- بسم الله الرحمن الرحيم
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسرني أن أروح إلي قريتي لقصة قديمة علمتني درسا وأمتعتني بملاحظاتها وثنياها، أذكر ابني عبد الرحمن قبل سنوات.. اسألوني كم سنة.. قبل سنوات لما دخل المدرسة الصف الأول الابتدائي وكان أول ابن لي يدخل الصف الأول الابتدائي، الابن الأول ولأول مرة يدخل الصف الأول الابتدائي، أخذته وذهبت معه إلى المدرسة في اليوم الأول ودخلت معه إلى فناء المدرسة وهو طبعا يلوذ بي ويمسك بقدمي اليمين مرة وقدمي الشمال مرة ويدمع مرة ويبكي مرة.. وأنا جالس في فناء المدرسة وأرجوه أن يذهب وينطلق مع زملائه الطلاب، المعلمين كذلك يوزعون الحلوى ويدعوه أن يكون مع زملائه الطلاب وهو خائف وجالس بجواري، أول ربع ساعة كانت عملية جميلة، الربع ساعة الثانية أصبحت العملية مقلقة لأني عندي عمل وعندي ارتباطات ومواعيد.. إلى متى يا عبد الرحمن ستبقى بهذا الوضع، بالكاد لما استطعت أن أتخلص منه، ساعة.. ذهب إلى أصحابه الطلاب وحاولت أن أخرج سرا ما وصلت باب المدرسة حتى سمعت الصراخ والبكاء.. بكاء عبد الرحمن في ساحات المدرسة.. رجعت مرة أخرى.. إيه القصة عبد الرحمن ملأ وجهه من الدموع، اضطررت أن آخذ مقعدا وأجلس واطمئن وأقول أنا موجود، وذهب مع زملاءه وجلس معهم في ساحة المدرسة وكل لحظة وكل ثانية ينظر إلي ويراقبني وكل ما أحرك يدي يقول قام ويرصدني، وعلى هذه الطريقة أتعبني نفسيا وأمضيت النهار وأنا جالس بين أطفال في الصف الأول الابتدائي، وراقبت كل مسيرة ذلك اليوم..
لم تنته المشكلة، في اليوم الأول اضطررت للعودة إلى المدرسة، في اليوم الثاني.. إلى متى ستستمر هذه المهزلة يا عبد الرحمن جالس أنا اليوم الثاني وأتساءل وأقول: يا ترى هل سآتي اليوم الثالث وأجلس معه في اليوم الثالث أيضا بينما كان الحال كذلك، رجعت بذاكرتي وتذكرت نفسي لما رحت الصف الأول الابتدائي، فقلت والله سر، لماذا يا عبد الرحمن ما طلعت مثل أبيك اللي أنا طبعا وأمدح نفسي بيني وبين نفسي في تلك المرحلة، تذكرت لما رحت الصف الأول الابتدائي ودخلت واثق من نفسي رابط الجأش وصدري إلى الأمام ورأسي فوق وداخل إلى الصف الأول الابتدائي وبجواري صديق اسمه إبراهيم ... إبراهيم كان جالس جنبي علي المقعد وكان جارنا ساكن بجوار بيتنا، إبراهيم بكى وصل للصف الأول بكى إبراهيم، فخرجت في ثقة وقلت للأستاذ يا أستاذ تسمح لي آخذ إبراهيم أوديه عند أمه في البيت، فالأستاذ قال نعم ودي إبراهيم لبيته، فأخذت إبراهيم وطلعت من المدرسة ورحت وأنا معه البيت وطرقت الباب وسلمته إلى أمه، وبعدين وأنا راجع ذهبت إلى بيتنا وطرقت باب البيت، خرجت والدتي.. إيش طلعك من المدرسة؟ قلت لا أنا جاي أوصل إبراهيم لأنه كان يبكي في الفصل وأنا رجعته بيته.. وعدت إلى ذلك الفصل في ثقة!قلت ما الفرق بيني وبين عبد الرحمن؟ وأنا أسأل نفسي تذكرت أن والدي في صباح اليوم الأول عند ذهابي للصف الأول الابتدائي أفطر معنا في الصباح وقال يا مريد خليك راجل وروح إلى المدرسة، ما حملني معه في سيارته ولا ذهب معي إلى الصف، ولا وقف معي في الساحة، ولا منحني العاطفة التي أفقدتني ثقتي في نفسي، وإنما منحني عبارة ثقة وكان هو واثق من أنني أستطيع هل كان سلوك والدي تجاهي في تلك المرحلة هو الذي خولني لأن أكون واثقا من نفسي، كان يمتلكني شعور قوي بأنني سأستطيع أن أكمل اليوم الأول بثقة عالية، وانتقل تلك الشعور إلي، فكنت كذلك، ترى هل أنا اليوم لخوفي على عبد الرحمن ابني الصغير وحبة قلبي وفلذة كبدي وخوفي عليه هو اللي نقل له طاقة سلبية وتلك الطاقة السلبية أفقدته ثقته في نفسه؟ هكذا ينبغي علي أن أمنحه كل ذلك الحنان الذي منحته إياه وأن أجعله يلوذ بي ويمسك بقدمي اليسار مرة وبقدمي اليمين مرة، أو أنه كان أن الذي ينبغي علي هو أن أعمل كما عمل معي والدي أن أمنحه كثيرا من الثقة وأن أعرضه للتجربة الكاملة حتى يستطيع أن يكون أفضل في ذلك الموقف.تعلمت درسا من والدي الذي لم يقرأ كتبا في التربية ولم يقرأ كتبا في علم النفس، ولم يدخل في أعماقها، ولكنه كانت بتجربة استفدت منها في تلك اللحظة ثم بحثت فيما أعززها فيما يعززها الدراسات ووجدت أن الثقة التي نعتقدها عن أبنائنا والثقة التي نتوقعها لهم تنتقل إليهم من خلال طاقة مشاعرية تجيش في نفوسنا وتصل إلى نفوسهم، فيكونون كما نعتقد عنهم إذا اعتقدنا عنهم أنهم سيكونون واثقين سيكونون كذلك، إذا اعتقدنا عنهم أنهم سيكونون رائعين ممتازين، سيكونون كذلك، وإذا توقعنا أنهم أشقياء أو مشاغبين وكسالى عابثين وغير مسؤولين سيكونون كذلك، كل ما نحن بحاجة إليه بعد هذه القصة التي تحدثت فيها عن ابني عبد الرحمن وقد أصبح الآن واعيا وهو يستمع إليها، وآمل أن يستفيد منها في تربية أبنائه، كل ما نحتاج إليه مزيدا من الثقة نمنحها لأبنائنا، ومزيدا من التوقعات الحسنة نعطيهم إياها. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل أولادنا وبناتنا قرة عين لنا، وأن يجعلهم كبارا يعملون لصالح أمتهم ويسعون في سبيل خيرها، وألقاكم أحبة في يوم قادم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منقول من ايميلي