- (1/ 9)
- المفتاح:
- والآخر : ما هي مكدِّرات الصفاء؟
- أوَّلا : عوامل الجاذبية عند المرأة نحو زوجها:
- فهل تستطيع الزَّوجة أن تتعلم أبواب هذا السِّحْر وفضائله؟!
- لو حاولت ذلك واجتهدتْ فيه، لملكت على زوجِها لبَّه وفؤاده.
- نعم، أنت لستِ مثلَهنَّ، لكنَّك - لا شكَّ - أفضل منهن.
- يَروي أبو الفرج الأصبهاني
- (انتهى).
- وَفِي الأَظْعَانِ آنِسَةٌ لَعُوبٌ تَرَى قَتْلِي بِغَيْرِ دَمٍ حَلالا
- وأنشد أيضًا:
- يقول:
- ويقول الميداني في " مجمع الأمثال " (1/312):
(1/ 9)
إذا صدقتُ معكم في هذه الكلِمات، فسأكون صريحًا لدرجة أعلم أنَّها قد تثير لدى البعض اعتراضًا أو استياءً؛ لكن: ما باليد حيلة، ولا بدَّ ممَّا لا بدَّ منه، ولكنِّي أيضًا سأعتمد في بعض المواقف على الإشارة؛ وكلُّ لبيبٍ بالإشارة يفهم، والحر تكفيه القرينة!
على أنَّني لن آتي في ذلك ببدْعٍ من عندي، كما أظنُّ أنني لن آتي بجديد في الأساس، إلاَّ إذا كان في بعض تركيبات الألفاظ واستنباط الأفكار والمعاني، وعلى الله اتكالي.
قد يكون من إضاعة الوقت والجهد أن أذكُر هنا أنواع المشكِلات والشَّكاوى التي تتقدم بها زَوْجاتٌ، مِنْ هجْر أزواجِهِنَّ لهنَّ، أو جفوتهم في معاملتِهِنَّ، أو التطلُّع إلى غيرهن، إلى غير ذلك مما أصبح معلومًا من أحوالنا الاجتماعيَّة بالضرورة.
ولذلك فسوف أقصد إلى ذِكْر المقصود دون تقديمٍ له، وسأجتهِد في التَّدليل على كلِّ ما أذْكر ممَّا يفتح الله به على عبدِه من الأدلَّة، وبالله أستعين.
المفتاح:
يُحكى أنَّ امرأةً كانت تعيش في خلاف مع زوجِها، فنصحتْها صديقةٌ لها أن تذهب إلى حكيم؛ علَّه يستطيع أن يُذْهب عن بيتها تلك الخلافات، فذهبتِ المرأة إلى الحكيم وعرَضَت عليْه مشكِلتَها، ووعدَها الرَّجُل أن يُساعِدها؛ ولكن شريطة أن تُحْضِر له ثلاثَ شعرات من جِسْم أسد.
وخرجت المرأة من عنده، وهي تفكِّر في وسيلةٍ تحضر بها الشَّعرات الثَّلاث من جسم الأسَد، ثُمَّ هُدِيت إلى أن تأخُذ حَمَلاً وتغْدو به إلى الغابة، وحين يهجم عليْها الأسد ترمي بالحمل إليه ليلْتَهِمه وينصرف عنها.
وفعلت المرأة ذلك عدَّة أيَّام حتَّى تألَّفها الأسد، وأصبح يتقرَّب منها في ودٍّ، وذات يوم ركبت المرأة على ظهْر الأسد، فوجدتْ نفْسَها قادرةً على ثلاثِ شعراتٍ من لبدته، فأخذتْها على الفوْرِ وذهبتْ بها إلى الحكيم، فلمَّا رأى الحكيم الشَّعرات الثلاث، قال لها: إذا كُنْتِ قد استطعتِ ترْويض الأسد، أفلا تستطيعين ترويض زوجِك
؟!
وسواء أكانت هذه القصَّة حقيقة أم خيالاً، فإنَّ ما يَعنينا هنا هو المعنى المُسْتفاد من روايتِها، وبظنِّي أنَّ ذلك مما لا يحتاج إلى عميق تفكير، ولنقُل إنَّ القاعدة المستنبطة من ذلك هي:
إنَّ للمرأة الدَّور الأكبر في جذْب زوْجِها نَحوها من أجل هناءةِ حياتِهما الزَّوجيَّة.
