- نجاح مداخن كينيا
غريب أمر هذا العالم وغريبة أولوياته.. يقيم الدنيا ويقعدها على ما يختاره ويغض الطرف عن أمور أخرى أحياناً تكون أكثر خطراً على الانسانية، ولكن بالطبع الانسانية الفقيرة.. فالمشكلة التي أمامنا يعاني منها ثلاثة مليارات شخص أو نصف سكان الأرض الذين يحرقون الوقود الصلب للطبخ والتدفئة.. أكثر من 204 ملايين شخص منهم يحرقون المخلفات البيولوجية مثل الخشب.ومخلفات المحاصيل، وقش الأرز، وروث الحيوانات، والبقية الباقية يستخدمون الفحم للغرض نفسه.لكن هذا الدخان الناجم عن احتراق هذه الأنواع من الوقود يحول المطابخ في الدول الفقيرة الى صناديق للموت.. حيث يمثل رابع أخطر مشكلة عالمية تسبب المرض والموت بعد مشاكل سوء التغذية، والجنس غير الآمن، والمياه غير الآمنة.
يؤدي هذا القاتل بحياة 106 ملايين شخص سنويا، أو ما يعادل وفاة شخص كل 20 ثانية، بالطبع أكثرهم من النساء اللاتي يجلسن أمام النار لفترات طويلة وأطفالهن الصغار الملازمين لهن طوال اليوم.. وكي نتخيل حجم المأساة فان هذه الكارثة أكثر خطرا من الملاريا نفسها شبح العصر.ورغم هذه الأرقام الكارثية فان المشكلة تبقى في طي النسيان، انها سفضيحة عالميةس كما يسميها البعض، وهي لا تلقى أي اهتمام مقارنة بالمشاكل الثلاثة الأولى، وبالطبع لا يتضرر سوى الفقير الذي لا يستطيع أن يوفر لنفسه ولأبنائه التكنولوجيا الملائمة والرخيصة.
والأمر ليس في سبيله الى تحسن؛ لأن عدد المعتمدين على المخلفات البيولوجية سيزيد بحلول عام 2030 بمقدار 200 مليون تبعا لاحصائية وكالة الطاقة الدولية، وذلك ليس في الأماكن الريفية فحسب التي يعيش فيها العدد الأكبر، ولكنها ستتفاقم في المدن أيضا. وحسب الاحصائيات فان الأعداد تشير الى أن نصف الذين يستخدمون الوقود الصلب يعيشون في الهند والصين، الا أن نسبة الذين يستخدمونه في شبه الصحراء الأفريقية تصل الى 90% من عدد سكان هذه المنطقة.
يسبب هذا سالتلوث الداخليس أمراضا عديدة للمرأة والطفل من جزيئات الوقود المحترق والملوثات المنبعثة منه مثال أحادي أكسيد الكربون، وثاني أكسيد النيتروجين أو المركبات العضوية المسببة للسرطان كالبنزين والهيدروكربون والفورمالدهايد وغيرها. فالمرأة التي تطبخ باستخدام هذه الأنواع من الوقود تصاب بالأمراض الرئوية المزمنة 4 مرات أكثر من غيرها، وفي الهند والصين يرتبط سرطان الرئة مباشرة باستخدام أفران تحرق الفحم؛ فالأدلة تشير الى أن ثلثي النساء المصابات بهذا النوع من السرطان لا يدخن.
وكما يقول موقع «اسلام اونلاين» فان الأطفال فهم عرضة للاصابة بالأمراض التنفسية الحادة في هذه البيوت مرتين الى ثلاث مرات أكثر من غيرهم من الأطفال، خاصة الأطفال الذين هم دون الخامسة؛ وذلك بسبب عدم نضوج الرئتين أو أجهزتهم المناعية بصورة كاملة. فهم يمتصون الملوثات بصورة أكبر، ويحتفظون بها في أجهزتهم الداخلية لمدة أطول.
زيادة على ذلك فان هناك دلائل قوية تشير الى ارتباط أمراض أخرى عديده بالتلوث الداخلي في البيوت مثل المياة البيضاء، الصداع، الربو، السل، فضلا عن انخفاض أوزان المواليد ووفيات حديثي الولادة. ويساوي البرنامج التنموي للأمم المتحدة بين استخدام أفران رديئة التهوية وتدخين علبتين من السجائر يوميا.
تنطلق الجهود لمجابهة تلك المشكلة في عدة اتجهات؛ كانت بدايتها بتوعية المجتمعات بمخاطر هذه الكارثة، ثم بالطبع المساعدة على التحول الى استخدام وقود أرقى وأنظف وأصح الى حد ما؛ مثل: الكيروسين، الغاز الحيوي، الغاز الطبيعي، ولكن ذلك بالطبع يصعب كثيرا ويحتاج الى امكانات مادية لا يستطيع أن يوفرها هؤلاء البسطاء.
