- 3. فعل العقل.
- ثانياً: الفرق بين الحلم واليقظة والنوم بلا حلم
- 0- تجربة النوم:
أولاً: النوم ما هو؟ وكيف ننام؟
النوم عملية استغراق داخلي وغيبوبة تفعل فيها النفس أكثر من العقل. وفي تعريفنا هذا إشارة إلى أمور ثلاثة:
1. عملية الاستغراق والغيبوبة.
2. فعل النفس.
3. فعل العقل.
يترتب علينا هنا أن نطرح السؤال التالي: كيف يكون النوم استغراقاً أو غيبوبة؟
في هذه الحالة، نفهم أن الفكر يتَّجه إلى الموضوعات الخارجية المحسوسة أو الملموسة. ويظل الفكر يقظاً ما دام يدرس موضوعاته، ويتدرَّج في فهمها، من أدنى مستوياتها إلى أعلاها، ويصنِّفها ويعبِّر عنها بحسب أشكالها ومفاهيمها، ويحاول أن يدرك تعقيدها. وتكون الحواس الخمس الوسائل الأولى المباشرة لتفكير الإنسان في حالة اليقظة. وعلى هذا الأساس، لا يتسنَّى للإنسان أن ينام وهو في حالة تفكير، إذ يظل العقل مشغولاً بحضور موضوعاته.
فلنتصور إنساناً جالساً في مكان هادئ جداً وهو يتأمل، أو يفكر، مسترسل في عالم عميق من الفكر. ويتصل تفكيره دون أن ينقطع؛. وفجأة تقع المشكلة: يتدخل عامل من عوامل تعويق اتِّصالية التأمُّل، فجأة يستيقظ المتأمِّل ويهلع أو يجفل... يبدو وكأنه مستغرق في غفلة. كان مستغرقاً في مستوى فكري متصل أرقّ من المستوى الفكري العادي اللامتَّصل. وفي غفلته، كان على وشك الدخول إلى نطاق الغيبوبة أو النوم. كان عقله مسترسلاً في عالم من الصور أو الشعور الداخلي. وفجأة، يعترضه موضوع يتدخل في تأمُّله ويعيده إلى حالته العادية.
نتساءل: ما هو هذا النطاق العقلي الأرقّ من النطاق الواقعي؟ وما هي تلك النشوة التأمُّلية أو العقلية الرقيقة؟ وما هو هذا الاسترسال الفكري المتَّصل غير المنقطع؟
يتجلى فهم هذه المسألة بالطريقة التالية: كان هذا الشخص مسترسلاً في تفكيره، متأملاً أو متداعياً، غير شارد.. لم يتدخل موضوع خارجي. وهذا يعني أنه كان مستغرقاً في ذاته، عبر صورة الموضوع، باتجاه الداخل، أو في تفكيره أو شعوره باتجاه الخارج، دون حضور الموضوع. ويعني أيضاً أنه كان في حالة فكرية أكثر رقة من الحالة الفكرية العادية أو الموضوعية الناتجة عن حضور الشيء. ففي هذه الحالة "الرقيقة" أو "اللطيفة"، أو الأكثر رقة ولطافة من الحالة الفكرية العادية، يستغرق الفكر في نشوة أو في تأمل، بمعنى أنه ينصرف عن موضوعاته أو يغيب عنها. وإذ يتدخل موضوع خارجي ، يعود تفكير الإنسان التأمُّلي إلى حالته العادية.
هكذا نعلم أن الإنسان يحقق حالة النوم باستمرار غيبوبته التأمُّلية هذه. وتكون هذه الغيبوبة اللامكتملة شبيهة بالنوم لأنها تمثل للعقل صوراً و مشاعر وأفكاراً لا تكون أشكال الموضوعات حاضرة فيها، إذ إنها تغيب جزئياً أو كلياً.
ثمة حالات أخرى تطرأ على الإنسان تشبه الغيبوبة بمعناها الحقيقي. وتكون هذه الحالات أشد علاقة بالنفس لأنها أكثر امتداداً أو أعمق اتصالاً بنطاق الروح. فإذا ما استمر الإنسان في التأمُّل، في حالة تنعدم العراقيل أو التداخلات الخارجية أو تقل، حقَّق حالة نفسية تكاد تبلغ به حد الانقطاع عن الإحساس بوجوده الخارجي على نحو فكر وموضوع. وتكون الغيبوبة على درجات، وتتناسب مع حالة الاستمرار في التأمل دون انقطاع، لتتحقَّق أخيراً في لامحدودية الزمان والمكان... في نطاق الروح.
