- يقول :
السلآم عليكم ورحمة الله وبركاته ..
صباح / مسآء اليآسمين
ôô
شَيْخٌ طاعِنٌ في السِّنِّ ، وبِيَدِهِ قَلَمٌ يَئِنُّ ،
مِنْ لظى المَصائِبِ والمِحَنْ
التي تتوالى عَبْرَ الزَّمَن
أَتْرُكُكُم مع القِصَّة
القِصَّة تدور أحداثُها بين شَيْخٍ وقَلَمه :
يقول الشيخُ :
حَمَلْتُ القَلَمَ وأَمَرْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ ما يَدورُ في خوالِجِ نَفْسِي
فأَعْلَنَ العِصْيانَ والتَّمرُّد على سَيِّدِهِ مُطالِباً برواتِبَ ومُسْتحقَّاتٍ
فقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ أَعْلَمُ مِنِّي بِحاليَ البَئيسَةِ والمُزْريَةِ
فلُقْمَةُ العَيْشِ لا تَدْخُل بطنِيَ باليومينِ والثلاث
وليسَ لِيَ إلاَّ تلك الوُرَيقاتُ التي تُقَبِّلُها وتَنْثُرُ
فَوْقَ وجْنَتِها شتَّى قَصَص الحُبِّ والهِيامِ والغَرام
وما يُعَكِّرُ صَفْوَها مِنَ العِتابِ والحِرْمانِ والخِصامِ
فكيف تُريْدُ أَنْ أُعْطِيَك مُسْتَحقَّاتِك أَيُّها القَلَم ؟
~،~،~،~،~،~،~،~،~،~
فأجابَهُ القَلَمُ : أيُّها العَجُوزُ الهَرِمُ
لَمْ تَفْهَمْ قَصْدِي ولم تَعْرف بُغْيَتِي
~،~،~،~،~،~،~،~،~،~
كُلُّ ما أُريدُه مِنْك يا سيِّدي / يا أُنْس قَلْبِي ومُرادَ جوانِحِي
أَنْ تُمْسِكَ بِي وتَكْتُبَ لنا عَنْ قِصَّة تِلْك الفتاةِ التي :
مَزَّقَتْ قَلْبَكَ في صِغَرها ، ولا زالَتْ صُورَتُها
عالِقَةً في ذِهْنك ، ولم تُغادِرْ خَيَالَكَ مُذْ رَأيْتَهَا
لم تَنْسَ مَبْسَمَها ، والفرحةَ التي تَزْرَعُها
بين بساتِيْنِ الضُّلُوع
فما كانَ مِنَ العَجُوزِ إلا أَنْ صَرَخَ في وَجْهِ القَلَمِ
قائِلاً : كفى كفى كفى .
أَحْرَقْتَ القَلْبَ بِذِكْرها ، فكيف سيَقصُّ الفُؤَادُ قِصَّةَ عِشْقِها
~،~،~،~،~،~،~،~،~،~
وأَمْسَكَ العَجوزُ القَلَمَ مَع عُنُقِه ، وبَدَأَ سَرْدَ تَفَاصِيْلِ القِصَّة :
~،~،~،~،~،~،~،~،~،~
في صَباحِ يومٍ مِنَ الأيَّامِ ، بَعْدَ تغريدِ الطُّيورِ
وشَدْوِ البلابِلِ ونَوْحِ الحمامِ ، وتَفَتُّحِ الزهورِ
فوق ديارِ مَنْ قَلْبِي بِه يَصْبُو
وله يَئِنُّ مِنْ اللوعة والغرام
ابْتَدأَتْ قِصَّةُ العِشْقِ
كُنَّا فَرِحين بِيَومِ العِيْدِ أَشَدَّ الفَرَحِ إِذِ الأَقاربُ مُجْتمعون
فقرَّر جميعُ الأقَاربِ السَّفَرَ ، والخُروجَ عنْ ضَّجِيْجِ المدِينة
إلى روعةِ الطَّبِيْعَة ، حيثُ لا إِزْعاجَ ولا مَشاغِلَ ولا مُلْهِياتٍ
نُريد فقط : التَّفرُّغ للمرحِ والفَرَحِ وانشِراحِ الصَّدْر
