- مرحبا اخواتي الفراشات,,,
مرحبا اخواتي الفراشات,,,
الإحساس بالجمال ، والميل نحوه مسألة فطرية متجذرة تحيا في أعماق النفس البشرية ؛
فالنفس الإنسانية السوية تميل إلى الجمال ، وتشتاق إليه ، وتنفر من القبيح وتنأى عنه بعيدا . إن الطبيعة الإنسانية تنجذب إلى كل ما هو جميل ؛ وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " إنّ الله جميلٌ يحبّ الجمال " . والإحساس بالجمال والوله به ، والاعتناء به ،
واقتناء الأشياء الجميلة قد يقوم بها الإنسان تلقائيا بفعل ذاك الميل الفطري المتجذّر في أعماق النفس ...
شاء الله سبحانه وتعالى المبدع البديع الخالق أن يجعل من الجمال في شتّى صُوره مناط رضا وسعادة لدى الإنسان ، واستصاغة الجمال حقٌّ مُشاعٌ لكلّ انسان...
والأكيد أن تذوّق الجمال والتمتع به يختلف بين فرد وآخر ،ومن أمة إلى أخرى ، ومن عصر إلى آخر ، لكنه اختلاف محدود قد يمسّ جانبا من الجوانب ، أو عنصرا من العناصر التي تشكّل القيمة الجمالية
كيف نعرّف الجمال ؟ وكيف نحدّد جوهره وأسسه الموضوعية ؟ فهل الجمال كل ما ترتاح إليه عينا الإنسان ؟ هل هو كل ما يعجبنا ويفرحنا ويشدّنا إليه ؟ أم أن ما ترتاح إليه عينا الإنسان ، وما يثير الإعجاب ، لا يكفي لتعريف الجمال وتحديد جوهر الجمال الحقيقي السامي ..ربما يخفي " الجمال الظاهري " الذي تراه العينان القبح والبشاعة ..
وننطلق من الطبيعة فهي نبْعُ الجمال الفيّاض ... الذي لا يجفّ ، فإذا جفّ هذا النبع لا يندثر الجمال فحسب ، إنما تفنى الحياة وتموت الكائنات كلها ..أي لا حياة إذا ماتت الطبيعة ، فالحياة مرتبطة بالطبيعة ، والجمال مرتبطٌ بالطبيعة . تُشبع الطبيعة حاجة الإنسان للجمال ، وتُنمّي لديه شعوره به الذي يرتبط بالميل نحْو الطبيعة ، لأننا كبشر نشعر في تنوّع موضوعاتها ، وثرائها بما يمتع أبصارنا ويبعث الراحة في نفوسنا بما تُمثّله من شفافية وطُهْرٍ ونقاء ، فنحن نستمتع بتعدّد ألوان أوراق الشجر ، وبدقة نظامها البنائي ، وبالانسجام العجيب والعلاقات بين خطوطها ، والتي تتّصف بالرشاقة والنقاء .. من ذاك نعثر في الطبيعة على معايير التناسق والتوازن ، وعلى تجسيدات الثراء اللوني ، والإحساس بالرحابة المكانية ، وبالصفاء الضوئي ، وبتناغمات الكائنات في هذه الطبيعة .
والحقيقة أن إعجاب الإنسان بجمال اللون والوله به ، يتجلّى على سبيل المثال إحساسنا بالرضا والارتياح ونحن نتملّى الجو المشبع باللون في منظر غروب الشمس ، وانبهارنا بالنضارة اللونية في شروقها ، كلّ ذلك يرجع إلى كوْن الإحساس باللون هو من أكثر أنواع الشعور بالجمال شيوعا بين بني البشر، وأشدّهم جذبا.
للألوان تأثيرٌ عميقٌ في دواخل النفوس ، فتظهر بهيئة ملموسة ساحرة تارة تحرّك أغلب الناس محرّكة فيهم الذوق الجمالي المتماشي مع كلّ إنسان ، وتارة أخرى بنفس إيماني ، وروحانيات ، واعتقادات تتداخل في كنف الدين والأعراف ، وحتى الأسطورة لدى بعض الشعوب ...إن اللون هو صفةٌ للنور والضوْء ، وأن للنور السماوي الآتي من الشمس قدسية وحظوة يكتسيها في جلّ المعتقدات .
