zahya
08-12-2022 - 06:28 pm
الحلقة الأولى
عشر من السَّنوات مرَّت مملة 00كئيبة 00خانقة ,زارت خلالها سراب عيادات الأطباء,ودور العرَّافين,سخت لأجل النُّذور,وأكثرت من الصَّدقات,ولكن لم يأت المنتظر0
هي كغيرها من النِّساء اللواتي يتزوجن كرهاًأوطوعاًتحلم بطفل صغير يزيِّن حياتها بالفرح,ويملاء أجواءها بالتَّغريد على أفنان حبِّهاللحياة0
كانت تحلم به جميلاً كالبدر, وديعاً مثلها ,تضمه إليها وترضعه من صدرها حليباً طاهراً,وتعلمه أحلى الأشياء,تربيه على الإيمان وحب الخيروتلبسه أحلى الثِّياب وترقص ليلة عرسه حتَّى الفجر,ولكنَّهاحتى اليوم لم تعرف وجع الحليب ولم تذق ألم الولادة0
أحياناً عندما كانت تلتقي صدفةبإحدى رفيقات الطُّفولة وهي ترضع أو تحمل طفلاً,كانت تحسُّ بالغيرة تهاجم أنوثتهاوبالحرمان يفترسهافتواري حسرتهابابتسامة رقيقة تفضح سريرتها المعذَّبة فتردُّ عليها الرَّ فيقة بابتسامة مجاملةوتهرب بطفلها خشية الحسد فتلوك سراب نارها بصمت مرير0
زُوِّجتْ سراب لعادل في سنٍّ مُبَكِّرة ,فتقاليد الجزيرة تقضي بتزويج الفتاة بعد البلوغ ,أمَّا الشَّاب فحسب قدراته المادية0
أحبت سراب (عادل)بإخلاص كما أحبَّه سكان الجزيرة لدماثة أخلاقه,ولطيف معشره وطيب نسبه0
ضيق ذات اليد لم يغيِّر من حبِّها له,بل زادهاتعلُّقاً به رغم حلمها بأن تكون غنيِّة,وراحت تبث فيه روح التَّفاؤل والأمل فدخلت قلبه أميرةً وسكن قلبها مليكاً0
رغم صغر سنِّهمافقدكانا يؤمنان بانَّ العقل بواسطةالدين هو السَّبيل الوحيد لمتابعة الحياة بينهما بشكلِّ هادئ وبسيط فعاشا متفاهمين0
حفظته في ماله وشرفه,فحفظها في قلبه ووجدانه ,وعندما كان يسافر على متن إحدى السُّفن التِّجارية طلباً للرِّزق,لم تكن سراب تذهب أثناء غيابه إلى بيت أهلها في زيارة طويلة قدتستغرق مدَّة غيابه كاملة كما تفعل الأخريات, وخاصة خلية الولد منهنَّ,بل كانت تنتظره في بيتهاو تهتمّ بوالدته العجوز وتعتني بشؤونها0
وحينما كان عادل يجوب البحار,وموانئ البحر المتوسِّط ويُعرَض له الجمال بأعلى مقاساته وفتنته في حوريَّات الشَّواطئ ,والمدن السَّاحلية,تلك الجميلات اللواتي يلعب حسنهنَّ برؤوس أشدِّ الرِّجال عقلاً ,لم يكن يرى في ناظريه أجمل ولاأروع من حوريته سراب0
تناغمٌ بديع ظلَّ يربطهما بمحبَّة صادقة لم يسمعا له نشازاً في عمر زواجها هذا0
يتبع
لاتستغل في أعمال فنية دون الرجوع إلى كاتبتها ومؤلفتها بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
أمًّ عادل ,الأرملة العجوز, لم تكن حالة استثنائية بين النِّساء, بل هي مثلهن إن لم تكن أكثرهنَّ استعجالاً للكنَّة بالولد ,فقد درجت عادة ليست بالجديدة بين الأمهات إن تأخرت الزَّوجة بالإنجاب أن يسارعن بتزويج الابن بالتَّرغيب أو بالتَّرهيب ,عادة قديمة ربَّما كانت سيئة أو ربما هي جيدة ولكنَّها ستبقى موجودة إلى ماشاء الله0
