الشم أقوى من النظر، وليس أدل على ذلك من الطفل الوليد الذي يعتمد على حاسة الشم للتعرف على أمه لحظة ولادته، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل: كيف يمكن ان يكون أمر حميم وشخصي مثل اختيار عطر خاص، نتاج عملية تجارية كبيرة، يخضع لمعاييرها من الألف إلى الياء، بدءا من التصنيع إلى الترويج والتسويق. لكن إذا عرف السبب بطل العجب، فالعديد من الشركات، وبيوت الأزياء العالمية تعتمد في كينونتها واستمرارها، على ما تجنيه من ورائها من أرباح. فهي التي تغذي صناعات الموضة الاخرى، وعلى رأسها الأزياء، التي لا تحقق الربح الكثير، إلا أن هذه البيوت تحرص عليها من باب "البريستيج". لكن الأغرب اننا نقع في الكثير من الأحيان، في فخ التسويق واسم الدار والحالة النفسية التي نكون فيها عند شرائه. من المتعارف عليه في لغة السوق ان أي عطر يطرح يستمد نجاحه من التوقيت المناسب، وصورة الدار، وليس أدل على ذلك من عطر "شانيل نمبر 5" الذي طرحته كوكو شانيل في عام 1921، في وقت كانت فيه المرأة تتوق إلى عطر بنغمات وردية مترفة، ومتاح، مما حقق لها نجاحا تجاريا كبيرا ما زالت تجني ثماره لحد الآن، إذا عرفنا انه في كل 30 ثانية تباع قارورة من هذا العطر في مكان ما من العالم. هذا النجاح لا يتعلق بهذه الدار أو تلك، بل بالعطر نفسه وخلاصاته، وما توحيه من أحاسيس وذكريات.
لهذا ليس غريبا ان تستغل الشركات وبيوت الأزياء هذه الحقيقة وتفاجئنا في كل موسم بعطر جديد تصرف للترويج له مبالغ خيالية تبدأ بعملية التصوير إلى تجنيد نجمة مشهورة لبيعه لنا بأسرع وقت وهكذا. خبيرة عطور شركة "لافوري" الفرنسية للعطور الخاصة، ميلاني بروت، تعلق على هذه الظاهرة بقولها بأن اختيار عطر مشهور يتناقض مع رغبتنا في الحصول على التميز. فنحن، من جهة نريد ان يكون عطرنا فريدا لا يشبه غيره، وفي الوقت ذاته، نلجأ للمضمون والدارج، أي المتشابه، فيما عدا بعض الاستثناءات عندما تطرح بعض هذه العطور بكميات محدودة. لغة الأرقام تشير إلى ان صغيرات السن أكثر ميلا إلى الدارج، عكس الناضجات، خصوصا من صفوف العارفات، اللواتي يبتعدن عن كل ما هو معروف، وفي مقدمته، العطور التي تنتجها أو تروج لها النجمات. تشير إميلي بروت الى أن هذه الشريحة تميل إلى الخاص جدا، كونها تتمتع بثقة تمنحها الجرأة على البحث عن الجديد والخلطات المختلفة. إذا كنت واحدة من هؤلاء وتفكرين في شراء عطر مختلف هذا الصيف، لكن لا تعرفين كيف أو من أين تبدئين، فلا تقلقي، إذ اصبحت هناك محلات وشركات متخصصة في صنع خلطات عجيبة تتناغم مع بشرتك أنت ولا أحد سواك. صحيح انه كان من الصعب الحصول لأي كان عليها في السابق، وتقتصر على فئة العارفات، إما لعدم توفر خدماتها قريبا منك، أو لأن أسعارها كانت تجعلها بعيدة المنال، إلا ان السبب الأول انتفى، بعد أن أصبح للعديد من الشركات فروع مترامية في جميع أنحاء العالم، بل وقد تتفاجئين بوجودها في ركن من أركان محلك المفضل. كما انتفى السبب الثاني لأن أسعارها ليست بتلك الخصوصية التي تتصورين، وليس أدل على ذلك من شركة "لافوري" الفرنسية، التي توجد في ركن هادئ في الطابق الرابع من محلات "هارفي نيكولز" اللندنية، بديكور يستدعي الصالونات الفرنسية القديمة، يجمع بين الأسلوب البوهيمي والباروكي، وتوفر لك جوا مريحا تساعدك فيه خبيرة متخصصة في صناعة العطور وخلطها على التوصل إلى عطرك الخاص الذي سيحسن مزاجك ويرفع معنوياتك، وفي الوقت ذاته يمنحك الشعور بالتميز الذي كنت تحلمين به، بمعنى ان كل صديقاتك سيسألنك عن اسمه، وسيكون جوابك ببساطة: "انه خلطة خاصة لا يعرف مقاديرها سواك". . . . تابع
