ام عبده 276
17-12-2022 - 02:25 pm
بسم الله الرحمن الرحيم
زائر الفجر
كم هي مشرقة الحياة و جميلة عندما تعطينا الأقدار ما نصبو و نتمنى .
أنهت الدراسة الثانوية بكل اجتهاد و تفوق , لم تشتغل يوما بغير دراستها, كان تميزها و تفوقها عوض لها عن سنين من الفقر و الحرمان .
ترتيبها الثالث في أسرة مكونة من سبعة أبناء , لأم ربة منزل لا تملك من مهارات الحياة غير الأمومة , وأب مكافح صابر يعمل بشرف في إحدى الدوائر الحكومية كموظف بسيط .
هي نهال انتظرت و أسرتها بفارغ الصبر خطاب مكتب التنسيق , و بفرحة عارمة استقبلوا خبر قبولها بكلية الطب لتلحق بأخيها الأكبر ألذي التحق بالكلية منذ خمسة أعوام .
و لتكون سلوى لأبيها الذي صدم عندما قرر أبنه الثاني احتراف الغناء , بحثا عن الشهرة و المال السريع , تاركا خلفه مضمار الشهادات الجامعية , رافضا الاستجابة الى النصح .
و أملا في أن تكون بذلك قدوة يحتذيها صغاره .
اليوم هو اليوم الجامعي الأول لنهال , بعد أن استيقظت بنشاط و استعدت , ودعتها أمها داعية , و أصر أبيها على أن يصحبها الى الجامعة ليحقق حلم كثيرا ما راوده .
لتجد نفسها بين جنبات صرح علمي ضخم , فتتجول جولتها الأولى و هي تزهو بكل فخر و اعتزاز غير ملقية بالا لمظهرها ألبسيط أو ثيابها البالية الرثة .
تدخل قاعة المحاضرات لتنبهر بفخامة المكان , رحب الأركان , سقفه مرتفع يسكنه اليمام , متعدد النوافذ , يجلس على مدرجاته صفوة الشباب المتميز علميا .
ليتوالى دخول الأساتذة الذين كانت تعرفهم مسبقا من الجرائد و شاشة التلفاز و طبعا حديث أخيها نزار .
بعد انتهاء اليوم الدراسي , بحثت نهال عن أخيها نزار و تعجبت عندما وجدته في مقر اتحاد الطلبة ..... نعم فتلك المرة الأولى التي تعلم فيها أن أخيها الأكبر رئيس اتحاد الطلبة بكلية الطب , فهي أبدا لم تكن يوما مهتمة بالسياسة كأخيها .
وهناك تعرفت على مجموعة من الفتيات و الشباب هم أعضاء في الاتحاد , رحبوا بها كثيرا , وأخذوا يتجاذبوا أطراف ألحديث , وهي ما كانت سوى منصتة , و انتهى اللقاء و هي تعلم أنه الأول و أكيد الأخير , فجميعهم شاغلهم العمل العام و الوقوف بالمرصاد في وجه فساد الحاكم و أتباعه من الوزراء , أما هي فشاغلها الوحيد هو انهاء الدراسة بأسرع ما يمكن لتعفي أبيها من حملها , و بعملها تساعده في تربية الصغار .
تتوالى الأيام بالجامعة على نفس الوتيرة اجتهاد و كفاح و ان لم تخلو من تكرار اللقاء مع أعضاء ألأتحاد , و هي منجذبة الى خالد الصديق المقرب من أخيها ألذي باتت كلماته الرنانة تستحوذ على تفكيرها , كيف لا و هو من معه لأول مرة خفق قلبها عندما عبر لها عن اعجابه بها وأطرى على جمالها الهادئ الذي عاشت لسنين لا تستشعره و تعلم عنه شيء .
هذا ا لصباح كان اللقاء بين الأعضاء غامض بالنسبة لنهال , مرتبكين متوترين يسيطر الغضب و العصبية على الجميع , و ان جهلت هي السبب , لم تهتم فقط المهم أنها رأت خالد و كفى .
طلب أخيها منها أن تسبقه الى البيت لأنه منشغل في بعض الأمور و قد كان .
مر المساء و دخل الليل و لم يعود نزار و أنتاب الأسرة ألقلق , فمهما تأخر نزار ألا أنه لا يبات أبدا خارج ألمنزل .
و مع السحر كان البيت هادئ , غلب النوم الجميع بعد طول الانتظار , جلس ألاب يقرأ القرآن كعادته و يستغفر في انتظار صلاة الفجر , حين سمع قرع الباب ابتسم فرحا , أكيد زائر الفجر هو نزار , أسرع الأب لفتح ألباب , ليجد أمامه رجل مقيت ضخم الجثة قاسي الملامح . دفعه للداخل و دخل , و معه أثنان لا يختلفوا عنه كثيرا ذئابي الصفات , وهنا صعق الأب عندما انتشر الرجلان في جنبات المنزل البسيط , تفتيش و بحث حتي لم يتركوا شيء في مكانه , و هنا يتعالى صراخ الأم و الصغار لتقف نهال صامتة مذهولة لا تدري أكابوس هذا أم واقع مفزع , ليقطع قاسي الملامح بصرخاته الموقف , ليسود الصمت المكان , وهنا يسأل عن نزار ليجيبه الأب بمنتهى الصراحة أنه لم يعد من أمس , فتتوالى صرخاته مهدد و متوعد شتى ألوان العذابات . وهنا يخرج ذئابي الصفات ليعلنوا عن الغنائم , جهاز حاسوب خاص بنزار و رزم من الأوراق , وبذا يأمر زائر الفجر الأب أن يرتدي ملابسه ليذهب معهم , فهم ضباط أمن الدولة , و لهم كل الحق في استجوابه بشأن تلك الغنائم . يحتسب الأب الصابر و يتمتم بالدعاء ليذهب معهم حيث يريدون , مصحوبا ببكاء الصغار و عويل الأم و ذهول نهال .