لكنَّنِي لَمْ أَكُنْ أَعْلَمُ أَنَّ هذه الطَّلْعة البريَّة ستكونُ سَببَ شقائِي
فقد كان الأَطْفالُ يرتعون ويمرحون
وكنت أنا أناظر
وهي إحدى قريباتي لم أَرَها إلاَّ في ذلك اليوم
رَمَقْتُها بعينَيَّ
فانجَذَبَتْ عينايَ لِعيْناها أَحْسَسْتُ روحِيَ بَدَأَتْ تَخْرُجُ مِنِّي
كُنَّا وَقْتَها صِغاراً لا نَعِيْ مَعْنى هذهِ الجاذبيَّة
انقَضَتْ الرحْلَةُ في ثوانِي كما هي عادةُ اللحظاتِ الجميلةِ
ترحلُ في لَمْحِ البصر ، وكأَنَّنا ما جلسْنا إلاَّ على الفَورِ للذَّهابِ قُمْنَا
وبَعْدَ انتهاء الرِّحْلة البريَّة ، وذهابِ كُلِّ مِنَّا إلى بيتِه
لَمْ أَنَمْ تِلْك الليْلَة ؛ لأَنَّها :
لَمَّا رَحَلَتْ
كُلُّ رُوحِي رَحَلَتْ بِرَحِيْلِها ، إحساسِي ماتَ تِجاهَ أَيِّ شيءٍ سِواها
كانَتْ مَلاكي
كانَتْ ساحِرةَ قَلْبِي
كانتْ لي هيامَ أَشْجانِي
كانتْ نورَ دَرْبي
انطفأَ مَعْ رَحيلِها كُلُّّ نَبْضِ حياة
لَمْ أَرَهَا بَعْدَ تِلْكَ الليْلَة في أَيِّ مُناسَبةٍ ، وكأنَّها عَنِّي اختَبأَتْ
أَتُرَاها كانَتْ مُجرَّدَ طَيْفِ خيالٍ عَبَرَ عَلَى جوانحِ فؤادِي ؟
أَمْ حُبَّاً سَكَنَ في الحُجُراتِ وأَنَّى لَهُ أَنْ يَخْرُجَ ؟!!!!!!!!
لَمْ تَنْتَهِي المعَاناةُ بهذا الحَدِّ
أَصْلاً إلى هنا لَمْ تَبْدأْ بَعْدُ
&&&&
انشغَلْتُ بالدِّراسَة عن التَّفْكيرِ فِيها
وأَصْبَح هَاجِسُ بِنَاءِ مُسْتَقْبَلِي
هو الذي يَلُوح في أُفُقِ خَيالِي ، وبعدَ أَنْ دَرَسْتُ ثُمَّ تَوظَّفْتُ
وأَحْسَسْتُ بِأَنَّ الوقْتَ قَدْ حَانَ للبَحْثِ عَنْ تِلْكَ العَشِيْقةِ
التي لم أَنْسَ خَيَالَها فهو يُداعِبُ أجفانِيَ صَباحَ مساء
عَشِيْقَةٌ يَسْرِي حُبُّهَا في شرايين القَلْبِ
أَعْشَقُهَا إِلَى حَدِّ الثَمالَةِ ،
ومِنْ كَثْرَةِ تَعَلُّقِي بِها :
لَمْ أَذُقْ لَذِيذَ النَّوْمِ مِنْ هِيامِي
لَمْ تَرْتَسِمْ بَسْمَةٌ على شِفَاهِي
مِنْ لَظَى حُبِّها ذُقْتُ المآسِي
~،~،~،~،~،~،~،~،~،~
ولَكِنْ شَاءَتْ الأَقْدارُ :
أَنْ كُتِبَ لقائِيَ بِها صُدْفَةً بِلا مَوْعِدٍ
فَقَدْ أُصِبْتُ مِنْ شِدَّةِ الهُمُومِ وتَكالُبِ الغُمُومِ
بِنَوبةٍ قَلْبيةٍ مُفاجِئةٍ باغَتَتْنِي فِي مَقَرِّ عَمَلِي ،
فَنُقِلْتُبِسيَّارة الإِسْعافِ إلى أَقْرَبِ مُسْتَشْفى
لا تَبْعد عَنْ مَقَرِّ عَمَلِي بِضْعَ كيلومتراتٍ
~،~،~،~،~،~،~،~،~،~
كُنْتُ لا أَدْري حِيْنَها عن أَيِّ شيء ، ولكن أَخْبَرني أحدُ الزملاءِ عن ما جرى لي
يقول :