تعتبر هذه الحالة أو الدرجة من التفكير حالة نفسية وعقلية أكثر عمقاً من التفكير العقلاني المشدود إلى الدماغ. ومع ذلك، لا ينفصل تفكير الإنسان أثناء الغيبوبة عن العملية النفسية لأنه يظل مسجِّلاً ومستودعاً ومنظِّماً لحالة الغيبوبة، ويتذكر الوضع التأمُّلي هكذا، يسمو العقل بسمو التأمل. ويستحق تسمية العقل الفوقي.
يمثل الإغماء، وهو المثل الثالث، حالة جسدية–نفسية . فلو أننا وخزنا شخصاً تعرض للإغماء لأحس بالوخز، وانتفض. فهولا يعي دماغياً أو عقلياً مؤثرات الوخز، إنما يتأثر نفسياً. وهنا تبدو الأعصاب على أتم استعداد للتأثر لأن النفس تبقى متيقظة بينما يغفل العقل عن واقعه وعن جسديَّته. ولذلك تنعكس ردود الفعل نتيجة لغفلة العقل عن عمله من خلال الدماغ. وفي حالة الإغماء، تبطل عملية العقل، وتعمل النفس المركزة في الأعصاب عوضاً عنه. ومع ذلك، تظل الأقسام السفلى من الدماغ متصلة بالواقع الجسدي. وهكذا، تبقى النفس يقظة وواعية، حتى وإن انعدم اتصالها مع الدماغ الأعلى.
1. النوم استسلام لعالم فكري جديد أو مختلف نوعاً ما.
2. النوم انقطاع عن عالم فكري ماضٍ نوعاً ما.
3. الحلم صلة بين العالمين المذكورين وتعبير عنهما.
4. النوم استغراق في عالم جديد.
تتحقق الحالات الأربع المذكورة على النحو التالي:أ. لا يتم النوم، في حالاته كلها، إلا بعد انقطاع عن عالم الموضوعات الخارجية. فالإنسان لا ينام مادام يفكر في موضوع.
ب. لا يتم النوم إلا بعد الاستسلام لموضوع داخلي أو باطني. فالإنسان لا ينام إلا بعد أن يسهو عن عالمه الخارجي أو ينصرف عنه.
ت. لا يتم النوم إلا بعد استغراق في العالم الجديد، ونعني، بعد الانقطاع التام عن عالم الموضوع وحضور الأشياء بأشكالها والولوج إلى عالم الداخل.
ثانياً: الفرق بين الحلم واليقظة والنوم بلا حلم
1. حالة اليقظة: تُعرَف حالة اليقظة بأنها تشمل التفكير والشعور في حضور الموضوعات الملموسة أو المحسوسة. وتُدرَك الموضوعات هذه من خلال الأعضاء الخمسة للإدراك الحسِّي.
2. حالة الحلم: تشمل، من وجهة نظر اليقظة، حالة التفكير والشعور فقط. ومع ذلك، نقول: إن الحالم لا يفكر بأنه يحلم لأنه، بحسب تجربته، يدرك الموضوعات الملموسة والمحسوسة أيضاً. وهكذا ينطبق تعريف حالة اليقظة على حالة النوم.
3. مقارنة أولى بين حالتي اليقظة والحلم: عندما نقارن بين الحالتين لا نجد فرقاً جوهرياً بينهما. ويمكن أن يظهر الفرق عندما نعتبر الأحلام من وجهة نظر اليقظة. وعلى أساس هذه النظرة، تكون اليقظة وحدها تجربة حقيقية. ولدى الاستيقاظ نعلم أن عالم الحلم، بالإضافة إلى الجسد الحالم الذي أدرك عالم الحلم بحواسه، كان نتاجاً عقلياً. عندئذٍ نتساءل فيما إن كانت أفكار الإنسان المستيقظ وتجربة الحلم متساوية أو متماثلة.