في اليوم التالي تذهب نهال الى الجامعة شاردة الذهن مشتتة تتسارع دقات قلبها مع خطوات قدمها , متجهتا الى مقر الاتحاد تسأل عن نزار لتجد الفراغ ....... المقر محاط بأمن ألجامعة و ممنوع الاقتراب أو الدخول , ولا أحد يعلم أي شيء , ومن يعلم أخرس ...... أين ذهب الضجيج و الصخب و الحماس ؟؟؟؟ أين الشباب ؟؟؟؟ ماذا تفعل ؟؟؟؟ الى من تذهب ؟؟؟؟ كلها تساؤلات في ذهن نهال تنهش عقلها باحثة عن اجابات , في زمن شح فيه الكلام الا من ألنفاق ..... و أخيرا تقرر أن تذهب لقسم الشرطة علها تعلم شيء عم أبيها , أو تعطي بلاغ بفقد أخيها . لتصدم من حجم التجاهل و ألا مبالاة و التنصل من المسؤوليات , فلا مجيب هناك و الهدف الوحيد هو اخراجها من هناك بأسرع وقت ..... رق لحالها أحد الموظفين ليخبرها أن زوار الفجر خفافيش مكانهم ليس هنا , و الحديث عنهم معصية لا تغتفر . عليك صغيرتي أن تذهبي الى وكر الخفافيش و أدعي ربك أن لا تجدي ضالتك هناك .
شكرته نهال حسن صنيعه و نواياه و اتجهت مسرعتا الى المقر المنشود , و الخوف لا يبارحها و هي تخطو خطواتها ألمرتجفة .
مع انتصاف الليل كانت نهال هناك و بعد عدة انتظارات و لقاءات و استجوابات من مكتب لمكتب , أخبرها قاسي الملامح " زائر الفجر " أن أبيها سيصحبها خارجا الى البيت , محذرا بتكرار الزيارة ان لم يلمس منها التعاون . و قد كان .
لم يمر اكثر من يومين و كان نزار محتجز عندهم في وكر الخفافيش , يدفع بحريته ثمن جرم محاربة الفساد , ليلقى شتى ألوان التعذيب ألتي معها ينسى الأنسان انسانيته .
و تعلم نهال بالخبر من الجامعة , لتنضم على اثره لمجموعة ألثائرين ألرافضين للاستبداد و القهر و الفساد , و لأول مرة تجد نهال نفسها متحدثة لا منصتة فقط , و هنا يخبروها عن مكان اللقاءات المسائية التي يتم فيها الترتيب للقضاء على الاستبداد و الدكتاتورية , و سرعان ما تتعاون معهم , و يكون لها دور مؤثر يتعدى الأحاديث , فيأتمنها خالد على الخطط و يشركها في الأدوار , و هي معه ليس بدافع الحب انما بدافع أخذ ثأر نزار و بلد مطعون بأكمله .
تتوالى المساءات ..... أم مكلومة و أب كسير ونهال ثائرة .
الى أن تأتي الليلة ألتي يدق ألباب زائر الفجر , لكن تلك الليلة من أجل نهال و فقط نهال .
لتختبر تجربة حياتية مريرة تجد فيها نفسها كحمل وسط قطيع من ذئاب جائعة يتلذذون بشتى فنون التعذيب محترفين تحويل البشر الى فئران .
و بعد خمسة عشر يوما مرو عليها كالدهر . يستقبلها قاسي الملامح في مكتبه ليعرض عليها صفقته القذرة , فيها مطالبتا أن تنسى نزار و تخرج للحياة على وعد أن تكون عينه بالجامعة , تنقل له كل تحركات المجموعة . و لم يكن أمامها سوى عقد الصفقة مع الشيطان لتنجو من وكر الخفافيش بما تبقى لها من ادمية .
تعود منزلها صامتة مهزوزة حاضرة الجسد غائبة الذهن لا تشعر بأحضان أمها و أبيها .
مع الصباح تخطو خطواتها في الجامعة لكن تلك المرة كسيرة مهزوزة محطمة تشعر أن ملابسها عاجزة عن ستر عورتها , بعد أن كانت تزهو فخورة في هذا المكان فقط من بضع شهور !!!
وهنا تجد نهال نفسها أمام سؤال مصيري .
هل أنا قادرة على استقبال زائر الفجر مرة اخرى ؟؟؟؟
بقلمي
قصة مؤثرة جدا بقلم حساس ومرهف وأسلوب سلس وبسيط غير معقد ..
وفعلا يبقى السؤال مطروحا : إلى أي حد يمكن أن نتحمل الألم ، والتجريد من الإنسانية ؟
موقف صعب لا وضعنا الله فيه ..
عزيزتي الغالية ،: عندي ملاحظة صغنونة : ال التعريف لا نضع فوقها الهمزة ، مثل : الجامعة ، المقر ، الصابر ، العائلة ..
وأشعر أنها غلطتي فقد توهتك في الهمزات ..سامحيني ..
هنا رابط لموضوع كنت قد كتبته منذ زمن ، فيه معلومات بسيطة بشرح بسيط بأسلوبي عن الهمزات أتمنى أن تستفيدي منه :
هنا : لا تجرحوا لغتي !
بارك الله ب وبقلمك الزاخر بحروف من ذهب ..
أختك مؤيدة ..
بانتظار جديدك