- كتب :عادل بن سعد الخوفي
- أم إياد من السعودية تقول:
- تقول (ل. س):
- حدَّثتني أم خالد من الغربية قائلة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقال رائع اتمنى ان يلقي الضوء على طبيعة العلاقة بين الزوجين...وكما يقال الالتقاء على ارضية مشتركة...
الاهتمامات المشتركة: سياج آمن لحب مستقر
كتب :عادل بن سعد الخوفي
أم إياد من السعودية تقول:
"تزوجت منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات. صلّى بي زوجي ركعتين ليلة الزفاف، لا تسألوا عن حلاوتها وجمالها، أحسستُ أنني شيء متأصِّل فيه، وأنَّ أحاسيسي ومشاعري اقترنتْ به، منذ ذلكَ اليوم، جاهدت نفسي ألاّ يُصلِّي (الوتر) إلاّ وأنا مأمومة خلفه. إنَّها عبادة مُشتركة نختم بها يومنا، أستمع منه للقرآن الكريم، وأشتركُ معه في مناجاة رب العالمين، إنها تُشعرني بألفة ومودَّة معه، وتُعالج في حياتنا ما قد يعترض من توتّرات".
في مسيرة حياتنا أعداد هائلة من الشخصيات التي التقيناها وأحببناها، جمعتنا بهم مهمات عمل، أو مجاورة في مسكن، خَبت هذه العلاقة وانطفأ نورها، لعدم وجود مساحات تلاقٍ معها خارج العلاقة الرسمية أو الأدبية التي كانت قائمة.
في داخل الأسرة الواحدة؛ ينقطع التواصل بين بعض أفرادها، ويجهل بعضهم شؤون الآخر، والجديد في حياته، لعدم التقائهم في مساحات مشتركة لاهتماماتهم.
وبين الزوجين نجد أحياناً (العدوان السلبي)، الجَفاء، والرتابة، والنفور، والجفاف العاطفي، لعدم وجود مساحات كافية من (الاهتمامات المشتركة) بينهما، يشعر أحدهم بغربة وانفصال عن شريك حياته، يصبح العش الزوجي (بيئة طاردة) لا (جاذبية)، لا روح فيها، ولا حياة، ما إن تطأ قدما أحدهما المنزل، حتى يشعر بانقباض في صدره، وضيق في تنفّسه، ليستغل أي كُوّة تسمح له بالخروج إلى فضاء هذا الكون الفسيح، إلى أصحابه، إلى من يناقشه اهتماماته، فهناك سيجد مساحات تلاقٍ واسعة لاهتماماته، أو أنه يهرب إلى النوم، أو تصفح القنوات الفضائية، والجرائد والمجلات، أو العبث في جهاز الهاتف الجوال. وكذا الحال بالنسبة إلى الزوجة تهرب تعبيراً عن ضجرها من إهمال زوجها، وشعورها أن وجودها وعدمه سواء.
تقول (ل. س):
"زوجي دائم الصمت، لا أكاد أسمع منه كلمة إلاّ إذا بادرته بالسؤال، والجواب حينئذ معدود الكلمات، مفردات تخرج من حنجرة بخيل، ليس بيننا أي مشاعر أو أحاسيس، لا يجمعنا سوى جدران هذا السجن الكبير (البيت)، فلا أعمال ولا برامج ولا زيارات ولا اهتمامات، حتى إنني أتسوَّل منه كلمات الحب أو الاهتمام ولا من نتيجة.
هو على خُلق ودين، لم يجرحني يوماً بسباب أو شتائم، ولم يرفع يده عليَّ قط، يؤمِّن جميع احتياجاتي دون تردّد، ولكنه يهينني، يدميني، يقتلني بجفائه العاطفي، بشعوري أنَّ له عالمه الخاص الذي لا أعلمه، فأين يذهب؟! ومن أصحابه؟! ومتى يعود؟! وما يُسعده أو يحزنه؟! ما الذي يَسُرُّه مني والذي يكرهه؟! كل هذا لا أدري، لا أدري"!!
إنهما في حاجة إلى التقاء وفق آفاق رحبة لاهتمامات مشتركة بينهما، حتى لا تكون أدوار الزوجين مكرورة باهتة، قد أنهكتها العلاقة الرسمية في إطار من الفروض والالتزامات الجافّة.
إن التقاء الزوجين، أو بعض أفراد الأسرة في اهتمامات مشتركة؛ سر من أسرار نجاح علاقتهم ببعض، واستقرار حياتهم، فهي مدعاة لزيادة الروابط بينهم، وسبيل لحياة ملؤها الودّ، والتواصل، والإيجابية.
هي علاقة طردية؛ فكلما زادت الاهتمامات المشتركة، كان الاستقرار، والمودَّة، والحب قائماً متقداً.
يقول الدكتور ديفيد نيفن: "إن كل اهتمام مشترك بين الأشخاص الذين تربطهم علاقة ما، يزيد من احتمالات ديمومة هذه العلاقة، ويؤدي إلى زيادة في القناعة الحياتية".
.
إننا بهذا نجني ثماراً يانعة، منها:
1- التعاون على طاعة الله.
2- زيادة ثقة كل زوج بالآخر، والتعرف عليه عن قُرب.
3- تأصيل الصلة والاهتمام والانتماء مع شريك الحياة.
4- التقليل من أسباب الخلاف والمشكلات.
5- القضاء على الخرس والملل الزوجي.
6- إحاطة الحياة الزوجية بسياج من الأريحية، واتفاق المشاعر، والألفة والمودة.
حدَّثتني أم خالد من الغربية قائلة:
"متزوجة منذ (6 سنوات)، زوجي على خُلُق، ويخاف الله فِيَّ، إلاّ أنه مشغول جداً، دائماً في غرفة علوية لمتابعة الأسهم، فهي عالمه الواسع، ساعات وساعات يقضيها هناك، وحين ينزل إلينا يكون السكوت هو علامته الفارقة.
استشرت أحد المستشارين، وبدأت التنفيذ، أخذت أقرأ عن الأسهم، وأتابع المنتديات المتخصصة لمعرفة أخبار السوق والشركات صعوداً ونزولاً، حتى كوَّنت صورة جيدة جداً عنها.
يوماً ما أخذت مشروباً ساخناً، وشيئاً من الموالح والمكسرات، وطرقت الباب عليه بهدوء، لم يلتفت لي بصورة تامة، ولم يرفض دخولي، قدَّمت ما لديّ، ثم ذكرتُ له إحدى المعلومات الجديدة عن السوق، التفت إليَّ مبتسماً، وللمرة الأولى من بضعة أشهر!! ودعوتُ له بالربح الحلال، وودعته.
بدأت أشاركه الحديث عن السوق، ورأيتُ أن جبل الصمت قد زال، الآن أنا مستشارته الخاصة، والعلاقة بيننا أكثر من (سمن على عسل)".
ما أجمل أن يلتقي الزوجان على اهتمام إيماني مشترك بينهما، يُذكِّرُ بعضهم بعضاً فيه: (صلاة الضحى، أو صلاة الوتر، أو حفظ شيء من القرآن الكريم، أو تلاوة ورد يومي من القرآن الكريم وتدبره وتفسيره، أو أذكار الصباح والمساء ، أو صيام يوم في الأسبوع).
ما أفضل أن يلتقي الزوجان على اهتمام تربوي وتنمية ذاتية مشتركة بينهما، يتبادل بعضهم مع بعض الخبرات: يرسمون خططهم الحالية والمستقبلية في تربية أنفسهم وتهذيبها، أو تربية أولادهم التربية القويمة، أو بقراءة في كتاب مع استخلاص الفوائد منه وتقييدها، أو التحاق بدورات متخصصة تنمي المهارات.
ما أحلى أن يلتقي الزوجان على اهتمام خيري مشترك بينهما، يعين بعضهم بعضاً فيه: (الصدقة الإلكترونية، صدقة السر، كفالة يتيم، التطوع لرعاية أرملة أو مسكينة).
إنها قائمة مفتوحة لا حدود لها ولا حصر، تَسع كل هواية محبوبة مناسبة: الرسم، و التصميم، و القراءة والاطلاع، وجمع الآثار، و تجارة الأسهم والعملات، ومساعدة الفقراء والمساكين وذوي الحاجة، و حفظ القرآن الكريم وتعليمه، وتنمية المهارات بالالتحاق بالدورات المتخصصة، يُشجِّع بعضهم بعضاً، ويستذكر بعضهم للآخر، فيكون هذا الموضوع أو ذاك محور لقاءاتهم، وميدان نقاشاتهم، ومجال أحاديثهم ومجالسهم. إن ذلك مدعاة لحياة أسرية هانئة ريانة ناجحة.