(( حِيْنَ وُصولِك إلى المُسْتَشْفَى أدخلُوكَ غُرْفَةَ الإنعاشِ لسُوءِ حالتِك التي تتطلَّبُ التدخلَ السريعَ ، حاولوا إنعاشَ القَلْبِ بالصَّدْمةِ الكهربائيةِ لكن لم تُفْلِحْ تِلْكَ المُحاولاتِ ، فدخل اليَأْسُ قُلوبَنَا جميعاً فإِذا بإحدى الطبيباتِ تَقُومُ بإِجْراءِ إِنْعاشٍ يدويِّ لِقَلْبك المُتْعبِ فَرَجَعَ القَلْبُ إلى نَيْضِهُ ، ففرحنا أَشَدَّ فَرْحَةٍ ثُمَّ تَمَلَّكتْنَاجميعاً الدَّهْشَةُ والاستغرابُ ما هذه اليد التي أَحْيَتْ فُؤَادَاً كانَ شِبْهَ مَيِّتٍ ؟!؟!؟! )) ا.ه
تصوَّرْ أَيُّها القَلَمُ كانتْ تِلْكَ اليَدُ يَدُ المعْشُوقَةِ والحبيةُ هوى النَّفْسِ ومرادَ القَلْبُ
حُلْمٌ ما أَنَا فِيْهِ أَمْ حَقِيقةٌ ؟!
فأجرَتْ لِي عمليَّةً في القَلْب ، لم تَكُنْ يَدُها مِشْرَطَ جَرَّاح بل بَلْسَمَاً للجِراحِ ،
فُقْتُ مِن العمليَّة بدأتْ صِحَّتِي تتحسَّنُ رويداً رويدا ، كانَتْ تَرْعانِي بِكُلِّ اهتِمامٍ
ولم تَعْلَمْ بَعْدُ أنَّنِي أنا الذي عَشِقَها مُنْذُ الصِّغَر .
لاحظَتْ تشابهَ الأسماءَ أدْركَتْ حِيْنَها أَنَّنِي قَرِيْبُها ، فافتكرَتْ تِلْكَ الرحلةَ
التي كانَتْ عينانا تتعانَقَان في كُلِّ لَحْظَة .
بِما أَنَّ الحَظَّ قد ابتَسَمَ لي والتقيْتُ بِعَشِيقَتِي ،
أعْلَمْتُهَا بِحُبِّيَ لَها ، وَأَنَّنِي مُذْ رأَيْتُها لَمْ أَعْشَقْ غَيْرَها ،
فهي الوَحيدة التي امتَلَكَتْ قَلْبِيَ وأسَرَتْهُ ، هي الوحيْدَةُ
المُسْتَحقَّة لدَلالِي والْتياعِي وشوقِي وهِيامِي ،
ما رأيُك بأَنْ نَتَزوَّجَ
ونجعلَ قَلْبِيَ يَلْتقي بِقلْبِك
وروحي تَمْتَزِجُ بِرُوحِك ،
ونطفئَ النَّار التي تَسْعُر .
قالَتْ : سأُفَكِّر .
قُلْتُ لها : حَرَامٌ عَلَيكَ بَعْدَ كُلِّ هذه المَشاعِرِ التي أفْصَحْتُ لَكِ بِها تَطْلُبِيْنَ مِنِّي التَفْكِير .
قالَتْ : لَيْسَ الأَمْرُ بِيَدِي ، بَلْ بِيَدِ أَبِي .
قُلْتُ : لا بأَسَ ، سأََزوركُمْ في البيتِ وأَطْلُبُ الزواجَ بِكِ مِنْ أَبيكِ .
وبعد ذهابي قابلْتُ أَباها ، وبعد أَنْ أعْلَمْتُهُ بِرغَبَتِي في الزواجِ مِن ابنَتِه
بَدأَ بِسَرْدِ أَسْئِلَةٍ ، منها :
مَنْ هو أبوك ؟ وماذا كان يعملُ ؟ وكم عمارة عنده ؟ وكم سيَّارة ؟
لو لكم يَكُنْ أَبِي في قَبْرِه – رحمه الله - لَخِفْتُ أَنْ يُزوِّجْها له ؛ لِكثْرَةِ أَسْئِلَتِه عَنْهُ
دَبَّ الخَوفُ في جَسَدِي ، وبدأْتُ أَشْعُرُ أَنَّ أباها رجلٌ سيكونُ عقبةً في طريْقِ زواجنا ،
فِعلاً وَضَعَ مِئاتِ العراقِيْل كي لا يَجْتَمِعْ قَلْبي بقلبِها .