شمَّتْ سراب أكثر من مرَّة رائحة زيجة تُعَدَُّ لزوجها لتقدَّمَ له على طبق من إغراء عاطفة الأمومة ,أزعجتها الرَّائحة , جعلتها تحس بالغثيان, ولكنَّها لم تتقيَّأخشية الشَّماتة, فاعتصمت بحبل الله وسألته بحرقة المحروم أن يجبر خاطرها, وأن يحميها وزوجها من مغبات الأمور, فقد يدفع الجهل ببعض الأهل إن تأخرت الزوجة بالإنجاب إلى ارتكاب المحرَّمات التي توصل للشرك بالله في أحيان ٍكثيرة , وما زيارة العرافين والتَّمسح بالقبور إلا منها في جميع الأحوال0
سراب المحبوبة المحبة تعلم جيداً أن لعادل مزاجاً خاصاً وذوقاً لاترضيه سواها من بنات جنسها فعاشت مع زوجها مطمئنة القلب ,راضية بما قسمه الله لها,وعندما كانت أمه وأخته تفشلان في إقناعه بزيجة ما,كانتا تعودان دون خسائر لأنَّهما كانتا تحبَّان( سراب) وتشفقان عليها0
ذات مساء قالت أمُّ عادل لابنها في غياب زوجته بزيارة أهلها:
أريد أن أحمل لك طفلاً قبل أن أموت0
أجابها وهو ينظر في ساعة يده:أمدَّ الله في عمرك ياأمَّ عادل,أكثري من الدُّعاء لنا عسى الله أن يمنحنا مايسرك ويسرُّنا0
ضمت يده بين راحتيها وشدَت عليها بحنان بينما برقت عيناها بدموع حسرة ,وهمست بحزن:ذريَّة أبيك قليلة , أنا والمرحوم لم ننجب سواك ووجيهة , كان يحب الأطفال ولكنه قضى نحبه في شرخ الشباب0
فقال مداعباً:وقد أنجبتْ وجيهة والحمد لله جيشاً من الذُّكور والإناث0
فهمستْ:أولاد البنت يُنْسَبون لأبيهم ولايخلِّدون اسم أبيها ولايدخلون في شجرة العائلة0
نهض من مجلسه متذمِّراً واتَّجه َنحو باب البيت ونظر إليها برجاء قائلاً:*
يجب ألا ننسى كرم الله وقدرته ياأمي,أتريدين شيئاً من الخارج ,إنَّني ذاهب لإعادة زوجتي إلى البيت؟
أجابته بضيق:*سلِّم على حماتك0
وعندما أغلق وراءه الباب تمتمت بصوتٍ منخفض:*
عنيد كوالده ,لم يتزوَّج من أخرى رغم قلَّة ذريَّتي,صدق من قال :من شابه أباه ما ظلَم0
ولمَّا عاد بسراب إلى البيت نظرت إليهما بعين الرِّضا فرأتهما سعيدين ,يرفرفان بجناحي الحبِّ ,ومسحة حزنٍ ترتسم فوق وجهيهما ,رقَّ قلبها وأشفقت عليهما ونظرت إلى السَّماء برجاء صامت0
وقبل أن يدخلا غرفتهما ,ناولتْ (سراب) صحناً فيه بعض الحلوى,كانت قد أعدَّ ته بنفسها قبل قليل 0
شكرتها سراب بلطفها المعهود, وطبعت قبلة فوق خدَّها,ودخلت إلى زوجها لمشاركته أكل الحلوى قبل أن يستعدّ َللسَّفر عند الفجر0
أسندت سراب رأسها بيديها وأجهشت باكية,فراح يمسح دموعها بحنانه المعهود ودفء كلماته وحين قال لها:*
يتبع
لاتستغل في أعمال فنية دون الرجوع إلى كاتبتها ومؤلفتها بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن