- ولكن هيهات هيهات ياأبي الغالي فلكل أجل حساب "وكل نفس ذائقة الموت"
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل الوداع لكم مني هذه الكلمات..وقصة عشتها بنفسي فلم تحدث لقريب لي بل حدثت لي شخصيا فعشت فصولها..وإليكم القصة
نسمع عن الموت الكثير.. إنه هادم اللذات.. ومفرق الجماعات كما قال عنه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أحباب كانوا بيننا وبين طرفة عين وانتباهتها يرحلون عنا دون سابق انذار.. رحيل بلا عودة..رحلوا وقد تذوقوا طعم الموت الذي لم نشرب من كأسه بعد..الموت الذي سنتذوقه ونشرب من كأسه شئنا ام أبينا..عاجلا ام آجلا..
لا اعرف ! هل اقول اني تذوقت بعضا من كأسه؟ أم ان ما مر بي لا يساوي الشيء اليسير من سكراته!
يالله..يالله..كيف لي أن أصف شعوري في تللك اللحظة! فجميع من حولي يبكون..
اسمع بكاء ابي وأخوتي وبالأخص أخي الأكبر الذي هو اقرب الى نفسي..
ولكن عجبا من أمي! في تللك اللحظات أثبتت قوة ايمانها لم تكن تبكي بل كانت تقرأ القرآن وقد ظمت رأسي إلى صدرها الحاني وتدعو الله وتذكره..
انقطع نفسي شيئا فشيئا بعد زفرات وشهيق..ادركوا أني ميتة لا محالة..اسمعهم ولكن أين لي بالكلام! أبي نسيت مرضك في تللك اللحظه وقمت من فراشك متثاقل القوى تناديني بصوت اغرورق بالدموع ابنتي روحي لك لاترحلي..
ولكن هيهات هيهات ياأبي الغالي فلكل أجل حساب "وكل نفس ذائقة الموت"
أفتح عيني تارة وأغمضها تارة أخرى فأرى أخي الحبيب يبكي وقد أمسك بيدي وأكاد أسمعه يقول في قلبه: هل تذكرين تلك الايام التي عشناها معا بحلوها ومرها لم نفترق عن بعضنا اترحلين الان بعد كل شيء؟! أردت ان اتكلم ولكن بدون جدوى..كنت اردد في نفسي "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وأدعو الله في نفسي واقول من أي الفريقين أنا ياترى!
تمنيت الشهادة وبكيت شوقا إليها ولكن أراني لن أظفر بها..فها هي ساعة الرحيل قد حانت فياربي اكتبني من الشهداء فأنت أعلم بي..
أخذني أهلي إلى المستشفى..كان أخي الكبير يقود السيارة بسرعه جنونية ويده الاخرى تمسك بيدي.. وأمي ماذا أقول عن أمي؟ لله درك ياأمي! مازالت تقرأ القرآن وتدعو الله وتهدأ اخي..
يالله .. أين عباءتي ؟ حاولت ان اذكرهم بعباءتي ..ولكن بدون جدوى فلا استطيع الكلام..تذكرت قوله تعالى:" (82) فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة
وصلنا إلى المستشفى ولم يتوقع أهلي أني سأصل..تجمع الطبيب والممرضات حولي..ما زلت أسمع أمي تقرأ القرآن واخي يبكي..وصوت الطبيب يأمر الممرضات بوضع الأجهزة.. مازلت في تفسي أبحث عن عبائتي؟ اشعر بيدي أخي يغطي شعري ويمسح على رأسي ويمسح دموعي بيديه..فجأة اشتد بكاءه فأزداد ألمي وبدأت أشهق بقوة وأهز رأسي عله يتوقف عن البكاء.. لأول مرة أرى أخي يبكي فقد تعودت أن اراه شامخا لا يبكي امام احد الا في خلوته بنفسه..والان اراه يبكي مثل طفل صغير!
بعدها بلحظات وبمساعدة الطبيب والممرضات وفضل الله أولا قبل كل شيء تحسن وضعي وبدأت حالتي تستقر واستعطت ان أتكلم وأقول أريد عباءتي..تجربة ولأول مرة أمر بها في حياتي..وها أنا ذا أكتبها بين أيديكم ..
أحمد الله حمدا كثيرا أنه ابتلاني في بدني وليس في ديني.. وأسأل الله أن يغفر ذنوبي بما أصابني ويأجرني.
ليت شعري ماذا أقول بعد ذلك؟
إن نجوت اليوم من الموت فغدا لن انجوا منه.. فالموت آت آت..
كم من بيت تغمره السعادة فظن اهله أن لاحزن بعدها..وفجأة بدون مقدمات أو سابق انذار يخيم الصمت عليهم وترحل السعادة ليحل الحزن العميق مكانها..
وكم من شاب وفتاة رسموا لأنفسهم الآمال وبنوا على اثرها الاحلام..ولكن الموت يقف على كل باب فيأخذ الاروح بامر من رب السماء..فتضيع الآمال وتتهدم الاحلام ...فرحم الله الشباب
وكم من طفل ارتسمت على شفتيه ابتسامة..فأنارات للبيت ظلامه..واسعدت أمه واباه..وفجأة ينطفىء النور في سماء والديه..ويأفل نجم حياتهما..فالموت لا يفرق بين طفل او شاب أو شيخ فكلهم عنده سواء..
الموت قدر محتوم لابد منه وسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم نال منه وعانى من سكراته.. فكيف بنا نحن المقصرون؟ كيف بنا نحن يارسول الله؟ فقد روت عائشة رضي الله عنها و قالت : ( إن رسول الله كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ويقول : لا إله إلا الله إن للموت سكرات , ثم نصب يده فجعل يقول : في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده )رواه البخاري
اللهم إنا نسألك الثبات عند الموت..والعون على السكرات..فلا ملجأ لنا منك إلا إليك.. اللهم ارحمنا إذا عرق منا الجبين..وآيس منا الطبيب..اللهم ارحمنا إذا اشتد بنا النزع ..اللهم لطفك لطفك ياأكرم الأكرمين..اللهم أكرمنا إذا صرنا إلى قبورنا واجعلها لنا روضة من رياض الجنة يارب العالمين.
وأخيرا فإن الحقوق ليست محفوظة ومن اراد نشرها فله ذلك عسى الله ان يكتب لي ولكم الأجر.
ولا تنسوني من دعاءكم في ظهر الغيب
أختكم في الله
سوسن الوادي*
احمد الله الذي عافاك واطال الله في عمرك
اللهم نسألك حسن الخاتمة ويجمعنا في جنات الفردوس
(انها حياة زائلة)