اعترت «المقدمات» التي هي خارج «الحكايات». ناهيك ببعض التكرار الذي كان من الممكن تفاديه مما كان ليخفف من طول السرد وركاكته في احيان.
تعتمد الكاتبة تقنية الإيميل والإنترنت جاعلة من «الراوية» الجريئة شخصية حديثة جداً. وقد شغلت هذه الرسائل الإلكترونية الأوساط المحلية وأحدثت ضجة وكتبت الصحف (الرياض، الوطن، الجزيرة...) عن هذه الفتاة المجهولة التي تفشي اسرار صديقاتها اللواتي ينتمين الى الطبقة المخملية. لعل ذكر الصحف بأسمائها الحقيقية هو ضرب من ضروب الواقعية التي تهيمن على الرواية ككل. كأن «الراوية» (والكاتبة ايضاً) تبغي ان تمنح رسائلها طابع الحقيقة وإن كانت مختلقة او متخيّلة. هكذا سترد وقائع كثيرة وأسماء حقيقية. فإحدى الشخصيات (سديم) ستدخل مكتبة «الساقي» عندما تزور لندن وتشتري رواية «العدامة» للكاتب السعودي تركي الحمد وكذلك «شقة الحرية» للكاتب غازي القصيبي و»ذاكرة الجسد» للروائية الجزائرية احلام مستغانمي. وعندما تلتقي بالشاب السعودي فراس في احد المقاهي اللندنية تجده يقرأ «الحياة» و»الشرق الأوسط». هذا الدمج بين الواقعية والمتخيل منح الرواية طابعاً فريداً ورسخها في ارض الحقيقة الملموسة.
تدخل «الراوية» «المجهولة» عالم الفتيات السعوديات ولكن لا لتحدث فضيحة كما خيل إليها بل لترسم لهن صوراً فردية وصوراً جماعية، عبر صداقتهن ولقاءاتهن وحياتهن شبه المشتركة. الشخصيات النسائية (أو الأنثوية) الرئيسة هن اربع طالبات جامعيات»: سديم، قمرة، لميس ومشاعل او ميشيل. على ان شخصيات اخرى ثانوية تنضم إليهن مثل ام نوير وتماضر، عدا الشخصيات الذكورية التي ستحضر بشدة لارتباطها بالفتيات.
الطالبات الأربع تجمعهن صداقة متينة على رغم اختلاف امزجتهن وأطباعهن. وعلاقاتهن بعضهن ببعض لن تنتهي إلا في الختام عندما تذهب كل واحدة الى قدرها. قد تبدو الرواية للوهلة الأولى رواية هؤلاء الفتيات الأربع لكنها ستتحول لاحقاً الى رواية المجتمع، مجتمعهن كفتيات ومجتمع الرجال والأهل... وإن بدت الفتيات على علاقة وطيدة فيما بينهن، فإن كل فتاة ستعيش خيبتها الخاصة ما عدا لميس التي ستُوفّق في حياتها الزوجية وترتدي الحجاب وتسافر مع زوجها الى كندا ليواصلا دراساتهما العليا. كانت لميس وسط هذه «الشلة» مستشارة فلكية تشتري كتب ماغي فرح وسواها وتقرأها ثم تقرأ على صديقاتها التوقعات «البرجية» والمواصفات التي تقرب بين برج وآخر او تبعد بينهما. لكن الصدمة الوحيدة التي واجهتها لميس في حياتها الجامعية وقبل ان تتزوج من زميلها نزار تمثلت في اضطرارها على قطع علاقتها مع صديقتها فاطمة تبعاً لاختلافهما الطائفي. وكانت لميس بدأت تميل الى شقيق فاطمة (علي) الذي كان يدرس الطب في الجامعة نفسها. وانقطاع هذه العلاقة سيكون نهائياً، خصوصاً بعدما ضبطت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لميس وعلي في احد مقاهي الرياض، وكان والدها متفهماً جداً للأمر وأصر عليها ألا تقابل رفاقها خارج مبنى الجامعة.
