- تفاعلت معي بعض زميلاتي وقلن ونحن معك ياسعاد بإذن الله .
فتاة تعترف .... هذا سبب زواجي وحجي ...
فتاة تعترف .... هذا سبب زواجي وحجي ...
في دار القرآن المجاورة لمسجد الحي كنا نجتمع عصر كل يوم على مائدة القرآن . وكنا نقبس من معلماتنا العلم والخلق .
من بين المعلمات كانت هناك معلمة يكسوها هيبة ووقار وينبعث منها نور يغزو القلوب بلا استئذان وتعلو محياها ابتسامة جميلة يشرق منه وجهها.
كنت أراها امرأة صالحة تخفي عملها الصالح . كانت إذا حدثتنا لم ترفع صوتها ولم تطل شرح درسها وكانت ترسل رسالتها من بين كلماتها فنحس بصدى حديثها في في ساحات صدورنا .
لم تكن بليغة لكنها كانت مبلغة مؤثرة . كانت تحب أن تقترب منا فتضع يدها الحانية على شعورنا أثناء التلاوة .
بهرني فيها أنها لا تمر بآية إلا علقت عليها بشيئ من تدبراتها . لم تكن عنايتها بالتجويد بقدر عنايتها بهدايات القرآن . وكنا نراها تلتفت فجأة تجاه السبورة لتكفكف دمعة طفرت من عينها وهي تعلق على آية، كان هذا يعمل عمله في قلوبنا .
حقا كانت ((ضياء)) مختلفة عن باقي معلماتنا الفضليات .
كانت ضياءا حقيقيا ينير ظلمات الهوى والجهل الذي خيم علينا فهي ممن طابق اسمه معناه .
وكنت مع صويحباتي نتمنى أن نطلع أكثر على حياتها الخاصة خصوصا مع بناتها وكيف تربيهم وهل هم متعلقون بها ومحبون لها كحبنا أو أكثر .
ذات مساء قالت لنا وكنا عشر طالبات في الفصل: يسرني أن أدعوكن لحضور حفل زفاف ابنتي سناء .
فرحت جدا بهذه الدعوة لأنها ستفتح لي نافذة على الحياة الخاصة لمعلمتي وتطلعني على مفتاح السر لهذا القبول الذي نراه لها والحب والإعجاب الذي يعصف بطالباتها.
حضرنا الحفل وجلسنا في مكان نستطيع من خلاله رؤية العروس وأمها بشكل واضح حتى نملأ أعيننا ونروي قلوبنا بهالة النور التي تنبعث من معلمتنا .
عندما زفت العروس وجلست على المنصة جلست أمها بجوارها . كانت مبتسمة على عادتها أخذت توزع نظراتها على الجالسات وكأنها تتفقد المدعوات . عندما وقعت عينها علينا لوحت بيمناها لنا . كنت أرى شفتيها حين يلهو النساء لا تفتر عن التمتمة . لا أشك أنها كانت تذكر الله .
قلت لصويحباتي : ماذا تلاحظون على فستان شيختنا ضياء؟ قالت إحداهن : جميل وهادئ كهدوئها ، وقالت الأخرى : بل هو سابغ وساتر وفضفاض لا يصف ولا يشف . قلت لها : أصبت كبد الحقيقة. هذه الملاحظة كانت بالنسبة لي علامة فارقة تميز هذه المعلمة عن سائر المعلمات بل حتى عن بعض الداعيات، كنت أراهن في لباسهن كسائر النساء يسايرن المجتمع ويجارين الموضة ويخضعن لكثير من ضغوطها .
من الغد حضرنا للدار ودخلت علينا ضياء وشكرتنا على إجابة الدعوة وأخبرتنا بفرحها الشديد لما رأتنا من بين المدعوات . وقالت لنا : أنا أعدكم مثل بناتي وأرجو لكن الخير كما أرجوه لهن .
قلت لها : يا أستاذتنا بت البارحة وأنا أفكر في فستانك الجميل والساتر . لقد علمتنا بفعلك أكثر من قولك . استحييت منك لما رأيتك بهذه الحشمة أنت وبنيتك ونحن وأكثر المدعوات بألبسة تخدش الحياء ولا تليق بالعفيفات الطاهرات .
قالت ضياء : الحمد لله على فضله ، أنا قادرة على شراء أغلى الملابس وأكثرها إثارة . ولكن هل سيرضي هذا ربي عني . لقد جعلت رضا الله غايتي فهان علي ما يقوله الناس مدحا أو قدحا .
قلت اسمحي لي بسؤال فضولي . قالت : خذي راحتك يا سعاد فأنا مثل أمك .
قلت : أين فصلت هذا الفستان أو من أين اشتريتيه ؟
قالت : بل فصلته عند إحدى الخياطات الماهرات قبل عيد الفطر ولبسته للعيد وأبقيته لزواج ابنتي وسأحضر به زواج أختي الصغرى بإذن الله تعالى .