دقائق معدودة مع ميلاني بروت، وهي خبيرة درست في مدينة "غراس" الفرنسية، وتعرف الكثير عن مستخلصات الزهور والتوابل والأخشاب والزيوت العطرية، تخرجين منها ليس بعطر فريد فحسب، بل بتجربة مختلفة، لا سيما وأنك ستكونين "أنفا" وطرفا في صنع الخلطة. الطريف كما تقول ميلاني، أنك قد تحضرين بفكرة مسبقة عما تميلين له من روائح، كأن تعتقدين ان ما يمنحك تلك النشوة هي خلاصات الفانيلا أو المسك، لتكتشفي ان ما تميلين له فعلا هو باقة من الورود بنغمات خفيفة من "التلك" تحملك إلى عالم الطفولة، وما توحيه لك من أمان. وقد تأتين في المقابل وأنت متأكدة انك ما يناسب بشرتك عطر قوي يبقى معك اليوم كله، لأن العطور الخفيفة تتبخر بسرعة، لتخرجي وأنت تحملين قارورة بعطر خفيف تدمنينها وتدمنك. وتضيف ميلاني ان الوقت الذي تستغرقه الجلسة لاكتشاف العطر المناسب قد تتباين بين 10 دقائق إلى ثلاث جلسات على مدى ثلاث زيارات، فهناك أشخاص يسعفهم الحظ ويتعرفون في الدقائق الأولى على ما يعجبهم، وهناك اشخاص لا يسعفهم الحظ في ذلك. لكن في كل الحالات، فإن النتيجة تكون رائعة إلى حد قد يستدعي الهتاف على طريقة أرخميدس: "وجدتها وجدتها. فالعطر عندما يكون شخصيا ويتناغم مع البشرة وباقي الحواس، يمكن ان يحسن من حياتنا". وتشجع ميلاني الزبائن، من الرجال والسيدات، على عدم التسرع، بل وتقول بأنه لا بأس من أخذ فسحة للتفكير في الإحساس الذي تخلفه خلاصة كل زهرة أو عصارة أي زيت من الزيوت العطرية، التي ستصبح خلطتك الخاصة، من باب ان التجربة "يجب ان تكون ممتعة وحميمة، لأن الفكرة هنا هي التوصل إلى عطر فريد ومميز، بغض النظر عن الوقت والجهد، وإلا ما هو الفرق بينه وبين عطر من الشركات المعروفة؟". لكنها تشير ضاحكة، انك يجب ان تكوني جد أنانية عندما يتعلق الأمر باختيارك، بمعنى ان تفكري بما يسعدك ويروق لك، وليس ما سيروق لغيرك، حتى وإن كان شريك حياتك، لأن رائحته ستبقى معك اطول، وبالتالي يمكن ان ترفع من معنوياتك أو تشعرك بالضيق. وهذه النقطة يركز عليها خبراء "لافوري" كثيرا، أي العلاقة بين العطر والأحاسيس المترسخة في الذاكرة. فهم يؤكدون ان ميلنا إلى عطور أكثر من غيرها متجذر في الطفولة ومرتبط ببعض الذكريات. فرائحة الفانيلا أو بودرة التلك، مثلا، ترتبط في أذهاننا بأيام الطفولة السعيدة، فيما تعود بنا روائح أخرى، مثل رائحة الأعشاب الندية، التي ما إن نشمها حتى يتفجر بداخلنا إحساس بالسعادة والحيوية لا نعرف كنهه، إلى مناسبات سعيدة، كنزهة ممتعة قمنا بها ونحن صغار. وخبراء "لافوري" ليسوا وحيدين في هذا الاعتقاد، إذ يذهب البعض الآخر إلى الاعتقاد بأن العطر قد ينجح في ما لا ينجح فيه العلاج النفسي أحيانا، خصوصا في ما يتعلق بالأنواع التي تحتوي على نغمات من الفواكه الحمضية، مثل البرتقال واليوسفي والمندرين والليمون، المنعشة.
- رشي العطر على نقاط النبض مثل الرسغين، وخلف الركبتين والكاحلين، واكتفي بالقليل منه. فقد تعتقدين خطأ بأنك كلما أكثرت منه، دامت رائحته أطول وتأثيره، بينما كل ما يفعله أنه يصيب من حولك بالانزعاج. كذلك الأمر بالنسبة للعطور الخفيفة، فهي لا تعني أن تأثيرها أقل من القوية، بل فقط أنها تحتوي على خلاصات تكون فيها نسبة الأزهار والفواكه أكبر من نسبة الأخشاب والتوابل