وهنا أعرض هذه الخطوات العملية لكل من وجد في شريك حياته شيئاً من جفاء :
1 - تعامل مع هذه المرحلة على أنها عَرَضٌ وليست مرضاً، وأنه بالإمكان تجاوزها بالاستعانة بالله تعالى، والصبر، واحتساب الأجر من العلي القدير.
2- استحضر الصور الإيجابية المشرقة في شريك حياتك، وابدأ في كسر حواجز الصمت، وإذابة الجليد القائم، من خلال إشاعة مفردات الحب والاشتياق، والكلمة الطيبة، والابتسامة البشوشة، والخدمات المتميزة، والدعوات الصالحة.
3- (دوائر الماء)، طريقة رائعة لانسيابية الحديث. هل رأيت دوائر الماء، حين ترمي على سطحه قطعة صغيرة؟! اجعل أحاديثك كدوائر الماء، افتح موضوعاً للنقاش بكلمات قليلة يسيرة، ثم دع المجال لشريك حياتك للإجابة أو التعليق دون مقاطعة أو ضَجَر أو اختلاف، ثم اترك الحديث ينتقل من دائرة إلى أخرى بهدوء وانسيابية، مع عدم استعجال النتائج.
4- التبرُّم، والتحقيقات، والإلحاح في الطلبات، ثلاثي غير مرغوب فيه حين التعامل بين الزوجين، يؤثر على استقرارهم، ويجرح ما لديهم من صفاء
.
5- قد يحتاج أحد الزوجين أحياناً للجلوس منفرداً، أو مشاهدة التلفاز، أو الخروج لزيارة صديق أو التنزّه، إنها خُطوات لتنفيس الضغوطات، ينبغي أن نُفسح المجال لها، بأريحية وسرور.
6- مع مشاغل الحياة ومجرياتها، تحتاج النفس إلى تجديد يبعث في النفس البهجة، ويدفعها لمزيد من الإنتاجية والعطاء، ومن أبرز ميادين التجديد، التجديد الذي يعرضه شريك الحياة في نفسه، أو لباسه، أو ميادين حديثه، أو أسلوب تعامله، وإدارته لمملكته، أو قائمة طعامه. بل ومن التجديد تَلَمُّس المواقف والأحداث السعيدة لتحويلها إلى مصدر سعادة وسرور في الحياة الأسرية.
7- الملفات الخلافية المفتوحة التي لم تُغلق، آن لها أن تُغلق بالتوافق بين الزوجين، بطيب نفس وأريحية، فإنها إن لم تُقفل، تبقى تحتل مكانة بارزة في ذاكرة شريك الحياة، تَظهر بين الفينة والأخرى، مسببة التوتر والضيق وعدم الرغبة في الحديث.
8- الحوار الهادئ الناجح سبب لاتفاق الأفكار والتوجهات والهموم، فإن الزوج إذا لم يتواصل مع نصفه الآخر، سيبحث عمن يتلاقح معه في الأفكار، ويؤثر الصمت في البيت لعدم وجود موضوعات مشتركة هناك.
9- اهتمامات شريك الحياة وهواياته ومحبوباته، منجم للالتقاء والتواصل والاستقرار، ينبغي الاهتمام بالتعرف عليها، والتصريح بمحبَّتها والإعجاب بها وتقديرها، ثم العمل بهدوء على مشاركته فيها، ومكافأته على استجابته لأي عمل مشترك، والدعاء له، والثناء عليه، مع البعد التام عن تلك التي تحتاج منافسة مع الطرف الآخر.
إنه نداء لِكل مقبلين على الزواج، لكل زوجين متحابّين، لكل زوجين لاحت في سمائهما سحابة التوتر والخلاف؛ إنَّ في (الاهتمامات المشتركة) ملاذكما الآمن، نقطة التقاء وتوادّ، لينظر أحدكما في سيرة حياة الآخر، في أي شأن من شؤون الحياة، فيما يفيد المرء في دنياه أو أخراه، وليعرض عليه مشاركته فيه، وليعملا على تفعيل هذه الاهتمامات، وتحويلها إلى واقع عملي في حياتهم اليومية.