في العقيدة الإسلامية جاءت دلالات اللون تعبيرية أو رمزية أو حسّية أو جمالية ، وارتبط اللون بمصدرين جوهريين : أولهما ، النور القادم من السماء المقترن بالخالق الأعلى ، فهو ( نور الله ) سبحانه وتعالى ، أو ( نور القلوب ) بما يعنيه الإيمان المنوِّر لدواخل النفس المظلمة ..وثمّة تداخلٌ لغوي ذو دلالات بين كلمتي " ظلمة " و " ظلم " المقترن بقُبْح الظلم والطغيان المنافي لجمال العدل ، وهكذا فكل انحراف واختلال هو قُبْح لأنه ابتعادٌ عن الجمال الواجب اقترانه بإرادة الله ؛ وبذلك فإن اللون وجماله يقترن مع وجود الضياء ، ثم يتداخل المفهوم مع العدل والقسطاس الإلهي . وأصبح الأسود المظلم لدى أغلب شعوب الأرض رمزا للحزن ، والألوان المشعّة الفاتحة دليلا على الحبور والمسرّة في الأعراف الشعبية .
ثاني الحوافز المرتبطة باللون والتي تؤدي إلى التذوق الجمالي،هي العين كأداةٍ جاسّة للنور واللون .والعين ذكرها الله في مُجمل نعمه على الناس ..ناهيك عن اعتبار اختلاف الألوان في ناموس الطبيعة والخَلْق في حدّ ذاته معجزة ربّانية تدعو الانتباه ، وإن تكريسها ما كان ولم يكن عبثا ، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ) (فاطر:27) و: (من الآية28 ).
قد تطرحن الان السؤال التالي وما علاقة الألوان بالجمال وتذوّقه ؟ وأيّ الألوان أجمل ؟ وهذا بطبيعة الحال يجرّنا إلى أقوال بعض علماء النفس الذين من بينهم العالم النفساني الألماني " فشنر " إذْ يقول : ( صحيحٌ أن اللون الأحمر جميلٌ إذا ظهر على وجنة الفتاة ، ولكنه ليس جميلا إذا برز في أرنبة الأنف .) وهكذا نحسّ بجمال اللون من خلال مضمونه وأهميته ، وبذلك تكون نظرتنا إلى وهَج الغسق الأحمر مختلفة عن احمرار الوجه البشري . كما أن للطبيعة المحيطة وصورة الكون حضورُهما في المدى الفلسفي للألوان ، فالأزرق يلْقى الحظوة لارتباطه بالسماء ولوّن الماء الذي هو جوهر الحياة : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شْيءٍ حَيٍّ ) . واللون الأخضر يرمز إلى الأمل والخصوبة والخلود المرتبطة أساسا مع بُعْدي اللونين المكوّنين له وهما الأزرق الدّالّ على الماضي والأصفر الدّالّ على المستقبل ، وما يعاكسهما في ذلك والذي يمثّل الزمن الحاضر فيبدو احمر اللون .
يقفز أمامنا والحالة هذه سؤال مهمٌّ : هل كل كائن قادر على تذوّق الجمال والإحساس به ، والتعرّف على الجمال الحقيقي الأصيل ؟ أم أن الإحساس بالجمال والتعرّف عليه يحتاج إلى طاقة وقدرات ، وملكات رفيعة ، بل وخبرة ومستوى معرفي معيّن .. ونعتقد كما يعتقد العديد من ذوي الخبرة والاختصاص ،أن ليس كل إنسان يملك القدرة لاستيعاب وإدراك الجمال .
تذوّق الجمال في رأينا يحتاج منّا :
1. إلى عقْلٍ نشطٍ ناضج ، فالعقل الخامل لا يملك القدرة على العثور على الجمال ، ولا التعرّف على ميزات الجمال ، ومن ثمّ الإحساس به ، وتحديد جوهره ، وتذوّقه والتنعّم به .
2. إلى قلْب مُحبٍّ ، فالمحبة هي التي تنير الطريق على مواطن الجمال والتوقف عندها والتأثر بها .