بدت لميس اشبه بالصديقة الطيبة القلب، تساعد صديقاتها على حل مشكلاتهن وتؤازرهن في اللحظات الصعبة. فهي مثلاً علّمت قمرة صديقتها المظلومة كيف تستخدم الإنترنت والإيميل لتكسر عزلتها التي فرضت عليها بعدما طلّقها زوجها تاركاً إياها مع طفلهما الوحيد. حكاية زواج قمرة من راشد الذي لم تقابله إلا مرة واحدة في يوم «الرؤية الشرعية» هي الحكاية الأولى التي تسردها «الراوية» مفتتحة بها رسائلها. في ليلة العرس تعطلت كاميرا الفيديو وكأنها تؤذن ب «العطل» الذي سيصيب حياة الزوجين اللذين سيسافران للتو الى شيكاغو ليكمل راشد الدكتوراه في التجارة الإلكترونية. مضى على زواجهما سبع ليال وهو بعيد منها وغير مبال بها وبأحاسيسها. ثم يبدأ الخلاف ويعلن كراهيته لها ويدفعها الى التخلي عن زيّها السعودي. وعندما تخلع الحجاب يلفاها بشعة فيأمرها بأن ترتديه من جديد. كانت قمرة تحبه على رغم قسوته وفظاظته، وعندما علمت بخيانته إياها مع امرأة يابانية تدعى كارين جن جنونها، وأصرت على ان وتلتقي ب «العشيقة» التي ستسخر منها مهاتفة راشد أمامها. وانتقاماً من الزوج الخائن تتوقف عن تناول حبوب منع الحمل وتقع حبلى من ثم وفي ظنها ان الإنجاب قد يغير من سلوك الزوج. وعندما يعلم بحبلها يصفعها ويرسلها الى اهلها في الرياض ويرسل إليها ورقة الطلاق. هنا تبدأ مأساة اخرى. تسمي قمرة الطفل على اسم جده لأبيه آملة بجذبه الى الحياة العائلية، لكن الزوج لن يبالي وكذلك اهله الذين يواجهون ولادة طفلهم ببرودة تامة وكأنهم غير معنيين به. اصبحت قمرة اماً ولكن بلا زوج وحياتها لدى اهلها تشبه الحياة في السجن. فأهلها يمنعونها من الخروج وحدها لأنها مطلّقة، فالمطلقة بحسبهم تثير المشكلات. لكن صديقاتها كن يتمكنّ من اخراجها من «السجن» العائلي حيناً تلو آخر.
مأساة سديم
مأساة الصديقة الأخرى سديم لن تكون اقل من مأساة قمرة. فهذه الفتاة التي نشأت يتيمة الأم ستفقد حبها الأول والثاني وستنتقم منهما في الختام بالزواج من ابن خالتها طارق الذي لم تكن تتصور يوماً انه سيصبح زوجها على رغم حبه القوي لها. الصدمة العاطفية الأولى احدثها في حياتها خطيبها وليد عندما هجرها بعد عقد القران وقبل بضعة اشهر من الزواج. فهي سلمته نفسها ذات ليلة معتبرة اياه زوجها وأمضيا ساعات حميمة. ثم ما لبث ان غاب وقطع علاقته بها وأرسل إليها ورقة الطلاق. كانت صدمتها قوية وراحت تلوم نفسها وكأنها هي التي اخطأت في ليلة الحب «العذري» تلك. كتمت سديم سرها وانطوت على نفسها وانهارت، ففي ظنها ان وليد اعتبرها ذات «تجربة» سابقة. وقد تكون هذه هي الحقيقة التي حفزته على طلاقها. الصدمة الثانية التي تعيشها سديم لن تكون اخفّ وطأة من الأولى. فالطالب فراس الذي تعرفت إليه في لندن عندما قصدتها بغية الاستراحة و»النقاهة» بعد المأساة التي حلت بها، ستقع في حبه مثلما يقع هو في حبها. لكن مركزه المرموق في بلاده التي عاد إليها اخيراً سيحول دون زواجه منها فهو لا يستطيع كعازب ان يتزوج من امرأة مطلقة وسيكون عرضة للأقاويل. يتزوج من احدى قريباته من غير ان يتخلى عن حبه. تنهار سديم مرة اخرى وتيأس وتعيش في عزلة شديدة. يتصل بها فراس مرة عارضاً عليها ان يظلا على حبهما من دون ان يتخلى عن زوجته. ترفض سديم هذا العرض وتزداد يأساً. لكن فراس يعاود الاتصال بها مما يزيد من عذابها، فتقرر ان تنساه نهائياً، منصرفة الى تأسيس شركة صغيرة تعنى بالأفراح والأعراس، وتساعدها فيها صديقاتها. في الختام ستجد سديم نفسها امام طارق ابن خالتها وما من مفر من الزواج منه، هو الذي يهيم بها. هكذا تتخلص سديم من ماضيها وتنتقم من «المأساتين» اللتين كادتا ان تدمرا حياتها.
