ام عبده 276
19-12-2022 - 10:24 am
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما تُعشق الشُرفات
بشرفة من أحد الشرفات التي تُطل على البحر المتوسط , تكشف زُرقة البحر حين عناق مع السماء , تتناغم درجات الزرقة مع نسمات هواء خفيفة تحرك برفق الأمواج لتعانق الشاطئ ذو الرمال الذهبية الناعمة .
جلست شابة في مقتبل العمر بياضها ثلجي , يخيم الحزن على ملامحها الناعمة الصغيرة , تتدلى خصلات مموجة قصيرة ذهبية على وجنتيها لتخفي عينا من عينيها الخضراوين , عليها قميص زهري مزركش خفيف رغم نسمات الهواء الباردة .
تقرأ رواية محتضنة قطتها الصغيرة , فهي كل ما تبقى لها هي و جدة عجوز خرساء بعد رحيل الأحبة .
ترقُب من بعيد البواخر التي تتجمع حولها النوارس , تحملق في الأشجار العملاقة المسنة المنهكة من مئات الطيور القاطنة فيها , تستمع الى أجمل سيمفونية تُعزف على أوتار عود المتوسط , وناي الريح و كمان الطيور المهاجرة , و طبول السفن العابرة .
كان الشمس و الصيف مدعوان للحفلة قبل أن يسحب الصيف حرارته الحارقة , و نهاره الطويل , ليمضي راحلا بعد تعب و اجهاد , و حين استشعار انتهاء أوانه , على وعد بالعودة في أقرب وقت .
و معه ولى النهار بعد أن أصاب الشمس الأعياء و الذبول و خفت ضوؤها و ما كان منها الا الرحيل . و برحيلها باتت الأجواء عاتمة لتستقبل ظهور الليل , الذي بدا في أوج نشاطه و سطوته عندما خيم على الأرجاء و فرش عتمته . كان في انتظار صديقه الذي ول من زمن من فرط تعبه .
تهلل وجه الليل بالقمر, حين أقبل صديقه الشتاء بحفيف رياحه التي لم تلبث إلا و استحالت ذات صرير .
هنا رحب الليل بصديقه الشتاء معبرا له عن مدى الشوق لسهراتهم الثنائية المعتادة , أخذ الصديقان يسترجعان الذكريات و يقهقه كلا منهم , فهناك الكثير و الكثير ممن سُحقوا تحت وطأة الظلمة و البرد تاركين عنصر الخوف من الضحية نفسها لتجتمع عناصر من شأنها أن تخلق الأرق و الفكر و القلق .
هنا بلهفة و شغف سأل الشتاء صديقه من يا تُرى ضحية سهرتنا اليوم ؟؟ ليجيبه الليل ..... أنظر هناك ..... ألا تراها .... ضحية سهلة حزينة مهمومة وحيدة كسيرة قابعة بشُرفتها , فلا أجمل من هكذا ضحية , قهقه الشتاء مُكشرا عن أنيابه بعد أن لمعت عيناه من فرط السعادة .
و بمنتهى السرعة و الجنون أقبل الليل الى شرفة الفتاة المعنية يتبعه الشتاء بخطوات , و بمنتهى التلذذ و النشوة استمتع الصديقان بذعر المسكينة التي سقطت منها الرواية , و قفزت قطتها لتنجو بنفسها .
همت المسكينة بالنهوض لتهرب داخل غرفتها لكن حال بينها و بين غرفتها الظلام , ليباغتها الشتاء برعده و برقه و مطره و رياحه العاصفة ألتي أغلقت و أحكمت باب غرفة المسكينة .
يتعالى بكاءها لتسقط الفتاة أرضا و عبثا تحاول النهوض ألمرة تلو الأخرى .
بوحشية و قسوة تتعالى ضحكات الصديقان من مشهد الفتاة , هنا لم يقاوم جسدها الضعيف النحيل أكثر لتُصرع أرضا بلا حراك مستسلمة لأقدارها , تلفظ أنفاسها الأخيرة و على لسانها تساؤلات باتت لا تبحث عن اجابه .
لماذا أنا دون غيري ؟؟؟
ألا تكفيني همومي ؟؟؟
ألا تكفيني وحدتي ؟؟؟
ألا تكفيني قسوة قلوب البشر ؟؟؟
لماذا لم يرحماني لا الليل و لا الشتاء ؟؟؟
اه و لماذا خدعتيني يا شُرفتي ؟؟؟
هنا تيقن الليل و الشتاء أنها فارقت الحياة , فرقوا لحالها , أحسا بالذنب , حاولا المساعدة , لم تفلح مساعي الصديقان في انقاذ الفتاة فقد فات الأوان .
لم يكن الغرض أبدا قتلها فقط رغبا في بعض اللهو و السهر.
بكى و بكى و بكى الليل و الشتاء حزننا على الصغيرة حتى عم المكان الماء .
40" يوما و ليلة لم ينقطع المطر و مازال الليل يخيم على الأرجاء حزننا على الصغيرة "
فإنّكَ كاللّيلِ الذي هو مُدْرِكي............. وإنْ خِلْتُ أنّ المُنتأى عنك واسِعُ
ألنابغة الذبياني
استحسنت فكرة وأعدت صياغتها بقلمي
كانت لغتك حكيمة ...سردك ممتع وقد راقتني قصتك يا ام عبدة ...
قلمك عذب ويستحق الاعجاب
وصف الذبياني جميل..
دمت بود يا ذات البوح المتميز