4. مقارنة بين التفكير وحالة النوم: يُعتبَر التفكير مختلفاً عن حالة الحلم من نواحٍ عديدة – هذا على الرغم من معرفتنا بأن كليهما نشاط عقلي. وهذه هي بعض الفروق المزعومة:
أ. يُقال إن الأحلام تُشتَق من تجربة اليقظة، ولكنها لا تتميَّز عنها. وإذا كان الأمر على هذا النحو، فإن هذا القول ينطبق بالتساوي على الأفكار التي تحدث في عالم اليقظة.
ب. يقال إن بعض الأحلام تُستمَدُّ من موضوع خفي للانطباعات يسميه علم نفس الأعماق "العقل الباطن" أو اللاوعي . وإذ نفترض وجود عقل باطن نفترض أيضاً وجود بعض الأفكار.
ت. يقال إن الجسد الحالم والعقل الحالم يفعلان أو يفكران في الأشياء التي يقدر أن يعقلها أو يفكر فيها الجسد المستيقظ أو العقل المستيقظ. ويكون هذا صحيحاً بالنسبة للأجساد وليس بالنسبة للأفكار.
ث. إذ يبدو التفكير في حالة اليقظة بأنه إرادي أحياناً ولا إرادي أحياناً أخرى، يبدو الحلم، من وجهة نظر المستيقظ، لا إرادياً على نحو دائم. ويُعَدُّ هذا القول خطأ، وذلك لأن دخولنا إلى حالة الحلم لاإرادياً يعني دخولنا إلى حالة اليقظة لاإرادياً أيضاً. ولكن يبدو أننا نختار أفكارنا في الحلم وفي اليقظة على السواء.
ج. يُفترَض أن الوقائع التي تحدث في الأحلام تشغل وقتاً أقصر من وقائع مماثلة لها تقع في تجربة اليقظة. والحق هو أن هذا الافتراض يجعلنا نساوي بين مفهوم الزمن في إدراكنا للموضوعات الملموسة وبين مفهومه لدى تفكيرنا فيها عندما يوجد مفهومان مختلفان. فنحن لا نحتاج إلى زمن لنفكر بحادثة ما خاصة في حالة اليقظة أكثر مما نحتاج لأن نحلم بها. لكننا، إذا قدرنا أن نقسم حالة اليقظة إلى تفكير وإلى إدراك الموضوعات الملموسة، يجب علينا أن نطبق التمييز ذاته على حالة الحلم، لأن تجربة الفكر الحالم هي تجربة الفكر المستيقظ – تجربة تنقسم، بالطريقة ذاتها، إلى مفهومين متميزين للزمن. وهكذا لا يوجد اختلاف هام بين التفكير والحلم عندما نأخذ تجربة الزمن بعين الاعتبار.
5. تساوي التفكير والحلم: تساعدنا هذه الاعتبارات على التحقق من تساوي التفكير والحلم: فهما حالتان لنشاط عقلي. وإذا ما وُجِد أي اختلاف على نحو مفصَّل فلن يكون سوى اختلافاً بين نموذج فكر ونموذج فكر آخر.
6. مقارنة أفضل بين عمليتي اليقظة والحلم: رأينا كيف يكون التفكير والشعور وإدراك الموضوعات الملموسة والمحسوسة نشاطات يشترك فيها كل من تجربة اليقظة والحلم. وهذه النشاطات، يُرى كل منها من جانبه الخاص. لكننا، بدخولنا حالة اليقظة، نجد أن الحلم لم يكن إلا نتاجاً عقلياً في كل مظهر من مظاهره. ومع ذلك، كانت حالة الحلم يقظة للحالم. وعلى هذا الأساس، نتساءل: ما هي الأسباب التي تجعلنا نفترض أن اليقظة الحاضرة ليست إلا نتاجاً عقلياً كالحلم؟
نحن نعلم أنه ليس للموضوعات المحسوسة وجود مستقل. إنها توجد أفكاراً في عقل المدرِك. وهكذا يكون التمييز بين العقل والمادة غير حقيقي، تماماً كما يكون التمييز بين الفكر وإدراك الموضوع الملموس غير حقيقي. وإذا وافقنا على ما نقوله، فلا يعني كوننا مستيقظين شيئاً – هذا، لأنه لا توجد حالة هي اليقظة: الكلُّ حلم. وتكون تسميتُنا للحلم من وجهة نظر اليقظة تسمية خاطئة.