لذلك اتجهت الجهود الى ايجاد بدائل تقلل من نسبة التعرض لدخان المطابخ قدر المستطاع؛ وذلك باستخدام مداخن متخصصة تستطيع تقليل تلوث الهواء الداخلي بنسبة 80% أو أكثر بطرق أرخص وأنفع للمجتمعات الفقيرة.
وبالرغم من أن منظمات عديدة مثل منظمة الصحة العالمية ووكالة حماية البيئة الأمريكية والبرنامج التنموي للأمم المتحدة تحاول جميعها تدارك المشكلة مع منظمات أخرى غير حكومية؛ فان هناك تمويلا ضئيلا جدا مقارنة بحجم المشكلة، ومقارنة بالأموال الموفرة لمشاكل أخرى، مثل: الجوع، الملاريا، الايدز، المياه، زيادة على تخاذل الحكومات في تقديم العون اللازم.
تقدر الأمم المتحده التكلفة الكلية لتزويد 3 مليارات شخص بهواء داخلي نظيف باثنين ونصف بليون دولار سنويا «في الاثنتي عشرة سنة القادمة»، وحتى تكون هناك بداية قوية وموفقة فعلى الحكومات والمساعدات الدولية أن تقدم 20% من هذا المبلغ؛ أي ما يقرب من 500 مليون دولار سنويا، وهو أقل من 1% من المساعدات التي تقدمها الدول الغربية لمجالات أخرى عديدة.
تتجه الجهود أحيانا الى استخدام الأفران التي تعمل بالطاقة الشمسية، وهي أكثر البدائل أمنا وفاعلية، ولكنها بالتجربة لم تناسب البلاد النامية رغم التكلفة البسيطة جدا؛ وذلك لعدة أسباب منها: أنها تطبخ أنواعا محددة من الأطعمة، ولا تسوي الخبز، كما أنها لا بد أن تستخدم وقت الظهيرة وخارج البيت، وهذا لا يناسب الخصوصية التى تميل اليها المرأة في العديد من البلدان النامية.
نجاح مداخن كينيا
لذا كان التحدي الحقيقي هو ايجاد حل تطبيقي سهل وعملي للمجتمعات الفقيرة؛ فكانت تجارب سمجموعة تنمية التكنولوجيا الوسيطةس في ثلاث دول نامية هي: كينيا والسودان ونيبال. وفي اقتراب من قصة النجاح التي أنجزت بكينيا في محاولة لحل المشكلة.. حيث يوفر الخشب وروث الحيوانات 75% من الطاقة المستخدمة في البلاد.
ويفتقد السكان الى الطاقة الملائمة لتشغيل أدوات الحياة، ذلك اذا علمنا أن 96% منهم لا يتمتعون بشبكة كهرباء متقدمة، عملت سمجموعة تنمية التكنولوجيا الوسيطةس مع نساء سالمآصياس في منطقة سكاجيادوس في كينيا؛ حيث سجلت معدلات الدخان أرقاما تعلو مائة مرة عن المقاييس الدولية المسموح بها داخل المنازل، وتزيد بالمئات الأخرى في وقت الطبخ.
ويواصل الموقع انه تم تصميم مداخن متخصصة تثبت فوق النار المنبعثة، وتشفط الدخان مباشرةً الى السطح.. في البداية تم تحديد حجم المشكلة بزيارة المنازل والاستعانة بفريق عمل محلي من أصحاب الخبرة لتشييد تصميمات للمداخن تناسب شكل وحجم كل بيت، كما أنه تم تحديد أماكن لنوافذ وفتحات تهوية جديدة داخل المنزل للمساعدة في تدوير الهواء.
في البداية نفذ الفنيون المحليون التصاميم باستخدام ورق المانيلا المقوى «المستخرج من قنب المانيلا»، ثم تم تحويل التصميم الى صفائح معدنية ثقيلة أنتجت بشكل كمي. وقد واجه التطبيق بعض الصعوبات؛ فلتقليل التكلفة كان يتم توحيد مقاييس النوافذ وفتحات التهوية المنتجة، اضافة للمداخن؛ مما كان يفرض شكلا محددا للمطابخ.
الا أن التجربة كتب لها النجاح وقللت الدخان القاتل بنسبة 80%، فأراحت المرأة الكينية التي كانت تقف أمام النار من 4 الى 5 مرات يوميا. ووفرت كثيرا من الجهد والمال؛ حيث ان هذه المدخنة تكلف العائلة ما يعادل ثمن اثنين من الماعز، وهو مبلغ في متناول الكثيرين غالبا، كما دربت النساء المحليات على استعمالها وصيانتها، وشاركها الزوج في ذلك؛ حيث انه المنوط ببناء المنزل.
كانت التجربة في غرب كينيا، والكثير يتطلعون اليها في الجنوب النامي كحل عملي ومبدئي للوقوف في وجه سفاح النساء والأطفال.. دخان المطابخ
على المجهودج الرائعه
وننتظر جديدج
اختج
جورية الكويت