قلت بعفوية مقاطعة معلمتي : حضرت الحفل بفستان (مشيوف) أي : قد رآه النساء في أكثر من مناسبة ؟
ضج الفصل بالضحك وضحكت ضياء بقوة . وعندما سكتنا قالت : اسمعوا يابناتي أنا امرأة قد كرمني الله بالعقل فأنا أفكر في كل عادة وأعرضها على عقلي وعلى شرع ربي فإن اجتازت قبلتها وإلا رددتها ولا أبالي .
يا بناتي . من الذي قال إن الثوب الملبوس في مناسبة لا يلبس في أخرى ومن الذي شرع ذلك!!! حكموا عقولكن واخرجن من عبودية العادات السافلة التي قتلت أوقاتنا وأفنت أموالنا واستحوذت على عقولنا وصرنا بسببها نتردد على الأسواق بشكل مفرط ونشتري بلا هوادة وصارت مصانع الغرب تتفنن في إقناعنا بالموضة تلو الموضة .
رجالنا يتذمرون من كثرة خروجنا وقلة مبالاتنا بعرق جهدهم وأموالهم التي تعبوا في تحصيلها . وحتى لو كان المال منك فبأي حق تهدرينه على شيئ لا يستحق . ألسنا سنسأل عن هذا المال في عرصات القيامة مرتين !!! "من أين اكتسبه وفيم أنفقه " . في هذه اللحظة رأيت عينيها قد اغرورقت بالدمع وصارت على عادتها تحاول إخفاء الدمعة التي ملأت محجر عينيها .
وقالت : ألم تقرأوا قول ربنا " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى " فجنة المأوى لا ينالها متبع الهوى . صدقوني لما قرأت علينا الآية استغربت كيف اكتشفتها وتألمت كيف أنا نحفظها ولكن لا نفهمها ولا نتدبرها .
تأثرت جدا بكلامها . وبعد خروجها سادت الفصل حالة صمت . قطعته بقولي : يا أخواتي هذا هو الطريق وقد قامت علينا الحجة . أما أنا فسأستقيم عليه إن شاء الله ماحييت ثم رفعت يدي وقلت : يارب أعني فإني ضعيفة لا أقوى إلا بعون منك .
تفاعلت معي بعض زميلاتي وقلن ونحن معك ياسعاد بإذن الله .
لما عدت للبيت كانت أمي تلاحظ وجومي وسرحاني فسألتني على عادتها فأخبرتها بالتفاصيل فقالت : هذا حق ولكننا نساير الناس ولو على حساب ديننا وصحتنا وأوقاتنا وأموالنا ولو خسرنا أزواجنا وسعادتنا. ثم قالت : اللهم أعن بنيتي .
كان قرارا صعبا في البداية لكنه الآن أبرد من الماء . لقد صار متعة لي ومثار إعجاب بين قريباتي وصديقاتي.
الآن ياحبيباتي تزوجت وكان سبب زواجي واختيار أم زوجي لي أنها قالت لابنها : هذه فتاة متوسطة الجمال لكنها عاقلة ومتدينة حقا . فلن تبدد مالك ولن تضيع بيتك وعيالك ولن ترهقك بكثرة الخروج للأسواق .
زوجي أستاذ جامعي وذو مكانة اجتماعية عالية تزوج قبلي وبعد مرور سنتين طلق امرأته . طليقته كانت جميلة و من بنات الحمايل .
بعد مرور سنتين من زواجنا كافأني زوجي بشيئين سلمني عشرين الف ريال، وأكرمني بالحج وقال لي : لا منة لي في هذا فهو مما وفرتيه علي من المال والوقت والجهد . وقال لي : لست أقوله توقعا بل حقيقة . كانت طليقتي تأخذ مني كل شهر ما يقارب 1500 ريال للملابس والزينة التي كان لي منها الفتات فلو جمعت هذا المبلغ خلال سنتين لكان 36000 ريال وأنا الآن قد وفرت هذا لك وتستحقين أكثر فاطلبي ماشئت . خلال السنتين بحمد الله ماخرجت للسوق إلا أربع مرات كانت إحداها لأجل طفلتي التي سميتها على معلمتي ضياء. وكان هذا الاسم اقتراحا من زوجي الذي كان يدعو دائما لهذه المرأة الربانية .
جزاك الله عني خيرا يامعلمتي فقد كنت سببا في زواجي وراحتي وغناي ورضى زوجي عني وأرجو أن يرضى ربي عني وعنك.
حقا يا أخواتي ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وأبشركم أني كفلت ثلاث يتيمات وحفرت ثلاثة آبار بجزء من المبلغ الذي أهداه زوجي لي ونويت ذلك عني وعن والدتي التي شجعتني ودعت لي، وعن معلمتي ضياء .
أختكم سعاد م. ن.
ذكرها شيخنا / محمد الخضيري - وفقه الله ونفع به وبعلمه -
قصة مؤثرة هادفة فيها قدوة و عبرة لي ولكِ نحتاج لها ولمثلها لعلها توقظنا من غفلتنا , فهلا اعتبرنا واقتدينا ..
اللهم اغفر لنا تقصيرنا وتب علينا وردنا الى الحق ردا جميلا ..
منقول