وفي نهايَةِ المطافِ
خرجْتُ مِنْ بيتِهم وأنا مُتَأكِدٌ
أَنَّ قَلْبَها يُنادِي قَلْبِي
فدمها دَمِي
ودمِي دمها
آآآآآآآآآه
يا لَقَسْوَةِ قَلْبِ ذلك الأَبِ
رَحَلْتُ
ودُمُوْعُ عَيْنِيَ تَذْرِفُ
وضُلُوْعُ قَلْبِيَ تَنْزِفُ
صَرَخَاتُ الأَلَمِ طَغَتْ
على وَجْهيَ ومَلامِحي
أصبحَ الهَمُّ رفيقَ دَرْبِي
شَكَوْتُ تِلْك القَسْوة إلى كُلِّ شيءٍ
إلى البَحْر فقال عَنِّي ارْحَلْ
وإلى الصَّخْرِ فما اسْتَحْمَل
&&&&
أهْمَلْتُ العَمَلَ حتَّى فُصِلْتُ مِنْه
هجرْنِي أصدقائِي لأَنِّي في كل مَجْلِسٍ
أَتَنَهَدُ على تِلْك المَحْبُوبَةِ فضَاقُوا ذَرْعاً بِي
&&&&
كُنْتُ مِنْ شِدَّةِ عِشْقِيَ لها أَذْهَبُ في كُلِّ صباحٍ
أَقِفُ عِنْد المُسْتَشْفى فقط لأراها وأطمئِن على صِحَّتِها
ليفْرحَ قَلْبِي ويسْتعيِدَ نشاطَهُ برؤيتِها وارتِشَافِ نَسِيمِها
وفي يومٍ مِنَ الأيَّامَ جَمَعْت قُوايَ وذهبْتُ مرة أُخْرى أَطْلُبُ يَدَهَا مِنْ أبيها
خاصة أني عَلِمْت أَنَّها لَمْ تتزوج بَعْدُ ، وكانَتْ المُفاجأَةُ .
(( والِدُها قد انْتَقَلَ إِلَى رَحْمَةِ الله ِ ))
فقلْتُ فِي نَفْسِي إِذَاً الأُمورُ الآنَ تُبَشِّر بأَنَّ الموافقةَ
على زواجِنا باتَتْ قريبةً ولكنَّ :
كانَتْ الطَّامَةُ الكُبْرَى والفَاجِعَةُ العُظْمَى
أوصَى أبوها قَبْلَ مَوتِها
بعدَمِ زواجِي مِنْها
فهذا القاسي
ما رَحِمَ وهو حي كذاكَ لَمْ يَرْحَمْ وهو مَيِّت
&&&&&
كانَتْ الصَّدمةُ أكبرُ مما أَنْ يَتَحمَّلَها قَلْبِي
أَحْسَسْتُ حِيْنَها بِأَنَّ
أَبوابَ وِصالِ تِلْكَ المحبوبة والعشيقة قد أُقْفِلَتْ
وعليها حَرَس عَتِيدٌ هو قساوةُ أَبٍ
ولكن بقيَ لي عَزاءٌ
و ا ا ا حد
صحيحٌ ما تزوَّجنا
لكن يكفي
أَنَّ بالحُبِّ اندمَجْنَا
روحٌ عَشِقَتْ روحاً
فَصارَتا
روحَيْنِ في جَسَدٍ
&&&&
فقال القَلَمُ قِفْ
لقد احمرَّت عيناي مِنْ ذَرْفِ الدُّمُوع
سأسْكُبُ العَبَراتِ على خدِّيَ الجَزُوع
لَمْ أتوقعْ كُلَّ هذه المَصائِب
في قَلْبِكَ
قال الشيخُ له :
أَيُّها القَلَمُ
لا تَبْكِي
لا تبكي
لا تبكي
فما زالَ للمصائِبِ بَقيَّة
..
اعجبتني ونقلتهآ
تشكرات يالغلا