وإذا سارعت قارئةٌ بالسؤال: ولماذا لا تخاطب الرجال وتعِظُهم بما تعظ به النساء، وقد تعلم أنَّ فيهم من الانحرافات والمعضلات ما لا يُرضي الله ورسوله، ولا تصبر عليه زوجة؟!
فإنَّني أقول: إنَّ لهذا موضعًا آخر، ولكنِّي أعتقِد أنَّ ميزان البيت العاطفي هو بيديْك أنت أيَّتها الزَّوجة، فهيَّا بنا إلى هذين السؤالين:
الأوَّل : ما هي أسباب وعوامل جاذبيَّة المرأة لزوجها؟
والآخر : ما هي مكدِّرات الصفاء؟
أوَّلا : عوامل الجاذبية عند المرأة نحو زوجها:
لو تفكَّرنا قليلاً فيما حولنا، لوجدنا المرْأة في زمانِنا هذا قد تمَّ استِغْلالُها في مجالاتٍ غير مشْروعة؛ فقد اتَّجروا بكلِّ شيءٍ في جسدها: حركاتها وسكَناتها، صوْتها وصمْتها، شكْلها وجوهرها، إغراءاتها ومتعتها، وكلِّ شيء عندها، وذلك في غير ما أحلَّ الله، مبْتغين من ذلك عرَض الدُّنيا وإشْباع النزوات.
وفي المقابل هناك مجتمعات متمسِّكة بعادات وتقاليد، ترفض كافَّة هذه الأشْكال رفضًا مطلقًا، وتعلن أنَّ هذا فساد يجب محاربته، أو على الأقل تجنُّبه ومقاطعته.
لكن قواعد الاستِقْرار الاجتِماعي تبدو مهتزَّة في كلا الجِهتين، مع تفاوُت كبير بيْنهما بالطَّبع، فالاهتِزازات الأولى متتابعة ومدمِّرة، كالمنطقة التي اشتهرت بالزَّلازل والبراكين، وأضْحى أهلها لذلك يعرفون؛ لكنَّهم ممَّا قيدوا به أنفُسَهم هناك لا يستطيعون منها فكاكًا؛ إلاَّ من رحِم الله.
أمَّا الاهتزازات الأخرى، فمتباعدة ومتفاوتة في القوَّة والأثر، فتارة تحدث اضطرابات واختلافات، وتارة تقترب من الإطاحة بأُسُس الحياة الاجتماعيَّة الهادئة.
وإذا كان عدم الاستِقرار مفهومًا ومبررًا في النَّوع الأوَّل، فإنَّه غير مفهوم ولا مبرَّر في النَّوع الثاني، وهنا تكمن المشكِلة.
والحاصل: أنَّ نِسْوة المجتمعات المتمسِّكة بعاداتها - أعْني من التي تعاني التصدُّع - قد فهمن الأمر على غير محمله، أو فهِمْنه فهمًا منقوصًا، فنحن جميعًا متَّفِقون على رفْض ابتِزاز المرْأة واستِغْلالها الشَّنيع في غير محلِّه، غير أنَّ أحدًا منَ النَّاس لم يذْكُر أنَّ هذه المظاهر مرفوضة كذلِك في منزلها ومع زوجها.
وهنا تبدو مشكلة جديدة، مفادُها أنَّ هؤلاء النِّسوة المحافظات قد لا يُمانِعن في أن يكنَّ داخل المنزل ومع أزواجِهنَّ على الهيئة والصورة التي يريد، لكنَّ كثيراتٍ منهنَّ لا يمتلكن المواهب التي تُمكِّنهن من القيام بهذا الواجب، فالعلم بالتعلُّم، وهذا أيضًا من العلم.
وإذا كان ذلك كذلك، فإنَّ واجبًا جديدًا سوف يُضاف إلى الواجبات المطلوبة من هؤلاء السيِّدات، ألا وهو: التمرُّس والتمرُّن على مثل هذه الأعمال حتَّى يستطِعْن أداءَها أداء الاحتراف، لا أداء الهواية.
إنَّ كلِماتي هذه حمَّالة أوجُه، ولكنِّي منذ البداية - بل وقبْلها - أقول: إنَّني لا أعني منها إلا الوجْه الذي يتَّفق مع شريعة الإسلام ثمَّ مع عاداتنا الأصيلة، وهي لا تعْدو معنى قول الله - سبحانه -: { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }
.