3. إلى عين نشطة ومشاعر مرهفة حسّاسة ، فالإنسان الذي اعتاد أن يقضي حياته بين جدران أربعة ، لا يدرك جمال نهر تعانقه المروج والبساتين ، والذي لا يرى من الحياة غير وجهها الحالك ، لا يدرك الجمال ولا يعيه البتّة .
4. إلى نفس طيّبة ، متّزنة ، سويّة ، متسامحة ترى الوجود كله جميلا .. إلى أخلاق رفيعة سامية..نفس تنطوي على الخير والحبّ والجمال ، والفضيلة ، غير ميّالة للقبح والبشاعة في أذى الغير ..نفس طيّبة وتعتقد الطيبة في غيرها .
5. إلى خبرة بالحياة ومكوناتها ، وإلى إدراك للوجود ، وإلى قناعة بالموازنة بين الجانب الروحي ، والجانب المادّي ، وبين الجانب الحسّي والجانب المعنوي .
الإنسان هو الوحيد من بين الكائنات قادرٌ على التطوّر ..قادر على استكمال ميزاته الإنسانية التي تُميزه عن باقي الكائنات ، لأنه يملك العقل والإرادة ..الإنسان يملك غرائز نبيلة سامية نافعة ، ويملك بالمقابل غرائز عدوانية وحشية مخرّبة ضارّة ..إلاّ أن نزعة الخير موجودة أصلا فيه ..والجمال قادر على إبرازها وتوظيفها في سبيل الخير .وهو الوحيد من بين الكائنات كلّها ، قادرٌ على مجاراة الطبيعة التي هي نبْعُ الجمال ، في أن يكون جميلا ، وهو القادر على حماية الطبيعة لتكون مصدر قوّته وإلهامه ..بإمكانه أن يرفد ينابيع الجمال فيها ؛ وقدرته هذه تنبع من طموحاته وأحلامه .. فطموحات الإنسان وأحلامه تعبّر أيضا عن جانبٍ مهمٍّ للكشف عن القيم الجمالية ، والتواصل معها ، وتعبّر عن جانب مهمٍّ من طموح الإنسان وسعْيه ، واجتهاده لكي يكون جميلا .
إن القيم الجمالية هي غذاء الروح ، وغذاء الروح لا يقلّ أهمية عن الغذاء الطبيعي للإنسان ؛ إنْ لم نقل : إن الغذاء الروحي أكثر وأشدّ أهمية من الغذاء الطبيعي المادّي للإنسان ..ونعني بالغذاء الروحي ، كل ما يساعدنا على أن يبقى عالمنا جميلا يسرّ العين والروح ، ويفي الجسد .
ومن الخطإ أن نعتقد أن للجمال مقاييسه الحسية وحدها ، تلك التي تقع عليها العين ، أو تسمعها الأذن ، أو يشمها الأنف ، أو يتذوقها اللسان ، أو تتحرك بها لمسات الأطراف العصبية ... فالجمال مادة وروح ، وإحساس وشعورٌ ، وعقل ووجدان ، فإذا التقى فلاسفة الجمال في بعض الجوانب أو العناصر ، فستضل هناك في عالم الجمال مناطق يعجز الفكر الفلسفي عن إدراك كنهها ، والوصول إلى أبعادها . فليس العقل وحده هو القوة القادرة على استكناه كل أسرار الوجود وما خفي فيه ، ولحكمة يقول الله تعالى في كتابه العزيز ( ...فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .) (الحج: من الآية46)
وكما نشاهد الجمال ونتذوقه في الإبداع الذي يصنعه غيرنا ونصنعه نحن أيضا ، فإن موضوعات الجمال التي كرّم الله بها عباده في الطبيعة أفسح وأجمل وأكثر جاذبية ؛ حيث يغمرنا الجمال في عالم الأزهار والطيور وسفوح الجبال ، وجداول الأنهار ، وشلالات المياه المنحدرة ، وكثبان الرمال الذهبية ، ومغيب الشمس ، وفي شكل الإنسان الذي قال الخالق عزّ وعلا في شأن تكريمه : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (الاسراء:70) وقال أيضا : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) (التين:4) .. كما نسعد بالجمال ونحن نتذوقه في سماء الليل الصافية ، وفي النجوم المتلألئة ليلا ، والقمر وهو يغمر الكون بضيائه .. نتذوّق الجمال في الغيمة ، في قوس قزح ، في الضباب وهو يدثر ما حولنا بغلالة شفافة منعشة ، نتذوقه في نزول الغيث وتجمُّع قطراته وهي تنساب والأرض تتشرّبها في نشوة ..الجمال نتذوّقه في عيون الضباء ، وفي عيون المها وابتسامات الأطفال ، في ألوان الأسماك وشاطئ البحر ورماله الذهبية ، وأمواجه ..في حقول الزرع المترامية ، في السنابل الناضجة وهي متمايلة بما حملت من ثمار الخير ..في الخضار بألوانها المختلفة ..في الأشجار المثمرة وتدلّي الثمار بألوانها وأشكالها يانعة شهية في عراجين النخلة وهي مدلاّة ، مثقلة بحبات التمر في لونها الذهبي الرائق الشفاف ..وفي الأزهار بألوانها وأريجها .. وفي ملكها الورد بدون منازع ..
