- بين قوسين ...الصغائر .. صفة الصغار
بين قوسين ...الصغائر .. صفة الصغار
حين يكون المرء كبيراً برؤياه ، عظيماً بمبتغاه ، يرى الجبل صغيراً في عينيه والبحر نقاط ماء صغيرة يدفعها الموج العظيم إليه والفضاء يغدو قبة يرفعها على رأسه مظلة .. فالكبير كبير بما وهبته الدنيا من قلب واعٍ وعقل نير وروح وثابة لا تحدها الأسوار ولا تقف أمامها المظاهر الخادعة و صغائر الأشخاص والنفوس والعقليات . فالإنسان الذي سما عن صغائر الوجود ، بسعيه الحثيث إلى الرفعة والسمو في أهدافه ومبادئه لا يتوقف عند سفاسف الأمور بل يتوجه إلى عظائمها بقلب قوي وروح ثائرة تهدم الصعاب ، وتصنع من صخور الدروب مرتكزات للصعود نحو القمة .
هكذا نعرف العظيم من رأيه حين يتكلم ، ومن فعله حين يفعل نعرفه وإن لم نره من كلام الناس عنه ، وشوق الناس لمعرفته ، وموقف الناس منه .
ولا أقول هؤلاء قلة ، بل إن الحياة علمتنا أن نرى بمنظار الحق كل ما يستحق التقدير وأن نرى من ثقب الباطل من يصغر في العيون لأنه صغير ..
وإذا كان لكل موقع معادل في القلب ولكل إنسان قصر في الروح فكثيراً ما نرى أمامنا من لا يدخل القلب فيقف بعيداً عنه في أحلامه الصغيرة وأفعاله السطحية الفارغة ومساعيه التي لا ترتقي إلى قمم الرفعة .
فالسطحيون أصحاب المظاهرالمضحكة التافهه صوت عالي بلا مضمون مجوفين أزواج أزواج على شاكلتهم , كالطيور التي تزاحم النسور في فضاء واسع ، على السفوح الوطيئة يبنون أعشاشهم ويحجلون خلف سواقط الصيد الهزيل ، أما على قمم الشموخ فتتزاحم النسور إليها ترتقي وتبني أعشاشها ..
فالأمر الكبير تلزمه همة عالية يحملها إنسان كبير يغض الطرف عن الجاهلين الصغار، لهذا اختلفت المواقع بين بني البشر حسب أشخاصهم وأفكارهم وأحلامهم .
وإذا كان المرء بأصغريه : قلبه ولسانه فقد أضيف لذلك يداً كريمة وخطا جريئة ، ونزاهة في رقي للمسعى وعلو الخلق .
فكما يتسامى الغيم ثم يدنو ليعطي المطر فيزرع الخصب في الأرض كذلك فإن أحلام الناس ، وأخلاقهم ، وأفعالهم يجب أن تسمو ثم تنسكب خيراً مطرياً يعطي ما ينتفع الناس به .. مما خزنه في روحه من كنوز والإنسان بحق وعاء سحري تتجمع فيه دنياه ومصبات مبتغاه ليعود فينسكب ما عنده على ما حوله .. فمن جمع في قلبه العسل يعطي البلسم ومن جمع الحنظل فاض مرارة على سواه ومن كان صغيراً في ذاته ومكانته لا يستطيع أن يكون إلا ما كان ويكون كما الكلب ينبح ويحدث ضجة حوله لمجرد ثمه شيء لفت نظرغيره واعجبهم ونظره فغيرته ينبح وينبح ويظل ينبح لكي يظهر ذلك الشيء كأنه لص وعندما يظهر للنور تجد ذلك النباح تلاشى وصغر وتورا عن العيون خجلا هو وصاحبه .. فالقواقع التي نزعت من لؤلؤها لا تسكن البحر بل تتقاذفها الأمواج نحو رمال الشواطئ وكما قيل : (( ملأى السنابل تنحني بتواضع )) مثقلة بالخير لتخصب في البيادر وعلى موائد الحياة ( والفارغات رؤوسهن شوامخ )) ومهما يشدها فراغها إلى الأعلى فإنها تتساقط قشاً يابساً تتقاذفه الرياح .عجبا كما هي امر الذبابة وقفت على عاليات النخل برهة وحينما وجدت لا ردة فعل لصغرها أرادت صنع جلبة ظنا منها الإهتمام بها, فتخبر النخلة يا نخلة إني أنوي أن أغادرك فلا تتضايقي!!! تضحك النخلة وتقول : ومن ذا الذي شعر بداية بوقوفك حتى يشعر بفراقك إذهبي يا صغائر الحياة انت وكلبك الصغير .