إنَّ من المتَّفق عليه أنَّ على المرأة أن تُعفَّ زوجها وتشْبِع لديْه كلَّ ما تستطيعه من رغبات الوصال والمتْعة الحسيَّة والمعنويَّة، بما في ذلك متعة الجنس والعين، والأُذُن واللَّمس، وكلُّ ذلك في حدود ما شرع الله تعالى: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }
.
وفي إطار ذلك يُروى عن أسماء بنت يزيد الأنصاريَّة: أنَّها أتت النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنتَ وأمِّي، إنِّي وافدة النساء إليك، وأعلم - نفسي لك الفداء - أنَّه ما منِ امرأةٍ كائنة في شرْقٍ ولا غرْب، سمعت بمخرجي هذا إلاَّ وهي على مثل رأيي، إنَّ الله بعثك بالحقِّ إلى الرِّجال والنساء، فآمنَّا بك وبإلهك الذي أرْسَلَك، وإنَّا - معشرَ النساء - محصورات مقصورات، قواعد بيوتِكم، ومقضى شهواتِكم، وحاملات أولادِكم، وإنكم - معاشر الرجال - فُضِّلتم علينا بالجمعة والجماعات، و
عيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجِهاد في سبيل الله، وإنَّ الرجل منكم إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مرابطًا، حفِظْنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثْوابكم، وربَّينا لكم أموالكم، فما نُشارككم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أصحابه - بوجهه كله ثم قال: ((هل سمعتم مقالة امرأة قطّ أحسن من مُساءلتها في أمر دينِها من هذه؟)) فقالوا: يا رسول الله، ما ظننَّا أنَّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - إليْها ثم قال لها: ((انصرفي أيَّتُها المرأة، وأعْلمي مَن خلفك من النساء أنَّ حسن تبعُّل إحداكن لزوْجِها، وطلبها مرضاته، واتِّباعها موافقته - يعدِل ذلك كلَّه))، فأدْبرت المرأة وهي تهلِّل وتكبِّر استبشارًا"
، ضعَّفه الألباني.
والحقُّ أنِّي أخشى التَّعليق على هذا البيان المعجِز، الذي روي هنا عن الرَّسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو من جوامع الكلِم ونواصع البيان، فتأمَّل!
(2/ 9)
سحر البيان وعشق الآذان:يروي البُخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إنَّ من البيان لسِحْرًا)).
فهل تستطيع الزَّوجة أن تتعلم أبواب هذا السِّحْر وفضائله؟!
لو حاولت ذلك واجتهدتْ فيه، لملكت على زوجِها لبَّه وفؤاده.
أيَّتها الزَّوجة الطيِّبة! أعرف أنَّك لا تحبين الخضوع بالقول، وخاصَّة أنَّك أحيانًا تتعاملين مع أُناس من خارج المنزل، في السُّوق، في العمل، في الهاتف ... إلخ، فأنتِ تَحرصين على ألاَّ يكون بصوْتِك تكلُّف ولا خضوع؛ فيطْمع الذي في قلبِه مرض.
لكنِ اسمحي لي بهذا السُّؤال: هل من المسْتساغ في الحياة الزَّوجيَّة أن يسمع زوجُك منك - دائمًا أو غالبًا - صوتًا مثل هذا الذي تتعاملين به مع غيره من النَّاس؟!
قد تقولين: هذه طبيعتي، وقد تعوَّدت على ذلك، ولا أستطيع أن أغيِّر منها، إنَّ هذا صعب جدًّا.
وقد تكونين معذورة قليلاً؛ لكن ما ذنبُ هذا الرَّجُل الذي تتسلَّل إليه بين حين وآخر أصوات ناعمة ورقيقة من بنات جنسِك؟!
نعم، أنت لستِ مثلَهنَّ، لكنَّك - لا شكَّ - أفضل منهن.
أتعرفين الحكمة التي تقول: لكل مقام مقال، ولكل أرض غرس، ولكل بناء أُس، ولكل ثوب لابس، ولكل علم قابس؟ فهل نَهى الله - تعالى - عن الخضوع بالقول مع الغُرباء ومع الأزواج سواء بسواء؟! إنَّ أحدًا لم يقل بهذا أبدًا.
ربما تسألين: وكيف أستطيع ذلك، بعدما تعوَّدت على طريقة واحدة في الكلام؟
وهنا أقول: العلم بالتعلُّم، وبدون تكلُّف حاولي مرَّة بعد مرَّة؛ ابتغاء مرضات الله، وتحصينًا لأُذُن زوجِك وقلبِه من الغوائل والذنوب، حتَّى وإن كان هو لا يُفْصِح لك بذلك.
يَروي أبو الفرج الأصبهاني
عن الأصمعي قال: كان لبشَّار بن برد - الشَّاعر الضرير - مجلس يجلس فيه يقال له "البردان"، وكان النِّساء يحضرْنَه فيه، فبيْنما هو ذات يوم في مجلسه إذ سمع كلامَ امرأة في المجلس فعشِقَها، فدعا غلامه فقال: إذا تكلَّمت المرأةُ عرَّفتُك إيَّاها فاعرِفْها، فإذا انصرفتْ من المجلس، فاتْبعْها وكلِّمْها وأعلِمْها أنِّي لها محبٌّ، وقال فيها:
يَا قَوْمِ أُذْنِي لِبَعْضِ الحَيِّ عَاشِقَةٌ وَالأُذْنُ تَعْشَقُ قَبْلَ العَيْنِ أَحْيَانَا
قَالُوا: بِمَنْ لا تَرَى تَهْذِي! فَقُلْتُ لَهُمْ الأُذْنُ كَالعَيْنِ تُوفِي القَلْبَ مَا كَانَا
هَلْ مِنْ دَوَاءٍ لِمَشْغُوفٍ بِجَارِيَةٍ يَلْقَى بِلُقْيَانِهَا رَوْحًا وَرَيْحَانَا
(انتهى).
وبعيدًا عن بشَّار وما قيل فيه وعنْه، فإنَّ الَّذي يَعْنينا هنا هو المعنى المأْخوذ من ذكر هذه الواقِعة. فإذا كانت الأذُن تعْشَق كما العين، فلِماذا لا تتفكَّر الزَّوجة في بعض النبرات الصوتيَّة التي تلفت بها انتباه زوجِها وتستميله إليْها، سواء أكان ذلك في سياقات الكلام الطبيعيِّ بينهما، أم في سياقات غنائيَّة عارضة، أم في غيرِها، وما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب.
ليْس من الطيِّب أن يجلس الزَّوجان دون كلام، إمَّا أنَّ أحدَهما - أو كليْهما - مشغول بشيء: تلفاز، جريدة، كتاب، مجلَّة ... إلخ، والآخَر يظلُّ فترة طويلة ينتظِر كلِمة أو بعض كلمة!
إنَّ الوحشة لا تعني الجلوس وحيدًا، أو بعيدًا عن النَّاس فحسب، وإنَّما قد يُصاب إنسان بوحشةٍ كبيرةٍ وهو يعيش بين النَّاس؛ لأنَّه لا يجد أحدًا من النَّاس يؤْنِسُه بالكلام، ويتجاذَب معه أطْراف الحديث، وفي ذلك يقول الشَّاعر رفعت الصليبي
:
إِنِّي غَرِيبُ الدَّارِ فِي وَطَنِي رَغْمَ الصِّحَابِ وَكَثْرَةِ الأَهْلِ
(3/ 9)
الآنسة اللعوب:أتدْرين - سيدتي - لماذا وُصِفت الفتاة بالآنسة؟ قالوا: لأنَّها تؤْنِسُك بحديثها، ومن أسماء الإناث: إيناس، ومؤنسة، وسمر، وسميرة، وكلُّها في هذا المعنى، وفي الأغاني يقول المتوكل الليثي
:
وَفِي الأَظْعَانِ آنِسَةٌ لَعُوبٌ تَرَى قَتْلِي بِغَيْرِ دَمٍ حَلالا
يقول: في هذا الركب المسافِر فتاةٌ تملك عليك لُبَّك وفؤادك، فهي تؤْنِسُك بحديثها، وتغريك بمرحها وحلاوة حركاتها، وها هي تترُكُني وتسافر مع الأظعان، فتستحلُّ بذلك دمي؛ لأنها ستقتلني بفِراقها دون أن أنال منها قصاصًا!