7. الحاجة إلى تعريف التجربة الموضوعية: إننا نفكر في حالة اليقظة وفي حالة الحلم من خلال روح واعية، فردية وغير متبدِّلة، تتخلل تجربتنا الموضوعية كلها وتضيئها. وإذ لا يوجد اختلاف بين حالة تجربة موضوعية وحالة أخرى، فمن الحق أن نوجد اصطلاحاً يساعدنا على وصف كل الحالات التي يكون العقل فيها نشيطاً.
8. الثنائية: اليقظة والحلم حالتان لنشاط عقلي واحد. أما صفات هذا النشاط فهي حضور عارف ومعروف، مفكِّر وفكر، أحدهما يُغني الآخر. ويُعرَّف النشاط العقلي بأنه حالة تعني ثنائية الفكر والموضوع.
9. النوم بلا حلم: هو تلك الحالة التي تختفي فيها الثنائية الظاهرية للفكر والموضوع. وتقوم صفته السلبية على انعدام النشاط العقلي الذي يتضمن التفكير والشعور والإدراك الحسي. أما من وجهة نظر خاصة، فإن النوم بلا حلم يتصف بالإيجابية. وهكذا، لا يكون انعدام النشاط العقلي ميِّزته الحقَّة. وينتج عن هذا ما يلي: عندما نتكلَّم عن النوم بلا حلم وعن غياب النشاط العقلي ونقول، لدى الاستيقاظ، إننا نمنا بعمق ولم نعرف شيئاً، يعني أننا ننظر إلى هذه الحالة فقط من وجهة نظر الثنائية. وخلاصة لهذه المقارنة نقول: إن النوم بلا حلم حالة لامعرفة. لذا، لا يمكن تطبيق أي اصطلاح إيجابي لتجربة يقظتنا على تجربة نومنا. ومع ذلك، توجد مظاهر إيجابية ثلاثة للنوم تساعدنا معرفتها على معرفة طبيعته الحقة.
0- تجربة النوم:
أ. لا نتوقف عن الوجود ونحن نائمون – هذا، على الرغم من أن كل تجربة فردية أو موضوعية تكون قد اختفت. فالنوم بلا حلم هو حالة الكيان اللامشروط؛ ونعني أن المبدأ الذي يعلو الصفات والحوادث الخاصة بالموضوعية يبقى في حالة النوم.
ب. نعي بعد الاستيقاظ أننا قد نمنا بعمق. هذا، على الرغم من أن انعداماً كهذا لا يُختَبَر أبداً. فالنوم العميق هو حالة اللاثنائية. وبقولنا هذا، نقصد أن مبدأ الوعي يبقى دون أن يبدو أنه يتخذ ثنائية فكر واعٍ وموضوعه. والحق هو أن العقل لا يكون غائبا كلِّياً، وإلا فإن الإحساسات لا تثير النائم.
ت. إننا نستمتع بالنوم العميق. فهو إذن حالة الاكتفاء الروحي. وتشبه هذه الحالة الفترة الزمنية التي تفصل بين فكرتين
1- مقارنة أخيرة بين اليقظة والحلم: يُعَدُّ الحلم استمراراً لليقظة وتجاوزاً لها، وتمثل عملية الاستمرار دوام الوجود الإنساني في حالته الراهنة، أي الواقعية، ودوام الوجود الفكري دون الموضوع. ولا تُعَدُّ هذه الحالة الثنائية منافية لحالة اليقظة، وذلك لأنها تتجاوزها وتسمو عليها. كل عملية تجاوز أو تسامٍ فوق عقلية أو نفسية لا تعتمد على الموضوع بل على صورته، تماماً كما يفعل الفكر في صوره بعد طرح الموضوعات أو عدم استعمالها. ويظل الفكر يعمل في وجوده، في النوم كما في اليقظة، دون الاعتماد على المحسوسات المباشرة وهذا ما يساعده على التعمق في حالة النوم أو الحلم. فما هو الحلم؟
الافاده الرائعه وفعلا اشكرج
على هالمعلومات القيمه
عن النوم
دمت لنا حبيبتى بخير
\
/
اختج فى الله مس موون