عموما ، فالجمال قد يكون متعلقا بالإنسان ، أو الحيوان ، أو النبات ، أو الصخور ، أو الجبال ، أو البحار ، أو السماء ، أو حتى السحب وتشكيلاتها ، تهاطل الأمطار ، تساقط الثلوج ، أو التعبير الإنساني خاصة في الفنون المختلفة ، وقد يكون مرتبطا بالجانب المادي ، أو الحسّي ، وقد يكون متعلقا بالجانب العقلي أو المعرفي ، أو التأمّلي قد يتمثّل في حالات صامتة ، أو حالات متحرّكة ، أو في مزيجٍ من الصمت والحركة ، وقد يكون في وجْهٍ جميل ، أو جسد جميل ، أو مسرحية جميلة ، أو مقطوعة موسيقية جميلة ، أو فيلم جميل ، أو لوحة فنية جميلة ، أو حديقة طبيعية جميلة لم تطلها أيدي البشر ، أو حديقة أخرى تولاّها الإنسان بالرعاية والاهتمام .
أين نحن من هذا العطاء الربّاني ؟ هل نحسّ بهذا الجمال الفياض في سلوكنا اليومي ؟ هل نتذوق القليل أو الكثير في يومياتنا وليالينا ؟ ...هي أسئلة مطروحة علينا أفرادا وجماعات ، ولا أعتقد أننا نجهل واقعنا وسلوكنا الذي يجهل في أغلب الحالات كُنه الجمال ومفهومه ، ومعاداتنا لكل ما هو جميل ، وإنْ جهلْنا التذوقَ الجماليَّ فإننا في نفس الوقت نترفع عن تعلّم التذوق الجمالي ونرى بأنه من الصغائر التي ننزل إليها ، والبعض يراه أنه من الضعف والدونية .. نحن أغلبنا معطوبٌ من الداخل. لكن كيف السبيل إلى إصلاح هذا العطب ؟ ؟
وليس غريبا أن يختلف الناس في تذوّق الجمال ، وأن لا يكونوا على درجة واحدة في الشعور به ، فمنهم مَنْ لا يؤثر فيه الجميل المألوف ، ومنهم مَنْ لا يرى جمالا فيما أجمع عليه بعضهم ، ومنهم من لا يرى أثرا للقيمة الجمالية الحقّ التي أجمع الناس عليها ، أو فيما يتأثرون به على أنه مُثيرٌ للإعجاب ..ومنهم من يستوي عنده القُبْح والجمال ، فلا يهتزّ لهذا ولا يشمئزّ من ذلك .ومنهم من تستهويه البشاعة ويركن إلى القبح في كل سلوكاته ، ولو أضرّ بغيره وبنفسه ؛ وتُمثّل الخطيئة ، والشرّ والفساد ، والظلم والتعدّي على الغير ، والاستغلال وتعاطي الحرام في جميع أشكاله ، وانتهاك حُرُمات الله ، والبعد عن مبادئ السماء ، والغفْلة والتغافل عن المبادئ الخيّرة ، كلّها صُورٌ بشعة ومُشينة للقُبْح الذي يُضادّ الجمال.