وقد ذكر كثيرٌ من الشُّعراء هاتين الصفتين: الإيناس واللعب، في أشعارهم الغزليَّة، ومن ذلك قول بشار
:
وَفِي الحَيِّ الَّذِينَ رَأَيْتُ خَوْدٌ لَعُوبُ الدَّلِّ آنِسَةٌ نَوَارُ
وقول بشر بن أبي خازم
:
فَقَدْ أَلْهُو إِذَا مَا شِئْتُ يَوْمًا إِلَى بَيْضَاءَ آنِسَةٍ لَعُوبِ
وله أيضًا:وَفِي الأَظْعَانِ آنِسَةٌ لَعُوبٌ تَيَمَّمَ أَهْلُهَا بَلَدًا فَسَارُوا
وقول قيس بن الخطيم
:
فِيهِمْ لَعُوبُ العِشَاءِ آنِسَةُ ال دَّلِّ عَرُوبٌ يَسُوءُهَا الخُلُفُ
وقول محمود قابادو
:
نَفُورُ الدَّلِّ آنِسَةُ السَّجَايَا لَعُوبُ الحُسْنِ بِالأَلْبَابِ قَسْرَا
ومن أمثال العرب: الإيناس قبل الإبْساس، يقال: آنَسه؛ أي: أوْقعه في الأنس، وهو نقيض أوْحشه، والإبساس، الرِّفق بالناقة عند الحلب، وهو أن يقال: بس بس
.
ويقول محمد بن بشير:بَيْضَاءُ آنِسَةُ الحَدِيثِ كَأَنَّهَا قَمَرٌ تَوَسَّطَ جُنْحَ لَيْلٍ مُبْرِدِ
مَوْسُومَةٌ بِالحُسْنِ ذَاتُ حَوَاسِدٍ إِنَّ الحِسَانَ مَظِنَّةٌ لِلْحُسَّدِ
وَتَرَى مَدَامِعَهَا تُرَقْرِقُ مُقْلَةً سَوْدَاءَ تَرْغَبُ عَنْ سَوَادِ الإِثْمَدِ
وصف المرأة بإشراق اللون، ومعنى آنِسة: ذات أنس؛ لأنَّ الحديث يُؤنس ولا يَأنس
.
وفيما يتَّصل بطرق الحديث بين المرأة وزوجها تُورد معاجم اللغة وكتُب الأدب توصيفًا وافيًا لبعض هذه الصِّفات، ومن ذلك ما ورد عند ابن دُرَيْد: الغُنْج: التكسُّر والتدلُّل
.
ومن " المخصَّص " أنقل هذه الكلِمات ببعض التصرُّف:نُعُوت النِّساءِ في التَّعَرُّب والضَّحِك: المرأة الشَّمُوع: الضَّحُوك، وهي المَزَّاحة الطَّيبَة الحَدِيث التي تَقْبَلك ولا تُطَاوِعُك على ما سِوَى ذلك، والمرأة المَشْمَعة: المِزَاح، وأنشد:
وَلَوْ أَنِّي أَشَاءُ كَنَنْتُ نَفْسِي إِلَى بَيْضَاءَ بَهْكَنَةٍ شَمُوعِ
وأنشد أيضًا:
سَأَبْدَؤُهُمْ بِمَشْمَعَةٍ وَأَثْنِي بِجُهْدِي مِنْ طَعَامٍ أوْ بِسَاطِ
امرأة شَمُوع: بَيِّنة الشَّماعة، شَمَعَت تَشْمَع شَمْعًا وهو الشِّماع (الشَّمُوعُ: الجاريةُ الحَسَنَةُ الطّيبة النّفس)، البَهْنانَة: الضَّحاكة، الطَّيِّبة الرِّيح، جارِيَة هَأْهَأَة وهَأْهاءَة: خَحَّاكة، والعَرِبَة والعَرُوب والعَرُوبة: المُتَحَبِّبة إلى زَوْجها، تَعَرَّبت المرأةُ للرَّجُل: تَغَزَّلت، امرأة مُحِبٌّ لزَوْجِها وعاشِقٌ، العَطُوف: المُحِبَّة لزَوْجِها، فأمَّا العَطِيف فالذَّلِيلة المِطْواع التي لا كِبْرَ بها، واللَّبِيقة: الحَسَنة الدَّلِّ واللبسة الصَّنَاعُ، وقد لَبِقت لَبَقًا، والوَذَلَة: النَّشِيطَة الرَّشيقَة، الوَذِيلة.
امرأةٌ لَعَّة: خَفِيفةُ الحَركة مَلِيحة، وكذلك لاعَة، وقيل: هي التي تُغازِلك ولا تُمْكنك، امرأة غَنِجَة: حَسَنة الدَّلِّ والاسم الغُنْج، امرأةٌ مِغْناجٌ كذلك، وقد غَنِجَتْ وتَغَنَّجَت، جارِيَة خَنِبَة: غَنِجة، والضَّمْعَج: الجارِيَة السَّرِيعة في الحوائِجِ، التي قد تَمَّ خَلْقُها، المِنْفَاض: الكَثِيرة الضَّحِك والسَّلْحوتُ: الماجِنَة، وأنشد:
تِلْكَ الشَّرُودُ وَالخَرِيعُ السَّلْحُوتْ
.
(4/ 9)
سحر العيون:للشُّعراء في آثار العُيون آثار، لو قصَد أحدٌ لِجمعها في سِفر واحد، لاتَّصل في ذلك عنده اللَّيل والنَّهار.
يروي المحبي في " نفحة الريحانة " قول محمد جمال الدين بن عبدالله الطبري
:
أَسِيرُ العُيُونِ الدُّعْجِ لَيْسَ لَهُ فَكُّ لأَنَّ سُيُوفَ اللَّحْظِ مِنْ شَأْنِهَا السَّفْكُ
ويقول جرير
:
إِنَّ العُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا حَوَرٌ قَتَلْنَنَا ثُمَّ لَمْ يُحْيِينَ قَتْلانَا
يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لا حِرَاكَ بِهِ وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ أَرْكَانَا
ومعنى كلِمة "حَوَر" كما في " القاموس المحيط ": "أن يَشتَدَّ بياضُ بياضِ العَيْنِ وسَوادُ سَوادِها، وتَسْتَديرَ حَدَقَتُها، وتَرِقَّ جُفونُها، ويَبْيَضَّ ما حَوالَيْها، أو شدَّةُ بياضِها وسوادِها، في بَياضِ الجَسَدِ، أو اسْوِدادُ العَيْنِ كُلِّها مِثْلَ الظِّباءِ، ولا يكونُ في بني آدمَ، بل يُسْتَعَارُ لها". انتهى.
وإذا كان اللقاء بين الزَّوجين قد حصل وتمَّ الزَّواج بعد الاطمِئْنان، فإنَّ ذلك يعني أنَّ كليْهِما قد أُعْجِب بالآخر إعجابًا يكفي لاتخاذ قرار الصُّحبة المؤبَّدة، فما الذي يَجري بعد ذلك؟! ولماذا يتوارى سحر العيون وخفَّة الظل خلف سحب كثيفة من هموم الحياة ومتاعبها؟!
لقد وصَّت الأم ابنتَها فقالت: "يا بنية، احْملي عني عشر خصال، تكن لك ذخرًا وذكرًا: الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السَّمع والطاعة، والتعهُّد لموقع عينه، والتفقُّد لموضع أنفِه، فلا تقع عينُه منك على قبيح، ولا يشَم منك إلا أطيب ريح؛ والكحل أحسن الحُسن، والماء أطْيب الطيب المفقود".
والحق أنَّ هذه الوصية قد ذاع صِيتُها، ولكنَّها تُنْقل - غالبًا - مبتورةً عمَّا جاء به سياقُها، وهأنذا أنقل قصَّتها كما وردت في " العِقْد الفريد " لابن عبد ربه (2/432) مع بعض الاختزال في بعض الأوْصاف.
يقول:
"كان عمرو بن حجْر ملك كندة، وهو جد امرئ القيس، أراد أن يتزوَّج ابنة عوف من محلم الشيباني الذي يقال فيه: لا حرَّ بوادي عوف؛ لإفراط عزِّه، وهي أم إياس، وكانت ذات جمال وكمال، فوجَّه إليْها امرأة يقال لها: عصام، ذات عقل وبيان وأدب، لتنظر إليها، وتمتحن ما بلغه عنْها، فدخلت على أمِّها أمامة بنت الحارث، فأعلمَتْها ما قدمت له، فأرسلت إلى ابنتها: أي بنيَّة، هذه خالتُك، أتت إليْك لتنظُر إلى بعض شأنك، فلا تستُري عنها شيئًا أرادت النظر إليه من وجه وخلق، وناطقيها فيما استنطقتْكِ فيه، فدخلت عصام عليْها، فنظرت إلى ما لم تر عينُها مثله قط، بهجةً وحسنًا وجمالاً، فإذا هي أكْمل النَّاس عقلاً، وأفْصحهم لسانًا، فخرجت من عندها وهي تقول: " ترك الخداع مَن كشف القِناع "، فذهبت مثلاً.
ثمَّ أقبلت إلى الحارث، فقال لها: " ما وراءك يا عصام؟ " فأرسلها مثلاً، قالت: " صرَّح المخض عن الزبدة "، فذهبت مثلاً، قال: أخْبريني، قالت: أخبرك صدقًا وحقًّا، رأيت جبهةً كالمرآة الصقيلة، يزينها شعر حالِك كأذناب الخيل المضفورة، إنْ أرسلته خِلْتَه السلاسل، وإن مشطته قلت: عناقيد كَرْمٍ جلاَّه الوابل، ومع ذلك حاجبان كأنَّهما خُطَّا بقلم، أو سُوِّدا بحمم، قد تقوَّسا على مثل عين العبهرة (العَبْهَرَةُ: الرقيقةُ البشرة الناصعةُ البياض، وقيل: هي التي جمعت الحُسْنَ والجسم والخُلُق) التي لم يَرُعْها قانص ولم يَذْعَرْها قسورة (أسد)، بينهما أنف كحد السيف المصقول، لم يخنس به قِصَر، ولم يُمعن به طول، حفَّت به وجنتان كالأرجوان (الشديد الحُمْرَة)، في بياض محض كالجمان (اللؤلؤ)، شقَّ فيه فمٌ كالخاتم، لذيذ المبتسَم، فيه ثنايا غُرّ، ذوات أشر (الأُشُرُ: حِدَّةٌ ورِقَّةٌ في أطرافِ الأسنانِ، ومنه قيل: ثَغْرٌ مُؤَشَّرٌ. وإنما يكون ذلك في أسنانِ الأحداثِ؛ " تاج العروس "، أشر)، وأسنان تعدُّ كالدر ... وقد تربَّع في صدرها حقَّان كأنَّهما رمَّانتان، من تحت ذلك بطن طوي كطي القباطي المدمجة (القُباطي: ثِيَابٌ رِقَاقٌ غيرُ صَفِيقَةِ النَّسْجِ)
، فأمَّا سوى ذلك فتركتُ أن أصِفَه، غير أنَّه أحسن ما وصفه واصف بنظم أو نثر".
ويقول الميداني في " مجمع الأمثال " (1/312):
"فأرْسل الملك إلى أَبيها فخَطَبها، فزوَّجها إيَّاه وبعث بصداقها، فجُهِّزت، فلمَّا أراد أن يحملوها إلى زوْجِها، قالت لها أمُّها:
أي بنيَّة! إنَّ الوصيَّة لو تُرِكَتْ لفضل أدبٍ تُرِكَت لذلك منك؛ ولكنَّها تذْكِرة للغافِل، ومعونة للعاقل، ولو أنَّ امرأةً استَغْنت عن الزَّوج لغنى أبوَيْها وشدَّة حاجتِهِما إليْها، كنْتِ أغْنى النَّاس عنْه، ولكنَّ النِّساء للرِّجال خُلِقْن، ولهنَّ خلق الرِّجال، أي بنيَّة، إنَّك فارقت الجوَّ الَّذي منه خرجْتِ وخلَّفت العشَّ الَّذي فيه درجْتِ، إلى وكرٍ لم تعرفيه، وقرينٍ لَم تأْلفيه، فأصبح بِملكه عليك رقيبًا ومليكًا، فكوني له أَمَةً يكُنْ لك عبدًا وشيكًا، يا بنيَّة، احملي عنِّي عشْر خِصال، تكن لك ذخرًا وذكرًا: الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بِحسن السمع والطاعة، والتعهُّد لموقع عيْنِه، والتفقُّد لموضع أنفِه، فلا تقع عيْنُه منك على قبيح، ولا يشَمَّ منك إلا أطْيَب ريح، والكحل أحسن الحسن، والماء أطْيب الطيب المفقود، والتعهُّد لوقْتِ طعامِه، والهدوء عنه عند منامه، فإنَّ حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، والاحتِفاظ ببيتِه وماله، والإرْعاء على نفْسِه وحشمه وعياله؛ فإنَّ الاحتفاظ بالمال حسن التَّقرير، وا