مشاعل او «ميشيل»
الصديقة الاخرى ميشيل واسمها الحقيقي مشاعل هي الاطرف والاكثر واقعية والاشد تحرراً كونها سعودية الاب واميركية الام. تتعرف ميشيل الى فيصل مصادفة عندما يطلب من شلة الصديقات الاربع ان يدخلنه معهن الى السوق. هذا اللقاء العابر سيكون مثاراً لحب كبير ومتبادل وسيتوج في يوم «الفالنتاين» عندما يصطبغ الحرم الجامعي بالاحمر قبل منع هذا اليوم رسمياً. مكث الحب عاماً بكامله وعندما فاتحته بالزواج تراجع لأن أمه ترفض ان يتزوج من مواطنة اميركية الام. يجن جنونها وتمرض، هي الصادقة والجريئة والمتمتعة ببعض الحرية. بعد هذه الصدمة تسافر الى سان فرنسيسكو لتواصل درسها في كنف خالها. هناك تنشب علاقة اعجاب بينها وبين ابن خالها، لكن هذه العلاقة تظل ملتبسة فلا هي علاقة حب ولا علاقة صداقة ولا علاقة قربى. تُسقط ميشيل الفكرة من رأسها عندما تعود الى الرياض. لكن أهلها لن يلبثوا أن ينتقلوا الى دبي هرباً من الاعين والالسنة. فالوالد ذو عقلية حديثة ورفض ان يتخلى عن زوجته عندما اصيبت بالسرطان. ولم يتوان هو والزوجة والابنة ميشيل عن تبني طفل سمّاه مشعل أو ميشو. قد تكون الصراحة والبساطة من أهم ما يميّز ميشيل، وهي ترفض الكذب والتصنع. وعندما تنتقل الى دبي تلتحق بأحدى «الفضائيات» التي يملكها والد صديقتها الاماراتية جمانة. تنجح في عملها وتعيش بحرية وتُعجب بمخرج شاب يعمل معها ولكن تظل حائرة ان كانت تحبه أم لا. تسأل ميشيل والدها ان كان يسمح لها بالاطلالة التلفزيونية فيقنعها بموقفه الرافض تحاشياً للصدمة التي ستحدثها في وسط عائلته في السعودية. لكن ميشيل التي لا تجيد العربية كثيراً ستنتقم من فيصل ليلة عرسه، فتقصد الحفلة من غير دعوة وتترك له رسالة في هاتفه الخلوي منبئة اياه انها في الصالة، فيرتبك العريس كثيراً ويؤخر دخوله. وعندما يدخل تكون ميشيل بين الراقصات اللواتي يستقبلنه، مما يثير قلقه وخوفه. لكن ميشيل سرعان ما تخرج قبل ان يتعرف الآخرون عليها.
واذا كانت الحكايات تدور حول هؤلاء الصديقات الاربع فان شخصية خامسة ترتبط بهن ولو من خارج بيئتهن أو حياتهن. انها أم نوير الكويتية المتزوجة من سعودي تركها هي وابنها بعد خمس عشرة سنة زواجاً. كانت أم نوير تفتح بيتها أمام الصديقات فيلتقين عندها حين يتعذر عليهن ايجاد مكان للقاء. واصبحت هذه المرأة صديقة للجميع، تساعدهن وتعمل معهن. في التاسعة والثلاثين، امرأة جريئة استطاعت ان تواجه مشكلة ابنها الوحيد بصلابة. وابنها يدعى أصلاً نوري لكن مثليته أو شذوذه دفع الناس الى تأنيث اسمه فباتت الام تدعى «أم نوير» عوض «أم نوري». لم تتحمل المرأة هذه السخرية في البداية لكنها تحدّت الجيران وصارت تصر على هذا اللقب. وسعت الى معالجة ابنها طبياً، وقال لها أحد الاطباء ان مشكلته نفسية وليست جسدية، ولا بدّ له حين يجتاز مراهقته من ان يتخلص من هذه النزعة الانثوية.
لا تخلو رواية «بنات الرياض» من السخرية والطابع الهجائي، فالعنوان أصلاً مأخوذ من اغنية للمطرب عبدالمجيد عبدالله، وعنوان الموقع الالكتروني سمته الرواية «سيرة وانفضحت» وهو تحريف لعنوان البرنامج التلفزيوني الشهير «سيرة وانفتحت». ومقدمات الرسائل نفسها حافلة بالهزء والدعابة، كأن تقول «الراوية» في مستهل الرسائل: «سيداتي سادتي...» أو تقول: «بعدما وضعت احمري الصارخ اكمل من حيث توقفت...». والسخرية ستتخلل الحكايات ايضاً وبعض المشاهد: مشهد الكاميرا التي تتعطل في العرس، الزفة وخوف العروس من الوقوع، الاغاني...
«بنات الرياض» رواية جميلة حقاً، متينة وطريفة، وشخصياتها مرسومة بذكاء واحداثها الطفيفة منبثقة من حياة الشخصيات الواقعية والمتخيلة. انها رواية اجواء ومصائر، رواية المآسي الصغيرة التي تواجهها الفتيات البريئات واللواتي يقعن ضحية للآخرين أياً كان هؤلاء الآخرون.
دفق قلم - "بنات الرياض"
مقالة نقدية ل : عبدالرحمن العشماوي
حينما رأيت إحدى الكاتبات السعوديات تربط في مقالٍ لها نُشر في جريدة الجزيرة بين رواية الكاتبة الفرنسية (فرانسوساغان) صاحبة رواية (صباح الخير أيها الحزن)، وبين رواية كاتبة سعودية اسمها (رجاء الصانع) عنوانها (بنات الرياض)، شعرت أنَّ وراء أَكَمة رواية (بنات الرياض) ما وراءَها.
وإذا قلنا هنا: (رواية) فإنما نقصد هذه الأعمال التي تعتمد أسلوب السَّرد والقَصِّ، بعيداً عن آراء النقاد في هذه الأساليب.
رواية (صباح الخير أيُّها الحزن) عبارة عن صورة للمجتمع الفرنسي في ذلك الوقت البعيد إبَّان الثورة الفرنسية. و(ساغان) فتاة مراهقة سجَّلت في دفتر مذكِّراتها الشخصية ما كانت تفعله من العبث ونقلت بعض أسرار حياتها وحياة صديقاتها الخاصة بهنَّ المليئة بما يناقض ما تعارف عليه عقلاء المجتمع من القيم والأخلاق، رآها أحد أصدقاء أبيها ففرح بما فيها فنشرها.
فلماذا الربط بين هذه الرواية، وبين رواية (بنات الرياض)؟ هل لأنَّ (بنات الرياض) رواية خارجة على قيم مجتمعنا، وهي عمل قائم على المجاهرة بما لا ترضى به أخلاقنا؟ ونحن هنا لا نزكي أنفسنا ولا ندعي أنَّ حياتنا خالية من التجاوزات والأخطاء، ولا نزعم أن مدينة الرياض مدينة مثالية تعيش بعيداً عن واقع الملايين من الساكنين فيها.
ولكننا نقول: لو أنَّ كُلَّ فتاةٍ تعلَّمت في مدارسنا وجامعاتنا حاولت أن تكتب ما قد تقع فيه من الأخطاء في عمل روائي أو قصصي، ونشرته للناس، لتحوَّل مجتمعنا إلى مجتمع لا قيم فيه ولا أخلاق.
(بنات الرياض) خطيئة أدبية وهي عمل ضعيف لغةً وأسلوباً، ثم أين بناتُ الرياض الواعياتُ المُعلِّماتُ، المثقفاتُ، المحتشماتُ، المصلياتُ، الصائماتُ، التائباتُ إلى ربهنَّ إذا أخطأن؟؟ لا وجود لهنَّ في رواية (بنات الرياض).
لماذا؟ وكيف حدث هذا؟ في مدينة المآذن الشامخة، والمساجد المضيئة، والجامعات العريقة، ومراكز الدعوة والإرشاد، ومعاهد العلوم المختلفة، وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم التي يلتحق بها الآلاف من (بنات الرياض) كُلَّ عام.
هل يصح أنْ يُطلقَ عنوان (بنات الرياض) على كِتاباتٍ شخصية لفتاة تتحدَّث عن أربع فتيات تركن الرياض إلى باريس ولندن وغيرها من مدن الغرب؟
إنَّ كاتبة الرواية فتاة صغيرة، طارت بها صفحات روايتها لتكون ضيفة على شاشة قناة فضائية عربية، وإنَّ مِنْ حق هذه الفتاة على أهل بلدها أنْ يحموها مِن هذا الانجراف.
لا أدري كيف يُعالج الأمر وقد نُشرت هذه الرواية في بيروت وطارت بها بعض الصحف العربية الذين فرحوا بها كما اتضح ذلك من احتفائهم بها.
يا رجاء، عودي إلى الحق فأنتِ في أوَّل الطريق، أعلني براءتكِ من هذا العمل.. أسأل الله عز وجل أن يعيدك إلى الصواب.
المصدر : جريدة الجزيرة
ان شاء الله تلقي