لكن لحكمة يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى ؛ هناك من الناس من لهم أعينٌ لا يُبصرون بها ، وآذانٌ لا يسمعون بها ، وقلوبٌ لا يفقهون بها ن إنهم كالأنعام بل هم أضلُّ ..وقد دعت الآيات القرآنية إلى تأمّل هذا الكون الشاسع اللامتناهي ، واكتشاف روعة التنظيم والتنسيق والجمال فيه ، حتّى يزداد الإنسان إيمانا ويقينا ، ويسعد بتلك النعم التي لا حصْر لها ، والتي تغمر الإنسان والكوْن في كل موقع : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا )(النحل: من الآية18 .) إن الإحساس بالجمال وتذوّقه من أعْظم نِعم الله على عبده .
إن القرآن الكريم حثّ الإنسان المسلم تأمّل الكون ، والتدبّر فيما أبدعه الله فيه من مظاهر الجمال هو وصولٌ إلى محبّة مبدع هذا الجمال ، فالجمال سببٌ من أسباب حبّ الخالق ..إن المسلم الحقيقي والسوي في نفسه وإيمانه بخالقه ، كلّ ما يحيط به يذكّره بالله ..وكل ما في الكون يأخذ وجهته نحو الخالق .
هل يمكن الإلتفات إلى التربية الجمالية ؟
كيف ذاك ؟ تربية جمالية مستقبلية تُوجه للأطفال مواطني الغد ؟ أم إلى الجميع من خلال تربية جمالية آنية ؟
إنْ كان الجواب بالإيجاب ، كيف السبيل إلى ذاك ؟ وما هي الطرق والأساليب ؟
في اعتقادي وعملا بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم : " اطلبوا العلم من المهد إلى اللّحد " فإن عملية التربية عملية إنسانية مستمرّة تصاحب الإنسان في كل مراحل حياته ، وهذا ما يُثْبته الواقع ، فنحن كل يوم نتعلّم أشياء جديدة ، ونسلك سلوكات جديدة ، ونُكيّف هذه السلوكات مع المواقف المستجدّة على ما تعوّدنا عليه ، لو ننظر إلى مواقفنا وسلوكاتنا بل وحتى البعض من القيم التي كنا لا نقترب منها في فترات سابقة من عمرنا ، نلْفى أنفسنا غيّرناها أو تغيّرنا تجاهها بفعل عوامل عديدة إمّا لقناعات شخصية منّا ، أو لظروف محيطية أثّرت فينا ، سيّما في أيامنا هذه الحُبْلى بالأحداث المتسارعة التي قلّبت وتقلب في كل آنٍ ما تعوّد عليه الناس وما ألفوه كأفراد وكجماعات وأُمم .
إن التربية الجمالية والإحساس بالجمال والتمتّع به ، وتذوّق الفنون والآداب جزْءٌ من التربية العامة التي تسعى إلى تكوين الإنسان تكوينا شاملا في بدنه ، وعقله ، ووجدانه ، ومساعدته على تفتّح مَلَكاته ومواهبه ..
إن التربية الجمالية تُربّي في الإنسان سُمُوّ الذوق الذي يتجسّد في أنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية ، كما يتجسّد في الأشياء والموضوعات الحسّية ، والتربية الجمالية تفتح الأفق النفسي والعقلي والوجداني لدى الإنسان ، وتشدّه إلى مُبْدع الخلائق والجمال في هذا الوجود ..الله جلّ وعلا .فالجمال والتربية الجمالية طريقٌ إلى معرفة الله ، ودليلٌ على عظمته ودرْبٌ نوراني إلى الارتباط العقلي والوجداني به .فالكوّن بكلّ ما فيه من تناسُقٍ وروعةٍ وجمالٍ يشكّل لوحة فنية أخّاذة ، ومصدرا للإلهام الفني والجمالي ، وتربية الحسّ والذّوق والمشاعر وتهذيبها .
اخيرا اخواتي الغاليات,,
إن مكوّنات الجمال ومجالاته عديدة ، وليس بالإمكان التطرق لها كلها ،
فالإنسان الواعي ذو اليصيرة النافدة بإمكانه أن يتمتع بالجمال وأن يتذوّق ما تزخر به الحياة ,,
دمتن بحفظ الله
بارك الله بك غاليتي ..
: